الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَوْ أَنَّ بِالْحِيَلِ الْغِنَى لَوَجَدْتنِي
…
بِنُجُومِ أَفْلَاكِ السَّمَاءِ تَعَلُّقِي
لَكِنَّ مَنْ رُزِقَ الْحِجَا حُرِمَ الْغِنَى
…
ضِدَّانِ مُفْتَرَقَانِ أَيَّ تَفَرُّقِ
فَإِذَا سَمِعْت بِأَنَّ مَحْرُومًا أَتَى
…
مَاءً لِيَشْرَبَهُ فَغَاصَ فَصَدِّقْ
أَوْ أَنَّ مَحْظُوظًا غَدَا فِي كَفِّهِ
…
عُودٌ فَأَوْرَقَ فِي يَدَيْهِ فَحَقِّقْ
وَقَالَ غَيْرُهُ:
وَلَيْسَ رِزْقُ الْفَتَى مِنْ حُسْنِ حِيلَتِهِ
…
لَكِنْ حُظُوظٌ بِأَرْزَاقٍ وَأَقْسَامِ
كَالصَّيْدِ يُحْرَمُهُ الرَّامِي الْمُجِيدُ وَقَدْ
…
يَرْمِي فَيُرْزَقُهُ مَنْ لَيْسَ بِالرَّامِي
وَقَالَ خَاتِمَةُ الْمُحَقِّقِينَ، وَنَادِرَةُ الْمُدَقِّقِينَ، الْعَلَّامَةُ الْأَوْحَدُ، وَالْفَهَّامَةُ الْأَمْجَدُ، الْوَحِيدُ الْأَلْمَعِيُّ، وَالْفَرِيدُ اللَّوْذَعِيُّ، الْمُحَقِّقُ عَبْدُ الْجَلِيلِ بْنُ أَبِي الْمَوَاهِبِ، الْمُنْتَقِلُ إلَى سَعَةِ رَحْمَةِ الْوَاهِبِ، لَيْلَةَ الْأَحَدِ فِي الثُّلُثِ الْأَخِيرِ فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ جُمَادَى الثَّانِيَةِ فِي سَنَةِ تِسْعَةَ عَشَرَ وَمِائَةٍ وَأَلْفٍ، وَقَدْ أَخَذْنَا عَنْ عِدَّةِ شُيُوخٍ أَخَذُوا عَنْهُ، وَقَدْ شَارَكْنَاهُ فِي أَكْثَرِ مَشَايِخِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَرَضِيَ عَنْهُ آمِينَ، مُشَطِّرًا لِلْأَبْيَاتِ الْمَنْسُوبَةِ لِسَيِّدِنَا جَعْفَرٍ الصَّادِقِ رضي الله عنه وَعَنْ آبَائِهِ الْأَطْهَرِينَ، وَهِيَ:
عَتَبْت عَلَى الدُّنْيَا وَقُلْت إلَى مَتَى
…
تُسِيئِينَ صُنْعًا مَعَ ذَوِي الشَّرَفِ الْجَلِيّ
أَفَاقِدَةُ الْإِنْصَافِ حَتَّى عَلَيْهِمْ
…
تَجُودِينَ بِالْهَمِّ الَّذِي لَيْسَ يَنْجَلِي
فَكُلُّ شَرِيفٍ مِنْ سُلَالَةِ هَاشِمٍ
…
بِسَيِّئٍ حَظٍّ فِي مَذَاهِبِهِ اُبْتُلِيَ
وَمَعَ كَوْنِهِ فِي غَايَةِ الْعِزِّ وَالْعُلَا
…
يَكُونُ عَلَيْهِ الرِّزْقُ غَيْرَ مُسَهَّلِ
فَقَالَتْ نَعَمْ يَا بْنَ الْبَتُولِ لِأَنَّنِي
…
خَسِيسَةُ قَدْرٍ عَنْ عُلَاكُمْ بِمَعْزِلِ
وَأَمَّا إسَاءَاتِي فَذَلِكَ أَنَّنِي
…
حَقَدْت عَلَيْكُمْ حِينَ طَلَّقَنِي عَلِيٌّ
مَطْلَبٌ: فِي وَصْفِ ضِرَارِ بْنِ ضَمْرَةَ الْإِمَامَ عَلِيًّا
كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ لِمُعَاوِيَةَ رضي الله عنه
