الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَحْوَى كَلَامِ النَّاظِمِ حَيْثُ إنَّهُ جَعَلَ هَذَا الْمُخْتَلِي قَدْ أَنِسَ بِمَا مَعَهُ مِنْ الْعُلُومِ وَالْمَعَارِفِ، وَالْأَذْكَارِ وَالْوَظَائِفِ، وَهَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ قَبْلَ الْخَلْوَةِ لِيَعْبُدَ اللَّهَ عَلَى عِلْمٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
مَطْلَبٌ: ذِكْرُ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي الْعُزْلَةِ
.
وَقَدْ جَاءَ فِي مَدْحِ الْعُزْلَةِ عِدَّةُ أَخْبَارٍ، عَنْ النَّبِيِّ الْمُخْتَارِ، وَجُمْلَةُ آثَارٍ، عَنْ السَّلَفِ الْأَخْيَارِ، فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ:«قَالَ رَجُلٌ أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ مُؤْمِنٌ يُجَاهِدُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. قَالَ ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: رَجُلٌ مُعْتَزِلٌ فِي شِعْبٍ مِنْ الشِّعَابِ يَعْبُدُ رَبَّهُ» - وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا «- يَتَّقِي اللَّهَ وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ» . وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِهِمَا بِلَفْظِ «أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْمَلُ إيمَانًا؟ قَالَ: مُؤْمِنٌ يُجَاهِدُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، وَرَجُلٌ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي شِعْبٍ مِنْ الشِّعَابِ وَقَدْ كَفَى النَّاسَ شَرَّهُ» .
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: «كَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي إبِلِهِ، فَجَاءَهُ ابْنُهُ عُمَرُ فَلَمَّا رَآهُ سَعْدٌ قَالَ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا الرَّاكِبِ، فَنَزَلَ فَقَالَ لَهُ: أَنَزَلْت فِي إبِلِك وَغَنَمِك وَتَرَكْت النَّاسَ يَتَنَازَعُونَ الْمُلْكَ، فَضَرَبَهُ سَعْدٌ فِي صَدْرِهِ وَقَالَ: اُسْكُتْ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ» . قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ: أَيْ الْغَنِيَّ النَّفْسِ الْقَنُوعَ.
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَابْنُ حِبَّانَ وَاللَّفْظُ لَهُ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَانَ ضَامِنًا عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ عَادَ مَرِيضًا كَانَ ضَامِنًا عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ دَخَلَ عَلَى إمَامٍ يُعَزِّرُهُ كَانَ ضَامِنًا عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ جَلَسَ فِي بَيْتِهِ لَمْ يَغْتَبْ إنْسَانًا كَانَ ضَامِنًا عَلَى اللَّهِ» وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ «أَوْ قَعَدَ فِي بَيْتِهِ فَسَلِمَ النَّاسُ مِنْهُ وَسَلِمَ هُوَ مِنْ النَّاسِ» وَهُوَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد بِنَحْوِهِ. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها وَلَفْظُهُ: قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «خِصَالٌ سِتٌّ مَا مِنْ مُسْلِمٍ
يَمُوتُ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ إلَّا كَانَ ضَامِنًا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، فَذَكَرَ مِنْهَا وَرَجُلٌ فِي بَيْتِهِ لَا يَغْتَابُ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَجُرُّ إلَيْهِمْ سَخَطًا وَلَا نِقْمَةً» .
وَرَوَى أَيْضًا فِي الْأَوْسَطِ وَالصَّغِيرِ وَحَسَّنَ إسْنَادَهُ عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «طُوبَى لِمَنْ مَلَكَ لِسَانَهُ، وَوَسِعَهُ بَيْتُهُ، وَبَكَى عَلَى خَطِيئَتِهِ» . وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا النَّجَاةُ؟ قَالَ أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ» .
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ مُقَارِبٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه مَرْفُوعًا «مَنْ انْقَطَعَ إلَى اللَّهِ كَفَاهُ اللَّهُ كُلَّ مُؤَنِهِ، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ، وَمَنْ انْقَطَعَ إلَى الدُّنْيَا وَكَلَهُ اللَّهُ إلَيْهَا» . وَرَوَاهُ أَبُو الشَّيْخِ فِي الثَّوَابِ وَلَهُ شَوَاهِدُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ «السَّلَامَةُ فِي الْعُزْلَةِ» فَهُوَ وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ صَحِيحًا فَلَيْسَ بِحَدِيثٍ. نَعَمْ قَالَ السَّخَاوِيُّ: أَسْنَدَ الدَّيْلَمِيُّ مَعْنَاهُ مُسَلْسَلًا عَنْ أَبِي مُوسَى رَفَعَهُ «سَلَامَةُ الرَّجُلِ فِي الْفِتْنَةِ أَنْ يَلْزَمَ بَيْتَهُ» ثُمَّ سَاقَ قَوْلَ أَبِي حَيَّانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -:
أَرَحْتُ نَفْسِي مِنْ الْإِينَاسِ بِالنَّاسِ
…
لَمَّا غَنِيتُ عَنْ الْأَكْيَاسِ بِالْيَأْسِ
وَصِرْتُ فِي الْبَيْتِ وَحْدِي لَا أَرَى أَحَدًا
…
بَنَاتُ فِكْرِي وَكُتْبِي هُنَّ جُلَّاسِي
وَقَالَ سَيِّدُنَا عُمَرُ رضي الله عنه: خُذُوا حَظَّكُمْ مِنْ الْعُزْلَةِ.
قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه: وَاَللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ بَابًا مِنْ حَدِيدٍ لَا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ وَلَا أُكَلِّمُهُ حَتَّى أَلْحَقَ بِاَللَّهِ عز وجل. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: لَوْلَا مَخَافَةُ الْوَسْوَاسِ لَدَخَلْتُ إلَى بِلَادٍ لَا أَنِيسَ بِهَا، وَهَلْ يُفْسِدُ النَّاسَ إلَّا النَّاسُ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَابْنُ سِيرِينَ: الْعُزْلَةُ عِبَادَةٌ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: إذَا رَأَيْتُمْ الرَّجُلَ يُطِيلُ الصَّمْتَ وَيَهْرُبُ مِنْ النَّاسِ فَاقْتَرِبُوا مِنْهُ فَإِنَّهُ يُلْقِي الْحِكْمَةَ.
وَأَوْصَى دَاوُد الطَّائِيُّ: فِرَّ مِنْ النَّاسِ كَمَا تَفِرُّ مِنْ الْأَسَدِ
وَأَوْصَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَعْضَ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: إنْ اسْتَطَعْت أَنْ لَا تُخَالِطَ فِي زَمَانِك هَذَا أَحَدًا فَافْعَلْ، وَلْيَكُنْ هَمُّك مَرَمَّةَ جِهَازِك، وَكَانَ يَقُولُ هَذَا زَمَانُ السُّكُوتِ وَلُزُومِ الْبَيْتِ.
وَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه يُحِبُّ الِانْفِرَادَ وَالْعُزْلَةَ مِنْ النَّاسِ، وَكَذَلِكَ إبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ، وَسُلَيْمَانُ الْخَوَّاصُ، وَيُوسُفُ بْنُ أَسْبَاطَ فِي خَلْقٍ كَثِيرٍ مِنْ الْخَوَاصِّ.
ثُمَّ ذَكَرَ النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَعْضَ فَوَائِدِ الْخَلْوَةِ غَيْرَ مَا قَدَّمَهُ فَقَالَ:
وَيَسْلَمُ مِنْ قَالَ وَقِيلَ وَمِنْ أَذَى
…
جَلِيسٍ وَمِنْ وَاشٍ بَغِيضٍ وَحُسَّدِ
(وَيَسْلَمُ) هُوَ (مِنْ قَالَ) فُلَانٌ (وَ) مِنْ (قِيلَ) فِي فُلَانٍ وَعَنْ فُلَانٍ، وَهُوَ مِمَّا كَرِهَهُ اللَّهُ سبحانه وتعالى لَنَا كَمَا فِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: قِيلَ وَقَالَ وَإِضَاعَةُ الْمَالِ وَكَثْرَةُ السُّؤَالِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِنَحْوِهِ، وَالْمُرَادُ حَيْثُ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَعْنِيه، وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مِنْ حُسْنِ إسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيه» .
(وَ) يَسْلَمُ أَيْضًا (مِنْ أَذَى جَلِيسٍ) أَيْ مُجَالِسٍ، يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى فَاعِلِهِ أَيْ وَيَسْلَمُ الْمُعْتَزِلُ مِنْ الْأَذَى الصَّادِرِ مِنْ الْجَلِيسِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى مَفْعُولِهِ، أَيْ وَيَسْلَمُ فِي وِحْدَتِهِ وَخَلْوَتِهِ مِنْ أَنْ يُؤْذِيَ هُوَ جَلِيسَهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُتَخَلِّيَ سَلِمَ مِنْ الشَّيْئَيْنِ مَعًا.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السُّوءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إمَّا أَنْ يَحْرِقَ ثِيَابَك وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً» قَوْلُهُ يُحْذِيَكَ أَيْ يُعْطِيَك.
وَعِنْدَ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيَّ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا «مَثَلُ جَلِيسِ الصَّالِحِ كَمَثَلِ
صَاحِبِ الْمِسْكِ إنْ لَمْ يُصِبْك مِنْهُ شَيْءٌ أَصَابَك مِنْ رِيحِهِ، وَمَثَلُ جَلِيسِ السُّوءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْكِيرِ إنْ لَمْ يُصِبْك مِنْ سَوَادِهِ أَصَابَك مِنْ دُخَانِهِ» .
