الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَطْلَبٌ: يَحْرُمُ لُبْسُ الْحَرِيرِ إلَّا لِضَرُورَةٍ
وَلُبْسَ الْحَرِيرِ اُحْظُرْ عَلَى كُلِّ بَالِغٍ
…
سِوَى لِضَنًى أَوْ قَمْلٍ أَوْ حَرْبِ جُحَّدِ
(وَلُبْسَ) ثَوْبِ (الْحَرِيرِ) وَعِمَامَتِهِ وَتِكَّةِ سَرَاوِيلَ وَشِرَابَةٍ مُفْرَدَةٍ كَشِرَابَةِ الْبَرِيدِ لَا تَبَعًا فَحُكْمُهَا مَعَ التَّبَعِيَّةِ الْإِبَاحَةُ كَالزِّرِّ، وَكَذَا بِطَانَةُ نَحْوِ ثَوْبٍ مِنْ حَرِيرٍ (اُحْظُرْ) أَيْ امْنَعْ وَحَرِّمْ (عَلَى كُلِّ) ذَكَرٍ، وَلَوْ كَافِرًا؛ لِأَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ.
وَمِثْلُ اللُّبْسِ افْتِرَاشُهُ وَاسْتِنَادُهُ وَاتِّكَاؤُهُ عَلَيْهِ وَتَوَسُّدُهُ وَتَعْلِيقُهُ وَسَتْرُ الْجُدُرِ بِهِ غَيْرَ الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ. وَكَلَامُ أَبِي الْمَعَالِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ. وَذَكَرَ فِي الْفُرُوعِ أَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ الْحَنَفِيَّةِ.
قَالَ م ص فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى عِنْدَ قَوْلِهِ وَيَحْرُمُ اسْتِنَادٌ إلَيْهِ وَتَعْلِيقُهُ يَدْخُلُ فِيهِ بِشِخَابَةٍ وَخَيْمَةٌ وَنَحْوُهُمَا. قَالَ: وَحَرَّمَ الْأَكْثَرُ اسْتِعْمَالَهُ مُطْلَقًا، فَدَخَلَ فِيهِ تِكَّةٌ وَشِرَابَةٌ مُفْرَدَةٌ وَخَيْطُ سُبْحَةٍ انْتَهَى.
وَفِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ لِلْعَلَّامَةِ ابْنِ قُنْدُسٍ بَعْدَ ذِكْرِ مَسْأَلَةِ حَشْوِ الْجِبَابِ قَالَ: وَقَدْ ذَكَرَ الدَّمِيرِيُّ الشَّافِعِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ فِي أَوَاخِرِ بَابِ صَلَاةِ الْخَوْفِ قَالَ: فُرُوعٌ يَجُوزُ حَشْوُ الْجُبَّةِ، وَالْمِخَدَّةِ مِنْهُ أَيْ الْحَرِيرِ، وَالْجُلُوسُ عَلَيْهِ إذَا بُسِطَ فَوْقَهُ ثَوْبٌ، وَلَوْ نُظِمَ سُبْحَةٌ فِي خَيْطِ حَرِيرٍ لَمْ يَحْرُمْ اسْتِعْمَالُهَا، وَلَا يَجُوزُ لُبْسُ جُبَّةٍ بِطَانَتُهَا حَرِيرٌ انْتَهَى فَكَأَنَّهُ مُرْتَضٍ لِهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(بَالِغٍ) فَلَا يَحْرُمُ عَلَى الْوَلِيِّ إلْبَاسُ الصَّغِيرِ ثِيَابَ الْحَرِيرِ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ قَالَ سَعِيدٌ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ الْعَوَّامِ عَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ قَالَ: كَانُوا يُرَخِّصُونَ لِلصَّبِيِّ فِي خَاتَمِ الذَّهَبِ فَإِذَا بَلَغَ أَلْقَاهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هُشَيْمٌ مُدَلِّسٌ، وَهَذَا قَوْلٌ مَرْجُوحٌ،، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَحْرُم عَلَى الْوَلِيِّ إلْبَاسُ ذَلِكَ لِلصَّبِيِّ كَمَا يَأْتِي فِي كَلَامِ النَّاظِمِ.
مَطْلَبٌ: فِي ذِكْرِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي تَحْرِيمِ لُبْسِ الْحَرِيرِ.
وَقَدْ وَرَدَ فِي تَحْرِيمِ الْحَرِيرِ، عَنْ الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، عِدَّةُ أَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ، وَبِتَحْرِيمِهِ، وَالْمَنْعِ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ صَرِيحَةٌ. مِنْهَا مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ، فَإِنَّهُ مَنْ لَبِسَهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ» وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَزَادَ: وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ «مَنْ لَبِسَهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} [الحج: 23] » .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُمَرَ أَيْضًا رضي الله عنه سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إنَّمَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ» زَادَ الْبُخَارِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمَا «مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ» . .
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ» .
وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه مَرْفُوعًا «مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ لَبِسَهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَلَمْ يَلْبَسْهُ»
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ حَرِيرًا فَجَعَلَهُ فِي يَمِينِهِ، وَذَهَبًا فَجَعَلَهُ فِي شِمَالِهِ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي» .
