الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَالَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي رَوْضَةِ الْمُحِبِّينَ: الْعَبْدُ إذَا رُزِقَ حَظًّا مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ فَإِنَّهَا تُنَوِّرُ الْوَجْهَ وَتُحَسِّنُهُ. قَالَ: وَقَدْ كَانَ بَعْضُ النِّسَاءِ تُكْثِرُ صَلَاةَ اللَّيْلِ، فَقِيلَ لَهَا فِي ذَلِكَ، فَقَالَتْ إنَّهَا تُحَسِّنُ الْوَجْهَ وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ يُحَسَّنَ وَجْهِي. انْتَهَى.
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ حَدِيثِ اخْتِصَامِ الْمَلَأِ الْأَعْلَى: سُئِلَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ لِمَ كَانَ الْمُتَهَجِّدُونَ أَحْسَنُ النَّاسِ وُجُوهًا؟ قَالَ: لِأَنَّهُمْ خَلَوْا بِالرَّحْمَنِ فَأَلْبَسَهُمْ نُورًا مِنْ نُورِهِ.
فَإِنْ قُلْت: لِمَ لَمْ تَذْكُرْ حَدِيثَ «مَنْ كَثُرَتْ صَلَاتُهُ بِاللَّيْلِ حَسُنَ وَجْهَهُ بِالنَّهَارِ» فِي الِاسْتِدْلَالِ لِذَلِكَ؟ قُلْت: لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ. قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ: اتَّفَقَ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ شَرِيكٍ لِثَابِتٍ لَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ وَإِنْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ. وَالْعَجَبُ مِنْ الْجَلَالِ السُّيُوطِيِّ مَعَ إطْلَاعِهِ عَلَى وَضْعِهِ كَيْفَ أَوْدَعَهُ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَقِصَّةُ الْحَدِيثِ مَشْهُورَةٌ فَلَا نُطِيلُ الْكَلَامَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَطْلَبٌ: حِكَايَةٌ لَطِيفَةٌ]
" خَاتِمَةٌ قِيلَ لِابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: مَا نَسْتَطِيعُ قِيَامَ اللَّيْلِ، قَالَ: أَبْعَدَتْكُمْ ذُنُوبُكُمْ.
وَقِيلَ لِلْحَسَنِ: أَعْجَزَنَا قِيَامُ اللَّيْلِ، قَالَ: قَيَّدَتْكُمْ خَطَايَاكُمْ. وَقَالَ: إنَّ الْعَبْدَ لَيُذْنِبُ الذَّنْبَ فَيُحْرَمُ بِهِ قِيَامَ اللَّيْلِ.
وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: أَذْنَبْت ذَنْبًا فَحُرِمْت بِهِ قِيَامَ اللَّيْلِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ.
وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ: إذَا لَمْ تَقْدِرْ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ وَصِيَامِ النَّهَارِ فَاعْلَمْ أَنَّك مَحْرُومٌ مُكَبَّلٌ كَبَّلَتْك خَطِيئَتُك.
قَالَ فِي اللَّطَائِفِ: مَا يُؤَهِّلُ الْمُلُوكُ لِلْخَلْوَةِ بِهِمْ إلَّا مَنْ أَخْلَصَ فِي وُدِّهِمْ وَمُعَامَلَتِهِمْ، فَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمُخَالَفَةِ فَلَا يُؤَهِّلُونَهُ وَلَا يَرْضَوْنَهُ لِذَلِكَ، وَلِذَا قِيلَ:(شِعْرٌ)
اللَّيْلُ لِي وَلِأَحْبَابِي أُحَادِثُهُمْ
…
قَدْ اصْطَفَيْتهمْ كَيْ يَسْمَعُوا وَيَعُوا
لَهُمْ قُلُوبٌ بِأَسْرَارِي لَهَا مُلِئَتْ
…
عَلَى وِدَادِي وَإِرْشَادِي لَهُمْ طُبِعُوا
قَدْ أَثْمَرَتْ شَجَرَاتُ الْفَهْمِ عِنْدَهُمْ
…
فَمَا جَنَوْا إذْ جَنَوْا مِمَّا بِهِ ارْتَفَعُوا
سُرُّوا فَمَا وَهَنُوا عَجْزًا وَمَا ضَعُفُوا
…
وَوَاصَلُوا حَبْلَ تَقْرِيبِي فَمَا انْقَطَعُوا
