الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَالَ فِي الْأَوَائِلِ قَالَ إبْرَاهِيمُ عليه السلام إذَا مِتُّ فَاغْسِلُونِي مِنْ تَحْتِهِ.
وَقَالَ أَيْضًا: أَوَّلُ مَنْ فَصَّلَ وَخَاطَ مِنْ النِّسَاءِ سَارَةُ عليها السلام.
مَطْلَبٌ: فِي أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَبِسَ السَّرَاوِيلَ أَمْ لَا
؟ .
(الثَّانِي) : اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ لَبِسَ السَّرَاوِيلَ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم أَمْ لَا؟ قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: قَدْ رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى عليهما السلام أَنَّهُمَا لَبِسَاهُ وَلَبِسَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم.
وَرُوِيَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ كَسَلْمَانَ وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ أَمَرَ بِهِ.
وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ الْوَفِيِّ وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ عَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قَالَ: «إنَّ النَّجَاشِيَّ كَتَبَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنِّي قَدْ زَوَّجْتُك امْرَأَةً مِنْ قَوْمِك وَهِيَ عَلَى دِينِك أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ، وَأَهْدَيْتُ لَك هَدِيَّةً جَامِعَةً قَمِيصًا وَسَرَاوِيلَ وَعِطَافًا وَخُفَّيْنِ سَاذَجَيْنِ، فَتَوَضَّأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَمَسَحَ عَلَيْهِمَا» قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد أَحَدُ رُوَاةِ الْحَدِيثِ: قُلْت لِلْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ مَا الْعِطَافُ؟ قَالَ: الطَّيْلَسَانُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ عَنْ «سُوَيْد بْنِ قَيْسٍ قَالَ: جَلَبْت أَنَا وَمَخْرَمَةُ الْعَبْدِيُّ بَزًّا مِنْ هَجَرَ إلَى مَكَّةَ فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاشْتَرَى سَرَاوِيلَ، وَثَمَّ وِزَانٍ يَزِنُ بِالْأَجْرِ، فَقَالَ: إذَا زِنْت فَأَرْجِحْ» وَأَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ عَمِيرَةَ الْأَسَدِيِّ قَالَ «قَدِمْت قَبْلَ مُهَاجَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاشْتَرَى مِنِّي سَرَاوِيلَ فَأَرْجَحَ لِي» قَالَ فِي الْفَتْحِ وَمَا كَانَ لِيَشْتَرِيَهُ عَبَثًا وَإِنْ كَانَ غَالِبُ لُبْسِهِ الْإِزَارَ.
وَأَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «دَخَلْت يَوْمًا السُّوقَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَلَسَ إلَى الْبَزَّازِينَ فَاشْتَرَى سَرَاوِيلَ بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ» الْحَدِيثَ وَفِيهِ «فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّك لَتَلْبَسُ السَّرَاوِيلَ؟ قَالَ: أَجَلْ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ وَاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فَإِنِّي أُمِرْت بِالتَّسَتُّرِ» وَفِيهِ يُوسُفُ بْنُ زِيَادٍ الْبَصْرِيُّ ضَعِيفٌ.
قَالَ فِي الْهَدْيِ: اشْتَرَى صلى الله عليه وسلم السَّرَاوِيلَ وَالظَّاهِرُ إنَّمَا
اشْتَرَاهُ لِيَلْبَسَهُ.
ثُمَّ قَالَ: وَرُوِيَ فِي حَدِيثٍ «أَنَّهُ لَبِسَ السَّرَاوِيلَ وَكَانُوا يَلْبَسُونَهُ فِي زَمَانِهِ وَبِإِذْنِهِ» .
قُلْت: وَمَيْلُ الْإِمَامِ الْمُحَقِّقِ فِي الْهَدْيِ إلَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَبِسَهَا وَكَذَا الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْفَتْحِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ: لَمْ يَلْبَسَهَا عليه الصلاة والسلام وَلَا يَلْزَمُ مِنْ شِرَائِهِ لَهَا لُبْسُهَا.
وَقَالَهُ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّالِثُ) : التُّبَّانُ فِي مَعْنَى السَّرَاوِيلِ.
قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: رَوَى وَكِيعٌ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها كَانَتْ تَأْمُرُ غِلْمَانَهَا بِالتَّبَابِينِ وَهُمْ مُحْرِمُونَ.
قَالَ فِي الْمَطَالِعِ: التُّبَّانُ شِبْهُ السَّرَاوِيلِ قَصِيرَةُ السَّاقِ. وَقَالَ الْحَجَّاوِيُّ فِي لُغَةِ إقْنَاعِهِ: التُّبَّانُ بِضَمِّ التَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ هُوَ سَرَاوِيلُ قَصِيرَةٌ جِدًّا. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ مِقْدَارُ شِبْرٍ يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ الْمُغَلَّظَةَ فَقَطْ وَيَكُونُ لِلْمَلَّاحِينَ وَجَمْعُهُ تَبَابِينُ انْتَهَى.
فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ، وَفَهِمْت مَا هُنَالِكَ مِنْ كَوْنِ السَّرَاوِيلِ سُنَّةَ إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ، وَالنَّبِيِّ النَّبِيلِ عَلَى أَحَدِ الْأَقَاوِيلِ، وَالصَّحَابَةِ الْكِرَامِ، وَاخْتِيَارَ الْعُلَمَاءِ الْأَعْلَامِ (فَالْبَسْهُ) أَيْ السَّرَاوِيلَ (وَاقْتَدِ) بِمَنْ ذَكَرْنَا لَك أَنَّهُمْ لَبِسُوهُ فَإِنَّهُمْ أَهْلٌ لَأَنْ يُقْتَدَى بِهِمْ لَا سِيَّمَا الِاقْتِدَاءُ.
(بِسُنَّةِ) سَيِّدِنَا (إبْرَاهِيمَ) الْخَلِيلِ عليه الصلاة والسلام (فِيهِ) أَيْ فِي لُبْسِهِ (وَ) سُنَّةَ نَبِيِّنَا وَحَبِيبِنَا (أَحْمَدَ) الْمُخْتَارِ (وَأَصْحَابِهِ) الْأَخْيَارِ، عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَا تَعَاقَبَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ (وَ) لَكِنْ لُبْسُهُمْ (الْأُزُرَ) جَمْعُ إزَارٍ (أَشْهَرُ) مِنْ لُبْسِهِمْ السَّرَاوِيلَ (أَكِّدْ) فِعْلُ أَمْرٍ مِنْ التَّأْكِيدِ وَحُرِّكَ بِالْكَسْرِ لِلْقَافِيَةِ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي الِادِّهَانِ وَكَوْنِهِ غِبًّا أَوْ مُطْلَقًا لِحَاجَةٍ لِلْخَبَرِ.
وَاخْتَارَ شَيْخُنَا فِعْلَ الْأَصْلَحِ لِلْبَدَنِ كَالْغُسْلِ بِمَاءٍ حَارٍّ بِبَلَدٍ رَطْبٍ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَرْجِيلُ الشَّعْرِ، وَلِأَنَّهُ فِعْلُ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، وَأَنَّ مِثْلَهُ نَوْعُ اللُّبْسِ وَالْمَأْكَلِ، وَأَنَّهُمْ لَمَّا فَتَحُوا الْأَمْصَارَ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمْ يَأْكُلُ مِنْ قُوتِ بَلَدِهِ، وَيَلْبَسُ مِنْ لِبَاسِ بَلَدِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْصِدُوا قُوتَ الْمَدِينَةِ
وَلِبَاسَهَا.
قَالَ: وَمِنْ هَذَا أَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِ وَعَلَى أَصْحَابِهِ الْإِزَارُ وَالرِّدَاءُ، فَهَلْ هُمَا أَفْضَلُ لِكُلِّ أَحَدٍ وَلَوْ مَعَ الْقَمِيصِ، أَوْ الْأَفْضَلُ مَعَ الْقَمِيصِ السَّرَاوِيلُ فَقَطْ؟ هَذَا مِمَّا تَنَازَعَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ، وَالثَّانِي أَظْهَرُهُ فَالِاقْتِدَاءُ بِهِ تَارَةً يَكُونُ فِي نَوْعِ الْفِعْلِ، وَتَارَةً فِي جِنْسِهِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَفْعَلُ الْفِعْلَ لِمَعْنًى يَعُمُّ ذَلِكَ النَّوْعَ وَغَيْرَهُ لَا لِمَعْنًى يَخُصُّهُ.
فَيَكُونُ الْمَشْرُوعُ هُوَ الْأَمْرُ الْعَامُّ.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَهَذَا لَيْسَ مَخْصُوصًا بِفِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم وَفِعْلِ أَصْحَابِهِ، بَلْ وَبِكَثِيرٍ مِمَّا أَمَرَهُمْ بِهِ وَنَهَاهُمْ عَنْهُ.
وَهَذَا تَسْمِيَةُ طَائِفَةٍ مِنْ النَّاسِ تَنْقِيحَ الْمَنَاطِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ ثَابِتًا فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا فَيَحْتَاجُ أَنْ يَعْرِفَ مَنَاطَ الْحُكْمِ.
مِثَالُ ذَلِكَ: أَنَّهُ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَأَلَ عَنْ فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي سَمْنٍ، فَقَالَ أَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَكُلُوا سَمْنَكُمْ» فَالْأُمَّةُ مُتَّفِقَةٌ أَنَّ الْحُكْمَ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِتِلْكَ الْفَأْرَةِ وَذَلِكَ السَّمْنِ، بَلْ الْحُكْمُ ثَابِتٌ فِيمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهَا.
يَبْقَى الْمَنَاطُ الَّذِي عَلَّقَ بِهِ الْحُكْمَ مَا هُوَ؟ فَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ يَزْعُمُونَ الْحُكْمَ مُعَلَّقٌ بِفَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي سَمْنٍ فَيُنَجِّسُونَ مَا كَانَ كَذَلِكَ، وَلَا يُنَجِّسُونَ السَّمْنَ إذَا وَقَعَ فِيهِ الْكَلْبُ وَالْبَوْلُ وَالْعُذْرَةُ، وَلَا يُنَجِّسُونَ الزَّيْتَ وَنَحْوَهُ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ الْفَأْرَةُ، وَهَذَا الْقَوْلُ خَطَأٌ قَطْعًا. انْتَهَى.
وَعِمَّةُ مُخْلِي حَلْقِهِ مِنْ تَحَنُّكٍ
…
لَدَى أَحْمَدَ مَكْرُوهَةٌ بِتَأَكُّدِ
(وَعِمَّةٌ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْعِمَّةُ بِالْكَسْرِ الِاعْتِمَامُ. وَمُرَادُ النَّاظِمِ كُلُّ عِمَامَةٍ (مُخْلِي) أَيْ مَتْرُوكِ وَخَالِ (حَلْقِهِ) أَيْ صَاحِبِهَا، وَالْمُعْتَمُّ بِهَا (مِنْ تَحَنُّكٍ) أَيْ لَيْسَ تَحْتَ حَنَكِ لَابِسِهَا مِنْهَا شَيْءٌ الْحَنَكُ مَا تَحْتَ الذَّقَنِ مِنْ الْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ (لَدَى) أَيْ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رضي الله عنه (مَكْرُوهَةٌ) كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ فِي الْأَصَحِّ، وَقِيلَ بَلْ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ (بِتَأَكُّدِ) لِنَصِّهِ رضي الله عنه عَلَى كَرَاهَةِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْأَصْحَابُ.
وَحَكَى فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى الْخِلَافَ فِي أَنَّ الْكَرَاهَةَ هَلْ هِيَ لِلتَّحْرِيمِ أَوْ التَّنْزِيهِ.
وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَكَرِهَ أَحْمَدُ لُبْسَ غَيْرِ الْمُحَنَّكَةِ.
وَنَقَلَ الْحَسَنُ بْنُ ثَوَابٍ كَرَاهِيَةً شَدِيدَةً.
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: الْمَحْكِيُّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ الْكَرَاهَةَ.
وَالْأَقْرَبُ أَنَّهَا كَرَاهَةٌ لَا تَرْتَقِي إلَى التَّحْرِيمِ.