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: «نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَشْرَبَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَأَنْ نَأْكُلَ فِيهَا، وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ، وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ» .
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا «لَا يَسْتَمْتِعُ بِالْحَرِيرِ مَنْ يَرْجُو أَيَّامَ اللَّهِ» . وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا «إنَّمَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا مَنْ لَا يَرْجُو أَنْ يَلْبَسَهُ فِي الْآخِرَةِ» . قَالَ الْحَسَنُ: فَمَا بَالُ أَقْوَامٍ يَبْلُغُهُمْ هَذَا عَنْ نَبِيِّهِمْ يَجْعَلُونَ حَرِيرًا فِي ثِيَابِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَلْبَسُ حَرِيرًا وَلَا ذَهَبًا» . وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه مَرْفُوعًا «قَالَ اللَّهُ
تَعَالَى: مَنْ تَرَكَ الْحَرِيرَ، وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ لَأَكْسَوْتُهُ إيَّاهُ فِي حَظِيرَةِ الْقُدْسِ» وَقَوْلُ النَّاظِمِ رحمه الله (سِوَى) لُبْسِ الْحَرِيرِ (لِ) أَجْلِ (ضَنًى) أَيْ مَرَضٍ، وَهُوَ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَالنُّونِ مَقْصُورًا. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: ضَنِيَ كَرَضِيَ ضَنًى فَهُوَ ضَنِيٌّ، وَضَنٍ كَحَرِيٍّ وَحَرٍ، مَرِضَ مَرَضًا مُخَامِرًا كُلَّمَا ظُنَّ بُرْؤُهُ نُكِسَ، وَأَضْنَاهُ الْمَرَضُ. انْتَهَى. اسْتَثْنَاهُ مِنْ الْحَظْرِ، أَيْ حَرُمَ لُبْسُ الْحَرِيرِ عَلَى كُلِّ ذَكَرٍ بَالِغٍ سِوَى لُبْسِهِ لِمَرَضٍ (أَوْ) أَيْ وَسِوَى لُبْسِهِ لِ (قَمْلٍ) وَاحِدَتُهُ قَمْلَةٌ، وَيُقَالُ لَهُ قَمَالٌ قَالَهُ ابْنُ سِيدَهْ. وَيَتَوَلَّدُ مِنْ الْعَرَقِ، وَالْوَسَخِ إذَا أَصَابَ ثَوْبًا أَوْ رِيشًا، أَوْ شَعْرًا حَتَّى يَصِيرَ الْمَكَانُ عَفِنًا.
قَالَ الْجَاحِظُ: وَرُبَّمَا كَانَ الْإِنْسَانُ قَمِلَ الطِّبَاعِ، وَإِنْ تَنَظَّفَ وَتَعَطَّرَ وَبَدَّلَ الثِّيَابَ، كَمَا «عَرَضَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رضي الله عنهما حِينَ اسْتَأْذَنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ فَأَذِنَ لَهُمَا فِيهِ» ، وَلَوْلَا الْحَاجَةُ مَا أَذِنَ لَهُمَا فِيهِ لِمَا جَاءَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ.
وَقِصَّةُ إبَاحَتِهِ صلى الله عليه وسلم لُبْسَ الْحَرِيرِ لِابْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ رضي الله عنهما فِي الصَّحِيحَيْنِ وَمِثْلُ جَوَازِ لُبْسِ الْحَرِيرِ لِقَمْلٍ لُبْسُهُ لِأَجْلِ حَكَّةٍ، وَلَوْ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي زَوَالِهَا، جَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ، وَالْمُنْتَهَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ خِلَافًا لِمَالِكٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ قَالَ الدَّمِيرِيُّ: قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ لُبْسُهُ يَعْنِي الْحَرِيرَ مُطْلَقًا، لِأَنَّ وَقَائِعَ الْأَحْوَالِ عِنْدَهُ لَا تَعُمُّ.
(أَوْ) أَيْ وَسِوَى لُبْسِهِ لِ (حَرْبِ جُحَّدِ) أَيْ كُفَّارٍ. وَالْمُرَادُ لِحَرْبِ مُبَاحٍ إذَا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ. وَيَمْتَدُّ وَقْتُ إبَاحَةِ لُبْسِهِ إلَى انْقِضَاءِ الْقِتَالِ، وَلَوْ كَانَ لُبْسُ الْحَرِيرِ الْخَالِصِ فِي حَالِ الْحَرْبِ بِلَا حَاجَةٍ فِي الْأَصَحِّ نَصًّا؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ لُبْسِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخُيَلَاءِ، وَالْفَخْرِ، وَهُوَ غَيْرُ مَذْمُومٍ فِي الْحَرْبِ.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى، وَالْوُسْطَى: يُبَاحُ فِي الْحَرْبِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فِي أَرْجَحِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمَذْهَبِ. وَفِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: يُبَاحُ عَلَى الْأَظْهَرِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ.