الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ظَنِّهِ أَنَّهُمْ لَا يَفْعَلُونَ بِهِ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا أَكْرَهُوهُ عَلَى فِعْلِهِ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَكَذَا لَوْ شَتَمُوهُ، أَوْ سَبُّوهُ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قَدَّسَ اللَّهَ رُوحَهُ: إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَضُرُّهُ فِي نَفْسِهِ أَوْ أَهْلِهِ، أَوْ مَالِهِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مُكْرَهًا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْإِكْرَاهِ مِنْ سُلْطَانٍ، أَوْ لِصٍّ، أَوْ مُتَغَلِّبٍ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَإِنْ أَكْرَهَهُ بِتَعْذِيبِ وَلَدِهِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا يَكُونُ إكْرَاهًا، وَالْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ بَلَى وَيُتَّجَهُ، مِثْلُ وَلَدِهِ كُلُّ مَنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ تَعْذِيبُهُ مَشَقَّةً عَظِيمَةً مِنْ وَالِدٍ وَزَوْجَةٍ وَصَدِيقٍ كَمَا فِي الْقَوَاعِد الْأُصُولِيَّةِ لابن اللَّحَّامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
[مَطْلَبٌ: هَلْ الْأَفْضَلُ إذَا أُكْرِهَ عَلَى فِعْلٍ مُحَرَّمٍ أَنْ يُجِيبَ أَوْ يَصْبِرَ]
(الثَّانِي) : هَلْ الْأَفْضَلُ إذَا أُكْرِهَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ أَنْ يُجِيبَ إلَى مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ، أَوْ يَصْبِرَ؟ فِي الْمَسْأَلَةِ نِزَاعٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ. وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي أَسِيرٍ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْقَتْلِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ إنْ صَبَرَ فَلَهُ الشَّرَفُ، وَإِنْ لَمْ يَصْبِرْ فَلَهُ الرُّخْصَةُ، وَقَالَ الْقَاضِي: الْأَفْضَلُ أَنْ لَا يُعْطِيَ التَّقِيَّةَ وَلَا يُظْهِرَ الْكُفْرَ حَتَّى يُقْتَلَ. وَاحْتَجَّ بِقِصَّةِ عَمَّارٍ وَخُبَيْبٍ، فَإِنَّ خُبَيْبًا لَمْ يُعْطِ أَهْلَ مَكَّةَ التَّقِيَّةَ حَتَّى قُتِلَ فَكَانَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ أَفْضَلَ مِنْ عَمَّارٍ رضي الله عنهما، ذَكَرَ ذَلِكَ فِي قَوَاعِدِ الْأُصُولِ.
وَلَمَّا فَرَغَ النَّاظِمُ مِنْ أَحْكَامِ الدَّوَابِّ وَمِنْ وَسْمِهَا، وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ، وَمَا يُبَاحُ قَتْلُهُ، وَمَا يَحْرُمُ، وَمَا يُكْرَهُ، وَمَا يُسْتَحَبُّ وَذَكَرَ حُكْمَ الْإِكْرَاهِ، وَأَنَّهُ مَا يَحِلُّ لِلْمُضْطَرِّ يَحِلُّ لِلْمُكْرَهِ، وَأَنَّ الْمُكْرَهَ أَقْوَالَهُ وَأَفْعَالَهُ الصَّادِرَةَ مِنْهُ لِدَاعِي الْإِكْرَاهِ لَغْوٌ إلَّا مَا اسْتَثْنَى أَعْقَبَ ذَلِكَ بِبَيَانِ طَرَفٍ مِنْ آدَابِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَقَالَ:
مَطْلَبٌ: فِي آدَابِ الْأَكْلِ:
وَيُكْرَهُ نَفْخٌ فِي الْغَدَا وَتَنَفُّسٌ
…
وَجَوْلَانُ أَيْدٍ فِي طَعَامٍ مُوَحَّدِ
(وَيُكْرَهُ) تَنْزِيهًا، وَقَدْ مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ الْمَكْرُوهَ يُثَابُ عَلَى تَرْكِهِ وَلَا يُعَاقَبُ عَلَى فِعْلِهِ (نَفْخٌ) مَصْدَرُ نَفَخَ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ نَفَخَ بِفِيهِ أَخْرَجَ مِنْهُ الرِّيحَ (فِي الْغَدَا) مُتَعَلِّقٌ بِ نَفْخٌ.
أَصْلُ الْغَدَا طَعَامُ الْغَدْوَةِ وَجَمْعُهُ أَغْدِيَةٌ
وَتَغَدَّى أَكَلَ أَوَّلَ النَّهَارِ وَغَدَّيْته تَغْدِيَةً فَهُوَ غَدْيَانُ، وَهِيَ غَدْيَا، وَالْغُدْوَةُ بِالضَّمِّ الْبُكْرَةُ، أَوْ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ كَالْغَدَاةِ، وَالْغَدِيَّةِ.
وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ الْغَدَاءُ مَا كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَالْعَشَاءُ بَعْدَهُ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ.
فَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَغَدَّى فَأَكَلَ بَعْدَ الزَّوَالِ، أَوْ لَا يَتَعَشَّى فَأَكَلَ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ، أَوْ لَا يَتَسَحَّرُ فَأَكَلَ قَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ وَلَا نِيَّةَ لَمْ يَحْنَثْ، وَالْمُرَادُ بِهِ فِي كَلَامِ النَّاظِمِ مُطْلَقُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ هَذَا إنْ كَانَ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَصَوَابُهُ بِالْغَيْنِ الْمَكْسُورَةِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَتَيْنِ.
قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْغِذَاءُ كَكِسَاءٍ مَا بِهِ نَمَاءُ الْجِسْمِ وَقِوَامُهُ وَغَذَاهُ غَذْوًا وَغَذَّاهُ وَاغْتَذَى وَتَغَذَّى، فَإِنَّ لَفْظَهُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ يَدُلُّ عَلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ كُلَّ وَقْتٍ بِالْمُطَابَقَةِ بِخِلَافِ الْغَدَاءِ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، فَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْأَكْلِ قَبْلَ الزَّوَالِ خَاصَّةً وَيُحْمَلُ عَلَيْهِ بَقِيَّةُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَمَا دَلَّ بِالْمُطَابَقَةِ أَوْلَى مِمَّا لَا دَلَالَةَ عَلَى شَيْءٍ إلَّا بِطَرِيقِ الْحَمْلِ.
فَظَهَرَ أَنَّ الْمُعْجَمَةَ هِيَ الصَّوَابُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَ) يُكْرَهُ أَيْضًا فِي الْغَدَا يَعْنِي فِي الْمَأْكُولِ، وَالْمَشْرُوبِ (تَنَفُّسٌ) أَيْ أَنْ يَتَنَفَّسَ فِي الْإِنَاءِ الَّذِي فِيهِ الْغِذَاءُ قَبْلَ إبَانَتِهِ عَنْ فِيهِ بِأَنْ يَخْرُجَ نَفَسُ الشَّارِبِ وَنَحْوُهُ فِي الْإِنَاءِ. وَالنَّفَسُ بِالتَّحْرِيكِ وَاحِدُ الْأَنْفَاسِ، وَتَنَفَّسَ الصُّبْحُ تَبَلَّجَ.
مَطْلَبٌ: فِيمَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ النَّفْخِ فِي الْإِنَاءِ وَالتَّنَفُّسِ فِيهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ النَّفْخِ فِي الْإِنَاءِ وَالتَّنَفُّسِ فِيهِ» . رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «نَهَى أَنْ يَتَنَفَّسَ فِي الْإِنَاءِ، أَوْ يَنْفُخَ فِيهِ» .
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا، وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ النَّفْخِ فِي الشَّرَابِ فَقَالَ رَجُلٌ: الْقَذَاةُ أَرَاهَا فِي الْإِنَاءِ فَقَالَ أَهْرِقْهَا قَالَ: فَإِنِّي لَا أُرْوَى مِنْ نَفَسٍ وَاحِدٍ، قَالَ فَأَبِنْ الْقَدَحَ إذَنْ عَنْ فِيك» .
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَيْضًا رضي الله عنه قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الشُّرْبِ مِنْ ثُلْمَةِ الْقَدَحِ وَأَنْ يُنْفَخَ فِي الشَّرَابِ» .
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ «النَّهْيَ عَنْ التَّنَفُّسِ فِي الْإِنَاءِ» مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ.
وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «نَهَى أَنْ يَشْرَبَ الرَّجُلُ مِنْ فِي السِّقَاءِ وَأَنْ يَتَنَفَّسَ فِي الْإِنَاءِ» . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ اخْتِنَاثِ الْأَسْقِيَةِ» يَعْنِي أَنْ تُكْسَرَ أَفْوَاهُهَا فَيُشْرَبُ مِنْهَا.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «نَهَى أَنْ يُشْرَبَ مِنْ فِي السِّقَاءِ، فَأُنْبِئْت أَنَّ رَجُلًا شَرِبَ مِنْ فِي السِّقَاءِ فَخَرَجَتْ حَيَّةٌ» ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مُخْتَصَرًا دُونَ قَوْلِهِ: فَأُنْبِئْت إلَى آخِرِهِ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ بِتَمَامِهِ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ اخْتِنَاثِ الْأَسْقِيَةِ، وَأَنَّ رَجُلًا بَعْدَ مَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ قَامَ مِنْ اللَّيْلِ إلَى سِقَاءٍ فَاخْتَنَثَهُ فَخَرَجَتْ عَلَيْهِ مِنْهُ حَيَّةٌ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ زَمْعَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ وَهْرَامَ، وَبَقِيَّةُ إسْنَادِهِ ثِقَاتٌ، وَقَوْلُهُ: عَنْ اخْتِنَاثِ السِّقَاءِ يُقَالُ خَنَثَ السِّقَاءَ وَأَخْنَثه إذَا كَسَرَ فَمَه إلَى خَارِجٍ فَشَرِبَ مِنْهُ.
مَطْلَبٌ: فِي إبَانَةِ الشَّابِّ الْقَدَحَ عَنْ فِيهِ ثَلَاثًا.
(تَنْبِيهَاتٌ) :
(الْأَوَّلُ) : رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «كَانَ يَتَنَفَّسُ فِي الْإِنَاءِ ثَلَاثًا وَيَقُولُ: هُوَ أَمْرَأُ وَأَرْوَى» .
وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ ثُمَامَةَ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَنَفَّسُ ثَلَاثًا» ، وَقَالَ: هَذَا صَحِيحٌ، قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ: وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُبِينُ الْقَدَحَ عَنْ فِيهِ كُلَّ مَرَّةٍ، ثُمَّ يَتَنَفَّسُ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمُتَقَدِّمِ لَا أَنَّهُ كَانَ يَتَنَفَّسُ فِي الْإِنَاءِ.
وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي نِهَايَتِهِ: وَفِيهِ أَنَّهُ نَهَى عَنْ النَّفَسِ فِي الْإِنَاءِ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّهُ كَانَ يَتَنَفَّسُ فِي الْإِنَاءِ ثَلَاثًا، يَعْنِي فِي الشُّرْبِ، الْحَدِيثَانِ صَحِيحَانِ وَهُمَا بِاخْتِلَافِ تَقْدِيرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَشْرَبَ، وَهُوَ يَتَنَفَّسُ فِي الْإِنَاءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُبِينَهُ عَنْ فِيهِ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ، وَالْآخَرُ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ الْإِنَاءِ بِثَلَاثَةِ أَنْفَاسٍ يَفْصِلُ فِيهَا فَاهُ عَنْ الْإِنَاءِ.