الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَطْلَبٌ: فِيمَا يُورِثُ النِّسْيَانَ
وَقَالَ فِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ وَإِذَا أَلْقَيْت الْقَمْلَةَ حَيَّةً أُورِثْت النِّسْيَانَ كَذَا رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي كَامِلِهِ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَيْلِيِّ أَنَّهُ رَوَى بِإِسْنَادِهِ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: سِتٌّ مِنْهَا النِّسْيَانُ: سُؤْرُ الْفَأْرِ، وَإِلْقَاءُ الْقَمْلَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ، وَالْبَوْلُ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ وَقَطْعُ الْقِطَارِ، وَمَضْغُ الْعِلْكِ وَأَكْلُ التُّفَّاحِ الْحَامِضِ. وَيُحِلُّ ذَلِكَ اللِّبَانُ الذَّكَرُ» .
وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ الْجَاحِظُ بِقَوْلِهِ إنَّ أَكْلَ الْحَامِضِ وَسُؤْرِ الْفَأْرِ وَنَبْذَ الْقَمْلِ يُورِثُ النِّسْيَانَ. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «أَنَّ الَّذِي يُلْقِي الْقَمْلَةَ لَا يُكْفَى الْهَمَّ» وَعِنْدَ الْعَامَّةِ أَنَّ لُبْسَ النِّعَالِ السُّودِ يُورِثُ النِّسْيَانَ، وَاَللَّهُ وَلِيُّ الْإِحْسَانِ.
(وَ)(كَفَأْرٍ) بِالْهَمْزِ جَمْعُ فَأْرَةٍ قَالَهُ فِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ. وَقَالَ الْحَجَّاوِيُّ فِي لُغَةِ إقْنَاعِهِ تُهْمَزُ وَلَا تُهْمَزُ، وَيَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ، وَالْأُنْثَى، وَالْجَمْعُ فَأْرٌ مِثْلُ تَمْرَةٍ وَتَمْرٍ. قَالَ وَفَأْرَةُ الْمِسْكِ مَهْمُوزَةٌ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ فَارِسٍ فِي بَابِ الْمَهْمُوزِ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: فَارَةُ الْمِسْكِ غَيْرُ مَهْمُوزٍ مِنْ فَارَ يَفُورُ. قَالَ الْحَجَّاوِيُّ: الْأَوَّلُ أَثْبَتُ.
وَفِي الْقَامُوسِ الْفَأْرُ مَعْرُوفٌ جَمْعُهُ فِئْرَانٌ وَفِئَرَةٌ كَعِنَبَةٍ، ثُمَّ قَالَ: وَنَافِجَةُ الْمِسْكِ وَبِلَا هَاءٍ الْمِسْكُ، أَوْ الصَّوَابُ إيرَادُ فَأْرَةِ الْمِسْكِ فِي " فَ وَرَ " يَعْنِي فِي مَادَّةِ " فَوَرَ " مِنْ الْفَوْرِ لَا فِي فَأَرَ فِي الْمَهْمُوزِ لِفَوَرَانِ رَائِحَتِهَا أَوْ يَجُوزُ هَمْزُهَا؛ لِأَنَّهَا عَلَى هَيْئَةِ الْفَأْرَةِ. وَقِيلَ لَأَعْرَابِيٍّ: أَتَهْمِزُ الْفَأْرَةَ؟ فَقَالَ: الْهِرَّةُ تَهْمِزُهَا، فَجَوَّزَ الْهَمْزَ وَعَدَمَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مَطْلَبٌ: فِي سَبَبِ تَسْمِيَةِ الْفَأْرَةِ فُوَيْسِقَةً
وَالْمُرَادُ بِالْفَأْرَةِ فِي كَلَامِ النَّاظِمِ فَأْرَةُ الْبَيْتِ، وَكَذَا الْجُرَذُ وَمِنْهُ الْخُلْدُ. وَفَأْرَةُ الْبَيْتِ هِيَ الْفُوَيْسِقَةُ الَّتِي أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِهَا فِي الْحِلِّ، وَالْحَرَمِ. وَأَصْلُ الْفِسْقِ الْخُرُوجُ عَنْ الِاسْتِقَامَةِ، وَالْجَوْرُ وَبِهِ سُمِّيَ الْعَاصِي فَاسِقًا، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتُ فَوَاسِقَ عَلَى الِاسْتِعَارَةِ لِخُبْثِهِنَّ وَقِيلَ لِخُرُوجِهِنَّ عَنْ الْحُرْمَةِ فِي الْحِلِّ، وَالْحَرَمِ أَيْ لَا حُرْمَةَ لَهُنَّ بِحَالٍ.
وَقِيلَ سُمِّيَتْ الْفَأْرَةُ فُوَيْسِقَةً؛ لِأَنَّهَا عَمَدَتْ إلَى سَفِينَةِ نُوحٍ عليه السلام فَقَطَعَتْهَا. فَقَدْ رَوَى الطَّحَاوِيُّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي نُعَيْمٍ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا سَعِيدٍ
الْخُدْرِيَّ رضي الله عنه لِمَ سُمِّيَتْ الْفَأْرَةُ فُوَيْسِقَةً؟ قَالَ: «اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ، وَقَدْ أَخَذَتْ فَأْرَةٌ فَتِيلَةً لِتُحَرِّقَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْبَيْتَ فَقَامَ إلَيْهَا وَقَتَلَهَا وَأَحَلَّ قَتْلَهَا لِلْحَلَالِ، وَالْمُحْرِمِ» .
وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: «جَاءَتْ فَأْرَةٌ فَأَخَذَتْ تَجُرُّ الْفَتِيلَةَ فَجَاءَتْ بِهَا فَأَلْقَتْهَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْخُمْرَةِ الَّتِي كَانَ قَاعِدًا عَلَيْهَا فَأَحْرَقَتْ مِنْهَا قَدْرَ مَوْضِعِ دِرْهَمٍ» ، وَالْخُمْرَةُ هِيَ السَّجَّادَةُ الَّتِي يَسْجُدُ عَلَيْهَا الْمُصَلِّي سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تُخَمِّرُ الْوَجْهَ أَيْ تُغَطِّيه وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ:«جَاءَتْ فَأْرَةٌ فَأَخَذَتْ تَجُرُّ الْفَتِيلَةَ فَذَهَبَتْ الْجَارِيَةُ تَزْجُرُهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: دَعِيهَا فَجَاءَتْ بِهَا فَأَلْقَتْهَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْخُمْرَةِ الَّتِي كَانَ قَاعِدًا عَلَيْهَا فَأَحْرَقَتْ مِنْهَا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم إذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوا سُرُجَكُمْ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدُلُّ مِثْلَ هَذِهِ عَلَى هَذَا فَتُحْرِقُكُمْ» ، ثُمَّ قَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِإِطْفَاءِ النَّارِ عِنْدَ النَّوْمِ وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْفُوَيْسِقَةَ تُضْرِمُ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ بَيْتَهُمْ» . قَالَ فِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ وَلَيْسَ فِي الْحَيَوَانِ أَفْسَدُ مِنْ الْفَأْرِ لَا يُبْقِي عَلَى خَطِيرٍ وَلَا جَلِيلٍ إلَّا أَهْلَكَهُ وَأَتْلَفَهُ وَلَعَلَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَمَّاهَا فُوَيْسِقَةً كَمَا سَمَّاهَا نُوحٌ عليه السلام، أَوْ يَكُونُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَكَى قَوْلَهُمْ بِحُرُوفِهِ، وَأَنَّهَا كَانَتْ تُعْرَفُ مِنْ حِينَئِذٍ بِالْفُوَيْسِقَةِ وَخَاطَبَ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم بِحَسَبِ مَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ بِتَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ.
فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خَمِّرُوا الْآنِيَةَ، وَأَوْكِئُوا الْأَسْقِيَةَ وَأَجِيفُوا الْأَبْوَابَ وَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ، فَإِنَّ لِلْجِنِّ سَيَّارَةً خَطْفَةً وَأَطْفِئُوا الْمَصَابِيحَ عِنْدَ الرُّقَادِ، فَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ رُبَّمَا أَخَذَتْ الْفَتِيلَةَ فَأَحْرَقَتْ أَهْلَ الْبَيْتِ» .
قِيلَ سُمِّيَتْ فُوَيْسِقَةً لِخُرُوجِهَا عَلَى النَّاسِ وَاغْتِيَالِهَا إيَّاهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ بِالْفَسَادِ. وَأَصْلُ الْفِسْقِ الْخُرُوجُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا. وَمِنْ هَذَا سُمِّيَ الْخَارِجُ عَنْ الطَّاعَةِ فَاسِقًا يُقَالُ فَسَقَتْ الرُّطَبَةُ عَنْ قِشْرِهَا إذَا خَرَجَتْ عَنْهُ.