الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْإِرْفَاهِ» قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي: الْإِرْفَاهُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَبِفَاءٍ آخِرَهُ هَاءٌ، التَّنَعُّمُ وَالرَّاحَةُ. وَمِنْهُ الرَّفَهُ بِفَتْحَتَيْنِ. وَقُيِّدَ فِي الْحَدِيثِ بِالْكَثْرَةِ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْوَسَطَ الْمُعْتَدِلَ مِنْهُ لَا يُذَمُّ. وَبِذَلِكَ جُمِعَ بَيْنَ الْأَخْبَارِ. انْتَهَى.
وَقَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ يَتَوَسَّطَ فِي مَلْبَسِهِ وَنَفَقَتِهِ وَلْيَكُنْ إلَى التَّقْلِيلِ أَمْيَلَ، فَإِنَّ النَّاسَ يَنْظُرُونَ إلَيْهِ. وَيَنْبَغِي الِاحْتِرَازُ مِمَّا يُقْتَدَى فِيهِ بِهِ، فَإِنَّهُ مَتَى تَرَخَّصَ فِي الدُّخُولِ عَلَى السَّلَاطِينِ وَجَمْعِ الْحُطَامِ فَاقْتَدَى بِهِ غَيْرُهُ كَانَ الْإِثْمُ عَلَيْهِ، وَرُبَّمَا سَلِمَ هُوَ فِي دُخُولِهِ وَلَمْ يَفْقَهُوا كَيْفِيَّةَ سَلَامَتِهِ. وَمُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ الْبَنَّا أَنَّهُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مَطْلَبٌ: فِي كَرَاهَةِ لُبْسِ مَا فِيهِ صُورَةُ حَيَوَانٍ
وَلُبْسَ مِثَالِ الْحَيِّ فَاحْظُرْ بِأَجْوَدِ
…
وَمَا لَمْ يُدَسْ مِنْهَا لِوَهْنٍ فَشَدِّدْ
(وَلُبْسَ) لِبَاسٌ فِيهِ صُوَرُ (مِثَالِ) الْحَيَوَانِ (الْحَيِّ) بِمَا يُشْبِهُ مَا فِيهِ رُوحٌ مِنْ طَيْرٍ وَغَيْرِهِ، وَالْمُرَادُ مَعَ سَلَامَةِ رَأْسِ الصُّورَةِ (فَاحْظُرْ) أَيْ امْنَعْ ذَلِكَ لِحُرْمَتِهِ (بِأَجْوَدِ) الْقَوْلَيْنِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَحْرُمُ عَلَى الْكُلِّ - يَعْنِي الذُّكُورَ، وَالْإِنَاثَ - لُبْسُ مَا فِيهِ صُورَةُ حَيَوَانٍ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا يَنْبَغِي كَتَعْلِيقِهِ وَسَتْرِ الْجُدُرِ بِهِ وَتَصْوِيرِهِ بِاتِّفَاقِ الْأَرْبَعَةِ. وَقِيلَ: لَا يَحْرُمُ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَشَيْخُنَا. انْتَهَى يَعْنِي شَيْخَ الْإِسْلَامِ، وَالْمُعْتَمَدُ الْحُرْمَةُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ، وَالْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِمَا.
وَعِبَارَةُ الْإِقْنَاعِ: وَيَحْرُمُ عَلَى ذَكَرٍ وَأُنْثَى لُبْسُ مَا فِيهِ صُورَةُ حَيَوَانٍ وَتَعْلِيقُهُ وَسَتْرُ الْجُدُرِ بِهِ وَتَصْوِيرُهُ: بَلْ هُوَ كَبِيرَةٌ حَتَّى فِي سِتْرٍ وَسَقْفٍ وَحَائِطٍ وَسَرِيرٍ وَنَحْوِهَا انْتَهَى.
وَتَقَدَّمَ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ طَرَفٌ مِنْ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي تَحْرِيمِ التَّصْوِيرِ وَاسْتِعْمَالِ الصُّوَرِ. وَصَحَّ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم «مَنْ صَوَّرَ صُورَةً كُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ وَلَيْسَ بِنَافِخٍ وَعُذِّبَ» .
