الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قُلْت: وَظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا كَرَاهِيَةُ الْعِمَامَةِ الصَّمَّاءِ.
بَلْ صَرَّحُوا بِذَلِكَ، مِنْهُمْ صَاحِبُ الْإِقْنَاعِ وَشَارِحُ الْمُنْتَهَى م ص كَالْمُصَنِّفِ، وَبَنَوْا عَلَيْهِ أَنَّ عَدَمَ جَوَازِ مَسْحِ الْعِمَامَةِ الصَّمَّاءِ لِذَلِكَ قَالُوا: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْعِمَامَةُ مُحَنَّكَةً وَلَا ذَاتَ ذُؤَابَةٍ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهَا لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ فِي نَزْعِهَا كَالْكُتْلَةِ؛ وَلِأَنَّهَا تُشْبِهُ عَمَائِمَ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَقَدْ نَهَى عَنْ التَّشَبُّهِ بِهِمْ.
قَالَ الشَّيْخُ: الْمَحْكِيُّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ الْكَرَاهَةُ، وَلَمْ يَمْنَعْ هُوَ يَعْنِي الشَّيْخَ الْمَسْحَ.
قَالَ: لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ التَّرَخُّصَ كَسَفَرِ النُّزْهَةِ.
قَالَ تِلْمِيذُهُ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ أَيْضًا: وَلَعَلَّ ظَاهِرَ مَنْ جَوَّزَ الْمَسْحَ إبَاحَةُ لُبْسِهَا، وَهُوَ مُتَّجَهٌ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ أَبْنَاءِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ.
وَتُحْمَلُ كَرَاهَةُ السَّلَفِ عَلَى الْحَاجَةِ إلَى التَّحْنِيكِ لِمُجَاهِدٍ أَوْ غَيْرِهِ، مَعَ أَنَّ الْكَرَاهَةَ إنَّمَا هِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ وَالْحَسَنِ وَطَاوُسٍ وَالثَّوْرِيِّ.
قَالَ: وَفِي الصِّحَّةِ أَيْ صِحَّةِ الْكَرَاهَةِ عَمَّنْ ذُكِرَ نَظَرٌ. انْتَهَى.
وَفِي الْآدَابِ: لَا خِلَافَ فِي اسْتِحْبَابِ الْعِمَامَةِ الْمُحَنَّكَةِ وَكَرَاهَةِ الصَّمَّاءِ انْتَهَى.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي الْمَذْهَبِ اسْتِحْبَابُ التَّحَنُّكِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالذُّؤَابَةُ، فَإِنْ فُقِدَا كَانَتْ الْعِمَامَةُ مَكْرُوهَةً.
هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ.
قُلْت: وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمِيعِ عُلَمَائِنَا اعْتِبَارُ كَوْنِ الذُّؤَابَةِ مِنْ الْعِمَامَةِ لَا مِنْ غَيْرِهَا.
وَفِي فَتَاوَى الْحَافِظِ السَّخَاوِيِّ أَنَّ بَعْضَهُمْ نَسَبَ إلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَتْ الْعَذْبَةُ فِي السَّفَرِ مِنْ غَيْرِ الْعِمَامَةِ وَفِي الْحَضَرِ مِنْهَا.
قَالَ السَّخَاوِيُّ: وَهَذَا شَيْءٌ مَا عَلِمْنَاهُ. انْتَهَى.
وَأَظُنُّ أَنَّ شَيْخَنَا التَّغْلِبِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ لِي: إنْ كَانَتْ الْعَذْبَةُ مِنْ غَيْرِ الْعِمَامَةِ لَمْ يَجُزْ عَلَيْهَا الْمَسْحُ وَزَالَتْ الْكَرَاهَةُ، فَإِنْ كَانَ قَالَ هَذَا فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّا لَوْ قُلْنَا بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ لَجَوَّزْنَا الْمَسْحَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
مَطْلَبٌ: يُسَنُّ تَحْنِيكُ الْعِمَامَةِ
(السَّادِسُ) : قَدْ عَلِمْت أَنَّ التَّحَنُّكَ مَسْنُونٌ، وَهُوَ التَّلَحِّي قَالَ الشَّمْسُ الشَّامِيُّ: التَّلَحِّي سُنَّةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالسَّلَفِ الصَّالِحِ.
