الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَالَ عِيسَى عليه الصلاة والسلام: مَنْ تَعَلَّمَ وَعَلَّمَ وَعَمِلَ فَذَاكَ يُدْعَى عَظِيمًا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاءِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: لَيْتَ شِعْرِي أَيُّ شَيْءٍ أَدْرَكَ مَنْ فَاتَهُ الْعِلْمُ، وَأَيُّ شَيْءٍ فَاتَ مَنْ أَدْرَكَ الْعِلْمَ.
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رَوَّحَ اللَّهِ رُوحَهُ: لَا يَخْفَى فَضْلُ الْعِلْمِ بِبَدِيهَةِ الْعَقْلِ؛ لِأَنَّهُ الْوَسِيلَةُ إلَى مَعْرِفَةِ الْخَالِقِ، وَسَبَبِ الْخُلُودِ فِي النَّعِيمِ الدَّائِمِ، وَلَا يُعْرَفُ التَّقَرُّبُ إلَى الْمَعْبُودِ إلَّا بِهِ، فَهُوَ سَبَبٌ لِمَصَالِحِ الدَّارَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَمَّا كَانَ طَلَبُ الْعِلْمِ إنَّمَا يَنْفَعُ حَيْثُ خَلَصْتَ فِيهِ النِّيَّةُ وَكَانَ لِلَّهِ تَعَالَى لَا لِدُنْيَا يُصِيبُهَا، حَذَّرَ النَّاظِمُ مِنْ طَلَبِهِ لِأَجْلِ الْمَالِ، أَوْ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ فَقَالَ:
مَطْلَبٌ: فِي النَّهْيِ عَنْ طَلَبِ الْعِلْمِ لِلرِّيَاءِ وَإِخْلَاصِ النِّيَّةِ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى
وَلَا تَطْلُبَنَّ الْعِلْمَ لِلْمَالِ وَالرِّيَا
…
فَإِنَّ مِلَاكَ الْأَمْرِ فِي حُسْنِ مَقْصِدِ
(وَلَا تَطْلُبَنَّ) أَنْتَ (الْعِلْمَ) الَّذِي هُوَ أَرْفَعُ الْمَطَالِبِ، وَأَسْنَى الْمَنَاقِبِ، وَهُوَ سُلَّمُ الْمَعْرِفَةِ، وَطَرِيقُ التَّوْفِيقِ لِنَيْلِ الْخُلُودِ فِي دَارِ الْكَرَامَةِ (لِ) نَيْلِ (الْمَالِ) الَّذِي مَآلُهُ إلَى التُّرَابِ، وَلِطَلَبِ عِمَارَةِ الدُّنْيَا الَّتِي سَبِيلُهَا إلَى الْخَرَابِ وَقَدْ وَصَفَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه الدُّنْيَا فَقَالَ: دَارٌ مَنْ صَحَّ فِيهَا أَمِنَ، وَمَنْ أَمِنَ غُبِنَ، وَمَنْ افْتَقَرَ فِيهَا حَزِنَ، وَمَنْ اسْتَغْنَى فِيهَا فُتِنَ. فِي حَلَالِهَا الْحِسَابُ، وَفِي حَرَامِهَا النَّارُ.
وَكَانَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ يَقُولُ: اتَّقُوا السَّحَّارَةَ، فَإِنَّهَا تَسْحَرُ قُلُوبَ الْعُلَمَاءِ.
(وَ) لَا تَطْلُبَنَّ الْعِلْمَ أَيْضًا لِ (لرِّيَا) وَالسُّمْعَةِ، فَتَحْصُلْ عَلَى الْخُسْرَانِ وَتَضْمَنْ التَّبِعَةَ.
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ عز وجل لَا يَتَعَلَّمُهُ إلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنْ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» يَعْنِي رِيحَهَا.
وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَفِيهِ «وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا. قَالَ: فَمَا عَمِلْت فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْت
الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْت فِيك الْقُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْت وَلَكِنَّك تَعَلَّمْت لَيُقَالَ: عَالِمٌ، وَقَرَأْت لَيُقَالَ: هُوَ قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ. ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ» الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ.
فَلَا بُدَّ مِنْ تَصْحِيحِ النِّيَّةِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ. فَقَدْ نَقَلَ مُهَنَّا صَاحِبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ يَعْنِي الْإِمَامَ رضي الله عنه: طَلَبُ الْعِلْمِ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ لِمَنْ صَحَّتْ نِيَّتُهُ. قِيلَ فَأَيُّ شَيْءٍ تَصْحِيحُ النِّيَّةِ؟ قَالَ يَنْوِي أَنْ يَتَوَاضَعَ فِيهِ وَيَنْفِيَ عَنْهُ الْجَهْلَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ لِأَبِي دَاوُد: شَرْطُ النِّيَّةِ شَدِيدٌ حُبِّبَ إلَيَّ فَجَمَعْتُهُ.
وَقَالَ لِابْنِ هَانِئٍ: الْعِلْمُ لَا يَعْدِلُهُ شَيْءٌ.
إذَا عَلِمْت هَذَا (فَ) قَدْ ظَهَرَ لَك (أَنَّ مِلَاكَ الْأَمْرِ) يَعْنِي كُلَّ الْأَمْرِ وَرُوحَهُ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ مُجْتَمِعٌ (فِي حُسْنِ مَقْصِدِ) أَيْ فِي حُسْنِ الْقَصْدِ وَالنِّيَّةِ وَالْإِخْلَاصِ لِلَّهِ، وَرَفْضِ شَائِبَةِ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَالْأَغْرَاضِ الدَّنِيَّةِ، وَالْأَعْرَاضِ الدُّنْيَوِيَّةِ، قَالَ فِي الْقَامُوسِ: مَلَاكُ الْأَمْرِ وَيُكْسَرُ: قِوَامُهُ الَّذِي يُمْلَكُ بِهِ، وَفِي نِهَايَةِ ابْنِ الْأَثِير: وَفِيهِ يَعْنِي الْحَدِيثَ مِلَاكُ الدِّينِ الْوَرَعُ، الْمِلَاكُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ قِوَامُ الشَّيْءِ وَنِظَامُهُ وَمَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِيهِ. انْتَهَى.
فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِخْلَاصِ لِتَنَالَ الْخَلَاصَ، وَإِلَّا وَقَعْت فِي قَيْدِ الْأَقْفَاصِ، {وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ} [ص: 3] .
(تَنْبِيهٌ) : ذَكَرَ الْإِمَامُ الْعَلَامَةُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي الْفُرُوعِ عَنْ شَيْخِهِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ طَيَّبَ اللَّهُ مَثْوَاهُ، أَنَّ مَنْ فَعَلَ هَذَا يَعْنِي طَلَبَ الْعِلْمِ أَوْ غَيْرَهُ مِمَّا هُوَ خَيْرٌ فِي نَفْسِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَحَبَّةِ لَهُ لَا لِلَّهِ وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ الشُّرَكَاءِ فَلَيْسَ مَذْمُومًا بَلْ قَدْ يُثَابُ بِأَنْوَاعٍ مِنْ الثَّوَابِ، إمَّا بِزِيَادَةٍ فِيهَا وَفِي أَمْثَالِهَا فَيَتَنَعَّمُ بِذَلِكَ فِي الدُّنْيَا، وَلَوْ كَانَ فِعْلُ كُلِّ حَسَنٍ لَمْ يُفْعَلْ لِلَّهِ مَذْمُومًا لَمَا أُطْعِمَ الْكَافِرُ بِحَسَنَاتِهِ فِي الدُّنْيَا؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ سَيِّئَاتٍ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ فَوَائِدِ ذَلِكَ وَثَوَابِهِ فِي الدُّنْيَا أَنْ يَهْدِيَهُ اللَّهُ إلَى أَنْ يَتَقَرَّبَ بِهَا إلَيْهِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ طَلَبْنَا الْعِلْمَ لِغَيْرِ اللَّهِ فَأَبَى أَنْ يَكُونَ إلَّا لِلَّهِ، وَقَوْلُ الْآخَرِ: طَلَبُهُمْ لَهُ نِيَّةٌ يَعْنِي نَفْسَ طَلَبِهِ حَسَنٌ يَنْفَعُهُمْ. وَهَذَا قِيلَ فِي الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ الدَّلِيلُ الْمُرْشِدُ، فَإِذَا طَلَبَهُ بِالْمَحَبَّةِ وَحَصَّلَهُ عَرَّفَهُ الْإِخْلَاصَ، فَالْإِخْلَاصُ لَا يَقَعُ إلَّا بِالْعِلْمِ، فَلَوْ كَانَ