الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَأَمَّا شُكْرُ اللَّهِ عَلَى ذَلِكَ فَمُسْتَحَبٌّ.
قَالَ: وَفِي الْحَمْدِ عَلَى الطَّعَامِ خِلَافٌ فَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ فِي اللِّبَاسِ.
ثُمَّ إنْ وَجَبَ يَعْنِي الْحَمْدَ عَلَى اللِّبَاسِ فَعَدَمُهُ يَعْنِي عَدَمَ الْحَمْدِ بِأَنْ تَرَكَهُ لَا يَمْنَعُ الْحِلَّ يَعْنِي لَا يَكُونُ اللِّبَاسُ بِعَدَمِ الْحَمْدِ حَرَامًا.
مَطْلَبٌ: الرِّضَا يُثَابُ عَلَيْهِ وَيَزِيدُ فِي الرِّزْقِ
(وَارْضَ) أَنْتَ (بِقَسْمِهِ) لَك فَإِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ، وَالْحَكِيمُ يَضَعُ الْأَشْيَاءَ فِي مَوَاضِعِهَا.
فَمِنْ عِبَادِهِ مَنْ لَمْ يُصْلِحْهُ إلَّا الْفَقْرُ وَلَوْ أَغْنَاهُ لَفَسَدَ عَلَيْهِ دِينُهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُصْلِحُهُ إلَّا الْغِنَى، وَلَوْ أَفْقَرَهُ لَفَسَدَ عَلَيْهِ دِينُهُ، وَكَذَلِكَ الصِّحَّةُ وَالسَّقَمُ وَنُفُوذُ الْكَلِمَةِ وَعَدَمُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، فَمَهْمَا قَسَمَهُ لَك مِنْ ذَلِكَ فَكُنْ بِهِ رَاضِيًا مُطْمَئِنًّا لَا سَاخِطًا وَلَا مُتَلَوِّنًا، فَإِنَّهُ جَلَّ شَأْنُهُ أَشْفَقُ مِنْ الْوَالِدَةِ عَلَى وَلَدِهَا.
وَمِنْ تَمَامِ حِكْمَتِهِ وَبَدِيعِ قُدْرَتِهِ أَنْ جَعَلَ عِبَادَهُ مَا بَيْنَ غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ، وَجَلِيلٍ وَحَقِيرٍ، وَصَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، وَمُسْتَأْجِرٍ وَأَجِيرٍ، ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَلِيمِ الْخَبِيرِ، فَإِنْ سَخِطْت شَيْئًا مِنْ أَقْدَارِهِ أَهْلَكْت نَفْسَك وَقَطَّعْتهَا حَسَرَاتٍ عَلَى الدُّنْيَا، وَلَمْ تَنَلْ مِنْهَا إلَّا مَا قَسَمَهُ لَك جَلَّ شَأْنُهُ، وَإِنْ تَرْضَ بِقِسْمَتِهِ لَك مِنْ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ (تُثَبْ) ثَوَابَ الرَّاضِينَ عَلَى ذَلِكَ، وَيَحْصُلُ لَك الرِّضَا الْمَوْعُودُ بِهِ فِي قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ «فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَعَلَيْهِ السُّخْطُ» وَتَثْبُتُ لَك حَقِيقَةُ الْعُبُودِيَّةِ وَتَسْلَمُ مِنْ الْإِبَاقِ الْمُتَوَعَّدِ بِهِ فِي قَوْلِهِ كَمَا فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ الْقُدْسِيَّةِ «مَنْ لَمْ يَرْضَ بِقَضَائِي وَيَصْبِرْ عَلَى بَلَائِي فَلْيَعْبُدْ رَبًّا سِوَايَ» .
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَكَانَ الْمَرُّوذِيُّ مَعَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي الْعَسْكَرِ فِي قَصْرٍ فَأَشَارَ إلَى شَيْءٍ عَلَى الْجِدَارِ قَدْ نُصِبَ، فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ: لَا تَنْظُرْ إلَيْهِ، قَالَ قُلْت: فَقَدْ نَظَرْت إلَيْهِ، قَالَ: فَلَا تَفْعَلْ.