وَقَالَ
الْإِمَامُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي آدَابِهِ الْكُبْرَى: مُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي الرِّعَايَةِ اسْتِحْبَابُ الذُّؤَابَةِ لِكُلِّ أَحَدٍ كَالتَّحَنُّكِ.
قَالَ الْحَجَّاوِيُّ: يَعْنِي يُجْمَعُ بَيْنَ التَّحَنُّكِ وَالذُّؤَابَةِ انْتَهَى.
وَقَالَ الشَّيْخُ فِي الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ: الْعِمَامَةُ الشَّرْعِيَّةُ أَنْ تَكُونَ مُحَنَّكَةً تَحْتَ الذَّقَنِ، فَإِنْ كَانَتْ بِذُؤَابَةٍ بِلَا حَنْكٍ فَفِيهَا وَجْهَانِ.
وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ لَا ذُؤَابَةَ لَهَا وَلَا حَنَكَ فَفِيهَا قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَمْسَحُ عَلَيْهَا وَهُوَ مَذْهَبُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ.
قَالَ وَالْعَمَائِمُ الْمُكَلَّبَةُ بِالْكِلَابِ تُشْبِهُ الْمُحَنَّكَةَ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ فَإِنَّ الْكَلَالِيبَ يُمْسِكُهَا كَمَا يُمْسِكُ الْحَنَكَ لِلْعِمَامَةِ، وَكَانَ الصَّحَابَةُ يَتَحَنَّكُونَ الْعَمَائِمَ، فَإِذَا رَكِبُوا الْخَيْلَ، وَطَرَدُوهَا لَمْ تَسْقُطْ عَمَائِمُهُمْ.
وَكَذَلِكَ كَانَ أَهْلُ الثُّغُورِ بِالشَّامِ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ.
وَكَرِهَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْأَئِمَّةِ لُبْسَ الْعَمَائِمِ الْمُتَقَطِّعَةِ، وَهِيَ الَّتِي لَا يَكُونُ لَهَا مَا يُمْسِكُهَا تَحْتَ الذَّقَنِ.
وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يَقُولُ: لَا يَنْظُرُ اللَّهُ لِقَوْمٍ لَا يُدِيرُونَ عَمَائِمَهُمْ تَحْتَ أَذْقَانِهِمْ، وَكَانُوا يُسَمُّونَهَا الْفَاسِقِيَّةَ.
وَلَكِنْ رَخَّصَ فِيهَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَغَيْرُهُ.
وَرَوَى أَنَّ أَبْنَاءَ الْمُهَاجِرِينَ كَانُوا يَعْتَمُّونَ كَذَلِكَ.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَقَدْ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ هَذَا حَالُ أَهْلِ الْجِهَادِ الْمُسْتَعِدِّينَ لَهُ، وَهَذَا حَالُ مَنْ لَبِسَ مِنْ أَهْلِهِ.
قَالَ: وَإِمْسَاكُهَا بِالسُّيُورِ وَنَحْوِهَا كَالْمُحَنَّكَةِ انْتَهَى.
وَمُقْتَضَى ذِكْرِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مَا جَاءَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ ذَلِكَ بِالْعَالِمِ، فَإِنْ فَعَلَهَا غَيْرُهُ فَيَتَوَجَّهُ دُخُولُهَا فِي لِبَاسِ الشُّهْرَةِ، وَلَا اعْتِبَارَ بِعُرْفٍ حَادِثٍ، بَلْ بِعُرْفٍ قَدِيمٍ.
وَعَلَى هَذَا لَا خِلَافَ فِي اسْتِحْبَابِ الْعِمَامَةِ الْمُحَنَّكَةِ وَكَرَاهَةِ الصَّمَّاءِ. انْتَهَى.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رضي الله عنه أَدْرَكْت فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تِسْعِينَ مُحَنَّكًا وَإِنَّ أَحَدَهُمْ لَوْ ائْتُمِنَ عَلَى بَيْتِ مَالٍ لَكَانَ بِهِ أَمِينًا.
وَفِي لَفْظٍ لَوْ اُسْتُسْقِيَ بِهِمْ الْقَطْرُ لَسُقُوا.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَاجِّ أَحَدُ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ فِي كِتَابِهِ الْمَدْخَلِ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ
أَئِمَّةِ اللُّغَةِ فِي مَعْنَى الِاقْتِعَاطِ يَعْنِي الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ، وَأَنَّهُ مِنْ لُبْسَةِ الشَّيْطَانِ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الْوَلِيدِ قَالَ: إنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ مَالِكٌ لِمُخَالَفَتِهِ فِعْلَ السَّلَفِ الصَّالِحِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيُّ.
اقْتِعَاطُ الْعَمَائِمِ هُوَ التَّعْمِيمُ دُونَ حَنَكٍ، وَهُوَ بِدْعَةٌ مُنْكَرَةٌ، وَقَدْ شَاعَتْ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ.
وَنَظَرَ مُجَاهِدٌ يَوْمًا إلَى رَجُلٍ اعْتَمَّ وَلَمْ يَحْتَنِكْ فَقَالَ: اقْتِعَاطَ كَاقْتِعَاطَ الشَّيْطَانِ، تِلْكَ عِمَّةُ الشَّيْطَانِ وَعَمَائِمُ قَوْمِ لُوطٍ.
وَفِي الْمُخْتَصَرِ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ الْعِمَامَةِ يَعْتَمُّهَا الرَّجُلُ، وَلَا يَجْعَلُهَا تَحْتَ حَلْقِهِ، فَأَنْكَرَهَا، وَقَالَ: إنَّهَا مِنْ عَمَلِ الْقِبْطِ.
قِيلَ لَهُ: فَإِنْ صَلَّى بِهَا كَذَلِكَ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ وَلَيْسَتْ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ.
وَقَالَ أَشْهَبُ: كَانَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا اعْتَمَّ جَعَلَ مِنْهَا تَحْتَ ذَقَنِهِ وَأَسْدَلَ طَرَفَهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ.
مَطْلَبٌ: صِفَةُ الْعِمَامَةِ الْمَسْنُونَةِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْحَقِّ الْإِشْبِيلِيُّ: وَسُنَّةُ الْعِمَامَةِ بَعْدَ فِعْلِهَا أَنْ يُرْخِيَ طَرَفَهَا وَيَتَحَنَّكَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ طَرَفٍ وَلَا تَحْنِيكٍ فَذَلِكَ يُكْرَهُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُدْخِلَهَا تَحْتَ حَنَكِهِ فَإِنَّهَا تَقِي الْعُنُقَ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ وَهُوَ أَثْبَتُ لَهَا عِنْدَ رُكُوبِ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ وَالْكَرِّ وَالْفَرِّ.
قُلْت: وَقَالَ هَذَا عُلَمَاؤُنَا.
وَقَالَ فِي الْهَدْيِ: «كَانَ صلى الله عليه وسلم يَتَحَلَّى بِالْعِمَامَةِ تَحْتَ الْحَنَكِ» انْتَهَى.
وَقَدْ أَطْنَبَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي الْمَدْخَلِ لِاسْتِحْبَابِ التَّحَنُّكِ ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا كَانَتْ الْعِمَامَةُ مِنْ بَابِ الْمُبَاحِ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ فِعْلِ سُنَنٍ تَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ تَنَاوُلِهَا بِالْيَمِينِ، وَالتَّسْمِيَةِ وَالذِّكْرِ الْوَارِدِ إنْ كَانَ مِمَّا يَلْبَسُ جَدِيدًا، وَامْتِثَالِ السُّنَّةِ فِي صِفَةِ التَّعْمِيمِ مِنْ فِعْلِ التَّحْنِيكِ وَالْعَذْبَةِ وَتَصْغِيرِ الْعِمَامَةِ بِقَدْرِ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ أَوْ نَحْوِهِمَا يُخْرِجُونَ مِنْهَا التَّحْنِيكَ وَالْعَذْبَةَ فَإِنْ زَادَ فِي الْعِمَامَةِ قَلِيلًا لِأَجْلِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ فَيُتَسَامَحُ فِيهِ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ رحمه الله.
وَفِي فَتَاوَى ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ النَّهْيُ عَنْ الِاقْتِعَاطِ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ لَا عَلَى التَّحْرِيمِ.