الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: مِنْ السُّنَّةِ إذَا جَلَسَ الرَّجُلُ أَنْ يَخْلَعَ نَعْلَيْهِ فَيَضَعَهُمَا بِجَانِبِهِ.
قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ كَغَيْرِهِ: وَلَا يَرْمِ بِهِمَا عَلَى وَجْهِ الْكِبْرِ وَالتَّعَاظُمِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِإِتْلَافِ شَيْءٍ مِنْ أَرْضِ الْمَسْجِدِ أَوْ أَذَى أَحَدٍ لَمْ يَجُزْ، وَيَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِسَبَبِهِ، وَالْأَدَبُ أَنْ لَا يَفْعَلَ ذَلِكَ. انْتَهَى.
مَطْلَبٌ: فِي فَضْلِ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ
.
(تَتِمَّةٌ) فِي طَرَفٍ مِنْ آدَابِ الْمَسَاجِدِ وَاِتِّخَاذِهَا، وَذَلِكَ أَنْوَاعٌ:
(النَّوْعُ الْأَوَّلُ) : فِي بِنَائِهَا وَفَضْلِهَا الْقَائِمِ بِذَلِكَ.
اعْلَمْ - وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ لِكُلِّ فِعْلٍ حَمِيدٍ، وَعَمَلٍ سَدِيدٍ، وَقَوْلٍ مُفِيدٍ - أَنَّهُ يَجِبُ بِنَاءُ الْمَسَاجِدِ فِي الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى وَالْمَحَالِّ وَنَحْوِهَا بِحَسَبِ الْحَاجَةِ، وَهِيَ أَحَبُّ الْبِلَادِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا.
وَمَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ.
فَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «مَنْ بَنَى مَسْجِدًا يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» . وَفِي رِوَايَةٍ «بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ» .
وَرَوَى الْبَزَّارُ وَاللَّفْظُ لَهُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم «مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا قَدْرَ مَفْحَصِ قَطَاةٍ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما وَلَفْظُهُ «وَمَنْ بَنَى مَسْجِدًا كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ أَوْ أَصْغَرَ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلَّا أَنَّهُمَا قَالَا «كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ يَسَعُهَا لِبَيْضِهَا» وَمَفْحَصُ الْقَطَاةِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ هُوَ مَجْثَمُهَا.
قَالَهُ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ.
وَالْقَطَاةُ وَاحِدَةُ الْقَطَا طَائِرٌ مَعْرُوفٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْحَمَامِ. وَسُمِّيَتْ قَطَاةً لِحِكَايَةِ صَوْتِهَا فَإِنَّهَا تَقُولُ كَذَلِكَ.
قَالَ فِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى حَدِيثِ مَفْحَصِ الْقَطَاةِ: هُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ مَوْضِعُهَا الَّذِي تَجْثُمُ فِيهِ وَتَبِيضُ، كَأَنَّهَا تَفْحَصُ عَنْهُ التُّرَابَ أَيْ تَكْشِفُهُ، وَالْفَحْصُ الْبَحْثُ وَالْكَشْفُ.
خَصَّ الْقَطَاةَ بِهَذَا لِأَنَّهَا لَا تَبِيضُ فِي شَجَرَةٍ وَلَا عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ إنَّمَا تَجْعَلُ مَجْثَمَهَا عَلَى بَسِيطِ الْأَرْضِ دُونَ سَائِرِ الطَّيْرِ، فَلِذَلِكَ شَبَّهَ بِهِ الْمَسْجِدَ، وَلِأَنَّهَا تُوصَفُ بِالصِّدْقِ، فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى اعْتِبَارِ إخْلَاصِ النِّيَّةِ وَصِدْقِهَا فِي الْبِنَاءِ، كَمَا قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ الشَّاذِلِيُّ.
وَقِيلَ خَرَجَ ذَلِكَ مَخْرَجَ التَّرْغِيبِ بِالْقَلِيلِ مَخْرَجَ الْكَثِيرِ، كَمَا خَرَجَ مَخْرَجَ التَّحْذِيرِ بِالْقَلِيلِ عَنْ الْكَثِيرِ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ» عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ فِي شَرْحِ هَذَا الْخَبَرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه «أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ، فَفَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَ عَنْهَا بَعْدَ أَيَّامٍ فَقِيلَ لَهُ إنَّهَا مَاتَتْ قَالَ فَهَلَّا آذَنْتُمُونِي، فَأَتَى قَبْرَهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا» وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ «إنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَلْقُطُ الْخِرَقَ وَالْعِيدَانَ مِنْ الْمَسْجِدِ» وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ أَيْضًا وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ «كَانَتْ سَوْدَاءُ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ فَتُوُفِّيَتْ لَيْلًا فَلَمَّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُخْبِرَ بِهَا فَقَالَ أَلَا آذَنْتُمُونِي، فَخَرَجَ بِأَصْحَابِهِ فَوَقَفَ عَلَى قَبْرِهَا فَكَبَّرَ عَلَيْهَا وَالنَّاسُ خَلْفَهُ وَدَعَا لَهَا ثُمَّ انْصَرَفَ»
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما «أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَلْقُطُ الْقَذَى مِنْ الْمَسْجِدِ فَتُوُفِّيَتْ فَلَمْ يُؤْذَنْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِدَفْنِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا مَاتَ لَكُمْ مَيِّتٌ فَآذِنُونِي، وَصَلَّى عَلَيْهَا، وَقَالَ إنِّي رَأَيْتهَا فِي الْجَنَّةِ تَلْقُطُ الْقَذَى فِي الْمَسْجِدِ» .