حِكَايَةٌ لَطِيفَةٌ وَفِي الْمَوْرِدِ الْعَذْبِ لِلْإِمَامِ الْحَافِظِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ رَوَّحَ اللَّهُ رُوحَهُ: قَالَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زَيْدٍ: عَصَفَتْ بِنَا الرِّيحُ عَلَى جَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ، فَإِذَا بِرَجُلٍ يَعْبُدُ صَنَمًا. فَقُلْنَا لَهُ أَيُّهَا الرَّجُلُ مَنْ تَعْبُدُ؟ فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إلَى الصَّنَمِ، فَقُلْنَا لَهُ إنَّ مَعَنَا فِي الْمَرْكَبِ مَنْ يَعْمَلُ هَذَا، قَالَ فَأَنْتُمْ مَنْ تَعْبُدُونَ؟ قُلْنَا نَعْبُدُ اللَّهَ تَعَالَى، قَالَ وَمَنْ هُوَ؟ قُلْنَا الَّذِي فِي السَّمَاءِ عَرْشُهُ، وَفِي الْأَرْضِ سُلْطَانُهُ، وَفِي الْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ قَضَاؤُهُ. قَالَ كَيْفَ عَلِمْتُمْ هَذَا؟ قُلْنَا وَجَّهَ إلَيْنَا رَسُولًا أَعْلَمَنَا بِهِ، قَالَ فَمَا فَعَلَ الرَّسُولُ؟ قُلْنَا قَبَضَهُ اللَّهُ إلَيْهِ، قَالَ فَهَلْ تَرَكَ عِنْدَكُمْ عَلَامَةً؟ قُلْنَا: تَرَكَ عِنْدَنَا كِتَابَ الْمَلِكِ، قَالَ أَرُونِيهِ، فَأَتَيْنَاهُ بِالْمُصْحَفِ فَقَالَ مَا أَعْرِفُ هَذَا، فَقَرَأْنَا عَلَيْهِ سُورَةً وَهُوَ يَبْكِي، ثُمَّ قَالَ يَنْبَغِي لِصَاحِبِ هَذَا الْكَلَامِ أَنْ لَا يُعْصَى، فَأَسْلَمَ وَحَمَلْنَاهُ مَعَنَا وَعَلَّمْنَاهُ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ وَسُوَرًا مِنْ الْقُرْآنِ، فَلَمَّا جَنَّ اللَّيْلُ صَلَّيْنَا وَأَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا، فَقَالَ يَا قَوْمُ الْإِلَهُ الَّذِي دَلَلْتُمُونِي عَلَيْهِ أَيَنَامُ إذَا جَنَّهُ اللَّيْلُ؟ قُلْنَا لَا يَا عَبْدَ اللَّهِ هُوَ حَيٌّ قَيُّومٌ لَا يَنَامُ، قَالَ بِئْسَ الْعَبِيدُ أَنْتُمْ تَنَامُونَ وَمَوْلَاكُمْ لَا يَنَامُ، فَعَجِبْنَا مِنْ كَلَامِهِ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَبَّادَانَ جَمَعْنَا لَهُ دَرَاهِمَ وَأَعْطَيْنَاهَا لَهُ وَقُلْنَا لَهُ أَنْفِقْهَا، قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَلَلْتُمُونِي عَلَى طَرِيقٍ لَمْ تَسْلُكُوهُ، أَنَا كُنْت فِي جَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ أَعْبُدُ صَنَمًا مِنْ دُونِهِ فَلَمْ يُضَيِّعْنِي فَكَيْفَ الْآنَ وَقَدْ عَرَفْته، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ أَتَانِي آتٍ فَقَالَ لِي: إنَّهُ يُعَالِجُ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ، فَجِئْته وَقُلْت أَلَكَ حَاجَةً؟ فَقَالَ قَدْ قَضَى حَوَائِجِي مَنْ عَرَّفْتنِي بِهِ. فَبَيْنَمَا أَنَا أُكَلِّمُهُ إذْ غَلَبَتْنِي عَيْنَايَ فَنِمْت فَرَأَيْت فِي الْمَنَامِ رَوْضَةً وَفِي الرَّوْضَةِ قُبَّةً وَفِيهَا سَرِيرٌ عَلَيْهِ جَارِيَةٌ أَجْمَلُ مِنْ الشَّمْسِ تَقُولُ
سَأَلْتُك بِاَللَّهِ عَجِّلْ عَلَيَّ بِهِ، فَانْتَبَهْت فَإِذَا بِهِ قَدْ مَاتَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَجَهَّزْته لِقَبْرِهِ ثُمَّ رَأَيْته فِي الْمَنَامِ فِي الْقُبَّةِ وَالْجَارِيَةُ إلَى جَانِبِهِ وَهُوَ يَتْلُو {سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد: 24] . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) : فِي قَوْلِ النَّاظِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَخُذْ بِنَصِيبٍ إلَى آخِرِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَطْلُبُ قِيَامَ كُلِّ اللَّيْلِ. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: وَلَا يَقُومُهُ كُلَّهُ إلَّا لَيْلَةَ عِيدٍ.
