الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَا تَلِفَ بِهَا؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ إذْ الْبُقْعَةُ مُسْتَحَقَّةٌ لِلصَّلَاةِ فَتَعْطِيلُهَا عُدْوَانٌ.
وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَالْحَفْرِ فِي السَّابِلَةِ لِاشْتِرَاكِ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، فَالْحَفْرُ فِي إحْدَاهُمَا كَالْحَفْرِ فِي الْأُخْرَى، فَيَجْرِي فِيهِ رِوَايَةُ ابْنِ ثَوَابٍ بِعَدَمِ الضَّمَانِ. انْتَهَى.
فَهَذَا تَحْرِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
وَالْمُخْتَارُ مِنْ هَذَا الْمَنْقُولِ مَا اعْتَمَدَهُ الشَّيْخُ مَرْعِي فِي غَايَتِهِ مِنْ جَوَازِ حَفْرِ الْبِئْرِ وَغَرْسِ الشَّجَرَةِ لِلْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ حَيْثُ كَانَتَا فِي غَيْرِ بُقَعِ الْمُصَلِّينَ.
وَهَذَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - عَيْنُ الْيَقِينِ، فَإِنَّ مَسَاجِدَ بِلَادِنَا لَا تَتِمُّ مَصَالِحُهَا بِهَا لَا سِيَّمَا حَفْرُ الْآبَارِ، فَإِنَّ كَوْنَ الْبِئْرِ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ أَعْظَمِ مَصَالِحِهِ وَأَكْبَرِ الْأَسْبَابِ الْمُعِينَةِ عَلَى الْعِبَادَةِ.
وَهَذَا الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي سَائِرِ بِلَادِنَا وَغَيْرِهَا فِي زَمَانِنَا، وَمُنْذُ أَزْمَانٍ، وَاَللَّهُ وَلِيُّ الْإِحْسَانِ.
وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي تَجْدِيدِ الْآبَارِ، وَأَمَّا مَا كَانَ سَابِقًا فَحُكْمُهُ كَحُكْمِ الشَّجَرَةِ، وَإِنْ جُهِلَ الْحَالُ فَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّجْدِيدِ، وَوَضْعُ الْأَشْيَاءِ عَلَى الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ حَتَّى يَثْبُتَ بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ وَضْعُهَا عَلَى خِلَافِ الشَّرْعِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. .
مَطْلَبٌ: تَشْبِيكُ الْأَصَابِعِ فِي الْمَسْجِدِ
.
(الْخَامِسُ) : فِي أَشْيَاءَ تُكْرَهُ فِي الْمَسَاجِدِ:
يُكْرَهُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَسْنُدَ ظَهْرَهُ إلَى الْقِبْلَةِ، بَلْ السُّنَّةُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ فِي جُلُوسِهِ.
وَأَنْ يُشَبِّكَ أَصَابِعَهُ فِيهِ.
زَادَ فِي الرِّعَايَةِ: عَلَى خِلَافِ صِفَةِ مَا شَبَّكَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم.
كَذَا فِي الْإِقْنَاعِ.
وَأَشَارَ فِي الرِّعَايَةِ إلَى مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» وَفِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إحْدَى صَلَاتَيْ الْعِشَاءِ، فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ فَقَامَ إلَى خَشَبَةٍ مَعْرُوضَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَاتَّكَأَ عَلَيْهَا كَأَنَّهُ غَضْبَانُ، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» .
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: حَدِيثُ أَبِي مُوسَى دَالٌّ عَلَى جَوَازِ التَّشْبِيكِ مُطْلَقًا. وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ دَالٌّ عَلَى جَوَازِهِ فِي الْمَسْجِدِ فَهُوَ فِي غَيْرِهِ أَجْوَزُ. وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْبُخَارِيِّ قَبْلَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ حَدِيثٌ آخَرُ وَنَصُّهُ: حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ حَدَّثَنَا وَاقِدٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «شَبَّكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَصَابِعَهُ» قَالَ مُغَلْطَاي: هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ مَوْجُودًا فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْبُخَارِيِّ. وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: هُوَ ثَابِتٌ فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ شَاكِرٍ عَنْ الْبُخَارِيِّ. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: الْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ مُعَارَضَةُ مَا وَرَدَ فِي النَّهْيِ عَنْ التَّشْبِيكِ فِي الْمَسْجِدِ.
وَقَدْ وَرَدَتْ فِيهِ مَرَاسِيلُ وَمُسْنَدٌ مِنْ طُرُقٍ غَيْرِ ثَابِتَةٍ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: التَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ تَعَارُضٌ؛ إذْ الْمُنْهَى عَنْهُ فِعْلُهُ عَلَى وَجْهِ الْعَبَثِ. وَجَمَعَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ بِأَنَّ النَّهْيَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ قَاصِدًا إلَيْهَا إذْ مُنْتَظِرُ الصَّلَاةِ فِي حُكْمِ الْمُصَلِّي.
وَقِيلَ: إنَّ حِكْمَةَ النَّهْيِ عَنْهُ لِمُنْتَظِرِ الصَّلَاةِ أَنَّ التَّشْبِيكَ يَجْلُبُ النَّوْمَ، وَهُوَ مِنْ مَظَانِّ الْحَدَثِ.
وَقِيلَ إنَّ صُورَتَهُ تُشْبِهُ صُورَةَ الِاخْتِلَافِ فَكُرِهَ ذَلِكَ لِمَنْ هُوَ فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ حَتَّى لَا يَقَعَ فِي الْمُنْهَى عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لِلْمُصَلِّينَ «وَلَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ» .
وَفِي الْبُخَارِيِّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ مُحْتَبِيًا بِيَدِهِ هَكَذَا» زَادَ الْبَيْهَقِيّ «وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ» . وَقَدْ شَبَّكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ يَدَيْهِ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ لَيْسَ هَذَا مَحَلَّ إيرَادِهَا. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ. وَجَزَمَ فِي الْإِقْنَاعِ بِأَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يُشَبِّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ مِنْ حَيْثُ يَخْرُجُ يَعْنِي لِلصَّلَاةِ. قَالَ: وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ أَشَدُّ كَرَاهَةً، وَفِي الصَّلَاةِ أَشَدُّ وَأَشَدُّ. انْتَهَى.
وَنَقَلَ فِي الْفُرُوعِ كَرَاهَةَ تَشْبِيكِ الْأَصَابِعِ فِي الصَّلَاةِ، وَأَنَّهَا بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ.
وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلًا قَدْ شَبَّكَ أَصَابِعَهُ فِي الصَّلَاةِ فَفَرَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَصَابِعِهِ» . وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما فِي الَّذِي يُصَلِّي وَهُوَ مُشَبِّكٌ " تِلْكَ صَلَاةُ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَقَالَ مُغَلْطَاي فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ عِنْدَ تَكَلُّمِهِ عَلَى الْأَحَادِيثِ الَّتِي أَوْرَدَهَا الْبُخَارِيُّ فِي التَّشْبِيكِ: زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الَّتِي أَوْرَدَهَا الْبُخَارِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ مُعَارِضَةٌ النَّهْيَ عَنْ التَّشْبِيكِ.
وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: إنَّ حَدِيثَ النَّهْيِ لَيْسَ مُسَاوِيًا لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ فِي الصِّحَّةِ.
وَقَالَ الْأَكْثَرُ: حَدِيثُ النَّهْيِ مَخْصُوصٌ بِالصَّلَاةِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.
رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إنَّهُمْ لَيُنْكِرُونَ تَشْبِيكَ الْأَصَابِعِ فِي الْمَسْجِدِ، وَمَا بِهِ مِنْ بَأْسٍ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ.
قَالَ الْحَافِظُ السُّيُوطِيّ فِي كِتَابِهِ حُسْنِ التَّسْلِيكِ فِي حُكْمِ التَّشْبِيكِ: رَخَّصَ فِي التَّشْبِيكِ ابْنُ عُمَرَ وَسَالِمٌ ابْنُهُ فَكَانَا يُشَبِّكَانِ بَيْنَ أَصَابِعِهِمَا فِي الصَّلَاةِ.
قَالَ مُغَلْطَاي: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ حَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ التَّشْبِيكِ وَبَيْنَ تَشْبِيكِهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَصَابِعِهِ مُعَارَضَةٌ، لِأَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا وَرَدَ عَنْ فِعْلِهِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ فِي الْمُضِيِّ إلَيْهَا، وَفِعْلُهُ صلى الله عليه وسلم لِلتَّشْبِيكِ لَيْسَ فِي صَلَاةٍ، وَلَا فِي الْمُضِيِّ إلَيْهَا فَلَا مُعَارَضَةَ إذَنْ وَبَقِيَ كُلُّ حَدِيثٍ عَلَى حِيَالِهِ. انْتَهَى.
قَالَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ فِي آخِرِ كِتَابِهِ الْمَذْكُورِ: قَالَ الزَّرْكَشِيّ فِي أَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ: يَجُوزُ التَّشْبِيكُ بَيْنَ الْأَصَابِعِ فِي الْمَسْجِدِ، فَفِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، وَحَكَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَسَالِمٍ وَالْحَسَنِ وَغَيْرِهِمْ.
وَحَكَى كَرَاهَتَهُ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَكَعْبٍ.
وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي النَّهْيِ عَنْهُ إنَّمَا هِيَ لِمَنْ هُوَ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ.