الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النَّاظِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: تُصَلِّي عَلَى مَنْ عَادَ يَمْشِي قَدْ يُفْهَمُ مِنْهُ اعْتِبَارُ الْمَشْيِ فِي حُصُولِ الثَّوَابِ وَلَمْ أَرَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ، وَلَعَلَّ مُحْتَرَزَهُ غَيْرُ مُرَادٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مَطْلَبٌ: فِي آدَابِ الْعِيَادَةِ
(لِلثَّانِي) : فِي جُمْلَةٍ مِنْ آدَابِ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ، يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مِنْ أَوَّلِ الْمَرَضِ لِحَدِيثِ «إذَا مَرِضَ فَعُدْهُ» وَقِيلَ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِفِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ عَنْ أَنَسٍ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ قَالَ:«كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يَعُودُ مَرِيضًا إلَّا بَعْدَ ثَلَاثٍ» .، وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما:«الْعِيَادَةُ بَعْدَ ثَلَاثٍ سُنَّةٌ» .
وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَبَّاسٍ الزُّرَقِيِّ قَالَ: «عِيَادَةُ الْمَرِيضِ بَعْدَ ثَلَاثٍ» ، وَقَالَ عَنْ الْأَعْمَشِ: كُنَّا نَقْعُدُ فِي الْمَجْلِسِ، فَإِذَا فَقَدْنَا الرَّجُلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ سَأَلْنَا عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ مَرِيضًا عُدْنَاهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ:«لَا يُعَادُ الْمَرِيضُ إلَّا بَعْدَ ثَلَاثٍ» فَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ وَتَعَقَّبَهُ السُّيُوطِيّ: بِأَنَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الشَّوَاهِدِ تَنْفِي عَنْهُ الْوَضْعَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَنْ تَكُونَ طَرَفَيْ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا، وَتُكْرَهُ وَسَطَ النَّهَارِ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه عَنْ قُرْبٍ وَسَطُ النَّهَارِ لَيْسَ هَذَا وَقْتَ عِيَادَةٍ، وَنَصُّ الْإِمَامِ رضي الله عنه الْعِيَادَةُ فِي رَمَضَانَ تَكُونُ لَيْلًا؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا رَأَى مِنْ الْمَرِيضِ مَا يُضْعِفُهُ وَلِأَنَّهُ أَرْفَقُ بِالْعَائِدِ، وَلَا يُعَادُ مُبْتَدِعٌ وَمُجَاهِرٌ بِمَعْصِيَةٍ وَتُحَرَّمُ عِيَادَةُ الذِّمِّيِّ، وَتَقَدَّمَ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مَطْلَبٌ: الْعِيَادَةُ غِبًّا
فَمِنْهُمْ مُغِبًّا عُدْهُ خَفِّفْ وَمِنْهُمْ
…
الَّذِي يُؤْثِرُ التَّطْوِيلَ مِنْ مُتَوَرِّدٍ
(فَمِنْهُمْ) أَيْ الْمَرْضَى مَنْ يُثْقِلُهُ كَثْرَةُ الْعِيَادَةِ فَعُدْهُ (مُغِبًّا عُدْهُ) أَنْتَ مُرَاعَاةً لِحَالِهِ لِعَدَمِ إيثَارِهِ كَثْرَةَ التَّرَدُّدِ عَلَيْهِ وَالزِّيَارَةِ لَهُ فِي الْإِقْنَاعِ قَالَ جَمَاعَةٌ: وَيَغِبُّ بِهَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى، وَفِي الْفُرُوعِ مِثْلُهُ، ثُمَّ قَالَ وَظَاهِرُ إطْلَاقِ جَمَاعَةٍ خِلَافَهُ وَيُتَوَجَّهُ اخْتِلَافُهُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ، وَالْعَمَلِ بِالْقَرَائِنِ وَظَاهِرِ الْحَالِ وَمُرَادِهِمْ فِي الْجُمْلَةِ، وَهِيَ تُشْبِهُ الزِّيَارَةَ، وَهَذَا اخْتِيَارُ النَّاظِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
وَالْغِبُّ يَوْمٌ وَيَوْمٌ قَالَ فِي الْمُطْلِعِ فِي قَوْلِهِ: وَيُدْهِنُ غِبًّا أَيْ يُدْهِنُ يَوْمًا وَيَدَعُ يَوْمًا مَأْخُوذٌ
مِنْ غِبِّ الْإِبِلِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ هُوَ أَنْ تَرِدَ الْمَاءَ يَوْمًا وَتَدَعَهُ يَوْمًا قَالَ: وَأَمَّا الْغِبُّ فِي الزِّيَارَةِ فَقَالَ الْحَسَنُ: فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ زُرْ غِبًّا تَزْدَدْ حُبًّا انْتَهَى وَاقْتَصَرَ الْحَجَّاوِيُّ فِي لُغَةِ إقْنَاعِهِ عَلَى أَنَّ الْغِبَّ يَوْمٌ بَعْدَ يَوْمٍ وَفِي لَامِيَّةِ ابْنِ الْوَرْدِيِّ:
غِبْ وَزُرْ غِبًّا تَزِدْ حُبًّا فَمَنْ
…
أَكْثَرَ التَّرْدَادَ أَصْمَاهُ الْمَلَلُ
قَالَ شَارِحُهُ: أَيْ غِبْ عَنْ صَدِيقِك بُرْهَةً مِنْ الزَّمَانِ لِيُحَرِّكَ كُلًّا مِنْكُمَا الشَّوْقُ إلَى الْآخَرِ وَزُرْ غِبًّا اقْتَبَسَ الْحَدِيثَ «زُرْ غِبًّا تَزْدَدْ حُبًّا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ، وَهُمَا وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالطَّبَرَانِيُّ. وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقِ حَبِيبِ بْنِ مُسْلِمٍ الْفِهْرِيِّ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنُ عَمْرٍو وَالدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنهم، وَكَثْرَةُ طُرُقِهِ تُكْسِبُهُ قُوَّةً يَبْلُغُ بِهَا دَرَجَةَ الْحَسَنِ انْتَهَى.
وَفِي نِهَايَةِ ابْنِ الْأَثِيرِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيهِ زُرْ غِبًّا تَزْدَدْ حُبًّا الْغِبُّ فِي أَوْرَادِ الْإِبِلِ أَنْ تَرِدَ الْمَاءَ يَوْمًا وَتَدَعَهُ يَوْمًا، ثُمَّ تَعُودُ فَنَقَلَهُ إلَى الزِّيَارَةِ، وَإِنْ جَاءَ بَعْدَ أَيَّامٍ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ، وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ فِي قَوْلِ الْبُخَارِيِّ بَابٌ هَلْ يَزُورُ صَاحِبَهُ كُلَّ يَوْمٍ بُكْرَةً وَعَشِيًّا، وَنَقَلَ حَدِيثَ غَشَيَانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَيْتَ أَبِي بَكْرٍ بُكْرَةً وَعَشِيًّا كَأَنَّ الْبُخَارِيَّ رَمَزَ بِالتَّرْجَمَةِ إلَى تَوْهِينِ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ «زُرْ غِبًّا تَزْدَدْ حُبًّا» قَالَ: وَقَدْ وَرَدَ مِنْ طُرُقٍ أَكْثَرُهَا غَرَائِبُ لَا يَخْلُو وَاحِدٌ مِنْهَا مِنْ مَقَالٍ.
وَقَدْ جَمَعَ طُرُقَهُ أَبُو نُعَيْمٍ وَغَيْرُهُ قَالَ: وَقَدْ جَمَعْتهَا فِي جُزْءٍ مُفْرَدٍ قَالَ: وَأَقْوَى طُرُقِهِ مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِ نَيْسَابُورَ وَغَيْرُهُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ وَجَزَمَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْأَمْثَالِ بِأَنَّهُ مِنْ أَمْثَالِ الْعَرَبِ، وَكَانَ هَذَا الْكَلَامُ شَائِعًا فِي الْمُتَقَدِّمِينَ، ثُمَّ أَنْشَدَ لِأَبِي الْهِلَالِ بْنِ الْعَلَاءِ:
اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّنِي
…
لَك أَخْلَصُ الثَّقَلَيْنِ قَلْبًا
لَكِنْ لِقَوْلِ نَبِيِّنَا
…
زُورُوا عَلَى الْأَيَّامِ غِبًّا
وَلِقَوْلِهِ مَنْ زَارَ غِبًّا
…
مِنْكُمْ يَزْدَادُ حُبًّا
قَالَ وَكَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُوجِزَ فَيَقُولُ:
لَكِنْ لِقَوْلِ نَبِيِّنَا
…
مَنْ زَارَ غِبًّا زَادَ حُبًّا
ثُمَّ أَنْشَدَ لِأَبِي مُحَمَّدٍ الْقُرْطُبِيِّ رَاوِي الْمُوَطَّأِ)
أَقِلَّ زِيَارَةَ الْإِخْوَانِ
…
تَزْدَدْ عِنْدَهُمْ قُرْبًا
فَإِنَّ الْمُصْطَفَى قَدْ قَالَ
…
زُرْ غِبًّا تَزِدْ حُبًّا
وَمِنْهُ حَدِيثُ: «أَغِبُّوا فِي عِيَادَةِ الْمَرِيضِ» أَيْ لَا تَعُودُوهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ لِمَا يَجِدُ مِنْ ثِقَلِ الْعُوَّادِ انْتَهَى.
(وَفِي الْفُرُوعِ قَدْ ذَكَرَ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ الْحَرَّانِيُّ فِي نَوَادِرِهِ الشِّعْرَ الْمَشْهُورَ)
لَا تَضَجَّرْنَ عَلِيلًا فِي مُسَاءَلَةٍ
…
إنَّ الْعِيَادَةَ يَوْمٌ بَيْنَ يَوْمَيْنِ
بَلْ سَلْهُ عَنْ حَالِهِ وَادْعُ الْإِلَهَ لَهُ
…
وَاجْلِسْ بِقَدْرِ فَوَاقٍ بَيْنَ حَلْبَيْنِ
مَنْ زَارَ غِبًّا أَخًا دَامَتْ مَوَدَّتُهُ
…
وَكَانَ ذَاكَ صَلَاحًا لِلْخَلِيلَيْنِ
فَمِنْ ثَمَّ قَالَ النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَ (خَفِّفْ) فِي الْعِيَادَةِ وَلَا تُطِلْ الْجُلُوسَ عِنْدَهُ لِإِضْجَارِهِ، وَمَنْعِ بَعْضِ تَصَرُّفَاتِهِ وَعَنْهُ كَبَيْنَ خُطْبَتَيْ الْجُمُعَةِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ اخْتِلَافُهُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ وَالْعَمَلِ بِالْقَرَائِنِ وَظَاهِرِ الْحَالِ وَمُرَادِهِمْ فِي الْجُمْلَةِ.
وَهَذَا اخْتِيَارُ النَّاظِمِ؛ وَلِذَا قَالَ: (وَمِنْهُمْ) أَيْ الْمَرْضَى (الَّذِي) لَا يُحِبُّ التَّخْفِيفَ، بَلْ (يُؤْثِرُ) أَيْ يَطْلُبُ وَيُحِبُّ وَيُقَدِّمُ (التَّطْوِيلَ) أَيْ تَطْوِيلَ الْجُلُوسِ عِنْدَهُ الْكَائِنِ (مِنْ) صَدِيقٍ وَنَحْوِ (مُتَوَرِّدٍ) أَيْ طَالِبِ الْوُرُودِ إلَيْهِ مِنْ وَرَدَ الْمَاءَ، وَالْمُرَادُ مِنْ صَدِيقٍ عَائِدٍ.
فَفَكِّرْ وَرَاعِ فِي الْعِيَادَةِ حَالَ مَنْ
…
تَعُودُ وَلَا تُكْثِرْ سُؤَالًا تُنَكِّدْ
(فَ) إذَا فَهِمْت هَذَا مَعَ مَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ فَ (فَكِّرْ) أَيْ اسْتَعْمِلْ فِكْرَك فِي إطَالَةِ الْجُلُوسِ عِنْدَ مَنْ عُدْته وَعَدَمِهَا يَدُلُّك صَحِيحُ الْفِكْرِ مَعَ الْقَرِينَةِ عَلَى الْأَصْلَحِ مِنْهَا، قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْفِكْرُ بِالْكَسْرِ وَيُفْتَحُ إعْمَالُ النَّظَرِ فِي الشَّيْءِ كَالْفِكْرَةِ، وَالْفِكْرِيِّ انْتَهَى.
وَفِي مِفْتَاحِ دَارِ السَّعَادَةِ الْفِكْرُ هُوَ إحْضَارُ مَعْرِفَتَيْنِ فِي الْقَلْبِ يَسْتَثْمِرُ مِنْهُمَا مَعْرِفَةً ثَالِثَةً، وَمِثَالُ ذَلِكَ أَحْضَرَ فِي قَلْبِهِ الْعَاجِلَةَ وَعَيْشَهَا وَنَعِيمَهَا وَمَا تَقْتَرِنُ بِهِ مِنْ الْآفَاتِ وَانْقِطَاعِهِ وَزَوَالِهِ، ثُمَّ أَحْضَرَ فِي قَلْبِهِ الْآخِرَةَ وَنَعِيمَهَا وَلَذَّتَهَا وَدَوَامَهُ وَفَضَّلَهُ عَلَى نَعِيمِ الدُّنْيَا وَجَزَمَ بِهَذَيْنِ الْعَمَلَيْنِ، أَثْمَرَ لَهُ ذَلِكَ عِلْمًا ثَالِثًا، وَهُوَ أَنَّ الْآخِرَةَ وَنَعِيمَهَا الْفَاضِلَ الدَّائِمَ أَوْلَى عِنْدَ كُلِّ عَاقِلٍ بِإِيثَارِهِ مِنْ الْعَاجِلَةِ الْمُنَغَّصَةِ (وَ) إذَا وَصَلَ بِك صَحِيحُ الْفِكْرِ