الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَكَذَا اللِّبَاسُ، وَكُلُّ شُئُونِهِمْ كَانَتْ مُنْطَبِقَةً عَلَى هَذَا الشَّأْنِ.
وَهَذَا الْمُرَادُ بِقَوْلِ النَّاظِمِ رحمه الله وَلَا تَتَعَوَّدْ لِعَادَةٍ يَحْصُلُ لَكَ إذَا فَقَدْتَهَا بَعْضُ تَأَلُّمٍ أَوْ ضَرَرٍ، فَإِنَّ الطَّبِيعَةَ سَرَّاقَةٌ، فَمَنْ أَلِفَ التَّنَعُّمَ صَعُبَ عَلَيْهِ فِرَاقُهُ. فَيَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَكُونَ تَارَةً هَكَذَا وَتَارَةً هَكَذَا، وَهَذَا شَأْنُ الْعَبْدِ مَعَ سَيِّدِهِ إنْ مَنَحَهُ شَكَرَ، وَإِنْ مَنَعَهُ صَبَرَ. .
مَطْلَبٌ: الْمُعْتَبَرُ مِنْ الْإِنْسَانِ الْمَعْنَى وَالصِّفَاتُ لَا الْمَلَابِسُ وَالذَّاتُ
.
(الثَّانِيَةُ) : الْمُعْتَبَرُ مِنْ الْإِنْسَانِ الْمَعْنَى وَالصِّفَاتُ، لَا الْمَلَابِسُ وَالذَّاتُ. وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: صلى الله عليه وسلم «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَبَذِّلَ الَّذِي لَا يُبَالِي مَا لَبِسَ»
وَرَوَى أَبُو مَنْصُورٍ الدَّيْلَمِيُّ فِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَيْسَ الْبِرُّ فِي حُسْنِ اللِّبَاسِ وَالزِّيِّ وَلَكِنَّ الْبِرَّ فِي السَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ» .
وَرَوَى أَبُو الْقَاسِمِ الْأَصْبَهَانِيُّ التَّيْمِيُّ فِي التَّرْغِيبِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ قَالَ: رَأَى عَلَيَّ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - جُبَّةَ خَزٍّ فَقَالَ لِي: إنَّك حَسَنُ الْجُبَّةِ قُلْت وَمَا تُغْنِي عَنِّي، وَقَدْ أَفْسَدَهَا عَلَيَّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ سَالِمٌ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهم، قَالَ لِي أَصْلِحْ قَلْبَكَ وَالْبَسْ مَا شِئْت.
قُلْت: وَقَدْ أَكْثَرَ الشُّعَرَاءُ مِنْ أَصْحَابِ الرِّقَاقِ وَالْبُلَغَاءِ وَأَصْحَابِ الْحِكَمِ وَالدَّقَائِقِ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى، فَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ الْوَرْدِيِّ فِي لَامِيَّتِهِ:
خُذْ بِنَصْلِ السَّيْفِ وَاتْرُكْ غِمْدَهُ
…
وَاعْتَبِرْ فَضْلَ الْفَتَى دُونَ الْحُلَلْ
لَا يَضُرُّ الْفَضْلَ إقْلَالٌ كَمَا
…
لَا يَضُرُّ الشَّمْسَ إطْبَاقُ الطَّفَلْ
فَنَصْلُ السَّيْفِ حَدِيدَتُهُ، وَغِمْدُهُ جَفْنُهُ، وَالْحُلَلُ جَمْعُ حُلَّةٍ، وَالطَّفَلُ الظُّلْمَةُ مِنْ اللَّيْلِ السَّاتِرَةُ لِلشَّمْسِ.
وَالْمَعْنَى: أَنَّ أَصْحَابَ الْفَضَائِلِ الْكَامِلَةِ لَا يَضُرُّهُمْ إقْلَالُهُمْ ذَاتَ يَدِهِمْ وَلَا أَخْلَاقُ ثِيَابِهِمْ كَمَا لَا يَضُرُّ الْفَرَسَ الْعَتِيقَ خَلَاقَةُ جِلِّهِ، وَلَا الْجَمَلَ الْكَرِيمَ رَثَاثَةُ قَتَبِهِ.
وَمِثْلُهُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ:
وَمَا ضَرَّ نَصْلَ السَّيْفِ إخْلَاقُ غِمْدِهِ
…
إذَا كَانَ عَضْبًا حِينَ يَضْرِبُ بَاتِرًا
وَقَدْ أَحْسَنَ الْقَائِلُ:
قَدْ يُدْرِكُ الْمَجْدَ الْفَتَى وَإِزَارُهُ
…
خَلَقٌ وَجَيْبُ قَمِيصِهِ مَرْقُوعُ
وَأَنْشَدَ ابْنُ دُرَيْدٍ لِبَعْضِ الْأَعْرَابِ:
يُغَايِظُونَا بِقُمْصَانٍ لَهُمْ جُدُدٍ
…
كَأَنَّنَا لَا نَرَى فِي السُّوقِ قُمْصَانَا
لَيْسَ الْقَمِيصُ وَإِنْ جَدَّدْت رُقْعَتَهُ
…
بِجَاعِلٍ رَجُلًا إلَّا كَمَا كَانَا
وَعَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: إذَا لَبِسْتَ ثَوْبًا فَظَنَنْت أَنَّك فِيهِ أَفْضَلُ مِمَّا فِي غَيْرِهِ فَبِئْسَ الثَّوْبُ هُوَ لَكَ.
وَقَالَ مَنْصُورُ بْنُ عَمَّارٍ: مَنْ تَعَرَّى مِنْ لِبَاسِ التَّقْوَى لَمْ يَسْتَتِرْ بِشَيْءٍ مِنْ لِبَاسِ الدُّنْيَا وَقَدْ قِيلَ: لَا يَسُودُ الْمَرْءُ حَتَّى لَا يُبَالِيَ فِي أَيِّ ثَوْبَيْهِ ظَهَرَ.
وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: رَأَيْت أَعْرَابِيًّا فَاسْتَنْشَدْتُهُ فَأَنْشَدَنِي أَبْيَاتًا وَرَوَى أَخْبَارًا، فَتَعَجَّبْت مِنْ مَقَالِهِ وَسُوءِ حَالِهِ، فَسَكَتَ سَكْتَةً ثُمَّ قَالَ هَذِهِ الْأَبْيَاتُ:
أَأُخَيَّ إنَّ الْحَادِثَا
…
تِ تَرْكَنَنِي عَرَكَ الْأَدِيمِ
لَا تُنْكِرَنْ أَنْ قَدْ رَأَيْت
…
أَخَاك فِي كَرْبٍ عَدِيمِ
إنْ كُنَّ أَثْوَابِي بُلِينَ
…
فَإِنَّهُنَّ عَلَى كَرِيمِ
وَقَالَ آخَرُ وَعَزَاهَا فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى لِلْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رحمه الله وَرَضِيَ عَنْهُ:
عَلَيَّ ثِيَابٌ لَوْ تُقَاسُ جَمِيعُهَا
…
بِفَلْسٍ لَكَانَ الْفَلْسُ مِنْهُنَّ أَكْثَرَا
وَفِيهِنَّ نَفْسٌ لَوْ يُقَاسُ بِبَعْضِهَا
…
نُفُوسُ الْوَرَى كَانَتْ أَجَلَّ وَأَكْبَرَا
وَمَا ضَرَّ نَصْلَ السَّيْفِ إخْلَاقُ غِمْدِهِ
…
إذَا كَانَ عَضْبًا حَيْثُ وَجَّهْته بَرَى
وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَأَحْسَنَ:
لَا يُعْجِبَنَّكَ مَنْ يَصُونُ ثِيَابَهُ
…
حَذَرَ الْغُبَارِ وَعِرْضُهُ مَبْذُولُ
وَلَرُبَّمَا افْتَقَرَ الْفَتَى فَرَأَيْته
…
دَنِسَ الثِّيَابِ وَعِرْضُهُ مَغْسُولُ
وَقَالَ الْمُتَنَبِّي:
لَئِنْ كَانَ ثَوْبِي دُونَ قِيمَتِهِ فَلْسٌ
…
فَلَا فِيهِ نَفْسٌ دُونَ قِيمَتِهَا الْإِنْسُ
فَثَوْبُك بَدْرٌ تَحْتَ أَنْوَارِهِ الدُّجَى
…
وَثَوْبِي لَيْلٌ تَحْتَ أَطْمَارِهِ شَمْسٌ