الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
28 -
الكلم الطيب (1).
29 -
الكيلانية (2).
30 -
مقدمة في أصول التفسير (3).
31 -
منهاج السنّة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية (4).
32 -
النبوات (5).
ثامناً: جوانب أخرى في حياة شيخ الإسلام:
ما زالت العظمة تحوط بشخصية شيخ الإسلام من جميع جوانبها،
= العقود الدرية (32): "وقاعدة فيما يتعلق بالوسيلة بالنبي صلى الله عليه وسلم والقيام بحقوقه الواجبة على أمته في كل زمان ومكان، وبيان خصائصها التي امتاز بها على جميع العالمين، وبيان فضل أمته على جميع الأمم"، وقد طبعت منفصلة أكثر من مرة، ومنها طبعة المكتب الإسلامي ببيروت سنة (1390 هـ)، وطبعة بتاريخ (1409 هـ)، بتحقيق د. ربيع المدخلي.
(1)
قال عنه ابن محمد الهادي في العقود الدرية (46): "وله مختصر في الكلم الطيب، جمع فيه الأذكار المستعملة طرفي النهار وغير ذلك .. "، والبزار في الأعلام العلية (12)، وقد طبع عدة طبعات محققة، منها طبعة بتحقيق الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله سنة (1385 هـ)، أخرجه بعنوان: صحيح الكلم الطيب، وأخرى بتحقيق الشيخ محمد القادر الأرناؤوط سنة (1403 هـ).
(2)
ذكرها ابن القيم في أسماء مؤلفات شيخ الإسلام ص (20) رقم (1)، وابن عبد الهادي في العقود الدرية (27)، وهي ضمن مجموع الفتاوى (12/ 323 - 501).
(3)
وهي ضمن مجموع الفتاوى (13/ 329 - 375)، وقد طبعت عام (1391 هـ) بتحقيق عدنان زرزور.
(4)
قال عنه ابن عبد الهادي في العقود الدرية (22): "ومنها كتاب منهاج السنّة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية، في ثلاثة مجلدات، وبعض النسخ في أربعة مجلدات، رد فيه على ابن المطهر الرافضي، وبين جهل الرافضة وضلالتهم، وكذبهم وافتراءهم .. "، وذكره ابن رجب في الذيل (2/ 403)، وقال: إنه في أربعة مجلدات.
وقد نشرته جامعة الإمام محمد بن سعود سنة (1406 هـ)، بتحقيق د. محمد رشاد سالم رحمه الله في تسعة مجلدات.
(5)
ولعل هذا الكتاب هو ما أشار إليه ابن عبد الهادي في العقود الدرية (48)، حيث ذكر أن من مؤلفات شيخ الإسلام قاعدة في تقرير النبوات بالعقل والنقل وقد طبع هذا الكتاب في دار الكتب العلمية في بيروت سنة (1402 هـ).
ويأتي الكلام باقتضاب عن جوانب هامة أخرى في حياته -وإن كانت خاصة بشخصيته- لم يتكلم عنها قبل ذلك في هذه الترجمة.
ولا يستطيع المطالع لحياته رحمه الله إلا أن يجزم بعظمة دين الإسلام، الذي ما تمثله أحد من الناس في حياته، إلا جاء بما يبهر العقول والأبصار، ويكون قمة عالية في هذه الحياة، وقدوة رائعة في الواقع، فكيف بعالم من العلماء! ! .
وشيخ الإسلام حياته من مبتدئها إلى منتهاها تفسير لقول الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} [الذاريات: 56]، وتطبيق دائم لقوله تعالى:{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)} [الأنعام: 162، 163].
والعبودية بمفهومها الشامل الواسع الذي لا يدع صغيرة ولا كبيرة من حياة الإنسان، ولا حركة ولا سكنة ولا ثانية إلا أدخلها فيها، هي العبودية التي عاشها مؤلفنا الكبير، ودعا إليها.
وشخص كشيخ الإسلام وقف أمام الأمة يقودها مجاهدًا بالسيف والقلم، وصمد أمام جحافل التتار، وجاهد النصارى والروافض والنصيريين، وأخرس ألسن المبتدعين، من صوفية وطرقية ومتكلمين، وعلماء لاهثين وراء الحطام والأموال، ورماه جمع هؤلاء عن قوس واحدة، لا بد أن يأوي إلى ركن شديد، وهو إيمانه بالله، ولا بد أن يكون وثيق الصلة جداً بخالقه ومولاه.
وخير من ينبئ عن ذلك تلميذه أبو حفص البزار، حيث يعطي القارئ بياناً تفصيلياً عن عادة شيخ الإسلام في قضاء ليله ونهاره، وكيف أنه قد حقق العبودية الكاملة الشاملة: "أما تعبده رضي الله عنه، فإنه قل أن سمع بمثله، لأنه كان قد قطع جل وقته وزمانه فيه، وكان في ليله متفرداً عن الناس كلهم، خالياً بربه عز وجل، ضارعاً مواظباً على تلاوة القرآن العظيم، مكرراً لأنواع التعبدات الليلية والنهارية، وكان إذ ذهب الليل وحضر مع الناس بدأ بصلاة الفجر يأتي بسنتها قبل إتيانه إليهم، وكان إذا أحرم بالصلاة تكاد تتخلع القلوب لهيبة إتيانه بتكبيرة الإحرام ..
وكان قد عرفت عادته لا يكلمه أحد بغير ضرورة بعد صلاة الفجر، فلا يزال في الذكر يسمع نفسه، وربما يسمع ذكره من إلى جانبه، مع كونه في خلال ذلك يكثر من تقليب بصره نحو السماء، هكذا دأبه حتى ترتفع الشمس ويزول وقت النهي عن الصلاة .. ".
ثم يذكر خروجه من المسجد وإقبال الناس عليه ويقول: "وإذا رأى منكراً في طريقه أزاله، أو سمع بجنازة سارع إلى الصلاة عليها، أو تأسف على فواتها، وربما ذهب إلى قبر صاحبها بعد فراغه من سماع الحديث فصلى عليه ..
ثم يعود إلى مسجده، فلا يزال تارة في إفتاء الناس، وتارة في قضاء حوائجهم، حتى يصلي الظهر مع الجماعة، ثم كذلك بقية يومه ..
وكان مجلسه عاماً للكبير والصغير، والجليل والحقير، والحر والعبد، والذكر والأنثى، قد وسع على كل من يرد عليه من الناس، يرى كل منهم في نفسه أن لم يكرم أحداً بقدره ..
ثم يصلي المغرب، ثم يتطوع بما يسره الله، ثم أقرأ عليه من مؤلفاته أو غيري، فيفيدنا بالطرائف ويمدنا باللطائف، حتى يصلي العشاء، ثم بعدها كما كنا وكان، من الإقبال على العلوم، إلى أن يذهب هوي من الليل طويل، وهو في خلال ذلك كله في النهار والليل، لا يزال يذكر الله تعالى، ويوحده ويستغفره ..
وكان في كل أسبوع يعود المرضى، خصوصاً الذين بالبيمارستان
…
وأخبرني غير واحد ممن لا يشك في عدالته: أن جميع زمن الشيخ ينقضي على ما رأيته، فأي عبادة وجهاد أفضل من ذلك؟ فسبحان الموفق من يشاء لما يشاء .. " (1).
ويتحدث البزار عن زهده فيقول: "أما زهده في الدنيا ومتاعها، فإن الله تعالى جعل ذلك به شعاراً من صغره، حدثني من أثق به عن شيخه الذي علمه القرآن المجيد، قال: قال لي أبوه وهو صبي -يعني الشيخ-: أحب إليك أن توصيه وتعده بأنك إن لم تنقطع عن القراءة والتلقين أدفع إليك كل شهر أربعين درهماً، قال: ودفع إليّ -يعني أبوه- أربعين درهماً،
(1) الأعلام العلية (18).
وقال: أعطه إياها، فإنه صغير، وربما يفرح بها فيزداد حرصه في الاشتغال بحفظ القرآن ودرسه، وقل له: لك في كل شهر مثلها، فامتنع من قبولها، وقال: يا سيدي، إني عاهدت الله تعالى، أن لا آخذ على القرآن أجراً، ولم يأخذها ..
ولقد اتفق كل من رآه، خصوصاً من أطال ملازمته، أنه ما رأى مثله في الزهد في الدنيا، حتى لقد صار ذلك مشهوراً .. بل لو سئل عامي من أهل بلد بعيد من الشيخ: من كان أزهد أهل هذا العصر، وأكملهم في رفض فضول الدنيا، وأحرصهم على طلب الآخرة؟ لقال: ما سمعت بمثل ابن تيمية رحمة الله عليه .. " (1).
ومع ذلك فقد كان رضي الله عنه "مع شدة تركه للدنيا ورفضه لها، وفقره فيها، وتقلله منها، مؤثراً بما عساه يجده منها، قليلاً كان أو كثيراً ..
فقد كان يتصدق حتى إذا لم يجد شيئاً نزع بعض ثيابه المحتاج إله فيصل به الفقير، وكان يستفضل من قوته القليل الرغيف والرغيفين، فيؤثر بذلك على نفسه، وربما خبأهما في كمه ويمضي، ونحن معه لسماع الحديث، فيراه بعضنا وقد دفعه إلى الفقير مستخفياً، يحرص أن لا يراه أحد .. " (2).
أما شجاعة شيخ الإسلام وقوة جنانه ورباطة جأشه فأمر فوق الوصف، ولقد قال الذهبي:"وأما شجاعته فيها تضرب الأمثال، وببعضها يتشبه أكابر الأبطال .. "(3).
ويقول البزار: "كان رضي الله عنه من أشجع الناس وأقواهم قلباً، ما رأيت أحداً أثبت جأشاً منه، ولا أعظم عناء في جهاد العدو منه، كان يجاهد في سبيل الله بقلبه ولسانه ويده، ولا يخاف في الله لومة لائم ..
وكان إذ ركب الخيل يتحنك ويجول في العدو كأعظم الشجعان، ويقوم كأثبت الفرسان، ويكبر تكبيراً أنكى في العدو من كثير من الفتك بهم، ويخوض فيهم خوض رجل لا يخاف الموت .. " (4).
وكان رحمه الله له نظرة في ذلك حيث كان يقول: "لن يخاف الرجل
(1) المصدر السابق (21).
(2)
المصدر السابق (22).
(3)
الذيل على طبقات الحنابلة (2/ 395).
(4)
الأعلام العلية (32).