الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفِي الْمُسْنَدِ وَغَيْرِهِ مَرْفُوعًا «مُدْمِنُ الْخَمْرِ كَعَابِدِ وَثَنٍ» فَإِنَّ الزِّنَا أَعْظَمُ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه: لَيْسَ بَعْدَ قَتْلِ النَّفْسِ أَعْظَمُ مِنْ الزِّنَا. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ «سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ؟ قَالَ أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَك، قُلْت: إنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ، قُلْت ثُمَّ أَيْ؟ قَالَ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَك مَخَافَةَ أَنْ يُطْعَمَ مَعَك، قُلْت ثُمَّ أَيْ؟ قَالَ أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِك» .
وَذَكَرَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: إذَا بُخِسَ الْمِكْيَالُ حُبِسَ الْقَطْرُ، وَإِذَا ظَهَرَ الزِّنَا وَقَعَ الطَّاعُونُ، وَإِذَا كَثُرَ الْكَذِبُ كَثُرَ الْهَرْجُ.
وَيَكْفِي فِي قُبْحِ الزِّنَا أَنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى مَعَ كَمَالِ رَحْمَتِهِ شَرَعَ فِيهِ أَفْحَشَ الْقِتْلَاتِ وَأَصْعَبَهَا وَأَفْضَحَهَا، وَأَمَرَ أَنْ يَشْهَدَ عِبَادُهُ الْمُؤْمِنُونَ تَعْذِيبَ فَاعِلِهِ. وَمِنْ قُبْحِهِ أَنَّ اللَّهَ فَطَرَ عَلَيْهِ بُغْضَ الْحَيَوَانِ الْبَهِيمِ الَّذِي لَا عَقْلَ لَهُ، كَمَا ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيِّ قَالَ: رَأَيْت فِي الْجَاهِلِيَّةِ قِرْدًا زَنَى بِقِرْدَةٍ، فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِمَا الْقُرُودُ فَرَجَمُوهُمَا حَتَّى مَاتَا، وَكُنْت فِيمَنْ رَجَمَهُمَا.
مَطْلَبٌ: الزِّنَا يَجْمَعُ خِلَالَ الشَّرِّ كُلِّهَا
.
قَالَ فِي رَوْضَةِ الْمُحِبِّينَ: وَالزِّنَا يَجْمَعُ خِلَالَ الشَّرِّ كُلَّهَا مِنْ قِلَّةِ الدِّينِ وَذَهَابِ الْوَرَعِ، وَفَسَادِ الْمُرُوءَةِ وَقِلَّةِ الْغَيْرَةِ، فَلَا تَجِدُ زَانِيًا مَعَهُ وَرَعٌ، وَلَا وَفَاءٌ بِعَهْدٍ، وَلَا صِدْقٌ فِي حَدِيثٍ، وَلَا مُحَافَظَةٌ عَلَى صَدِيقٍ، وَلَا غَيْرَةٌ تَامَّةٌ عَلَى أَهْلِهِ، فَالْغَدْرُ وَالْكَذِبُ وَالْخِيَانَةُ وَقِلَّةُ الْحَيَاءِ وَعَدَمُ الْمُرَاقَبَةِ وَعَدَمُ الْأَنَفَةِ لِلْحُرَمِ وَذَهَابُ الْغَيْرَةِ مِنْ الْقَلْبِ مِنْ شُعَبِهِ وَمُوجِبَاتِهِ، وَمِنْ مُوجِبَاتِهِ غَضَبُ الرَّبِّ بِإِفْسَادِ حُرَمِهِ وَعِيَالِهِ، وَلَوْ تَعَرَّضَ رَجُلٌ إلَى مَلِكٍ مِنْ الْمُلُوكِ بِذَلِكَ لَقَابَلَهُ أَسْوَأَ مُقَابَلَةٍ. وَمِنْهَا سَوَادُ الْوَجْهِ وَظُلْمَتُهُ وَمَا يَعْلُوهُ مِنْ الْكَآبَةِ وَالْمَقْتِ الَّذِي يَبْدُو عَلَيْهِ لِلنَّاظِرِينَ.
وَمِنْهَا ظُلْمَةُ الْقَلْبِ، وَطَمْسُ نُورِهِ، وَهُوَ الَّذِي أَوْجَبَ طَمْسَ نُورِ الْوَجْهِ، وَغَشَيَانَ الظُّلْمَةِ لَهُ، وَمِنْهَا الْفَقْرُ اللَّازِمُ، وَفِي أَثَرٍ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى:«إنَّ اللَّهَ مُهْلِكُ الطُّغَاةِ، وَمُفْقِرُ الزُّنَاةِ» . وَمِنْهَا أَنَّهُ يُذْهِبُ حُرْمَةَ فَاعِلِهِ وَيَسْقُطُ مِنْ عَيْنِ رَبِّهِ وَمِنْ أَعْيُنِ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ. وَمِنْهَا أَنَّهُ يَسْلُبُهُ
أَحْسَنَ الْأَسْمَاءِ، وَهُوَ اسْمُ الْعِفَّةِ وَالْبِرِّ وَالْعَدَالَةِ، وَيُعْطِيه أَضْدَادَهَا كَاسْمِ الْفَاجِرِ وَالْفَاسِقِ وَالزَّانِي وَالْخَائِنِ.
وَمِنْهَا أَنَّهُ يَسْلُبُهُ اسْمَ الْإِيمَانِ كَمَا مَرَّ، فَيَسْلُبُ اسْمَ الْإِيمَانِ الْمُطْلَقِ دُونَ مُطْلَقِ الْإِيمَانِ، وَسُئِلَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ رضي الله عنهما عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَخَطَّ دَائِرَةً فِي الْأَرْضِ وَقَالَ هَذِهِ دَائِرَةُ الْإِيمَانِ ثُمَّ خَطَّ دَائِرَةً أُخْرَى خَارِجَةً عَنْهَا وَقَالَ هَذِهِ لِلْإِسْلَامِ، فَإِذَا زَنَى الْعَبْدُ خَرَجَ مِنْ هَذِهِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ هَذِهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ جُزْءٍ مَا مِنْ الْإِيمَانِ لَهُ أَنْ يُسَمَّى مُؤْمِنًا، كَمَا أَنَّ الرَّجُلَ يَكُونُ مَعَهُ جُزْءٌ مَا مِنْ الْعِلْمِ وَلَا يُسَمَّى بِهِ عَالِمًا فَقِيهًا، وَكَذَلِكَ يَكُونُ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ التَّقْوَى وَلَا يُسَمَّى مُتَّقِيًا وَنَظَائِرُهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: فَالصَّوَابُ إجْرَاءُ الْحَدِيثِ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَلَا يُتَأَوَّلُ بِمَا يُخَالِفُ ظَاهِرَهُ. قُلْت: وَكُنْت سَأَلْت فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ وَأَلْفٍ هَلْ يَكُونُ الزَّانِي فِي حَالِ تَلَبُّسِهِ بِالزِّنَا وَلِيًّا لِلَّهِ تَعَالَى؟ قُلْت: لَا، فَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِ الطَّلَبَةِ وَالْمُدَرِّسِينَ، وَمَضَى رَجُلٌ مِنْ الْإِخْوَانِ إلَى أَحَدِ الْأَعْيَانِ فَذَكَرَ لَهُ الْقِصَّةَ وَحَرَّفَ بَعْضَ تَحْرِيفٍ، وَكَانَ ذَلِكَ الْكَبِيرُ مِنْ أَشْيَاخِي، فَلَمَّا حَضَرْت لِصَلَاةِ الظُّهْرِ فِي جَامِعِ بَنِي أُمَيَّةَ وَفَرَغْت مِنْ الصَّلَاةِ وَانْصَرَفْت إلَى نَحْوِ الْمَدْرَسَةِ أَرْسَلَ إلَيَّ الشَّيْخُ وَقَالَ لِي بَلَغَنِي عَنْك مَقَالَةً سَاءَتْنِي، فَقُلْت لَهُ: لَا سَاءَك اللَّهُ بِمَكْرُوهٍ مَا هِيَ؟ فَذَكَرَ لِي الْقَضِيَّةَ، فَقُلْت: سُبْحَانَ اللَّهِ، الْمُصْطَفَى يَسْلُبُهُ اسْمَ الْإِيمَانِ وَأَنْتُمْ لَا تَسْلُبُونَهُ اسْمَ الْوِلَايَةِ، فَلَا بُدَّ مِنْ حَمْلِ كَلَامِ الْمَعْصُومِ عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ، إمَّا أَنْ يَكُونَ إيمَانُ الزَّانِي قَدْ ارْتَفَعَ عَنْهُ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ، وَكَانَ عَلَيْهِ كَالظُّلَّةِ، وَعِنْدَ الْبَيْهَقِيّ: أَنَّ الْإِيمَانَ سِرْبَالٌ سَرْبَلَهُ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ، فَإِنْ زَنَى الْعَبْدُ نَزَعَ مِنْهُ سِرْبَالَ الْإِيمَانِ، فَإِنْ تَابَ رَدَّ عَلَيْهِ، أَوْ يَكُونُ إيمَانُهُ نَاقِصًا، وَعَلَى الْحَالَتَيْنِ فَلَيْسَ هُوَ وَلِيًّا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ. فَرَضِيَ الشَّيْخُ بِمَا قُلْت وَدَعَا لِي وَانْصَرَفَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمِنْهَا أَنَّهُ يُفَارِقُهُ الطِّيبُ الْمُتَّصِفُ بِهِ أَهْلُ الْعَفَافِ، وَيَتَبَدَّلُ بِهِ الْخُبْثُ الْمُتَّصِفُ بِهِ الزُّنَاةُ فِي قَوْله تَعَالَى:{الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} [النور: 26] وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى كُلِّ خَبِيثٍ بَلْ