هَذِهِ عِبَارَةُ الْإِقْنَاعِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يَقُومُ اللَّيْلَ كُلَّهُ خِلَافًا لِمَالِكٍ فِي رِوَايَةٍ ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ قَالَ وَقَلَّ مَنْ وَجَدْتُهُ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ. وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه: إذَا نَامَ بَعْدَ تَهَجُّدِهِ لَمْ يَبِنْ عَلَيْهِ أَثَرُ السَّهَرِ. وَفِي الْغُنْيَةِ: يُسْتَحَبُّ ثُلُثَاهُ وَالْأَقَلُّ سُدُسُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ كُلِّهِ عَمَلُ الْأَقْوِيَاءِ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ الْعِنَايَةُ فَجَعَلَ لَهُمْ مَوْهِبَةً. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ قَامَهُ بِرَكْعَةٍ يَخْتِمُ فِيهَا. قَالَ وَصَحَّ عَنْ أَرْبَعِينَ مِنْ التَّابِعِينَ، وَمُرَادُهُ وَتَابِعِيهِمْ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا يَقُومُهُ كُلَّهُ وَلَا لَيَالِي الْعَشْرِ، فَيَكُونُ قَوْلُ عَائِشَةَ رضي الله عنها «أَحْيَا اللَّيْلَ» أَيْ كَثِيرًا مِنْهُ أَوْ أَكْثَرَهُ.
قَالَ وَيُتَوَجَّهُ بِظَاهِرِهِ احْتِمَالٌ وَتَخْرِيجٌ مِنْ لَيْلَةِ الْعِيدِ، وَيَكُونُ قَوْلُهَا مَا عَلِمْت «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ لَيْلَةً حَتَّى الصَّبَاحِ أَيْ غَيْرَ الْعَشْرِ أَوْ لَمْ يَكْثُرْ ذَلِكَ مِنْهُ» . قَالَ وَاسْتَحَبَّهُ شَيْخُنَا وَقَالَ: قِيَامُ بَعْضِ اللَّيَالِي كُلِّهَا مِمَّا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ.
قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ: وَتُكْرَهُ مُدَاوَمَةُ قِيَامِهِ كُلِّهِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْفُرُوعِ وَالْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِمَا أَنَّ نَفْسَ مُدَاوَمَةِ قِيَامِ اللَّيْلِ مَكْرُوهَةٌ. وَعِبَارَةُ التَّنْقِيحِ: وَلَا يَقُومُهُ كُلَّهُ إلَّا لَيْلَةَ عِيدٍ، وَتُكْرَهُ مُدَاوَمَتُهُ. انْتَهَى. قَالَ الْحَجَّاوِيّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى التَّنْقِيحِ: يَعْنِي اسْتِيعَابَ كُلِّ لَيْلَةٍ بِالْقِيَامِ مِنْ أَوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا، بَلْ يَقُومُ مِنْ كُلِّ لَيْلَةٍ بَعْضَهَا وَهُوَ مَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ. وَقَدْ فَهِمَ بَعْضُ الْمُصَنَّفِينَ فِي زَمَنِنَا مِنْ كَلَامِ الْمُنَقَّحِ أَنَّهُ يَقُومُ غِبًّا.
وَعِبَارَةُ الْفُرُوعِ قَدْ تُوهِمُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ بِمُرَادٍ عِنْدَ أَحَدٍ، انْتَهَى وَالْغَايَةُ تَبَعٌ فِيهَا عِبَارَةُ الْمُنْتَهَى، وَلَمْ يُشِرْ لِخِلَافِ الْإِقْنَاعِ وَمُرَادُهُ صَاحِبُ الْمُنْتَهَى. قَالَ الْخَلْوَتِيُّ: وَيُرَدُّ بِأَنَّ كَلَامَهُ فِي الْمُبْدِعِ تَبَعًا لِجَدِّهِ صَاحِبِ الْفُرُوعِ يُوَافِقُ كَلَامَ الْمُنْتَهَى حَيْثُ قَالَ: وَيُكْرَهُ مُدَاوَمَةُ قِيَامِ اللَّيْلِ، انْتَهَى.