قُلْت: وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: حَقَدْت عَلَيْكُمْ حِينَ طَلَّقَنِي عَلِيٌّ، إلَى مَا رَوَيْنَاهُ بِالسَّنَدِ الْمُتَّصِلِ إلَى الْإِمَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَحْمَدَ الصُّوفِيُّ، قَالَ نَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي صَادِقٍ الْحُرِّيُّ نَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بَاكَوَيْهِ الشِّيرَازِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ فَهْدٍ حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ السَّاجِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا بْنُ دِينَارٍ حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ بَكَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو الْأَسَدِيُّ
عَنْ الضَّبِّيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ قَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنه لِضِرَارِ بْنِ ضَمُرَةَ: صِفْ لِي عَلِيًّا. فَقَالَ أَوَ تُعْفِنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ بَلْ تَصِفْهُ لِي، قَالَ أَوَ تُعْفِنِي، قَالَ لَا أُعْفِيك. قَالَ أَمَّا إذْ لَا بُدَّ فَإِنَّهُ وَاَللَّهِ كَانَ بَعِيدَ الْمَدَى، شَدِيدَ الْقُوَى، يَقُولُ فَصْلًا، وَيَحْكُمُ عَدْلًا، وَيَتَفَجَّرُ الْعِلْمُ مِنْ جَوَانِبِهِ، وَتَنْطِقُ الْحِكْمَةُ مِنْ نَوَاحِيهِ، يَسْتَوْحِشُ مِنْ الدُّنْيَا وَزَهْرَتِهَا، وَيَسْتَأْنِسُ بِاللَّيْلِ وَظُلْمَتِهِ، كَانَ وَاَللَّهِ غَزِيرَ الدَّمْعَةِ، طَوِيلَ الْفِكْرَةِ، يُقَلِّبُ كَفَّهُ، وَيُخَاطِبُ نَفْسَهُ، يُعْجِبُهُ مِنْ اللِّبَاسِ مَا خَشِنَ، وَمِنْ الطَّعَامِ مَا جَشِبَ - أَيْ بِالْجِيمِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ عَلَى وَزْنِ نَصَرَ وَسَمِعَ أَيْ غَلُظَ أَوْ بِلَا أُدُمٍ كَمَا فِي الْقَامُوسِ انْتَهَى - كَانَ وَاَللَّهِ كَأَحَدِنَا يُجِيبُنَا إذَا سَأَلْنَاهُ، وَيَبْتَدِينَا إذَا أَتَيْنَاهُ، وَيَأْتِينَا إذَا دَعَوْنَاهُ، وَنَحْنُ وَاَللَّهِ مَعَ تَقْرِيبِهِ لَنَا وَقُرْبِهِ مِنَّا لَا نُكَلِّمُهُ هَيْبَةً، وَلَا نَبْتَدِيهِ لِعَظَمَتِهِ، فَإِنْ تَبَسَّمَ فَعَنْ مِثْلِ اللُّؤْلُؤِ الْمَنْظُومِ، يُعَظِّمُ أَهْلَ الدِّينِ، وَيُحِبُّ الْمَسَاكِينَ لَا يَطْمَعُ الْقَوِيُّ فِي بَاطِلِهِ، وَلَا يَيْأَسُ الضَّعِيفُ مِنْ عَدْلِهِ، فَأَشْهَدُ بِاَللَّهِ لَرَأَيْته فِي بَعْضِ مَوَاقِفِهِ، وَقَدْ أَرْخَى اللَّيْلُ سُجُوفَهُ، وَغَارَتْ نُجُومُهُ، وَقَدْ مَثُلَ فِي مِحْرَابِهِ قَابِضًا عَلَى لِحْيَتِهِ، يَتَمَلْمَلُ تَمَلْمُلَ السَّلِيمِ يَعْنِي الْقَرِيصِ وَيَبْكِي بُكَاءَ الْحَزِينِ، فَكَأَنِّي أَسْمَعُهُ وَهُوَ يَقُولُ: يَا دُنْيَا يَا دُنْيَا أَبِي تَعَرَّضْت، أَمْ لِي تَشَوَّقْت، هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ، غُرِّي غَيْرِي، قَدْ بَتَتُّكِ ثَلَاثًا لَا رَجْعَةَ لِي فِيك، فَعُمُرُك قَصِيرٌ، وَعَيْشُك حَقِيرٌ، وَخَطَرُك كَبِيرٌ، آهِ مِنْ قِلَّةِ الزَّادِ وَبُعْدِ السَّفَرِ، وَوَحْشَةِ الطَّرِيقِ. قَالَ فَذَرِفَتْ دُمُوعُ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه فَمَا يَمْلِكُهَا وَهُوَ يُنَشِّفُهَا بِكُمِّهِ، وَقَدْ اخْتَنَقَ الْقَوْمُ بِالْبُكَاءِ، ثُمَّ قَالَ مُعَاوِيَةُ: رَحِمَ اللَّهُ أَبَا الْحَسَنِ كَانَ وَاَللَّهِ كَذَلِكَ، فَكَيْفَ حُزْنُك عَلَيْهِ يَا ضِرَارُ؟ قَالَ حُزْنُ مَنْ ذُبِحَ وَلَدُهَا فِي حِجْرهَا فَلَا تَرْقَأُ عَبْرَتُهَا، وَلَا تَسْكُنُ حَسْرَتُهَا.
وَمَرَّ أَنَّ سَيِّدَنَا عَلِيًّا رضي الله عنه وَصَفَ الدُّنْيَا فَقَالَ: دَارٌ مَنْ صَحَّ فِيهَا أَمِنَ، وَمَنْ افْتَقَرَ فِيهَا حَزِنَ، وَمَنْ اسْتَغْنَى فِيهَا فُتِنَ، فِي حَلَالِهَا الْحِسَابُ، وَفِي حَرَامِهَا النَّارُ وَفِي لَفْظٍ الْعَذَابُ.
قَالَ فِي التَّمْيِيزِ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مَوْقُوفًا وَسَنَدُهُ مُنْقَطِعٌ انْتَهَى. وَقَدْ أَوْرَدَهُ فِي الْإِحْيَاءِ مَرْفُوعًا وَقَالَ مَخْرَجُهُ لَمْ أَجِدْهُ.
وَقَالَ السَّخَاوِيُّ: وَفِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما رَفَعَهُ: يَا بْنَ آدَمَ مَا تَصْنَعُ بِالدُّنْيَا حَلَالُهَا حِسَابٌ، وَحَرَامُهَا عَذَابٌ، وَلَفْظُ الشُّعَبِ: وَحَرَامُهَا النَّارُ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه.
وَمِمَّا يُرْوَى عَنْهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ: يَا دُنْيَا غُرِّي غَيْرِي قَدْ طَلَّقْتُك ثَلَاثًا وَأَنْشَدَ:
دُنْيَا تُخَادِعُنِي كَأَنِّي
…
لَسْت أَعْرِفُ مَالَهَا
مَدَّتْ إلَيَّ يَمِينَهَا
…
فَرَدَدْتهَا وَشِمَالَهَا
ذَمَّ الْإِلَهُ حَرَامَهَا
…
وَأَنَا اجْتَنَبْت حَلَالَهَا
وَعَرَفْتهَا غَدَّارَةً
…
فَتَرَكْت جُمْلَتَهَا لَهَا
وَقَدْ ذَكَرْت لَك بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا فِي كِتَابِي الْقَوْلِ الْعَلِيّ لِشَرْحِ أَثَرِ الْإِمَامِ عَلِيٍّ رضي الله عنه، فَهَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ بِقَوْلِهِ: حَقَدْت عَلَيْكُمْ حِينَ طَلَّقَنِي عَلِيٌّ.
وَقَالَ آخَرُ فِي مِثْلِ هَذَا وَأَحْسَنَ:
عَتَبْت عَلَى الدُّنْيَا لِتَقْدِيمِ جَاهِلٍ
…
وَتَأْخِيرِ ذِي فَضْلٍ فَقَالَتْ لَك الْعُذْرَا
بَنُو الْجَهْلِ أَبْنَائِي لِهَذَا رَفَعَتْهُمْ
…
وَأَمَّا ذَوُو الْأَلْبَابِ مِنْ ضَرَّتِي الْأُخْرَى
وَقَالَ السَّيِّدُ عَبْدُ الرَّحِيمِ الْعَبَّاسُ الْإِسْطَنْبُولِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -:
أَرَى الدَّهْرَ يُسْعِفُ جُهَّالَهُ
…
وَأَوْفَرُ حَظٍّ بِهِ الْجَاهِلُ
وَأَنْظُرُ حَظِّي بِهِ نَاقِصًا
…
أَيَحْسَبُنِي أَنَّنِي فَاضِلُ
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الصَّابِي:
قَدْ كُنْت أُعْجَبُ مِنْ مَالِي وَكَثْرَتِهِ
…
وَكَيْفَ تَغْفُلُ عَنِّي حِرْفَةُ الْأَدَبِ
حَتَّى انْثَنَتْ وَهِيَ كَالْغَضْبَى تُلَاحِظُنِي
…
شَزْرًا وَلَمْ تُبْقِ لِي شَيْئًا مِنْ النُّشَبِ
وَاسْتَيْقَنْت أَنَّهَا كَانَتْ عَلَى خَطَأٍ
…
فَاسْتَدْرَكَتْهُ وَأَفْضَتْ بِي إلَى الْحَرْبِ
الضَّبُّ وَالنُّونُ قَدْ يُرْجَى اجْتِمَاعُهُمَا
…
وَلَيْسَ يُرْجَى اجْتِمَاعُ الْمَالِ وَالْأَدَبِ
وَقَالَ السَّيِّدُ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه:
كَفَى حَزَنًا أَنَّ الْغِنَى مُتَعَذَّرٌ
…
عَلَيَّ وَأَنِّي بِالْمَكَارِمِ مُغْرَمُ
وَوَاللَّهِ مَا قَصَّرْت فِي طَلَبِ الْعُلَا
…
وَلَكِنَّنِي أَسْعَى إلَيْهَا وَأُحْرَمُ
وَمَا النَّاسُ إلَّا مُخَصَّبٌ بِثَرَائِهِ
…
وَآخَرُ ذُو جَدْبٍ مِنْ الْمَالِ مُعْدَمُ
كَمَا أَنَّ هَذَا شَاعِرٌ ذُو خَطَابَةٍ
…
وَهَذَا بَلِيدٌ مُقْفَلُ الْفَهْمِ مُفْحَمُ
وَإِنْ جُمِعَا فِي مَحْفِلٍ وَتَنَسَّبَا
…
إلَى أَبِ صَدْقٍ فِعْلُهُ يَتَرَنَّمُ
وَقَالَ أَبُو سَهْلٍ يَزْدَجْرِدْ الْكَسْرَوِيُّ:
مَتَى يُدْرِكُ النِّحْرِيرُ بَخْتًا بِعَقْلِهِ
…
وَيُحْرِزُ حَظًّا بِالْبَيَانِ وَبِالنُّطْقِ
وَيَحْتَالُ لِلْمَقْدُورِ حَتَّى يُزِيلَهُ
…
بِحِيلَةِ ذِي الْبَخْتِ الْمُكَمَّلِ بِالْحَلَقِ
أَبَتْ سُنَّةُ الْأَقْدَارِ غَيْرَ الَّذِي جَرَى
…
بِهِ الْحُكْمُ فِي الْأَرْزَاقِ وَالْخُلُقِ وَالْخَلْقِ
فَلَا تَخْدَعْنِي بِالْأَمَانِي فَإِنَّهَا
…
تَقُودُ عَزِيزَ الْقَوْمِ حُرًّا إلَى الرِّقِّ
وَكُونِي مَعَ الْحَقِّ الْمُصَرَّحِ وَاصْبِرِي
…
كَصَبْرِ الْمُسَجَّى فِي السِّيَاقِ عَلَى الْحَقِّ
فَمَا صَبْرُ الْمَكْرُوبِ وَهُوَ مُخَيَّرُ
…
وَلَكِنَّهُ صَبْرٌ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِ
وَفِي مَرْثِيَةِ التِّهَامِيِّ لِوَلَدِهِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الَّتِي أَوَّلُهَا:
حُكْمُ الْمَنِيَّةِ فِي الْبَرِّيَّةِ جَارِي
…
مَا هَذِهِ الدُّنْيَا بِدَارِ قَرَارِ
بَيْنَا يُرَى الْإِنْسَانُ فِيهَا مُخَبِّرًا
…
حَتَّى يُرَى خَبَرًا مِنْ الْأَخْبَارِ
جُبِلَتْ عَلَى كَدَرٍ وَأَنْتَ تُرِيدُهَا
…
صَفْوًا مِنْ الْأَقْذَاءِ وَالْأَكْدَارِ
وَمُكَلِّفُ الْأَيَّامِ ضِدَّ طِبَاعِهَا
…
مُتَطَلِّبٌ فِي الْمَاءِ جَذْوَةَ نَارِ
إلَى أَنْ يَقُولَ:
لَيْسَ الزَّمَانُ وَإِنْ حَرَصْت مُسَالِمًا
…
خُلُقُ الزَّمَانِ عَدَاوَةُ الْأَحْرَارِ
وَأَخْبَرَنَا شَيْخُنَا الشَّهَابُ الْمَنِينِيُّ فِي مَدْرَسَتِهِ الْعَادِلِيَّةِ فِي مَحْرُوسَةِ الشَّامِ سَنَةَ ثَمَانِيَةٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ وَأَلْفٍ قَالَ: رَأَيْت فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ أَنِّي بَيْنَ جَمَاعَةٍ مِنْ الْفُضَلَاءِ وَكَأَنِّي أَنْشُدُ بَيْتًا مِنْ الشِّعْرِ وَهُوَ:
قَدْ قَالَ جَدِّي عَنْ فَهْمٍ وَتَجْرِبَةٍ
…
مَا آفَةُ الْجَدِّ إلَّا حِرْفَةَ الْأَدَبِ
فَأَخَذْتُهُ وَكَتَبْت فِي الْمَجْلِسِ:
لَمَّا رَقِيت الْعُلَا وَظَفِرْت بِالْإِرْثِ
…
مِنْ الْعُلُومِ وَفُقْتَ النَّاسَ بِالْأَدَبِ
نَعَى الزَّمَانُ لِنَفْسِي حَظَّهَا سَفَهًا
…
مِنْ الْمَكَارِمِ فِي الدُّنْيَا وَمِنْ صَحْبِ
فَذُو الصَّدَاقَةِ صَارَ الْآنَ يَكْرَهُنِي
…
لِجَهْلِهِ بِذَوِي الْأَلْبَابِ وَالرُّتَبِ
وَغَاضَ رِزْقِي وَعَادَانِي الزَّمَانُ وَلَمْ
…
يَنْظُرْ لِمَا بِي مِنْ الْعُلْيَا وَلَا حَسَبِي
وَهَذِهِ سُنَّةُ الرَّحْمَنِ فَاصْغِ لَهَا
…
فَمَا لِذِي فِطْنَةٍ فِي النَّاسِ مِنْ نَشَبِ
وَشَاهِدِي فِيهِ مَا أَمْلَى الشِّهَابُ عَلَى
…
طَيْفٍ أَلَمَّ بِهِ فِي حِنْدِسِ الشُّهُبِ
قَدْ قَالَ جَدِّي عَنْ فَهْمٍ وَتَجْرِبَةٍ
…
مَا آفَةُ الْجَدِّ إلَّا حِرْفَةَ الْأَدَبِ
وَاعْلَمْ حَمَاك اللَّهُ مِنْ الزَّنْدَقَةِ، وَطَهَّرَ لِسَانَك مِنْ اللَّقْلَقَةِ، أَنَّ الزَّمَانَ لَا يُعْطِي وَلَا يَمْنَعُ، وَلَا يَخْفِضُ وَلَا يَرْفَعُ، وَلَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ.
وَإِنَّمَا الْفَاعِلُ ذَلِكَ كُلَّهُ رَبُّ الزَّمَانِ، الَّذِي مَا شَاءَ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ.
وَلَمَّا أَوْغَلَ ابْنُ الرَّاوَنْدِيِّ الزِّنْدِيقُ الْمُتَعَدِّي فِي النَّظَرِ فِي الْعُلُومِ الْفَلْسَفِيَّةِ، وَلَمْ يُنَوِّرْ قَلْبَهُ بِالْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ، قَالَ فِي مَعْرِضِ الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْحَضْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ:
كَمْ عَاقِلٍ عَاقِلٍ أَعْيَتْ مَذَاهِبُهُ
…
وَجَاهِلٍ جَاهِلٍ تَلْقَاهُ مَرْزُوقًا
هَذَا الَّذِي تَرَكَ الْأَوْهَامَ حَائِرَةً
…
وَصَيَّرَ الْعَالِمَ النِّحْرِيرَ زِنْدِيقًا
فَعَارَضَهُ أَهْلُ الِاهْتِدَاءِ وَنُجُومُ الِاقْتِدَاءِ فَقَالُوا:
كَمْ مِنْ أَدِيبٍ فَهِمٍ قَلْبُهُ
…
مُسْتَكْمِلُ الْعَقْلَ مُقِلٍّ عَدِيمِ
وَمِنْ جَهُولٍ مُكْثِرٍ مَالَهُ
…
ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ
وَقَالَ آخَرُ:
كَمْ عَاقِلٍ عَاقِلٍ لَا زَالَ ذَا عُسْرِ
…
وَجَاهِلٍ جَاهِلٍ لَا زَالَ فِي يُسْرِ
تَحَيَّرَ النَّاسُ فِي هَذَا فَقُلْت لَهُمْ
…
هَذَا الَّذِي أَوْجَبَ الْإِيمَانَ بِالْقَدْرِ
وَقَالَ آخَرُ:
كَمْ مِنْ قَوِيٍّ قَوِيٍّ فِي تَصَرُّفِهِ
…
مُهَذَّبُ الرَّأْيِ عَنْهُ الرِّزْقُ يَنْحَرِفُ
وَكَمْ ضَعِيفٍ ضَعِيفٍ فِي تَقَلُّبِهِ
…
كَأَنَّهُ مِنْ خَلِيجِ الْبَحْرِ يَغْتَرِفُ
هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِلَهَ لَهُ
…
فِي الْخَلْقِ سِرٌّ خَفِيٌّ لَيْسَ يَنْكَشِفُ
وَقَالَ الْأَرْجَانِيُّ:
تَنْقِيصُ أَهْلِ الْفَضْلِ دُونَ الْوَرَى
…
مَصَائِبُ الدُّنْيَا وَآفَاتُهَا
كَالطَّيْرِ لَا يُحْبَسُ مِنْ بَيْنِهَا
…
إلَّا الَّتِي تَطْرَبُ أَصْوَاتُهَا
وَلَهُ أَيْضًا: