الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَكَانَ لِتَمِيمٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه حُلَّةٌ اُشْتُرِيَتْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ يُصَلِّي فِيهَا بِاللَّيْلِ فَيَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتْبَعَ الدَّلِيلَ لَا أَنْ يَتْبَعَ طَرِيقًا وَيَطْلُبَ دَلِيلَهَا، ثُمَّ قَالَ: الْإِنْسَانُ أَعْرَفُ بِصَلَاحِ نَفْسِهِ، وَقَدْ قَالَتْ رَابِعَةُ: إنْ كَانَ صَلَاحُ قَلْبِك فِي الْفَالُوذَجِ فَكُلْهُ وَلَا تَكُونَنَّ مِمَّنْ يَرَى صُوَرَ الزُّهْدِ فَرُبَّ مُتَنَعِّمٍ لَا يُرِيدُ التَّنَعُّمَ، وَإِنَّمَا يَقْصِدُ الْمَصْلَحَةَ وَلَيْسَ كُلُّ بَدَنٍ يَقْوَى عَلَى الْخُشُونَةِ خُصُوصًا مَنْ قَدْ لَاقَى الْكَلَّ وَأَجْهَدَ الْفِكْرَ انْتَهَى.
فَإِنْ قُلْت: لِمَ لَمْ تَذْكُرْ أَكْلَهُ صلى الله عليه وسلم الْفَالُوذَجَ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ: «أَوَّلُ مَا سَمِعْنَا بِالْفَالُوذَجِ أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم» الْحَدِيثَ. قُلْت هَذَا الْحَدِيثُ ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ وَتَعَقَّبَهُ السُّيُوطِيّ قَائِلًا: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ بِأَنَّهُ قَرِيبٌ مِنْ الْحَسَنِ، ثُمَّ قَالَ: إنْ وَجَدْت لَهُ مُتَابِعًا جَزَمْت بِحُسْنِهِ فَعَلَى كَلَامِ السُّيُوطِيِّ الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ، وَعَلَى كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ مَوْضُوعٌ، وَعَلَى كِلَا الْحَالَيْنِ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مَطْلَبٌ: أَوَّلُ مَنْ أَدْخَلَ الْفَالُوذَجَ دِيَارَ الْعَرَبِ
(فَائِدَةٌ) : أَوَّلُ مَنْ أَدْخَلَ الْفَالُوذَجَ دِيَارَ الْعَرَبِ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ أَطْعَمَهُ بَعْضُ النَّاسِ ذَلِكَ بِالشَّامِ فَبَلَغَ ذَلِكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُدْعَانَ فَوَجَّهَ إلَى الْيَمَنِ مَنْ جَاءَ لَهُ بِمَنْ يَعْمَلُ الْفَالُوذَجَ بِالْعَسَلِ ذَكَرَهُ السُّيُوطِيّ فِي الْأَوَائِلِ.
وَقَالَ السُّيُوطِيّ أَيْضًا: «أَوَّلُ مَنْ خَبَّصَ الْخَبِيصَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه خَلَطَ الْعَسَلَ وَالنَّقِيَّ مِنْ الدَّقِيقِ، ثُمَّ بَعَثَ بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى مَنْزِلِ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها فَوُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ: مَنْ بَعَثَ بِهَذَا؟ قَالُوا: عُثْمَانُ قَالَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ فَقَالَ إنَّ عُثْمَانَ يَسْتَرْضِيك فَارْضَ عَنْهُ» . وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
مَطْلَبٌ: فِي تَرْكِ مَا تَعَافُهُ النَّفْسُ بِلَا تَعْنِيفٍ وَلَا عَيْبٍ:
وَمَا عِفْتَهُ فَاتْرُكْهُ غَيْرَ مُعَنِّفٍ
…
وَلَا عَائِبٍ رِزْقًا وَبِالشَّارِعِ اقْتَدِ
(وَمَا) أَيُّ طَعَامٍ (عُفْتَهُ) أَيْ كَرِهْته، يُقَالُ عَافَ الطَّعَامَ أَوْ الشَّرَابَ، وَقَدْ يُقَالُ فِي غَيْرِهِمَا يَعَافُهُ إذَا كَرِهَهُ (فَاتْرُكْهُ) وَلَا تُلْزِمْ نَفْسَك أَكْلَهُ وَلَا
تُكَلِّفُهَا تَنَاوُلَهُ، فَإِنَّ الطَّبِيعَةَ إنَّمَا تَخْتَارُ مَا يُصْلِحُهَا وَتَعَافُ مَا يُفْسِدُهَا غَالِبًا حَالَ كَوْنِك (غَيْرَ مُعَنِّفٍ) أَيْ مُوَبِّخٍ وَمُقَرِّعٍ.
