الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَالِ أَوْ الدِّينِ، فَصَرَّحَ بِأَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ حَسِيبَةٌ مِنْ جِهَةِ الْأَصْلِ، وَأَمَّا الدِّينُ فَقَدْ ذَكَرَهُ سَابِقًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ زَادَ ذَلِكَ بَيَانًا بِقَوْلِهِ مُتَوَلِّدَةٌ وَنَاشِئَةٌ (مِنْ) قَوْمٍ (كِرَامٍ) غَيْرِ لِئَامٍ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْكَرَمُ مُحَرَّكَةٌ ضِدَّ اللُّؤْمِ، يُقَالُ كَرُمَ بِضَمِّ الرَّاءِ كَرَامَةً وَكَرَمًا وَكَرَمَةً مُحَرَّكَتَيْنِ فَهُوَ كَرِيمٌ وَكَرِيمَةٌ وَالْجَمْعُ كُرَمَاءُ وَكِرَامٌ وَكَرَائِمُ انْتَهَى.
وَفِي أَسْمَائِهِ تَعَالَى الْكَرِيمُ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: هُوَ الْجَوَّادُ الْمُعْطِي الَّذِي لَا يَنْفُذُ عَطَاؤُهُ وَهُوَ الْكَرِيمُ الْمُطْلَقُ. قَالَ وَالْكَرِيمُ الْجَامِعُ لِأَنْوَاعِ الْخَيْرِ وَالشَّرَفِ وَالْفَضَائِلِ، وَمِنْهُ حَدِيثُ «إنَّ الْكَرِيمَ ابْنَ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ» لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ لَهُ شَرَفُ النُّبُوَّةِ وَالْعِلْمِ وَالْجَمَالِ وَالْعِفَّةِ وَكَرَمِ الْأَخْلَاقِ وَالْعَدْلِ وَرِيَاسَةِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ، فَهُوَ نَبِيُّ ابْنُ نَبِيِّ ابْنِ نَبِيِّ ابْنِ نَبِيِّ رَابِعُ أَرْبَعَةٍ فِي النُّبُوَّةِ.
مَطْلَبٌ: فِي بَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَ الشُّحِّ وَالْبُخْلِ
وَقَالَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ فِي كِتَابِهِ الْكَلِمِ الطَّيِّبِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ فِي الْكَلَامِ عَلَى السَّخَاءِ وَالشُّحِّ: الْفَرْقُ بَيْنَ الشُّحِّ وَالْبُخْلِ أَنَّ الشُّحَّ هُوَ شِدَّةُ الْحِرْصِ عَلَى الشَّيْءِ وَالْإِحْفَاءُ فِي طَلَبِهِ، وَالِاسْتِقْصَاءُ فِي تَحْصِيلِهِ، وَجَشَعُ النَّفْسِ عَلَيْهِ.
وَالْبُخْلُ مَنْعُ إنْفَاقِهِ بَعْدَ حُصُولِهِ وَحُبِّهِ وَإِمْسَاكِهِ، فَهُوَ شَحِيحٌ قَبْلَ حُصُولِهِ، بَخِيلٌ بَعْدَ حُصُولِهِ. فَالْبُخْلُ ثَمَرَةُ الشُّحِّ، وَالشُّحُّ يَدْعُو إلَى الْبُخْلِ، وَالشُّحُّ كَامِنٌ فِي النَّفْسِ، فَمَنْ بَخِلَ فَقَدْ أَطَاعَ شُحَّهُ، وَمَنْ لَمْ يَبْخَلْ فَقَدْ عَصَى شُحَّهُ وَوُقِيَ شَرَّهُ وَذَلِكَ هُوَ الْمُفْلِحُ {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9] وَالسَّخِيُّ قَرِيبٌ مِنْ اللَّهِ وَمِنْ خَلْقِهِ وَمِنْ أَهْلِهِ، وَقَرِيبٌ مِنْ الْجَنَّةِ وَبَعِيدٌ مِنْ النَّارِ. وَالْبَخِيلُ بَعِيدٌ مِنْ اللَّهِ بَعِيدٌ مِنْ خَلْقِهِ بَعِيدٌ مِنْ الْجَنَّةِ قَرِيبٌ مِنْ النَّارِ. فَجُودُ الرَّجُلِ يُحَبِّبُهُ إلَى أَضْدَادِهِ، وَبُخْلُهُ يُبَغِّضُهُ إلَى أَوْلَادِهِ، وَأَنْشَدَ:
وَيُظْهِرُ عَيْبَ الْمَرْءِ فِي النَّاسِ بُخْلُهُ
…
وَيَسْتُرُهُ عَنْهُمْ جَمِيعًا سَخَاؤُهُ
تَغَطَّ بِأَثْوَابِ السَّخَاءِ فَإِنَّنِي
…
أَرَى كُلَّ عَيْبٍ وَالسَّخَاءُ غِطَاؤُهُ
قَالَ: وَحَدُّ السَّخَاءِ بَذْلُ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَأَنْ يُوصِلَ ذَلِكَ إلَى مُسْتَحِقِّهِ بِقَدْرِ الطَّاقَةِ. وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَعْضُ مَنْ نَقَصَ عِلْمُهُ: حَدُّ الْجُودِ
بَذْلُ الْمَوْجُودِ، وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ لَارْتَفَعَ اسْمُ السَّرَفِ وَالتَّبْذِيرِ، وَقَدْ وَرَدَ الْكِتَابُ بِذَمِّهِمَا وَجَاءَتْ السُّنَّةُ بِالنَّهْيِ عَنْهُمَا. قَالَ: وَإِذَا كَانَ السَّخَاءُ مَحْمُودًا فَمَنْ وَقَفَ عَلَى حَدِّهِ سُمِّيَ كَرِيمًا وَكَانَ لِلْحَمْدِ مُسْتَوْجِبًا، وَمَنْ قَصَّرَ عَنْهُ كَانَ بَخِيلًا وَلِلذَّمِّ مُسْتَوْجِبًا.