وَرَوَى أَبُو الشَّيْخِ الْأَصْبَهَانِيُّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ مَرْزُوقٍ قَالَ «كَانَتْ امْرَأَةٌ بِالْمَدِينَةِ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ فَمَاتَتْ فَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَمَرَّ عَلَى قَبْرِهَا فَقَالَ مَا هَذَا الْقَبْرُ؟ فَقَالُوا أُمُّ مِحْجَنٍ، قَالَ الَّتِي كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ؟ قَالُوا نَعَمْ، فَصَفَّ النَّاسَ فَصَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَ أَيَّ الْعَمَلِ وَجَدْت أَفْضَلَ؟ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَسْمَعُ؟ قَالَ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ مِنْهَا، فَذَكَرَ أَنَّهَا أَجَابَتْهُ قَمَّ الْمَسْجِدِ»
وَهَذَا مُرْسَلٌ.
وَقَمُّ الْمَسْجِدِ بِالْقَافِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ هُوَ كَنْسُهُ.
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَأَشَارَ الْمُنْذِرِيُّ إلَى ضَعْفِهِ عَنْ أَبِي قِرْصَافَةَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «ابْنُوا الْمَسَاجِدَ وَأَخْرِجُوا الْقُمَامَةَ مِنْهَا، فَمَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهَذِهِ الْمَسَاجِدُ الَّتِي تُبْنَى فِي الطَّرِيقِ؟ قَالَ نَعَمْ وَإِخْرَاجُ الْقُمَامَةِ مِنْهَا مُهُورُ الْحُورِ الْعِينِ» .
وَالْقُمَامَةُ بِالضَّمِّ الْكُنَاسَةُ.
وَاسْمُ أَبِي قِرْصَافَةَ بِكَسْرِ الْقَافِ جَنْدَرَةُ بْنُ خَيْشَنَةَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ خُزَيْمَةَ بِسَنَدٍ مُحْتَمِلِ الْحُسْنِ كَمَا قَالَهُ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ أَخْرَجَ أَذًى مِنْ الْمَسْجِدِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» .
وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْكَنْسُ وَنَحْوُهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ فَهُوَ سُنَّةٌ كَمَا فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهَا، وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهِ.
وَلَا شَكَّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَأَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ ذَلِكَ فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ وَصَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَغَيْرِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّانِي) فِي صِيَانَةِ الْمَسَاجِدِ عَنْ أَنْوَاعِ الْأَذَى.
قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: يُسَنُّ أَنْ يُصَانَ كُلُّ مَسْجِدٍ عَنْ كُلِّ وَسَخٍ وَقَذَرٍ وَقَذَاةٍ وَمُخَاطٍ وَبُصَاقٍ، فَإِنْ بَدَرَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ أَخَذَهُ بِثَوْبِهِ.
قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيُسَنُّ أَنْ يُصَانَ أَيْضًا عَنْ تَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَقَصِّ الشَّارِبِ وَنَتْفِ الْإِبْطِ.
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ: يُسْتَحَبُّ تَنْزِيهُ الْمَسْجِدِ عَنْ الْقَذَاةِ.
وَالْبَصْقَةُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا إنْ كَانَتْ بِأَرْضِهِ وَكَانَتْ أَرْضُهُ حَصْبَاءَ وَنَحْوَهَا، وَإِلَّا مَسَحَهَا بِثَوْبِهِ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَا يَكْفِي تَغْطِيَتُهَا بِحَصِيرٍ.
وَإِنْ لَمْ يُزِلْهَا فَاعِلُهَا لَزِمَ غَيْرَهُ إزَالَتُهَا بِدَفْنٍ أَوْ غَيْرِهِ.
وَإِنْ كَانَتْ عَلَى حَائِطٍ وَجَبَ إزَالَتُهَا.
وَيُسْتَحَبُّ تَخْلِيقُ مَوْضِعِهَا لِفِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام.
فَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه مَا قَالَ «بَيْنَمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ يَوْمًا إذْ رَأَى نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ فَتَغَيَّظَ عَلَى