مَطْلَبٌ: فِي عَدَمِ حُرْمَةِ اسْتِعْمَالِ مَا فِيهِ صُورَةٌ
إذَا كَانَتْ مُمْتَهَنَةً
(وَمَا) أَيْ الَّذِي (لَمْ يُدَسْ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الصُّوَرِ، أَوْ الْفُرُشِ، وَالْمَخَادِّ الَّتِي فِيهَا الصُّوَرُ (لِوَهْنٍ) أَيْ لِضَعْفٍ وَإِهَانَةٍ وَاحْتِقَارٍ. هَذَا مُرَادُ النَّاظِمِ
بِالْوَهْنِ هُنَا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بَدَلَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ اكْرَهَنَّ (فَشَدِّدْ) وَعَلَى النُّسْخَةِ الْأُخْرَى بِتَشَدُّدِ.
وَحَاصِلُ هَذَا أَنَّ الصُّورَةَ إنَّمَا تَحْرُمُ إذَا لَمْ تَكُنْ مُمْتَهَنَةً، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُمْتَهَنَةً كَمَا إذَا كَانَتْ فِي الْبُسُطِ وَالزُّلَالِيِّ الَّتِي يُدَاسُ عَلَيْهَا وَتُمْتَهَنُ، أَوْ كَانَتْ رَقْمًا فِي مَدَاسٍ يُوطَأُ عَلَيْهَا فَلَا تَحْرُمُ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا «أَنَّهَا نَصَبَتْ سِتْرًا فِيهِ تَصَاوِيرُ فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنَزَعَهُ. قَالَتْ: فَقَطَعْته وِسَادَتَيْنِ يَرْتَفِقُ عَلَيْهِمَا» .
وَفِي لَفْظٍ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ: «فَقَطَعْته مِرْفَقَتَيْنِ فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ مُتَّكِئًا عَلَى إحْدَاهُمَا وَفِيهَا صُورَةٌ» . فَإِذَا مَنَعَ مِنْ نَصْبِهِ سِتْرًا عَلَى الْحَائِطِ وَتَعْلِيقِهِ فَلَأَنْ يَكُونَ مَمْنُوعًا مِنْ لُبْسِهِ أَوْلَى. فَإِذَا زَالَ الْإِكْرَامُ وَخَلَفَهُ الِامْتِهَانُ بِأَنْ صَارَ يُدَاسُ مَا فِيهِ الصُّوَرُ زَالَتْ الْحُرْمَةُ. قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ: لَا افْتِرَاشُهُ، أَيْ لَا يَحْرُمُ افْتِرَاشُ مَا فِيهِ الصُّوَرُ وَجَعْلُهُ مِخَدًّا بِلَا كَرَاهَةٍ.
وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ عَلَى مَا فِيهِ صُورَةٌ، وَلَوْ عَلَى مَا يُدَاسُ، وَالسُّجُودُ عَلَيْهَا أَشَدُّ كَرَاهَةً. وَلَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ يَعْنِي مُحَرَّمَةً عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْكَلْبِ قَالَ عليه الصلاة والسلام «إنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لَا تَدْخُلُهُ الْمَلَائِكَةُ» يَعْنِي مَلَائِكَةَ الرَّحْمَةِ، وَالْبَرَكَةِ كَمَا مَرَّ.
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الصُّورَةِ فِي الْبَيْتِ، وَنَهَى أَنْ يُصْنَعَ ذَلِكَ» فَإِنْ أُزِيلَ مِنْ الصُّورَةِ مَا لَا تَبْقَى مَعَهُ حَيَاةٌ لَمْ تُكْرَهْ فِي الْمَنْصُوصِ، بِأَنْ أُزِيلَ مِنْهَا رَأْسُهَا، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا رَأْسٌ، لَا أَنْ فَصَلَ رَأْسَهَا عَنْ بَدَنِهَا بِمَا يُشَابِهُ الطَّوْقَ مِمَّا يَزِيدُهَا حُسْنًا فَهَذَا لَا تَزُولُ بِهِ الْحُرْمَةُ.
قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهِ: وَتُبَاحُ صُورَةُ غَيْرِ حَيَوَانٍ كَشَجَرٍ وَكُلِّ مَا لَا رُوحَ فِيهِ، وَقَالَ فِي الْغَايَةِ: وَجَازَ تَصْوِيرُ غَيْرِ حَيَوَانٍ كَشَجَرٍ. انْتَهَى. وَفِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ أُزِيلَ مِنْ الصُّورَةِ مَا لَا تَبْقَى مَعَهُ حَيَاةٌ لَمْ تُكْرَهْ. وَمِثْلُهُ صُورَةُ شَجَرٍ وَنَحْوِهِ وَتِمْثَالٌ، وَكَذَا تَصْوِيرُهُ فَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ تَحْرِيمَ التَّصْوِيرِ خِلَافًا لِلثَّلَاثَةِ.