الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِغَيْرِك، وَرُبَّمَا قَصَدَتْ حَتْفَك فَاحْذَرْ، وَالسَّلَامَةُ فِي التَّرْكِ وَالِاقْتِنَاعِ بِمَا يَدْفَعُ الزَّمَانَ.
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَيْضًا فِي كِتَابِ آدَابِ النِّسَاءِ: وَاسْتُحِبَّ لِمَنْ أَرَادَ تَزْوِيجَ ابْنَتِهِ أَنْ يَنْظُرَ لَهَا شَابًّا مُسْتَحْسَنَ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تُحِبُّ مَا يُحِبُّ الرَّجُلُ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إلَى ابْنَتِهِ فَيُزَوِّجُهَا الْقَبِيحَ الدَّمِيمَ، إنَّهُنَّ يُرِدْنَ مَا تُرِيدُونَ» .
وَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه " لَا تُنْكِحُوا الْمَرْأَةَ الْقَبِيحَ الدَّمِيمَ فَإِنَّهُنَّ يُحْبِبْنَ لِأَنْفُسِهِنَّ مَا تُحِبُّونَ لِأَنْفُسِكُمْ وَالدَّمِيمُ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ كَأَمِيرٍ الْحَقِيرُ، قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ وَجَمْعُهُ دِمَامٌ كَجِبَالٍ، وَهِيَ بِهَاءٍ يَعْنِي دَمِيمَةً وَجَمْعُهَا دَمَائِمُ وَدِمَامٌ أَيْضًا انْتَهَى. فَهَذِهِ وَصِيَّةٌ مِنْ النَّاظِمِ لِكُلِّ ذِي لُبٍّ وَفَهْمٍ وَحَازِمٍ.
وَالْوَصِيَّةُ الثَّانِيَةُ مَا أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ
مَطْلَبٌ: لَا يَنْكِحُ مَنْ هِيَ أَعْلَى مِنْهُ فِي الرُّتْبَةِ وَالْمَنْصِبِ
وَلَا تَنْكِحَنْ مِنْ نَسْمِ فَوْقِكَ رُتْبَةً
…
تَكُنْ أَبَدًا فِي حُكْمِهَا فِي تَنَكُّدِ
(وَلَا تَنْكِحَنْ) أَيُّهَا الْأَخُ فِي اللَّهِ (مِنْ نَسْمِ) جَمْعِ نَسَمَةٍ مُحَرَّكَةً: الْإِنْسَانُ وَالرُّوحُ وَنَفْسُ الرِّيحِ إذَا كَانَ ضَعِيفًا.
قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَالنَّسَمَةُ مُحَرَّكَةً الْإِنْسَانُ جَمْعُهُ نَسْمٌ وَنَسَمَاتٌ وَالْمَمْلُوكُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى.
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ أَعْتَقَ نَسَمَةً» النَّسَمَةُ النَّفْسُ وَالرُّوحُ أَيْ مَنْ أَعْتَقَ ذَا رُوحٍ وَكُلُّ دَابَّةٍ فِيهَا رُوحٌ فَهِيَ نَسَمَةٌ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ النَّاسَ. وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ رضي الله عنه «وَاَلَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ» أَيْ خَلَقَ ذَاتَ الرُّوحِ، وَكَثِيرًا مَا كَانَ يَقُولُهَا إذَا اجْتَهَدَ فِي يَمِينِهِ. يُرِيدُ النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّك لَا تَنْكِحُ مِنْ كَرَائِمَ (فَوْقَك) أَيْ أَعْلَى مِنْك (رُتْبَةً) أَيْ فِي الرُّتْبَةِ وَالْمَنْصِبِ فَإِنَّك إنْ فَعَلْت ذَلِكَ (تَكُنْ) أَنْتَ (أَبَدًا) مُدَّةً كَوْنِهَا مَعَك (فِي حُكْمِهَا) أَيْ فِي حُكْمِ زَوْجَتِك الَّتِي مَنْصِبُهَا أَعْلَى مِنْك وَرُتْبَتُهَا أَرْقَى مِنْ رُتْبَتِك (فِي تَنَكُّدِ) مِنْ افْتِخَارِهَا عَلَيْك، وَعَدَمِ مُبَالَاتِهَا بِك
لِإِهَانَتِك عِنْدَهَا، وَنَقْصِك فِي عَيْنِهَا، فَإِنْ بَذَلَتْ لَك حَقَّك رَأَتْ أَنَّهَا مَنَحَتْك أَمْرًا لَسْت أَهْلًا لَهُ، بَلْ إنَّمَا أَجَابَتْك إلَى مَا سَأَلْت مِنَّةً مِنْهَا امْتَنَّتْ بِهَا عَلَيْك، وَإِنْ لَمْ تُجِبْك رَأَتْ أَنَّهَا فَعَلَتْ أَمْرًا هِيَ أَهْلٌ لَهُ مِنْ عَدَمِ اكْتِرَاثِهَا بِك لِعُلُوِّهَا وَنُزُولِكَ.
وَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ لَا مَحَالَةَ أَنَّهُ فِي غَايَةِ النَّكَرِ وَتَعَبِ الْخَاطِرِ وَتَنْغِيصِ الْعَيْشِ، وَقَدْ حَصَلَ مِنْ زَوْجَتِهِ عَلَى ضِدِّ قَصْدِهِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ الِارْتِفَاعَ بِنِكَاحِهَا وَالْمُفَاخَرَةَ بِأَخْذِهَا فَعُوقِبَ بِضِدِّ قَصْدِهِ جَزَاءً وِفَاقًا.
وَلِذَا قَالَ النَّاظِمُ رحمه الله مُشِيرًا إلَى الْوَصِيَّةِ الثَّالِثَةِ:
وَلَا تَرْغَبَنْ فِي مَالِهَا وَأَثَاثِهَا
…
إذَا كُنْت ذَا فَقْرٍ تُذَلُّ وَتُضْهَدْ
(وَلَا تَرْغَبَنْ) نَهْيُ إرْشَادٍ كَنَظَائِرِهِ مُؤَكَّدٌ بِالنُّونِ الْخَفِيفَةِ (فِي مَالِهَا) أَيْ مَالِ الزَّوْجَةِ الَّتِي تُرِيدُ أَخْذَهَا، فَإِنَّهَا تَتَعَالَى بِهِ عَلَيْك فَتَحْصُلُ عَلَى غَايَةِ الذُّلِّ (وَ) لَا تَرْغَبَنْ فِي أَثَاثِهَا) أَيْ أَثَاثِ الزَّوْجَةِ الَّتِي تُرِيدُ نِكَاحَهَا.
قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْأَثَاثُ مَتَاعُ الْبَيْتِ بِلَا وَاحِدٍ أَوْ الْمَالُ أَجْمَعُ وَالْوَاحِدَةُ أَثَاثَةٌ. انْتَهَى (إذَا كُنْت) أَنْتَ (ذَا) أَيْ صَاحِبَ (فَقْرٍ) أَيْ لَسْت بِغَنِيٍّ فَإِنَّك إنْ تَزَوَّجْت ذَاتَ مَالٍ مَعَ فَقْرِك (تُذَلُّ) لِعَدَمِ فَضْلِك عَلَيْهَا وَتَخَلُّفِك عَنْ تَحْصِيلِ مُرَادَاتِهَا وَافْتِقَارِك لِمَا فِي يَدِهَا، فَبِقَدْرِ قِصَرِ يَدِك يَطُولُ عَلَيْك لِسَانُهَا (وَتُضْهَدْ) أَيْ تُقْهَرْ.
قَالَ فِي الْقَامُوسِ: ضَهَدَهُ كَمَنَعَهُ قَهَرَهُ كَاضْطَهَدَهُ وَأَضْهَدَ بِهِ جَارٍ عَلَيْهِ انْتَهَى.
يَعْنِي أَنَّك مَعَ اتِّصَافِك بِالذُّلِّ يَحْصُلُ لَك أَيْضًا مِنْ الْقَهْرِ وَالْمَهَانَةِ مَا يَحْصُلُ لِلطَّالِبِ مِنْ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ مَعَ طُولِ الزَّمَانِ وَكَثْرَةِ الِامْتِنَانِ وَتَعَدُّدِ الْإِحْسَانِ، فَيُعْكَسُ عَلَيْك الْحَالُ، وَتَحْصُلُ عَلَى الْوَبَالِ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمٍ الْأَفْرِيقِيِّ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ عَنْ الثِّقَاتِ، وَيُدَلِّسُ وَقَوَّاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما مَرْفُوعًا «لَا تَزَوَّجُوا النِّسَاءَ لِحُسْنِهِنَّ فَعَسَى حُسْنُهُنَّ أَنْ يُرْدِيَهُنَّ، وَلَا تَزَوَّجُوهُنَّ لِأَمْوَالِهِنَّ فَعَسَى أَمْوَالُهُنَّ أَنْ تُطْغِيَهُنَّ، وَلَكِنْ تَزَوَّجُوهُنَّ عَلَى الدِّينِ، وَلَأَمَةٌ جَرْبَاءُ سَوْدَاءُ ذَاتُ دِينٍ أَفْضَلُ» .
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا «مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لِعِزِّهَا لَمْ يَزِدْهُ اللَّهُ إلَّا ذُلًّا، وَمَنْ تَزَوَّجَهَا لِمَالِهَا لَمْ يَزِدْهُ اللَّهُ إلَّا فَقْرًا، وَمَنْ تَزَوَّجَهَا