الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمِنْخَرُهَا وَخَرْقُ أُذُنِهَا وَذَاكَ مِنْهَا.
قَالَ فَهَذِهِ يَعْنِي الَّتِي تَجْمَعُ هَذِهِ الْأَوْصَافَ أَحَقُّ بِقَوْلِ كُثَيِّرٍ:
لَوْ أَنَّ عَزَّةَ خَاصَمَتْ شَمْسَ الضُّحَى
…
فِي الْحُسْنِ عِنْدَ مُوَفَّقٍ لَقَضَى لَهَا
انْتَهَى. وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْجَمَالِ وَالْمَلَاحَةِ مَا نَصُّهُ: رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الْأَكَاسِرَةِ أَنَّهُ قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ فِي الْمَرْأَةِ أَرْبَعَةٌ سُودٌ، وَأَرْبَعَةٌ بِيضٌ، وَأَرْبَعَةٌ حُمْرٌ، وَأَرْبَعَةٌ كِبَارٌ، وَأَرْبَعَةٌ صِغَارٌ، وَأَرْبَعَةٌ وَاسِعَةٌ، وَأَرْبَعَةٌ ضَيِّقَةٌ، فَذَكَرَهَا عَلَى نَحْوِ مَا قَدَّمْنَا، إلَّا أَنَّهُ بَدَّلَ الْفَرْقَ فِي الْبِيضِ بِالظُّفْرِ قَالَ إلَّا أَنْ يُصْبَغَ. وَفِي الْحُمْرِ قَالَ الْوَجْنَتَانِ وَالشَّفَتَانِ وَاللِّسَانِ وَاللِّثَةِ.
قَالَ وَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ الْكِبَارُ فَالثَّدْيَانِ وَالْفَرْجُ وَالْعَجِيزَةُ وَالرُّكْبَتَانِ. وَقَالَ فِي الصِّغَارِ الْأُذُنَانِ وَالْفَمُ وَالْيَدَانِ وَالرِّجْلَانِ. وَالْأَرْبَعَةُ الْوَاسِعَةُ الْجَبِينُ وَأُصُولُ الثَّدْيَيْنِ وَالْعَيْنَانِ وَالسُّرَّةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ أَرْشَدَ النَّاظِمُ إلَى الِامْتِثَالِ لِأَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَثِّ عَلَى نِكَاحِ ذَاتِ الدِّينِ الْوَلُودِ الْوَدُودِ فَقَالَ:
مَطْلَبٌ: يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يَخْتَارَ ذَاتَ الدِّينِ الْوَدُودَ الْوَلُودَ الْحَسِيبَةَ:
عَلَيْك بِذَاتِ الدِّينِ تَظْفَرُ بِالْمُنَى الْ
…
وَدُودِ الْوَلُودِ الْأَصْلِ ذَاتِ التَّعَبُّدِ
(عَلَيْك) أَيْ الْزَمْ أَيُّهَا الْأَخُ الْمَرِيدُ النِّكَاحَ (بِ) نِكَاحِ (ذَاتِ) أَيْ صَاحِبَةِ (الدِّينِ) أَيْ الدَّيِّنَةِ مِنْ بَيْتِ دِينٍ وَأَمَانَةٍ وَعِفَّةٍ وَصِيَانَةٍ، إذْ الدِّيَانَةُ تَقْتَضِي ذَلِكَ كُلَّهُ، فَإِنْ فَعَلْت (تَظْفَرُ) أَيْ تَفُوزُ (بِالْمُنَى) أَيْ الْمَطْلُوبِ وَتَسْتَرِيحُ مِنْ الْهَمِّ وَالْعَنَاءِ.
أَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَالْبَزَّازُ وَأَبُو يَعْلَى وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى إحْدَى خِصَالٍ: لِجَمَالِهَا وَمَالِهَا وَخُلُقِهَا وَدِينِهَا فَعَلَيْك بِذَاتِ الدِّينِ وَالْخُلُقِ تَرِبَتْ يَمِينُك» .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَلِجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاك» .
قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ: قَوْلُهُ " تَرِبَتْ " كَلِمَةٌ مَعْنَاهَا الْحَثُّ وَالتَّحْرِيضُ، وَقِيلَ هِيَ هُنَا دُعَاءٌ عَلَيْهِ بِالْفَقْرِ، وَقِيلَ بِكَثْرَةِ الْمَالِ، وَاللَّفْظُ مُشْتَرِكٌ بَيْنَهُمَا قَابِلٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا. قَالَ وَالْآخَرُ هُنَا أَظْهَرُ وَمَعْنَاهُ اظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ وَلَا تَلْتَفِتْ إلَى الْمَالِ أَكْثَرَ اللَّهُ مَالَك. وَرُوِيَ الْأَوَّلُ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا قَالَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ رَأَى الْفَقْرَ خَيْرًا لَهُ مِنْ الْغِنَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الْمَطَالِعِ: قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «تَرِبَتْ يَدَاك» قَالَ مَالِكٌ: خَسِرَتْ يَدَاك. وَقَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ وَغَيْرُهُ: اسْتَغْنَتْ، وَأَنْكَرَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ أَيْ لَا يُقَالُ فِي الْغِنَى إلَّا أَتْرَبَ.
وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: إنَّمَا هُوَ تَرِبْت أَيْ اسْتَغْنَيْت، وَهِيَ لُغَةٌ لِلْقِبْطِ جَرَتْ عَلَى أَلْسِنَةِ الْعَرَبِ، وَهِيَ تَرُدُّهَا الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ وَمَعْرُوفُ كَلَامِ الْعَرَبِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ ضَعُفَ عَقْلُك أَتَجْهَلُ هَذَا؟ وَقِيلَ افْتَقَرَتْ يَدَاك مِنْ الْعِلْمِ. وَقِيلَ هُوَ حَضٌّ عَلَى تَعَلُّمِ مِثْلٍ. وَقِيلَ مَعْنَاهُ لِلَّهِ دَرُّك. وَقِيلَ امْتَلَأَتْ تُرَابًا. وَقِيلَ تَرِبَتْ أَصَابَهَا التُّرَابُ، وَمِنْهُ تَرِبَ جَبِينُك وَأَصْلُهُ الْقَتِيلُ يُقْتَلُ فَيَقَعُ عَلَى جَبِينِهِ فَيَتَتَرَّبُ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ اسْتِعْمَالَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ.
قَالَ: وَالْأَصَحُّ فِيهِ وَفِي مِثْلِهِ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ أَنَّهُ دُعَاءٌ يُدْعَمُ بِهِ الْكَلَامُ وَيُوصَلَ تَهْوِيلًا لِلْخَبَرِ، مِثْلَ اُنْجُ لَا أَبًا لَكَ، وَثَكِلَتْهُ أُمُّهُ، وَهَوَتْ أُمُّهُ، وَوَيْلُ أُمِّهِ، وَحَلْقَى عَقْرَى، وَأَلَّ وَعَلَّ، لَا يُرَادُ وُقُوعُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَأَنَّ أَصْلَهُ الدُّعَاءُ، لَكِنَّهُمْ قَدْ أَخْرَجُوهُ عَنْ أَصْلِهِ إلَى التَّأْكِيدِ زِيَادَةً، وَإِلَى التَّعَجُّبِ وَالِاسْتِحْسَانِ تَارَةً، وَإِلَى الْإِنْكَارِ وَالتَّعْظِيمِ أُخْرَى. انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَعَلَى الْعَاقِلِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَنْ يَرْغَبَ فِي الدِّينِ فَإِنَّهُ الْمُعْتَمَدُ وَالْعَمُودُ، وَهُوَ الْغَايَةُ وَالْمَقْصُودُ.
وَيُحْكَى أَنَّ نُوحَ بْنَ مَرْيَمَ قَاضِيَ مَرْوَ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَهُ، فَشَاوَرَ جَارًا لَهُ مَجُوسِيًّا، فَقَالَ: النَّاسُ يَسْتَفْتُونَك وَأَنْتَ تَسْتَفْتِينِي، قَالَ لَا بُدَّ أَنْ تُشِيرَ عَلَيَّ. فَقَالَ إنَّ رَئِيسَنَا كِسْرَى كَانَ يَخْتَارُ الْمَالَ، وَرَئِيسَ النَّصَارَى قَيْصَرَ كَانَ يَخْتَارُ الْجَمَالَ، وَجَاهِلِيَّةَ الْعَرَبِ كَانَتْ تَخْتَارُ الْحَسَبَ وَالنَّسَبَ، وَرَئِيسَكُمْ مُحَمَّدًا كَانَ يَخْتَارُ الدِّينَ، فَانْظُرْ أَنْتَ بِأَيِّهِمْ تَقْتَدِي.