قَالَ وَسَمِعْت شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ - يَقُولُ: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى إلَى إبْرَاهِيمَ أَتَدْرِي لَمْ اتَّخَذْتُك خَلِيلًا؟ قَالَ لَا، قَالَ: لِأَنِّي رَأَيْت الْعَطَاءَ أَحَبُّ إلَيْك مِنْ الْأَخْذِ» . قَالَ وَهَذِهِ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ الرَّبِّ جل جلاله، فَإِنَّهُ يُعْطِي وَلَا يَأْخُذُ، وَيُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ، وَهُوَ أَجْوَدُ الْأَجْوَدِينَ، وَأَكْرَمُ الْأَكْرَمِينَ، وَأَحَبُّ الْخَلْقِ إلَيْهِ مَنْ اتَّصَفَ بِصِفَاتِهِ، فَإِنَّهُ كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرِيمَ مِنْ عِبَادِهِ، وَعَالِمٌ يُحِبُّ الْعُلَمَاءَ، وَقَادِرٌ يُحِبُّ الشُّجْعَانَ، وَجَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، انْتَهَى. .
قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ: وَيُسْتَحَبُّ نِكَاحُ دَيِّنَةٍ وَلُودٍ بِكْرٍ، إلَّا أَنْ تَكُونَ مَصْلَحَةٌ فِي نِكَاحِ الثَّيِّبِ أَرْجَحَ، مِنْ بَيْتٍ مَعْرُوفٍ بِالدِّينِ وَالْقَنَاعَةِ، حَسِيبَةٌ وَهِيَ النَّسِيبَةُ، أَيْ طَيِّبَةُ الْأَصْلِ لَا بِنْتَ زِنًا وَلَقِيطَةً وَمَنْ لَا يُعْرَفُ أَبُوهَا. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِ: لِنَجَابَةِ وَلَدِهَا فَإِنَّهُ رُبَّمَا أَشْبَهَ أَهْلَهَا وَنَزَعَ إلَيْهِمْ، انْتَهَى.
وَرَوَى ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه «تَزَوَّجُوا فِي الْحُجَزِ الصَّالِحِ فَإِنَّ الْعِرْقَ دَسَّاسٌ» قُلْت هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ. قَالَ السُّيُوطِيّ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: جَمِيعُ مَا أَعَزَوْهُ صللعقيلي وَابْنِ عَدِيٍّ وَابْنِ عَسَاكِرَ وَالْخَطِيبِ وَالْحَكِيمِ التِّرْمِذِيِّ فِي نَوَادِرِ الْأُصُولِ وَالْحَاكِمِ وَابْنِ النَّجَّارِ فِي تَارِيخِهِمَا وَالدَّيْلَمِيُّ فِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ فَهُوَ ضَعِيفٌ فَيُسْتَغْنَى بِالْعَزْوِ إلَى هَذِهِ الْكُتُبِ عَنْ بَيَانِ الضَّعْفِ وَقَدْ عَزَاهُ لِابْنِ عَدِيٍّ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَفِيهِ «تَزَوَّجُوا فِي الْحُجَزِ الصَّالِحِ فَإِنَّ الْعِرْقَ دَسَّاسٌ» الْحُجَزُ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ الْأَصْلُ، وَقِيلَ " بِالضَّمِّ الْأَصْلُ وَالْمَنْبَتُ وَبِالْكَسْرِ هُوَ بِمَعْنَى الْحُجْزَةِ وَهِيَ هَيْئَةُ الْمُتَحَجِّزِ كِنَايَةً عَنْ الْعِفَّةِ وَطِيبِ الْإِزَارِ، وَقِيلَ هُوَ الْعَشِيرَةُ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَجَزُ بِهِمْ أَيْ يَمْتَنِعُ، وَقَوْلُهُ فَإِنَّ الْعِرْقَ دَسَّاسٌ أَيْ دَخَّالٌ بِالتَّشْدِيدِ؛ لِأَنَّهُ نَزْعٌ فِي خَفَاءٍ وَلُطْفٍ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا تَزَوَّجَ مِنْ مَنْبَتٍ صَالِحٍ جَاءَ الْوَلَدُ يُشْبِهُ أَهْلَ الزَّوْجَةِ فِي الْأَعْمَالِ وَالْأَخْلَاقِ وَعَكْسُهُ.
فَمِنْ ثَمَّ قَالَ النَّاظِمُ رحمه الله فَإِنْ تَفْعَلْ بِأَنْ تَزَوَّجْت
حَسِيبَةً مِنْ كِرَامٍ (تَفُزْ) أَيْ تَظْفَرْ (إذَا) يَعْنِي بِنِكَاحِهَا (بِوُلْدٍ) بِضَمِّ الْوَاوِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْوَلَدُ مُحَرَّكَةٌ وَبِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ وَاحِدٌ وَجَمْعٌ، وَقَدْ يُجْمَعُ عَلَى أَوْلَادٍ وَوِلْدَةٍ بِالْكَسْرِ وَوُلْدٍ بِالضَّمِّ. وَمُرَادُ النَّاظِمِ هُنَا الْجَمْعُ بِشَهَادَةِ قَوْلِهِ (كِرَامٍ) جَمْعُ كَرِيمٍ وَتَقَدَّمَ تَعْرِيفُهُ.
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: أَصْلُ الْمَحَاسِنِ كُلِّهَا الْإِكْرَامُ، وَالتَّفَضُّلُ عَلَى الْخَاصِّ وَالْعَامِّ. وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
لَا تَنْكِحَنَّ سِوَى كَرِيمَةِ مَعْشَرٍ
…
فَالْعِرْقُ دَسَّاسٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ
أَوَمَا تَرَى أَنَّ النَّتَائِجَ كُلَّهَا
…
تَبَعُ الْأَخَسِّ مِنْ الْمُقَدِّمَتَيْنِ
ثُمَّ قَالَ النَّاظِمُ (وَالْبَكَارَةَ) بِالْفَتْحِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَالْبِكْرُ بِالْكَسْرِ الْعَذْرَاءُ جَمْعُهَا أَبْكَارٌ، وَالْمَصْدَرُ الْبَكَارَةُ بِالْفَتْحِ، وَالْمَرْأَةُ وَالنَّاقَةُ إذَا وَلَدَتَا بَطْنًا وَاحِدًا، انْتَهَى.
وَفِي لُغَةِ الْإِقْنَاعِ: الْبِكْرُ بِكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْكَافِ مِنْ النِّسَاءِ الْعَذْرَاءُ وَهِيَ الْبَاقِيَةُ الْعُذْرَةُ، وَهِيَ مَا لَهَا مِنْ الِالْتِحَامِ قَبْلَ الْفِضَاضِ، وَالِاسْمُ الْبَكَارَةُ بِالْفَتْحِ، وَمُطْلَقُ الْبِكْرِ مَنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَالْجَمْعُ أَبْكَارٌ، وَالْمُرَادُ هُنَا ذَاتُ الْبَكَارَةِ الَّتِي هِيَ الْعُذْرَةُ (فَاقْصِدْ) أَمْرٌ مِنْ قَصَدَ أَيْ عَمَدَ وَيَمَّمَ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِجَابِرٍ رضي الله عنه «فَهَلَّا بِكْرًا تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُك» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ تُعْرَفُ الْبِكْرُ بِأَنَّهَا وَلُودٌ؟ فَالْجَوَابُ يُعْرَفُ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِهَا مِنْ نِسَاءٍ يُعْرَفْنَ بِكَثْرَةِ الْأَوْلَادِ. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «تَزَوَّجُوا الْأَبْكَارَ فَإِنَّهُنَّ أَعْذَبُ أَفْوَاهًا، وَأَنْتَقُ أَرْحَامًا، وَأَرْضَى بِالْيَسِيرِ» . قَالَ فِي النِّهَايَةِ فِيهِ عَلَيْكُمْ بِالْأَبْكَارِ فَإِنَّهُنَّ أَنْتَقُ أَرْحَامًا أَيْ أَكْثَرُ أَوْلَادًا، يُقَالُ لِلْمَرْأَةِ الْكَثِيرَةِ الْوَلَدِ نَاتِقٌ؛ لِأَنَّهَا تَرْمِي بِالْأَوْلَادِ رَمْيًا، وَالنَّتْقُ الرَّمْيُ وَالْحَرَكَةُ.
وَفِي لَفْظٍ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ وَسُنَنِ الْبَيْهَقِيّ عَنْ عُوَيْمِرِ بْنِ سَاعِدَةَ مَرْفُوعًا «عَلَيْكُمْ بِالْأَبْكَارِ فَإِنَّهُنَّ أَعْذَبُ أَفْوَاهًا، وَأَنْتَقُ أَرْحَامًا، وَأَرْضَى بِالْيَسِيرِ» .
وَفِي أَوْسَطِ الطَّبَرَانِيِّ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «عَلَيْكُمْ بِالْأَبْكَارِ