الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ وَمَوْتُ الْعَالِمِ إلَى آخِرِهِ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا.
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما مَرْفُوعًا «اللَّهُمَّ ارْحَمْ خُلَفَائِي، قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ خُلَفَاؤُك؟ قَالَ الَّذِينَ يَأْتُونَ مِنْ بَعْدِي يَرْوُونَ أَحَادِيثِي وَيُعَلِّمُونَهَا النَّاسَ» .
وَمِمَّا يُنْسَبُ لِلْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه قَوْلُهُ:
تَغَرَّبْ عَنْ الْأَوْطَانِ فِي طَلَبِ الْعُلَا
…
وَسَافِرْ فَفِي الْأَسْفَارِ خَمْسُ فَوَائِدِ
إزَالَةُ هَمٍّ وَاكْتِسَابُ مَعِيشَةٍ
…
وَعِلْمٌ وَآدَابٌ وَصُحْبَةُ مَاجِدِ
فَإِنْ قِيلَ فِي الْأَسْفَارِ ذُلٌّ وَمِهْنَةٌ
…
وَقَطْعُ الْفَيَافِي وَارْتِكَابُ الشَّدَائِدِ
فَمَوْتُ الْفَتَى خَيْرٌ لَهُ مِنْ حَيَاتِهِ
…
بِدَارِ هَوَانٍ بَيْنَ وَاشٍ وَحَاسِدِ
وَمَرَّ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ لَمَّا سَمِعَ أَنَّ عِنْدَ رَجُلٍ أَحَادِيثَ عَوَالِي وَرَاءَ النَّهْرِ رَحَلَ إلَيْهِ.
وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي صَيْدِ الْخَاطِرِ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رضي الله عنه دَارَ الدُّنْيَا مَرَّتَيْنِ حَتَّى جَمَعَ الْمُسْنَدَ. وَلَمْ تَزَلْ الرِّحْلَةُ فِي الْعُلَمَاءِ مَطْلُوبَةً، وَهِيَ إلَى الْأَئِمَّةِ وَالْأَخْيَارِ مَنْسُوبَةٌ، وَحُسْنُ ذَلِكَ شَاعَ وَذَاعَ، وَمَلَأَ الْأَسْمَاعَ، فَلَا نُطِيلُ بِذِكْرِهِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
[مَطْلَبٌ: يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ لَا يُضَيِّعَ أَوْقَاتَهُ سُدًى]
وَلَا تُذْهِبَنَّ الْعُمْرَ مِنْك سَبَهْلَلًا
…
وَلَا تُغْبَنَن فِي الْغُمَّتَيْنِ بَلْ اجْهَدْ
(وَلَا تُذْهِبَنَّ) نَهْيٌ مُؤَكَّدٌ بِالنُّونِ الثَّقِيلَةِ وَالْفَاعِلُ الْمُخَاطَبُ، وَالْمُرَادُ كُلُّ مَنْ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُخَاطَبًا بِمِثْلِ مَا خَاطَبَ بِهِ (الْعُمْرَ) مَفْعُولٌ بِهِ أَيْ لَا تُذْهِبْ عُمْرَك النَّفِيسَ الَّذِي لَا قِيمَةَ لَهُ وَلَا خَطَرَ، وَلَا يُعَادِلُهُ جَوْهَرٌ وَلَا نَضْرٌ، وَلَا دُرٌّ وَلَا مَرْجَانُ وَلَا لُؤْلُؤٌ وَلَا عِقْيَانٌ (مِنْك) أَيُّهَا الْإِنْسَانُ، الْمَخْلُوقُ لِعِبَادَةِ الرَّحْمَنِ وَمُجَاوَرَتِهِ فِي الْجِنَانِ، (سَبَهْلَلًا) أَيْ غَيْرَ مُكْتَرِثٍ بِذَهَابِهِ لَا فِي عَمَلِ دُنْيَا وَلَا آخِرَةٍ، كَمَا فِي الْقَامُوسِ قَالَ: وَيَمْشِي سَبَهْلَلًا إذَا جَاءَ وَذَهَبَ فِي غَيْرِ شَيْءٍ وَمِنْهُ قَوْلُ صَاحِبِ الشَّاطِبِيَّةِ فِيهَا:
وَلَوْ أَنَّ عَيْنًا سَاعَدَتْ لَتَوَكَّفَتْ
…
سَحَائِبُهَا بِالدَّمْعِ دِيَمًا وَهُطَّلًا
وَلَكِنَّهَا عَنْ قَسْوَةِ الْقَلْبِ قَحْطُهَا
…
فَيَا ضَيْعَةَ الْأَعْمَارِ تَمْشِي سَبَهْلَلَا
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} [الأنبياء: 47] .
وَرَوَى الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ الْأَمَانِيَّ» .
وَقَالَ سَيِّدُنَا عُمَرُ رضي الله عنه: حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَزِنُوهَا قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا وَتَهَيَّئُوا لِلْعَرْضِ الْأَكْبَرِ. وَكَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى: حَاسِبْ نَفْسَك فِي الرَّخَاءِ قَبْلَ حِسَابِ الشِّدَّةِ.
وَفِي تَبْصِرَةِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ رحمه الله قَالَ: كَانَ تَوْبَةُ بْنُ الصِّمَّةِ بِالرَّقَّةِ وَكَانَ مُحَاسِبًا لِنَفْسِهِ فَحَسَبَ يَوْمًا عُمْرَهُ فَإِذَا هُوَ ابْنُ سِتِّينَ سَنَةً، فَحَسَبَ أَيَّامَهَا فَإِذَا هِيَ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ أَلْفَ يَوْمٍ وَخَمْسمِائَةِ يَوْمٍ، فَصَرَخَ وَقَالَ يَا وَيْلَتِي أَلْقَى الْمَلِيكَ بِأَحَدٍ وَعِشْرِينَ أَلْفَ ذَنْبٍ وَخَمْسِمِائَةِ ذَنْبٍ، كَيْفَ وَفِي كُلِّ يَوْمٍ عَشْرَةُ آلَافٍ ذَنْبٍ، ثُمَّ خَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ فَإِذَا هُوَ مَيِّتٌ، فَسَمِعُوا قَائِلًا يَقُولُ يَا لَك رَكْضَةٌ إلَى الْفِرْدَوْسِ الْأَعْلَى.
قَالَ وَقَدْ كَانَ كَثِيرٌ مِنْ السَّلَفِ رضي الله عنهم يَسْتَوْفِي عَلَى النَّفْسِ الْأَعْمَالَ وَيُكْرِهُهَا، عَلَيْهَا اغْتِنَامًا لِلْعُمْرِ. قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: إنَّ الصَّالِحِينَ كَانَتْ أَنْفُسُهُمْ تُوَاتِيهِمْ عَلَى الْخَيْرِ عَفْوًا، وَإِنَّ أَنْفُسَنَا لَا تَكَادُ تُوَاتِينَا إلَّا عَلَى كُرْهٍ، فَيَنْبَغِي لَنَا أَنْ نُكْرِهَهَا. قَالَ: وَكَانَ عَامِرٌ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُصَلِّي كُلَّ يَوْمٍ أَلْفَ رَكْعَةٍ، وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ قِفْ أُكَلِّمْكَ، قَالَ أَمْسِكْ الشَّمْسَ. فَهَؤُلَاءِ فُرْسَانُ الْمَيْدَانِ. فَاسْمَعْ يَا مُضَيَّعَ الزَّمَانِ. شِعْرٌ:
الدَّهْرُ سَاوَمَنِي عُمْرِي فَقُلْت لَهُ
…
لَا بِعْت عُمْرِي بِالدُّنْيَا وَمَا فِيهَا
ثُمَّ اشْتَرَاهُ تَفَارِيقًا بِلَا ثَمَنٍ
…
تَبَّتْ يَدَا صَفْقَةٍ قَدْ خَابَ شَارِيهَا
وَفِي وَصِيَّةِ الْإِمَامِ الْمُوَفِّقِ ابْنِ قُدَامَةَ طَيَّبَ اللَّهُ رُوحَهُ مَا لَفْظُهُ: فَاغْتَنِمْ رَحِمَك اللَّهُ حَيَاتَك النَّفِيسَةَ، وَاحْتَفِظْ بِأَوْقَاتِك الْعَزِيزَةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مُدَّةَ حَيَاتِك مَحْدُودَةٌ، وَأَنْفَاسَك مَعْدُودَةٌ، فَكُلُّ نَفَسٍ يَنْقُصُ بِهِ جُزْءٌ مِنْك، وَالْعُمْرُ كُلُّهُ قَصِيرٌ، وَالْبَاقِي مِنْهُ هُوَ الْيَسِيرُ، وَكُلُّ جُزْءٍ مِنْهُ جَوْهَرَةٌ نَفِيسَةٌ لَا عَدْلَ لَهَا