ثُمَّ وَصَفَ النَّاظِمُ ذَاتَ الدِّينِ الْمَرْغُوبَ فِي نِكَاحِهَا بِأَوْصَافٍ زَائِدَةٍ عَلَى كَوْنِهَا دَيِّنَةً فَقَالَ (الْوَدُودَ) بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ وَبِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وَهُوَ مِنْ الْأَوْصَافِ الَّتِي يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَّكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ؛ لِأَنَّهُ فَعُولٌ بِمَعْنَى فَاعِلٌ وَكَذَا وَلُودٌ كَصَبُورٍ بِمَعْنَى صَابِرٍ أَيْ وَادَّةٌ لِزَوْجِهَا بِمَعْنَى أَنَّهَا تُحِبُّهُ (الْوَلُودُ الْأَصْلِ) أَيْ الَّتِي مِنْ أَصْلِ ذَوَاتِ أَوْلَادٍ يَعْنِي أُمَّهَاتِهَا ذَوَاتِ أَوْلَادٍ، لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنِّي أَصَبْت امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَمَنْصِبٍ وَمَالٍ إلَّا أَنَّهَا لَا تَلِدُ أَفَأَتَزَوَّجُهَا؟ فَنَهَاهُ. ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ» .
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ نِسَاءَهَا كَثِيرَاتُ الْأَوْلَادِ، لِأَنَّ فَعُولٌ مِنْ صِيَغِ الْمُبَالَغَةِ (ذَاتَ) أَيْ صَاحِبَةَ (التَّعَبُّدِ) أَيْ الْعِبَادَةِ الْكَثِيرَةِ مِنْ الْقِيَامِ وَالصِّيَامِ وَالذِّكْرِ وَالتَّأَلُّهِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْخَلْقِ الْعِبَادَةُ بِشَهَادَةِ قَوْله تَعَالَى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] .
حَسِيبَةُ أَصْلٍ مِنْ كِرَامٍ تَفُزْ إذًا بِوُلْدٍ كِرَامٍ وَالْبَكَارَةَ فَاقْصِدْ (حَسِيبَةَ أَصْلٍ) الْحَسَبُ مَا تَعُدُّهُ مِنْ مَفَاخِرِ آبَائِك، أَوْ الْكَرَمُ أَوْ الشَّرَفُ فِي الْفِعْلِ أَوْ الْفِعَالُ الصَّالِحَةُ، أَوْ الشَّرَفُ الثَّابِتُ فِي الْآبَاءِ. وَبَعْضُهُمْ قَالَ: الْحَسَبُ وَالْكَرَمُ قَدْ يَكُونَانِ لِمَنْ لَا آبَاءَ لَهُ شُرَفَاءُ، وَالشَّرَفُ وَالْمَجْدُ لَا يَكُونَانِ إلَّا بِهِمْ. وَفِي الْمَطَالِعِ: حَسَبُ الرَّجُلِ آبَاؤُهُ الْكِرَامُ الَّذِينَ تُعَدُّ مَنَاقِبُهُمْ وَتُحْسَبُ عِنْدَ الْمَفَاخِرِ، انْتَهَى.
وَفِي الْمُطْلِعِ: الْحَسِيبَةُ هِيَ النَّسِيبَةُ. وَأَصْلُ الْحَسَبِ الشَّرَفُ بِالْآبَاءِ وَمَا يَعُدُّهُ الْإِنْسَانُ مِنْ مَفَاخِرِهِمْ، يَعْنِي أَنَّهَا تَكُونُ حَسِيبَةً مِنْ جِهَةِ أَصْلِهَا.
فَإِنْ قُلْت: قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الْحَسِيبَةَ كَذَلِكَ فَمَا فَائِدَةُ زِيَادَةِ أَصْلٍ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّهَا حَشْوٌ لِلْوَزْنِ أَوْ لِزِيَادَةِ التَّنْصِيصِ، فَإِنَّ ذَلِكَ طَافِحٌ فِي الْكَلَامِ الْفَصِيحِ. وَيُحْتَمَلُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ إنَّمَا زَادَهَا احْتِرَازًا مِنْ تَوَهُّمِ إرَادَةِ الْمَالِ وَالدِّينِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْحَسَبُ مَا تَعُدُّهُ مِنْ مَفَاخِرِ آبَائِك أَوْ