الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شَيْئًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَلَا يَمُدُّ يَعْنِي الْآكِلَ يَدَهُ إلَى الْأُخْرَى يَعْنِي إلَى اللُّقْمَةِ الْأُخْرَى حَتَّى يَبْتَلِعَ مَا قَبْلَهَا، وَلِذَا قَالَ فِي الْآدَابِ: وَلَا يَأْكُلُ لُقْمَةً حَتَّى يَبْلَعَ مَا قَبْلَهَا، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ النَّاظِمُ رحمه الله بِقَوْلِهِ:(وَبَعْدَ ابْتِلَاعٍ) اللُّقْمَةَ الْأُولَى (ثَنِّ) أَيْ تَنَاوَلْ لُقْمَةً ثَانِيَةً وَلَا تَبْلَعْ الْغِذَاءَ إلَّا بَعْدَ إجَادَةِ الْمَضْغِ، وَلِذَا قَالَ: رحمه الله (وَالْمَضْغَ) .
قَالَ فِي الْقَامُوسِ مَضَغَهُ كَمَنَعَهُ لَاكَهُ بِسِنِّهِ، وَالْمَضَاغُ كَسَحَابٍ مَا يُمْضَغُ (جَوِّدْ) أَيْ أَحْكِمْ مَضْغَهُ وَأَحْسِنْهُ حَتَّى يَصِيرَ جَيِّدًا ضِدَّ الرَّدِيءِ، وَذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ شُرَّافَةِ النَّفْسِ وَمُرَاعَاةِ الْمَعِدَةِ، وَالْبُعْدِ عَنْ الِاغْتِصَاصِ بِاللُّقْمَةِ مَعَ التَّأَدُّبِ مَعَ الْجَلِيسِ إنْ كَانَ وَاَللَّهُ وَلِيُّ الْإِحْسَانِ.
مَطْلَبٌ: يُسَنُّ لَعْقُ الْأَصَابِعِ:
وَيَحْسُنُ قَبْلَ الْمَسْحِ لَعْقُ أَصَابِعً
…
وَأَكْلُ فُتَاتٍ سَاقِطٍ بِتَثَرُّدِ
(وَيَحْسُنُ) أَيْ يُسَنُّ لِمَنْ فَرَغَ مِنْ أَكْلِهِ (قَبْلَ الْمَسْحِ) أَيْ قَبْلَ مَسْحِ يَدِهِ بِنَحْوِ الْمِنْدِيلِ (لَعْقُ) أَيْ لَحْسُ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: لَعِقَهُ كَسَمِعَهُ لَعْقَةً وَيُضَمُّ لَحِسَهُ (أَصَابِعَ) جَمْعُ أُصْبُعٍ وَذَلِكَ لِفِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم وَقَوْلِهِ.
فَقَدْ رَوَى الْبَزَّارُ عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ رضي الله عنه «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْكُلُ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ وَيَلْعَقُهُنَّ إذَا فَرَغَ» وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ غَيْرُ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَجْرَةَ. وَالْحُسَيْنُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْأَدْنَى وَأَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه قَالَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ بِأَصَابِعِهِ الثَّلَاثِ بِالْإِبْهَامِ وَاَلَّتِي تَلِيهَا، وَالْوُسْطَى، ثُمَّ رَأَيْته يَلْعَقُ أَصَابِعَهُ الثَّلَاثَ حِينَ أَرَادَ أَنْ يَمْسَحَهَا قَبْلَ أَنْ يَمْسَحَهَا وَيَلْعَقَ الْوُسْطَى، ثُمَّ الَّتِي تَلِيهَا، ثُمَّ الْإِبْهَامَ» . وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا بِسَنَدِ جَيِّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا أَكَلَ لَعِقَ أَصَابِعَهُ، وَقَالَ: إنَّ لَعْقَ الْأَصَابِعِ بَرَكَةٌ» وَرَوَى مُسْلِمٌ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ سَعْدٍ وَأَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْكُلُ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ، فَإِذَا فَرَغَ لَعِقَهَا» ، وَلَفْظُ أَبِي بَكْرٍ «يَأْكُلُ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ وَلَا يَمْسَحُ يَدَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا» . وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ
- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا أَكَلَ طَعَامًا لَعِقَ أَصَابِعَهُ الثَّلَاثَ الْإِبْهَامَ وَاللَّتَيْنِ يَلِيَانِهَا»
وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلَا يَمْسَحْ أَصَابِعَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا» .
وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ حَفْصَةَ رضي الله عنها وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا أَكَلَ طَعَامًا لَعِقَ أَصَابِعَهُ الثَّلَاثَ» ، وَقَالَ:«إذَا وَقَعَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيُمِطْ عَنْهَا الْأَذَى وَلْيَأْكُلْهَا وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ» «وَأَمَرَ بِسَلْتِ الْقَصْعَةِ، وَقَالَ: إنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ فِي أَيِّ طَعَامِكُمْ الْبَرَكَةُ» وَذَكَرَ فِي الْآدَابِ نَحْوَ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «إذَا وَقَعَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَأْخُذْهَا فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذَى وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ وَلَا يَمْسَحْ يَدَهُ بِالْمِنْدِيلِ حَتَّى يَلْعَقَ أَصَابِعَهُ أَوْ يُلْعِقَهَا، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامِهِ الْبَرَكَةُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَالْمِنْدِيلُ بِكَسْرِ الْمِيمِ مَأْخُوذٌ مِنْ النَّدْلِ، وَهُوَ النَّقْلُ؛ لِأَنَّهُ يَنْقُلُ وَقِيلَ: لِأَنَّ الْوَسَخَ يَنْدَلُّ بِهِ يُقَالُ: تَنَدَّلْت بِالْمِنْدِيلِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَيُقَالُ أَيْضًا تَمَنْدَلْتُ وَأَنْكَرَهَا الْكِسَائِيُّ وَفِي الْقَامُوسِ الْمِنْدِيلُ بِالْكَسْرِ، وَالْفَتْحِ، وَكَمِنْبَرٍ الَّذِي يُتَمَسَّحُ بِهِ وَتَنَدَّلَ بِهِ وَتَمَنْدَلَ تَمَسَّحَ.
وَعَنْهُ رضي الله عنه «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِلَعْقِ الْأَصَابِعِ وَالصَّحْفَةِ، وَقَالَ: إنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ فِي أَيِّ طَعَامِكُمْ الْبَرَكَةُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ: كَانَ صلى الله عليه وسلم لَا يَرُدُّ مَوْجُودًا وَلَا يَتَكَلَّفُ مَفْقُودًا، وَمَا قُرِّبَ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الطَّعَامِ إلَّا أَكَلَهُ إلَّا أَنْ تَعَافَهُ نَفْسُهُ فَيَتْرُكَهُ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ، وَمَا عَابَ طَعَامًا قَطُّ إنْ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ وَإِلَّا تَرَكَهُ. وَلَمْ يَكُنْ مِنْ عَادَتِهِ صلى الله عليه وسلم حَبْسُ نَفْسِهِ الشَّرِيفَةِ عَلَى نَوْعٍ وَاحِدٍ مِنْ الْأَغْذِيَةِ لَا يَتَعَدَّاهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَضُرُّ بِالطَّبِيعَةِ جِدًّا، وَلَوْ أَنَّهُ أَطْيَبُ، بَلْ كَانَ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ مَا جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِ بَلَدِهِ بِأَكْلِهِ مِنْ اللَّحْمِ، وَالْفَاكِهَةِ، وَالْخُبْزِ وَالتَّمْرِ كَمَا مَرَّ.
وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يُرَاعِي صِفَةَ الْأَطْعِمَةِ وَطَبَائِعَهَا وَاسْتِعْمَالَهَا عَلَى قَاعِدَةِ الطِّبِّ، فَإِذَا كَانَ فِي أَحَدِ الطَّعَامَيْنِ مَا يَحْتَاجُ إلَى كَسْرٍ وَتَعْدِيلٍ كَسَرَهُ وَعَدَّلَهُ بِضِدِّهِ إنْ أَمْكَنَ كَتَعْدِيلِهِ حَرَارَةَ الرُّطَبِ بِالْبِطِّيخِ كَمَا سَيَأْتِي. قَالَ وَكَانَ إذَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ لَعِقَ أَصَابِعَهُ وَلَمْ