قَالَ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: تَفَكَّرْت فِي هَذِهِ الْآيَةِ {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 131] ثُمَّ تَفَكَّرْت فِي وَفِيِّهِمْ وَأَشَارَ نَحْوَ الْعَسْكَرِ قَالَ {وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 131]، قَالَ: رِزْقُ يَوْمٍ بِيَوْمٍ خَيْرٌ.
قَالَ: وَلَا تَهْتَمَّ لِرِزْقِ غَدٍ. انْتَهَى.
فَإِنْ فَعَلْت كَذَلِكَ (وَ) رَضَتْ نَفْسُك عَلَى هَذِهِ الْأَخْلَاقِ (تُزَدْ رِزْقًا) مِنْ اللَّهِ سبحانه وتعالى فَإِنَّهُ يَرْزُقُ عِبَادَهُ سِيَّمَا الَّذِينَ انْسَلَخُوا عَنْ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ، وَطَرَحُوا عَلَى أَبْوَابِ الرَّجَاءِ وَالْمِنَّةِ، فَهُمْ عَلَيْهِ مُتَوَكِّلُونَ، وَإِلَيْهِ مُتَضَرِّعُونَ، وَعَلَى أَبْوَابِهِ وَاقِفُونَ، وَلِمِنَحِهِ مُنْتَظِرُونَ، فَإِنْ كُنْت مِنْهُمْ تُزَدْ رِزْقًا (وَ) تُزَدْ (إرْغَامَ) أَيْ ذُلَّ وَبَتْكَ وَإِهَانَةَ (حُسَّدِ) جَمْعُ حَاسِدٍ.
وَأَصْلُ الرِّغَامِ التُّرَابِ، كَأَنَّك لِشَرَفِ نَفْسِك وَرِضَاك بِقِسْمَةِ مَوْلَاك جَعَلْت أُنُوفَ أَعْدَائِك مُلْصَقَةً بِالتُّرَابِ، وَالْحَاسِدُ عَدُوُّ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ يَطْلُبُ زَوَالَهَا مِمَّنْ نَالَهَا، وَهُوَ مِنْ إسَاءَةِ الْأَدَبِ عَلَى غَايَةٍ، وَلِذَا قِيلَ شِعْرٌ:
أَلَا قُلْ لِمَنْ كَانَ لِي حَاسِدًا
…
أَتَدْرِي عَلَى مَنْ أَسَأْت الْأَدَبْ
أَسَأْت عَلَى اللَّهِ فِي حُكْمِهِ
…
لِأَنَّك لَمْ تَرْضَ مَا قَدْ وَهَبْ
فَجَازَاك رَبِّي بِأَنْ زَادَنِي
…
وَسَدَّ عَلَيْك وُجُوهَ الطَّلَبْ
(تَنْبِيهٌ) : قَدْ تَضَمَّنَ بَيْتُ النَّاظِمِ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ: الشُّكْرُ، وَالرِّضَا، وَإِرْغَامُ أَهْلِ الْحَسَدِ، وَفِي ضِمْنِ ذَلِكَ ذَمُّ الْحَسُودِ.
فَأَمَّا الرِّضَا فَهُوَ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ، وَهُوَ إنْ كَانَ كَذَلِكَ فَكَمَالُهُ هُوَ الْحَمْدُ، حَتَّى إنَّ بَعْضَهُمْ فَسَّرَ الْحَمْدَ بِالرِّضَا، وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ حَمْدُ اللَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ الرِّضَا بِقَضَائِهِ.
وَالرِّضَا بِالْمَصَائِبِ أَشَقُّ عَلَى النُّفُوسِ مِنْ الصَّبْرِ، وَإِنْ كَانَ الصَّبْرُ مِنْ أَشَقِّ الْأَشْيَاءِ عَلَى النُّفُوسِ.
وَفِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «إذَا أَحَبَّ اللَّهُ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ» .
مَطْلَبٌ: الرِّضَا بِالْقَضَاءِ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ؟
وَقَدْ تَنَازَعَ عُلَمَاؤُنَا وَغَيْرُهُمْ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ، هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ عَلَى قَوْلَيْنِ:
فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ مِنْ أَعْمَالِ الْمُقْتَصِدِينَ.
وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ مِنْ أَعْمَالِ الْمُقَرَّبِينَ.
ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رضي الله عنه.
فَالْعَبْدُ قَدْ يَصْبِرُ عَلَى الْمُصِيبَةِ، وَلَا يَرْضَى.
فَالرِّضَا أَعْلَى مَقَامِ الصَّبْرِ، لَكِنَّ الصَّبْرَ اتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِهِ، وَالرِّضَا اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِهِ، وَالشُّكْرُ أَعْلَى مِنْ
مَقَامِ الرِّضَا، فَإِنَّهُ يَشْهَدُ الْمُصِيبَةَ نِعْمَةً، وَالْمِحْنَةَ مِنْحَةً فَيَشْكُرُ الْمُبْلِيَ عَلَيْهَا.
قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رضي الله عنه: أَمَّا الرِّضَا فَمَنْزِلَةٌ عَزِيزَةٌ أَوْ مَنِيعَةٌ، وَلَكِنْ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ فِي الصَّبْرِ مِعْوَلًا حَسَنًا.
وَقَالَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زَيْدٍ: الرِّضَا بَابُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ، وَجَنَّةُ الدُّنْيَا، وَسِرَاجُ الْعَابِدِينَ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «الصَّبْرُ رِضًا» فَهَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ بِشَارَةٌ عَظِيمَةٌ لِأَهْلِ الْمَصَائِبِ؛ إذْ سَمَّى الصَّبْرَ رِضًا، وَلَعَلَّهُ مُرَادُ النَّاظِمِ.
فَإِنْ قِيلَ: غَالِبُ النَّاسِ يَصْبِرُونَ وَلَا يَرْضُونَ، فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ الرِّضَا بِالْمَكْرُوهِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ نُفُورَ الطَّبْعِ عَنْ الْمَكْرُوهِ لَا يُنَافِي رِضَا الْقَلْبِ بِالْمَقْدُورِ، فَإِنَّا نَرْضَى عَنْ اللَّهِ وَنَرْضَى بِقَضَائِهِ وَإِنْ كَرِهْنَا الْمَقْضِيَّ.
وَفِي صَيْدِ الْخَاطِرِ لِلْإِمَامِ الْحَافِظِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ طَيَّبَ اللَّهُ ثَرَاهُ: الرِّضَا مِنْ جُمْلَةِ ثَمَرَاتِ الْمَعْرِفَةِ، فَإِذَا عَرَفْته رَضِيت بِقَضَائِهِ، وَقَدْ يَجْرِي فِي ضِمْنِ الْقَضَاءِ مَرَارَاتٌ يَجِدُ بَعْضَ طَعْمِهَا الرَّاضِي، وَأَمَّا الْعَارِفُ فَتَقِلُّ عِنْدَهُ الْمَرَارَةُ لِقُوَّةِ حَلَاوَةِ الْمَعْرِفَةِ، فَإِذَا تَرَقَّى بِالْمَعْرِفَةِ إلَى الْمَحَبَّةِ صَارَتْ مَرَارَةُ الْأَقْدَارِ حَلَاوَةً كَمَا قَالَ الْقَائِلُ:
عَذَابُهُ فِيك عَذْبٌ
…
وَبَعْدُهُ فِيك قُرْبٌ
وَأَنْتَ عِنْدِي كَرُوحِي
…
بَلْ أَنْتَ مِنْهَا أَحَبُّ
حَسْبِي مِنْ الْحُبِّ أَنِّي
…
لِمَا تُحِبُّ أُحِبُّ
وَقَالَ بَعْضُ الْمُحِبِّينَ فِي هَذَا الْمَعْنَى:
وَيَقْبُحُ مِنْ سِوَاك الْفِعْلُ عِنْدِي
…
فَتَفْعَلُهُ فَيَحْسُنُ مِنْك ذَاكَا
فَإِنْ قِيلَ: بِمَاذَا أُرْضَى قَدْرَ رَبِّي، أَرْضَى فِي أَقْدَارِهِ بِالْمَرَضِ وَالْفَقْرِ، أَفَأَرْضَى بِالْكَسَلِ عَنْ خِدْمَتِهِ وَالْبُعْدِ عَنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَبَيِّنِ لِي مَا الَّذِي يَدْخُلُ تَحْتَ الرِّضَا مِمَّا لَا يَدْخُلُ؟ فَقُلْت لَهُ: نَعَمْ مَا سَأَلْت فَاسْمَعْ الْفَرْقَ سَمَاعَ مَنْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ.
ارْضَ بِمَا مِنْهُ.
فَأَمَّا الْكَسَلُ وَالتَّخَلُّفُ فَذَاكَ مَنْسُوبٌ إلَيْك فَلَا تَرْضَ بِهِ مِنْ فِعْلِك، وَكُنْ مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ عَلَيْك مُنَاقِشًا نَفْسَك فِيمَا يُقَرِّبُك مِنْهُ غَيْرَ
رَاضٍ عَنْهَا بِالتَّوَانِي فِي الْمُجَاهَدَةِ.
فَأَمَّا مَا يُقَدِّرُهُ مِنْ الْأَفْضَلِيَّةِ الْمُجَرَّدَةِ الَّتِي لَا كَسْبَ لَك فِيهَا فَكُنْ رَاضِيًا بِهَا. انْتَهَى.
مُلَخَّصًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الشُّكْرُ فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ أَعْلَى مَنْزِلَةً مِنْ الصَّبْرِ وَالرِّضَا، وَهُوَ أَنْ نَرَى الْمِحْنَةَ مِنْحَةً.
وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ بِمُشَاهَدَتِك إلَى الْفَاعِلِ، وَأَنَّك تُقَدِّمُ رِضَاهُ وَمَا يَرْضَاهُ عَلَى رِضَاك.
وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ جَلَّ شَأْنُهُ إذَا ابْتَلَى عَبْدَهُ لَمْ يُرِدْ هَلَاكَهُ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ إمَّا تَمْحِيصَ ذُنُوبِهِ، وَإِمَّا لِيَنَالَ مَنْزِلَةً لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ، فَمَنْعُهُ عَطَاءٌ، وَابْتِلَاؤُهُ رِضًا.
وَالْمِحْنَةُ مِنْهُ مِنْحَةٌ.
فَسُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
قَالَ تَعَالَى {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7] وَفِي كِتَابِ الشُّكْرِ لِلْإِمَامِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ مَنْصُورِ بْنِ تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: حُدِّثْت أَنَّ الرَّجُلَ إذَا ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ عَلَى طَعَامِهِ وَحَمِدَهُ عَلَى آخِرِهِ لَمْ يُسْأَلْ عَنْ نَعِيمِ ذَلِكَ الطَّعَامِ.
وَفِيهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «خَصْلَتَانِ مَنْ كَانَتَا فِيهِ كَتَبَهُ اللَّهُ صَابِرًا شَاكِرًا، وَمَنْ لَمْ يَكُونَا فِيهِ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا شَاكِرًا: مَنْ نَظَرَ فِي دِينِهِ إلَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ فَاقْتَدَى بِهِ، وَمَنْ نَظَرَ فِي دُنْيَاهُ إلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَى مَا فَضَّلَهُ عَلَيْهِ كَتَبَهُ اللَّهُ صَابِرًا شَاكِرًا وَمَنْ نَظَرَ فِي دِينِهِ إلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ وَنَظَرَ فِي دُنْيَاهُ إلَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ فَأَسِفَ عَلَى مَا فَاتَهُ مِنْهُ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا شَاكِرًا» .
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ سُنْجِرَةَ بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ بِمُعْجَمَةٍ فَمُوَحَّدَةٍ وَزْنِ مُسْلِمَةٍ مَرْفُوعًا «مَنْ أُعْطِيَ فَشَكَرَ، وَابْتُلِيَ فَصَبَرَ، وَظَلَمَ فَاسْتَغْفَرَ، وَظُلِمَ فَغَفَرَ، أُولَئِكَ لَهُمْ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ» .
وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ» إسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
قَالَ فِي النِّهَايَةِ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - لَا يَقْبَلُ شُكْرَ الْعَبْدِ عَلَى إحْسَانِهِ إلَيْهِ إذَا كَانَ الْعَبْدُ لَا يَشْكُرُ إحْسَانَ النَّاسِ، وَيَكْفُرُ أَمْرَهُمْ لِاتِّصَالِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ بِالْآخَرِ.
وَقِيلَ مَعْنَاهُ مَنْ كَانَ عَادَتُهُ وَطَبْعُهُ كُفْرَانَ نِعْمَةِ النَّاسِ وَتَرْكَ شُكْرِهِ لَهُمْ كَانَ مِنْ عَادَتِهِ كُفْرُ نِعْمَةِ اللَّهِ عز وجل وَتَرْكُ الشُّكْرِ لَهُ.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ كَانَ كَمَنْ لَا يَشْكُرُ اللَّهَ عز وجل، وَإِنْ
شَكَرَهُ، كَمَا تَقُولُ: لَا يُحِبُّنِي مَنْ لَا يُحِبُّك، أَيْ أَنَّ مَحَبَّتَك مَقْرُونَةٌ بِمَحَبَّتِي، فَمَنْ أَحَبَّنِي يُحِبُّك.
وَمَنْ لَا يُحِبُّك فَكَأَنَّهُ لَمْ يُحِبَّنِي.
وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى رَفْعِ اسْمِ اللَّهِ عز وجل وَنَصْبِهِ. انْتَهَى.
وَعِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي لَفْظٍ آخَرَ إنَّ أَشْكَرَ النَّاسِ لِلَّهِ - تَعَالَى - أَشْكَرُهُمْ لِلنَّاسِ.
وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَضَعَّفَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَقَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ عَنْ النُّعْمَانِ رضي الله عنه مَرْفُوعًا «مَنْ لَمْ يَشْكُرْ الْقَلِيلَ لَمْ يَشْكُرْ الْكَثِيرَ، وَمَنْ لَمْ يَشْكُرْ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرْ اللَّهَ عز وجل» .
وَالتَّحَدُّثُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ عز وجل شُكْرٌ وَتَرْكُهَا كُفْرٌ.
وَالْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ، وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ ".
وَقَدْ قِيلَ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ رحمه الله: الْمَجُوسِيُّ يُولِينِي خَيْرًا فَأَشْكُرُهُ؟ قَالَ نَعَمْ.
وَأَنْشَدَ بَعْضُهُمْ:
إنَّنِي أُثْنِي بِمَا أَوْلَيْتنِي
…
لَمْ يَضِعْ حَسَنُ بَلَاءِ مَنْ شَكَرْ
إنَّنِي وَاَللَّهِ لَا أَكْفُرُكُمْ
…
أَبَدًا مَا صَاحَ عُصْفُورُ الشَّجَرْ
وَقَالَ آخَرُ:
فَلَوْ كَانَ يَسْتَغْنِي عَنْ الشُّكْرِ مَا جَدَّ
…
لِعِزَّةِ مُلْكٍ أَوْ عُلُوِّ مَكَانِ
لَمَا نَدَبَ اللَّهُ الْعِبَادَ لِشُكْرِهِ
…
فَقَالَ اُشْكُرُونِي أَيُّهَا الثَّقَلَانِ
وَلَمَّا كَانَ الشُّكْرُ يَسْتَدْعِي الْمَزِيدَ مِنْ النِّعَمِ وَالْبِرِّ وَعَدَ النَّاظِمُ الشَّاكِرَ وَالرَّاضِيَ بِالْمَثُوبَةِ وَازْدِيَادِ الرِّزْقِ وَرَغْمَ الْأَعْدَاءِ وَالْحُسَّادِ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ يَحْصُلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الرَّاضِي وَالشَّاكِرِ، وَهُوَ الْأَقْرَبُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلَى طَرِيقِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُشَوَّشِ أَيْ أَنَّ الرَّاضِيَ بِقِسْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى يُثَابُ ثَوَابَ الرَّاضِينَ.
وَالشَّاكِرُ يَزْدَادُ رِزْقًا وَإِرْغَامًا لِلْحَاسِدِينَ.
وَهَذَا أَنْسَبُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى.
وَهُوَ مُنْتَزَعٌ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7] .
وَمِنْ كَلَامِ بَعْضِهِمْ: الشُّكْرُ قَيْدٌ لِلنِّعَمِ الْمَوْجُودَةِ، وَصَيْدٌ لِلنِّعَمِ الْمَفْقُودَةِ.
وَمِنْ كَلَامِ آخَرَ: إنَّ حَقًّا عَلَى مَنْ لَعِبِ بِنِعَمِ اللَّهِ - تَعَالَى - أَنْ يَسْلُبَهُ إيَّاهَا.
وَقَالَ آخَرُ: كُفْرَانُ النِّعَمِ بَوَارٌ.
وَقَالَ آخَرُ: اسْتَدْعِ شَارِدَهَا بِالشُّكْرِ، وَاسْتَدِمْ رَاهِنَهَا بِلُزُومِ حُسْنِ الْجَوَارِ.