الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رضي الله عنه وَلَفْظُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «الْحَسَدُ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ، وَالصَّدَقَةُ تَطْفِيءُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ، وَالصَّلَاةُ نُورُ الْمُؤْمِنِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ مِنْ النَّارِ» .
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا لَمْ يَتَحَاسَدُوا» .
وَفِي حَدِيثٍ ضَعِيفٍ «لَيْسَ مِنِّي ذُو حَسَدٍ» .
وَرَوَى الْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْ الزُّبَيْرِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «دَبَّ إلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ، وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ، وَأَمَّا إنِّي لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ» .
مَطْلَبٌ: مُعَالَجَةُ دَاءِ الْحَسَدِ
فَإِنْ قِيلَ: قَدْ ذَكَرْت مِنْ صَرِيحِ الْآثَارِ، وَصَحِيحِ الْأَخْبَارِ، مَا يُنَفِّرُ عَنْ الْحَسَدِ وَيُبْعِدُ عَنْهُ كُلَّ أَحَدٍ، لَكِنَّ الْحَسَدَ مَرَضٌ بَاطِنِيٌّ، فَكَيْفَ السَّبِيلُ إلَى زَوَالِهِ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ الْآدَمِيَّ قَدْ جُبِلَ عَلَى حُبِّ الرِّفْعَةِ، فَلَا يُحِبُّ أَنْ يَعْلُوَ عَلَيْهِ أَحَدٌ فِي نِعْمَةٍ مِنْ نِعَمِ الدُّنْيَا، فَإِذَا عَلَا أَحَدٌ عَلَيْهِ شَقَّ عَلَيْهِ وَأَحَبَّ زَوَالَ مَا عَلَا بِهِ.
وَمُعَالَجَةُ ذَلِكَ تَارَةً بِالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَّهَا لَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، فَلَا وَجْهَ لِلْمُنَافَسَةِ فِيهَا عِنْدَ الْعُقَلَاءِ، وَتَارَةً بِالرِّضَا بِالْقَضَاءِ، فَإِنَّك إنْ لَمْ تَرْضَ لَمْ تَحْصُلْ إلَّا عَلَى النَّدَمِ وَفَوَاتِ الثَّوَابِ، وَغَضَبِ رَبِّ الْأَرْبَابِ، فَهُمَا مُصِيبَتَانِ أَوْ أَكْثَرُ، وَلَيْسَ لِلْعَاقِلِ حِيلَةٌ فِي دَفْعِ الْقَضَاءِ فَعَلَيْهِ بِالرِّضَا.
وَلِذَا قُلْت:
مَا لِي عَلَى مُرِّ الْقَضَا
…
مِنْ حِيلَةٍ غَيْرِ الرِّضَا
أَنَا فِي الْهَوَى عَبْدٌ وَمَا
…
لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَعَرَّضَا
وَتَارَةً فِي النَّظَرِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِتِلْكَ النِّعَمِ مِنْ الْآفَاتِ، فَإِذَا لَمْ يَعْمَلْ بِمُقْتَضَى مَا فِي النَّفْسِ، وَلَمْ يَنْطِقْ لَمْ يَضُرَّهُ مَا وُضِعَ فِي الطَّبْعِ.
وَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «ثَلَاثَةٌ لَا يَنْجُو مِنْهُنَّ أَحَدٌ: الظَّنُّ، وَالطِّيَرَةُ، وَالْحَسَدُ وَسَأُحَدِّثُك بِالْمَخْرَجِ مِنْ ذَلِكَ: إذَا ظَنَنْت فَلَا تُحَقِّقْ، وَإِذَا حَسَدْت فَلَا تَبْغِ، وَإِذَا تَطَيَّرْت فَلَا تَرْجِعْ» أَيْ امْضِ لِمَا قَصَدْت لَهُ وَلَا تَصُدُّنَّك عَنْهُ الطِّيَرَةُ.
فَالْحَسَدُ أَوَّلًا يَضُرُّ الْحَاسِدَ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَلَا يَسْتَضِرُّ بِذَلِكَ الْمَحْسُودُ، فَلَا تُؤْذِ نَفْسَك.
أَمَّا ضَرَرُهُ فِي الدِّينِ فَإِنَّ الْحَاسِدَ قَدْ سَخِطَ قَضَاءَ اللَّهِ - تَعَالَى - فَكَرِهَ نِعْمَتَهُ عَلَى عِبَادِهِ، وَهَذَا قَذًى فِي بَصَرِ الْإِيمَانِ، وَيَكْفِيهِ أَنَّهُ شَارَكَ إبْلِيسَ فِي الْحَسَدِ وَفَارَقَ الْأَنْبِيَاءَ فِي حُبِّهِمْ الْخَيْرَ لِكُلِّ أَحَدٍ.
ثُمَّ إنَّ الْحَسَدَ يَحْمِلُ عَلَى إطْلَاقِ اللِّسَانِ فِي الْمَحْسُودِ بِالشَّتْمِ وَالتَّحَيُّلِ عَلَى أَذَاهُ.
وَأَمَّا ضَرَرُهُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ الْحَاسِدَ يَتَأَلَّمُ وَلَا يَزَالُ فِي كَمَدٍ.
وَأَنْشَدُوا:
دَعْ الْحَسُودَ وَمَا يَلْقَاهُ مِنْ كَمَدِهِ
…
كَفَاك مِنْهُ لَهَيْبُ النَّارِ فِي جَسَدِهْ
إنْ لُمْت ذَا حَسَدٍ نَفَّسْت كُرْبَتَهُ
…
وَإِنْ سَكَتَّ فَقَدْ عَذَّبْته بِيَدِهْ
قَالَ الْأَصْمَعِيُّ سَمِعْت أَعْرَابِيًّا يَقُولُ: مَا رَأَيْت ظَالِمًا أَشْبَهَ بِمَظْلُومٍ مِنْ الْحَاسِدِ حُزْنٌ لَازِمٌ، وَنَفْسٌ دَائِمٌ، وَعَقْلٌ هَائِمٌ، وَحَسْرَةٌ لَا تَنْقَضِي.
فَإِنْ قِيلَ: هَلْ لِلْحَاسِدِ دَوَاءٌ؟ فَالْجَوَابُ: قَلَّ أَنْ يَنْجَعَ فِيهِ دَوَاءٌ لِأَنَّهُ جَهُولٌ ظَلُومٌ وَلَيْسَ يُشْفِي عِلَّةَ صَدْرِهِ وَيُزِيلُ حَزَّازَةَ الْحَسَدِ مِنْ قَلْبِهِ إلَّا زَوَالُ النِّعْمَةِ، فَحِينَئِذٍ يَتَعَذَّرُ الدَّوَاءُ أَوْ يَعِزُّ.
وَمِنْ هَذَا قَوْلُ بَعْضِهِمْ وَأَحْسَنُ:
وَكُلٌّ أُدَاوِيه عَلَى قَدْرِ دَائِهِ
…
سِوَى حَاسِدِي فَهِيَ الَّتِي لَا أَنَالُهَا
وَكَيْفَ يُدَاوِي الْمَرْءُ حَاسِدَ نِعْمَةٍ
…
إذَا كَانَ لَا يُرْضِيه إلَّا زَوَالُهَا
نَعَمْ إنْ كَانَ الْحَاسِدُ ذَا فَهْمٍ فَدَوَاؤُهُ أَنْ يَقْمَعَ أَسْبَابَ الْحَسَدِ مِنْ الْبَاطِنِ، فَإِنَّ سَبَبَهَا فِي الْغَالِبِ الْكِبْرُ وَعِزَّةُ النَّفْسِ، ثُمَّ يَتَكَلَّفُ مَدْحَ الْمَحْسُودِ وَالتَّوَاضُعَ لَهُ وَالْهَدِيَّةَ إلَيْهِ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّك إنَّمَا تَحْسُدُ إخْوَانَك عَلَى الدُّنْيَا وَحُطَامِهَا، وَأَمَّا قُوَّامُ اللَّيْلِ وَصُوَّامُ النَّهَارِ فَلَا أَرَاك تَحْسُدُهُمْ.
فَبِاَللَّهِ عَلَيْك اعْرِفْ قَدْرَ الدُّنْيَا وَاعْلَمْ أَنَّهَا