الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْحَسَنُ: لَيْسَ فِي الطَّعَامِ إسْرَافٌ وَمَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ فَلِلتَّأْدِيبِ لَا التَّحْدِيدِ.
وَفِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ يَقُولُ لَمَّا جَاءَهُ قَدَحٌ مِنْ لَبَنٍ وَأَمَرَ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ أَهْلَ الصُّفَّةِ فَسَقَاهُمْ، ثُمَّ قَالَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ اشْرَبْ فَشَرِبَ، ثُمَّ أَمَرَهُ ثَانِيًا وَثَالِثًا حَتَّى قَالَ: وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ مَا أَجِدُ لَهُ مَسَاغًا» ، وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَوْ أَكَلَ كَثِيرًا بِحَيْثُ لَا يُؤْذِيهِ جَازَ. وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّ الْجُوعِ عَلَى رَأْيَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَشْتَهِي الْخُبْزَ وَحْدَهُ فَمَتَى طَلَبَ الْأُدْمَ فَلَيْسَ بِجَائِعٍ. ثَانِيهِمَا أَنَّهُ إذَا وَقَعَ رِيقُهُ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الذُّبَابُ ذَكَرَهُ فِي الْإِحْيَاءِ.
مَطْلَبٌ: يُكْرَهُ الْإِسْرَافُ فِي الْأَكْلِ وَالشِّبَعِ الْمُفْرِطِ
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْآكِلَ لَا يَخْلُو مِنْ حَالَاتٍ أَرْبَعٍ: إحْدَاهَا الشِّبَعُ غَيْرُ الْمُفْرِطِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ غَيْرُ مَكْرُوهٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَتَجَاوَزَ الْأَثْلَاثَ فِي الْأَكْلِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْحَدِيثِ مُجَاوَزَةً غَيْرَ مُضِرَّةٍ لِلْآكِلِ فِي بَدَنِهِ وَلَا إسْرَافَ.
الثَّانِيَةُ: الشِّبَعُ الْمُفْرِطُ وَإِلَيْهَا أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ (وَمَكْرُوهٌ) تَنْزِيهًا عَلَى الْأَصَحِّ (الْإِسْرَافُ) فِي الْأَكْلِ وَقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: اعْلَمْ أَنَّ كَثْرَةَ الْأَكْلِ شُؤْمٌ، وَأَنَّهُ يَنْبَغِي النَّفْرَةُ عَمَّنْ عُرِفَ بِذَلِكَ وَاشْتُهِرَ بِهِ وَاِتَّخَذَهُ عَادَةً.
وَلِهَذَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: «رَأَى ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما مِسْكِينًا فَجَعَلَ يَضَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَيَضَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَأْكُلُ كَثِيرًا فَقَالَ: لَا يَدْخُلَنَّ هَذَا عَلَيَّ فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ» . قُلْت وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه وَلَفْظُهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْمُسْلِمُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالْكَافِرُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ» وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ «أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَأْكُلُ أَكْلًا كَثِيرًا فَأَسْلَمَ فَكَانَ يَأْكُلُ أَكْلًا قَلِيلًا، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إنَّ الْمُؤْمِنَ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالْكَافِرَ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ» .
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ قَالَ «أَضَافَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضَيْفًا كَافِرًا فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِشَاةٍ فَحُلِبَتْ فَشَرِبَ حِلَابَهَا، ثُمَّ أُخْرَى فَشَرِبَ حِلَابَهَا، ثُمَّ أُخْرَى فَشَرِبَ حِلَابَهَا
حَتَّى شَرِبَ حِلَابَ سَبْعِ شِيَاهٍ، ثُمَّ إنَّهُ أَصْبَحَ فَأَسْلَمَ فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِشَاةٍ فَشَرِبَ حِلَابَهَا، ثُمَّ أُخْرَى فَلَمْ يَسْتَتِمَّهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إنَّ الْمُؤْمِنَ يَشْرَبُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَإِنَّ الْكَافِرَ يَشْرَبُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ» .
وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنِهِ بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أَكَلَاتٍ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ» .
وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ «فَإِنْ غَلَبَتْ الْآدَمِيَّ فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ» الْحَدِيثَ وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابْنُ مَاجَهْ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ:«تَجَشَّأَ رَجُلٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ كُفَّ عَنَّا جُشَاءَك، فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ شِبَعًا فِي الدُّنْيَا أَطْوَلُهُمْ جُوعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَفِي صَحِيحِ الْحَاكِمِ أَنَّ الرَّجُلَ هُوَ أَبُو جُحَيْفَةَ. «فَعَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: أَكَلْت ثَرِيدَةً مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ، ثُمَّ أَتَيْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَجَعَلْت أَتَجَشَّأُ فَقَالَ: يَا هَذَا كُفَّ عَنَّا مِنْ جُشَائِك، فَإِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ شِبَعًا فِي الدُّنْيَا أَكْثَرُهُمْ جُوعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» قَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَاعْتَرَضَهُ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ، ثُمَّ قَالَ لَكِنْ رَوَاهُ الْبَزَّارُ بِإِسْنَادَيْنِ: أَحَدُهُمَا ثِقَاتٌ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، وَالْأَوْسَطِ، وَالْبَيْهَقِيُّ وَزَادَ «فَمَا أَكَلَ أَبُو جُحَيْفَةَ مِلْءَ بَطْنِهِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا كَانَ إذَا تَغَدَّى لَا يَتَعَشَّى وَإِذَا تَعَشَّى لَا يَتَغَدَّى» .
وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا قَالَ أَبُو جُحَيْفَةَ: فَمَا مَلَأْت بَطْنِي مُنْذُ ثَلَاثِينَ سَنَةً وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ أَهْلَ الشِّبَعِ فِي الدُّنْيَا هُمْ أَهْلُ الْجُوعِ غَدًا فِي الْآخِرَةِ» وَفِي مُعْجَمِ الْبَغَوِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُرَقَّعِ رضي الله عنه قَالَ: «فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ، وَهِيَ بِخَضِرَةٍ مِنْ الْفَوَاكِهِ فَوَاقَعَ النَّاسُ الْفَاكِهَةَ فَمَعَثَتْهُمُ الْحُمَّى فَشَكَوْا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إنَّمَا الْحُمَّى رَائِدُ الْمَوْتِ وَسِجْنُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ، وَهِيَ قِطْعَةٌ مِنْ النَّارِ، فَإِذَا أَخَذَتْكُمْ فَبَرِّدُوا الْمَاءَ فِي الشِّنَانِ فَصُبُّوهَا