وَرَوَى الْحَاكِمُ وَالْعَسْكَرِيُّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا: «الْوِحْدَةُ خَيْرٌ مِنْ جَلِيسِ السُّوءِ، وَالْجَلِيسُ الصَّالِحُ خَيْرٌ مِنْ الْوِحْدَةِ، وَإِمْلَاءُ الْخَيْرِ خَيْرٌ مِنْ الصَّمْتِ، وَالصَّمْتُ خَيْرٌ مِنْ إمْلَاءِ الشَّرِّ» .
(وَ) يَسْلَمُ أَيْضًا (مِنْ) شَخْصٍ (وَاشٍ) يُقَالُ وَشَى فُلَانٌ كَلَامَهُ كَذَبَ فِيهِ، وَوَشَى بِهِ إلَى السُّلْطَانِ وَشْيًا وَوِشَايَةً نَمَّ وَسَعَى، وَفِي خَبَرٍ ضَعِيفٍ: خَرَجْنَا نَشِي بِسَعْدٍ إلَى عُمَرَ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: يُقَالُ وَشَى بِهِ يَشِي وِشَايَةً إذَا نَمَّ عَلَيْهِ وَسَعَى بِهِ فَهُوَ وَاشٍ وَجَمْعُهُ وُشَاةٌ، قَالَ وَأَصْلُهُ اسْتِخْرَاجُ الْحَدِيثِ بِاللُّطْفِ وَالسُّؤَالِ، وَمِنْهُ فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيِّ ابْنَ سَلُولَ كَانَ يَسْتَوْشِيه وَيَجْمَعُهُ» أَيْ يَسْتَخْرِجُ الْحَدِيثَ بِالْبَحْثِ عَنْهُ.
وَفِي رِسَالَةِ ابْنِ زَيْدُونٍ لِابْنِ أَجْهُورٍ: فَكَيْفَ وَلَا ذَنْبَ إلَّا نَمِيمَةٌ أَهْدَاهَا كَاشِحٌ، وَنَبَأٌ جَاءَ بِهِ فَاسِقٌ، وَهُمْ الْهَمَّازُونَ الْمَشَّاءُونَ بِنَمِيمٍ، وَالْوَاشُونَ الَّذِينَ لَا يَلْبَثُونَ أَنْ يُصَدِّعُوا الْعَصَا، وَالْغُوَاةُ الَّذِينَ لَا يَتْرُكُونَ أَدِيمًا صَحِيحًا وَالسُّعَاةُ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ فَقَالَ: مَا ظَنُّك بِقَوْمٍ الصِّدْقُ مَحْمُودٌ إلَّا مِنْهُمْ.
قَالَ الصَّلَاحُ لِلصَّفَدِيِّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ: وَالْوَاشُونَ الَّذِينَ لَا يَلْبَثُونَ أَنْ يُصَدِّعُوا الْعَصَا الْأَصْلُ فِي هَذَا قَوْلُ كُثَيِّرِ عَزَّةَ:
لَعَمَّ أَبُو الْوَاشِينَ لَا عَمَّ غَيْرُهُمْ
…
لَقَدْ كَلِفُوا فِي خُطَّةٍ لَا أُرِيدُهَا
وَلَا يَلْبَثُ الْوَاشُونَ أَنْ يُصَدِّعُوا الْعَصَا
…
إذَا هِيَ لَمْ يُصْلَبْ عَلَى الْمَرْءِ عُودُهَا
مَطْلَبٌ: حِكَايَةٌ لَطِيفَةٌ.
ذَكَرَهَا الصَّلَاحُ الصَّفَدِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ الْمَذْكُورَةِ قَالَ: كَانَ الْخَلِيلَنْجِيُّ الْقَاضِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ ابْنِ أُخْتِ عَلَوِيَّةَ الْمُغَنِّي وَكَانَ ثِقَةً ثَبْتًا صَدُوقًا تَقَلَّدَ الْقَضَاءَ لِلْأَمِينِ، وَكَانَ عَلَوِيَّةُ عَدُوًّا لَهُ، فَجَرَتْ لَهُ قَضِيَّةٌ فِي بَغْدَادَ فَاسْتَعْفَى مِنْ الْقَضَاءِ وَسَأَلَ أَنْ يُوَلَّى بَعْضَ الْكُوَرِ الْبَعِيدَةِ. فَتَوَلَّى قَضَاءَ دِمَشْقَ أَوْ حِمْصَ، فَلَمَّا تَوَلَّى الْمَأْمُونُ الْخِلَافَةَ غَنَّاهُ يَوْمًا عَلَوِيَّةُ بِشِعْرِ الْخَلِيلَنْجِيِّ وَهُوَ: