الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذَّنْبِ. فَمَتَى ادَّعَى الزِّيَادَةَ عَلَى مَا اقْتَضَتْهُ اللُّغَةُ احْتَاجَ إلَى دَلِيلٍ. انْتَهَى كَلَامُهُ مُلَخَّصًا مَعَ زِيَادَةٍ فِيهِ.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَزْمَ رُكْنٌ. وَالْأَمْرُ فِي هَذَا قَرِيبٌ فَإِنَّهُ مُعْتَبَرٌ عِنْدَهُمْ. انْتَهَى.
وَأَنْتَ خَبِيرٌ أَنَّا مَتَى قُلْنَا الْعَزْمُ رُكْنٌ صَارَ شَطْرًا لَا شَرْطًا. إذْ الرُّكْنُ مِنْ الْمَاهِيَّةِ بِخِلَافِ الشَّرْطِ. فَمَتَى تَوَفَّرَتْ التَّوْبَةُ عَلَى النَّسَقِ الْمَذْكُورِ قُبِلَتْ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَغُفِرَ الذَّنْبُ وَهِيَ التَّوْبَةُ النَّصُوحُ. كَمَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ إنَّهَا نَدَمٌ بِالْقَلْبِ، وَاسْتِغْفَارٌ بِاللِّسَانِ، وَتَرْكٌ بِالْجَوَارِحِ، وَإِضْمَارٌ أَنْ لَا يَعُودَ.
مَطْلَبٌ: فِي بَيَانِ التَّوْبَةِ النَّصُوحِ
.
وَقَالَ الْبَغَوِيّ فِي تَفْسِيرِهِ: قَالَ عُمَرُ وَأُبَيٌّ وَمُعَاذٌ رضي الله عنهم: التَّوْبَةُ النَّصُوحُ أَنْ يَتُوبَ ثُمَّ لَا يَعُودُ إلَى الذَّنْبِ كَمَا لَا يَعُودُ اللَّبَنُ إلَى الضَّرْعِ. كَذَا قَالَ. وَفِي صِحَّةِ هَذَا عَنْهُمْ نَظَرٌ. ثُمَّ لَعَلَّ الْمُرَادَ التَّوْبَةُ الْكَامِلَةُ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهَا.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هِيَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ بِاللِّسَانِ، وَيَنْدَمَ بِالْقَلْبِ، وَيُمْسِكَ بِالْبَدَنِ. فَظَاهِرُهُ عَدَمُ اعْتِبَارِ إضْمَارِ أَنْ لَا يَعُودَ.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَلَمْ أَجِدْ مَنْ صَرَّحَ بِعَدَمِ اعْتِبَارِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْإِمَامُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه إلَّا أَنَّ التَّوْبَةَ النَّصُوحَ أَنْ يَتُوبَ الْعَبْدُ مِنْ الذَّنْبِ وَهُوَ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ أَنْ لَا يَعُودَ.
[مَطْلَبٌ: إذَا لَمْ يُكَرِّرْ الْعَبْدُ التَّوْبَةَ كُلَّمَا خَطَرَ ذَنْبُهُ بِبَالِهِ]
مَطْلَبٌ: هَلْ إذَا لَمْ يُكَرِّرْ الْعَبْدُ التَّوْبَةَ كُلَّمَا خَطَرَ ذَنْبُهُ بِبَالِهِ يَكُونُ نَاقِصًا لِلتَّوْبَةِ أَمْ لَا؟
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَاعْلَمْ أَنَّ التَّوْبَةَ نَدَمٌ يُورِثُ عَزْمًا وَقَصْدًا، وَعَلَامَةُ النَّدَمِ طُولُ الْحُزْنِ عَلَى مَا فَاتَ. وَعَلَامَةُ الْعَزْمِ وَالْقَصْدِ التَّدَارُكُ لِمَا فَاتَ وَإِصْلَاحُ مَا يَأْتِي. فَإِنْ كَانَ الْمَاضِي تَفْرِيطًا فِي عِبَادَةٍ قَضَاهَا، أَوْ مَظْلَمَةٍ أَدَّاهَا، أَوْ خَطِيئَةٍ لَا تُوجِبُ غَرَامَةً حَزِنَ إذْ تَعَاطَاهَا. قَالَ وَمِنْ عَلَامَاتِ التَّائِبِ أَنْ يَغْضَبَ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا غَضِبَ مَاعِزٌ وَالْغَامِدِيَّةُ فَأَسْلَمَاهَا إلَى الْهَلَاكِ قَالَ وَهَذَا ذَكَرْنَاهُ مِثَالًا. وَإِنْ كُنَّا لَا نَرَى إلَّا أَنَّ الْعَاصِيَ يَسْتُرُ نَفْسَهُ. وَمِنْهَا أَنْ تَضِيقَ
الْأَرْضُ عَلَيْهِ كَمَا ضَاقَتْ عَلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَصَاحِبَيْهِ. فَيَسْتَوْلِي عَلَيْهِ الْحُزْنُ وَالْبُكَاءُ فَيَشْغَلُهُ عَنْ اللَّهْوِ وَالضَّحِكِ. قَالَ وَمَتَى قَصَّرَ فِي قَضَاءِ دَيْنٍ أَوْ رَدِّ مَظْلِمَةً دَلَّ عَلَى ضَعْفِ التَّوْبَةِ. انْتَهَى.
وَقَالَ فِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِينَ: قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ: التَّوْبَةُ نَدَمُ الْعَبْدِ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ، وَالْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ مِثْلِهِ كُلَّمَا ذَكَرَهُ، وَتَكْرَارِ فِعْلِ التَّوْبَةِ كُلَّمَا خَطَرَتْ مَعْصِيَتُهُ بِبَالِهِ، وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عَادَ مُصِرًّا نَاقِضًا لِلتَّوْبَةِ. وَهَذَا مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ السَّابِقِ، لَكِنْ أَبُو الْحُسَيْنِ يَقُولُ يَكُونُ نَاقِضًا لِلتَّوْبَةِ. وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ النَّدَمِ فَلَمْ يُوجَدْ عِنْدَهُ تَوْبَةٌ شَرْعِيَّةٌ. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَبُطْلَانُهَا بِالْمُعَاوَدَةِ أَقْرَبُ. قَالَ وَالْأَظْهَرُ مَذْهَبًا وَدَلِيلًا أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِذَلِكَ.
وَفِي الْفُصُولِ لِابْنِ عَقِيلٍ أَنَّ الْمُظَاهِرَ إذَا عَزَمَ عَلَى الْوَطْءِ رَاجِعٌ عَنْ تَحْرِيمِهَا بِعَزْمِهِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَزْمَ عَلَى مُعَاوَدَةِ الذَّنْبِ مَعَ التَّصْمِيمِ عَلَى التَّوْبَةِ نَقْضٌ لِلتَّوْبَةِ، فَجَعَلَهُ نَاقِضًا لِلتَّوْبَةِ بِالْعَزْمِ لَا بِغَيْرِهِ، وَهَذَا أَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِ السَّابِقِ وَكَلَامِ أَبِي الْحُسَيْنِ. ثُمَّ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ يُؤْخَذُ بِالذَّنْبِ السَّابِقِ الَّذِي تَابَ مِنْهُ فَهُوَ ضَعِيفٌ، وَإِنْ أَرَادَ انْتِقَاضَ التَّوْبَةِ وَقْتَ الْعَزْمِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ، وَأَنَّهُ يُؤَاخَذُ مِنْ الْعَزْمِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ فَهَذَا يُبْنَى عَلَى الْمُؤَاخَذَةِ بِأَفْعَالِ الْقُلُوبِ.
قَدْ فَصَّلَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ ذَلِكَ تَفْصِيلًا حَسَنًا. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْهَمَّ بِالسَّيِّئَاتِ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ لَهَا تَارَةً يَتْرُكُهُ الْهَامُّ بِهِ لِخَوْفِ اللَّهِ تَعَالَى فَيُكْتَبُ حَسَنَةً، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم حَاكِيًا عَنْ اللَّهِ «إنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّائِي» يَعْنِي مِنْ أَجْلِي وَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ مَمْدُودًا وَمَقْصُورًا.
وَفِي رِوَايَةٍ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً» وَأَمَّا إنْ تَرَكَهَا خَوْفًا مِنْ الْمَخْلُوقِينَ أَوْ مُرَاءَاةً لَهُمْ فَقَدْ قِيلَ إنَّهُ يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهَا بِهَذِهِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ خَوْفِ الْمَخْلُوقِينَ عَلَى خَوْفِ اللَّهِ مُحَرَّمٌ.
وَكَذَلِكَ قَصْدُ الرِّيَاءِ مُحَرَّمٌ، فَإِذَا اُقْتُرِنَ بِهِ تَرْكُ الْمَعْصِيَةِ لِأَجْلِهِ عُوقِبَ عَلَى هَذَا التَّرْكِ. وَقَدْ رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: يَا صَاحِبَ الذَّنْبِ لَا تَأْمَنَنَّ سُوءَ عَاقِبَتِهِ، وَلِمَا يَتْبَعُ الذَّنْبَ أَعْظَمُ مِنْ الذَّنْبِ إذَا