وَفِي الْحَدِيثِ «إذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَحُدَّهَا وَلَا يُعَنِّفْهَا» قَالَ فِي النِّهَايَةِ: التَّعْنِيفُ التَّوْبِيخُ وَالتَّقْرِيعُ وَاللَّوْمُ يُقَالُ أَعْنَفْته وَعَنَّفْته. أَرَادَ النَّاظِمُ أَنَّك إذَا عُفْتَ شَيْئًا فَاتْرُكْ أَكْلَهُ وَلَكِنْ لَا تُعَنِّفْ مَنْ أَكَلَهُ فَرُبَّ شَيْءٍ يَعَافُهُ قَوْمٌ دُونَ آخَرِينَ هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ تَحْرِيمَهُ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ تَحْرِيمُهُ مُجْمَعًا عَلَيْهِ، أَوْ كَانَ فِيهِ خِلَافٌ، وَاَلَّذِي يَأْكُلُهُ يَعْتَقِدُ حُرْمَتَهُ عُنِّفَ وَوُبِّخَ عَلَى ذَلِكَ وَأُنْكِرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ إنْكَارِ الْمُنْكَرِ، فَمَنْ عَافَ شَيْئًا غَيْرَ مُحَرَّمٍ لَمْ يَلْزَمْهُ تَنَاوُلُهُ وَلَيْسَ لَهُ الْإِنْكَارُ عَلَى مُتَنَاوِلِهِ «.
وَقَدْ امْتَنَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَكْلِ الضَّبِّ» كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فَقِيلَ لَهُ: أَحَرَامٌ هُوَ؟ قَالَ: لَا وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد «لَمَّا رَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الضَّبَّيْنِ الْمَشْوِيَّيْنِ بَزَقَ فَقَالَ خَالِدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَاك تَقَذَّرْتَهُ» وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «لَا آكُلُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ كُلُوهُ، فَإِنَّهُ حَلَالٌ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْ طَعَامِي» وَمِنْ ثَمَّ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى حِلِّ الضَّبِّ (وَلَا) أَيْ وَغَيْرُ (عَائِبٍ رِزْقًا) سَاقَهُ اللَّهُ إلَيْك وَرَزَقَك إيَّاهُ (وَبِالشَّارِعِ) الْمُقْتَفَى، وَالْمُبَيِّنِ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم (اقْتَدِ) فِي سَائِرِ أَقْوَالِك وَأَفْعَالِك، فَإِنَّ ذَلِكَ أَسْلَمُ لَك وَأَقْوَى لَك، فَإِنَّهُ عليه السلام مَا عَابَ طَعَامًا قَطُّ. فَقَدْ رَوَى الْخَمْسَةُ، وَالْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ «مَا عَابَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا قَطُّ إنْ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ وَإِلَّا سَكَتَ» ، وَالْحَاكِمُ عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهُ إلَّا أَنَّهَا قَالَتْ إنْ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ وَإِلَّا تَرَكَهُ ".
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ عَنْ هِنْدَ بْنِ أَبِي هَالَةَ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَذُمُّ ذَوَّاقًا وَلَا يَمْدَحُهُ أَيْ كَانَ لَا يَصِفُ الطَّعَامَ بِطِيبٍ، أَوْ فَسَادٍ إنْ كَانَ فِيهِ» . قَالَ فِي الْهَدْيِ النَّبَوِيِّ لِلْإِمَامِ الْمُحَقِّقِ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَرُدُّ مَوْجُودًا وَلَا يَتَكَلَّفُ مَفْقُودًا، وَمَا قُرِّبَ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الطَّعَامِ إلَّا أَكَلَهُ إلَّا أَنْ تَعَافَهُ نَفْسُهُ فَيَتْرُكَهُ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ، وَمَا عَابَ طَعَامًا قَطُّ إنْ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ وَإِلَّا تَرَكَهُ صلى الله عليه وسلم.