الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَرَأَيْت عَلَيْهِ طَيْلَسَانًا، فَقُلْت يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ هَذَا شَيْءٌ أَحْدَثْته أَمْ رَأَيْت عَلَيْهِ النَّاسَ؟ قَالَ: لَا بَلْ رَأَيْت عَلَيْهِ النَّاسَ.
وَأَقُولُ: الْمُرَادُ بِالطَّيْلَسَانِ الطَّيْلَسَانُ الْمُقَوَّرُ كَمَا صَحَّحَهُ عُلَمَاؤُنَا، وَهَذَا وَاضِحٌ، وَدَلِيلُهُ مَا أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ: يَكُونُ مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ الْيَهُودِ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ سَاجٌ وَسَيْفٌ» .
قَالَ فِي النِّهَايَةِ: السَّاجُ الطَّيْلَسَانُ الْأَخْضَرُ، وَقِيلَ هُوَ الطَّيْلَسَانُ الْمُقَوَّرُ يُنْسَجُ كَذَلِكَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى بْنُ الْفَرَّاءِ: لَا يُمْنَعُ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْ الطَّيْلَسَانِ، وَهُوَ الْمُقَوَّرُ الطَّرَفَيْنِ الْمَكْفُوفُ الْجَانِبَيْنِ الْمُلَفَّقُ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ، مَا كَانَتْ الْعَرَبُ تَعْرِفُهُ وَهُوَ لِبَاسُ الْيَهُودِ قَدِيمًا، وَالْعَجَمِ أَيْضًا وَالْعَرَبُ تُسَمِّيه سَاجًا.
وَيُقَالُ: إنَّ أَوَّلَ مَنْ لَبِسَهُ مِنْ الْعَرَبِ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ، وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ يَكْرَهُهُ.
وَفِي الْقَامُوسِ: الطَّيْلَسُ وَالطَّيْلَسَانُ مُثَلَّثَةُ اللَّامِ عَنْ عِيَاضٍ وَغَيْرِهِ مُعَرَّبٌ أَصْلُهُ تَالِسَانٌ. وَيُقَالُ فِي الشَّتْمِ. يَا ابْنَ الطَّيْلَسَانِ أَيْ إنَّك أَعْجَمِيٌّ، وَالْجَمْعُ طَيَالِسَةٌ. وَفِي لُغَةِ الْإِقْنَاعِ: الطَّيْلَسَانُ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ. قَالَ الْفَارَابِيُّ: هُوَ فَيْعَلَانٌ - بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالْعَيْنِ - وَبَعْضُهُمْ بِكَسْرِ الْعَيْنِ لُغَةٌ. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: وَلَمْ يَأْتِ اسْمُ فَيْعِلَانٌ - بِكَسْرِ الْعَيْنِ بَلْ بِالضَّمِّ - مِثْل الْخَيْزُرَانُ وَالْجَمْعُ طَيَالِسَةٌ. انْتَهَى. (تَتِمَّةٌ) ذَكَرَ الثَّعَالِبِيُّ فِي فِقْهِ اللُّغَةِ أَنَّ أَصْغَرَ مَا يُغَطَّى بِهِ الرَّأْسُ يُقَالُ لَهُ الْبُخْنُقُ، وَهُوَ خِرْقَةٌ تُغَطِّي مَا أَقْبَلَ مِنْ الرَّأْسِ، وَمَا أَدْبَرَ، ثُمَّ الْغَفَّارَةُ فَوْقَهَا وَدُونَ الْخِمَارِ، ثُمَّ الْخِمَارُ أَكْبَرُ مِنْهَا، ثُمَّ الْمِقْنَعَةُ، ثُمَّ النَّصِيفُ وَهُوَ كَالنِّصْفِ مِنْ الرِّدَاءِ، وَأَكْبَرُ مِنْ الْمِقْنَعَةِ، ثُمَّ الْمِعْجَرُ، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ الْمُقَنَّعَةِ وَأَصْغَرُ مِنْ الرِّدَاءِ، ثُمَّ الْقِنَاعُ وَالرِّدَاءُ.
مَطْلَبٌ: يُسَنُّ تَنْظِيفُ الثِّيَابِ وَطَيُّهَا
وَيَحْسُنُ تَنْظِيفُ الثِّيَابِ وَطَيُّهَا
…
وَيُكْرَهُ مَعَ طَوْلِ الْغِنَى لُبْسُك الرَّدِي
(وَيَحْسُنُ) أَيْ يُسَنُّ وَيُنْدَبُ (تَنْظِيفُ) أَيْ إزَالَةُ وَسَخِ (الثِّيَابِ) كُلِّهَا مِنْ قَمِيصٍ وَرِدَاءٍ وَإِزَارٍ وَسَرَاوِيلَ وَعِمَامَةٍ وَغَيْرِهَا.
قَالَ الْقَاضِي
وَغَيْرُهُ: يُسْتَحَبُّ غَسْلُ الثَّوْبِ مِنْ الْوَسَخِ وَالْعَرَقِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ وَغَيْرِهِ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَا يَجِدُ هَذَا مَا يَغْسِلُ بِهِ ثَوْبَهُ» «وَرَأَى رَجُلًا شُعْثًا فَقَالَ: مَا كَانَ يَجِدُ هَذَا مَا يُسْكِنُ بِهِ رَأْسَهُ» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْخَلَّالُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ رضي الله عنه. وَعَلَّلَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه بِأَنَّ الثَّوْبَ إذَا اتَّسَخَ تَقَطَّعَ.
وَقَالَ الْمَيْمُونِيُّ: مَا أَعْلَمُ أَنِّي رَأَيْت أَحَدًا أَنْظَفَ ثَوْبًا وَلَا أَشَدَّ تَعَاهُدًا لِنَفْسِهِ فِي شَارِبِهِ وَشَعْرِ رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ وَلَا أَنْقَى ثَوْبًا، وَأَشَدَّهُ بَيَاضًا مِنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رضي الله عنه.
وَرَوَى وَكِيعٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يُعْجِبُهُ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ وَالثِّيَابُ النَّقِيَّةُ.
وَرَوَى أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: مِنْ مُرُوءَةِ الرَّجُلِ نَقَاءُ ثَوْبِهِ.
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي حَدِيثِ «إنَّ اللَّهَ نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ» : نَظَافَةُ اللَّهِ تَعَالَى كِنَايَةٌ عَنْ تَنَزُّهِهِ مِنْ سِمَاتِ الْحَدَثِ، وَتَعَالِيهِ فِي ذَاتِهِ عَنْ كُلِّ نَقْصٍ، وَحُبُّهُ النَّظَافَةَ مِنْ غَيْرِهِ كِنَايَةٌ عَنْ خُلُوصِ الْعَقِيدَةِ وَنَفْيِ الشِّرْكِ وَمُجَانَبَةِ الْأَهْوَاءِ، ثُمَّ نَظَافَةُ الْقَلْبِ عَنْ الْغِلِّ وَالْحِقْدِ وَالْحَسَدِ وَأَمْثَالِهَا.
ثُمَّ نَظَافَةُ الْمَطْعَمِ وَالْمَلْبَسِ عَنْ الْحَرَامِ وَالشَّبَهِ، ثُمَّ نَظَافَةُ الظَّاهِرِ لِمُلَابَسَةِ الْعِبَادَاتِ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «نَظِّفُوا أَفْوَاهَكُمْ فَإِنَّهَا طُرُقُ الْقُرْآنِ» أَيْ صُونُوهَا عَنْ اللَّغْوِ وَالْفُحْشِ وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالْكَذِبِ وَأَمْثَالِهَا، وَعَنْ أَكْلِ الْحَرَامِ وَالْقَاذُورَاتِ، وَالْحَثِّ عَلَى تَطْهِيرِهَا مِنْ النَّجَاسَاتِ بِالسِّوَاكِ. انْتَهَى.
(وَ) يَحْسُنُ أَيْضًا بِمَعْنَى يُسَنُّ (طَيُّهَا) أَيْ الثِّيَابِ، وَهُوَ بِالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ فَهَاءٍ فَأَلِفِ تَأْنِيثٍ مِنْ طَوَى الصَّحِيفَةَ يَطْوِيهَا: وَذَلِكَ لِئَلَّا يَسْتَعْمِلَهَا الشَّيْطَانُ بِاللُّبْسِ وَغَيْرِهِ.
قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ فِي مَنْظُومَتِهِ فِي حَقِّ الشَّيْطَانِ:
وَيَدْخُلُ الْبَيْتَ يَنَامُ فِيهِ
…
بِغَيْرِ إذْنٍ سَاءَ مِنْ سَفِيهِ
عَلَى ثِيَابٍ لَمْ تَكُنْ مَطْوِيَّةً
…
إنْ لَمْ يُسَمَّ خَالِقُ الْبَرِّيَّةِ
أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى مَا رَوَاهُ الدَّيْلَمِيُّ عَنْ جَابِرٍ رَفَعَهُ «طَيُّ الثَّوْبِ رَاحَتُهُ» .