الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَنْبِيهٌ) : قَدْ نَسَبَ النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَرَاهَةَ السَّمُّورِ وَالْفَنَكِ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه.
وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْإِمَامَ الْقَاضِيَ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: فِي السَّمُّورِ وَالْفَنَكِ وَجْهَانِ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ اصْطِلَاحَ أَصْحَابِنَا - رَحِمُهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - فِيمَا هُوَ لِلْإِمَامِ رضي الله عنه أَنْ يُعَبِّرَ عَنْ ذَلِكَ بِالرِّوَايَتَيْنِ أَوْ الرِّوَايَاتِ.
وَقَدْ يُطْلِقُونَ الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْأَقْوَالَ عَلَى ذَلِكَ، وَأَمَّا الْوَجْهَانِ فَهُوَ لِلْأَصْحَابِ لَيْسَ إلَّا.
لَكِنَّ مُرَادَ النَّاظِمِ أَنَّ قِيَاسَ مَذْهَبِهِ كَرَاهَةُ ذَلِكَ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْإِنْصَافَ صَحَّحَ الْحُرْمَةَ؛ وَلِذَا قَالَ الْحَجَّاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا أَعْلَمُ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ فِيهِمَا كَلَامًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مَطْلَبٌ: حُكْمُ لُبْسِ جُلُودِ السِّنْجَابِ وَالْقَاقِمِ
(وَ) قَدْ كَرِهَ أَيْضًا (سِنْجَابهمْ) أَيْ يُكْرَهُ لُبْسُ جُلُودِ السِّنْجَابِ وَهُوَ حَيَوَانٌ عَلَى حَدِّ الْيَرْبُوعِ أَكْبَرُ مِنْ الْفَأْرِ، شَعْرُهُ فِي غَايَةِ النُّعُومَةِ، يُتَّخَذُ مِنْ جِلْدِهِ الْفِرَاءُ يَلْبَسُهُ الْمُتَنَعِّمُونَ، وَهُوَ شَدِيدُ الْحِقْدِ إذَا أَبْصَرَ الْإِنْسَانَ صَعِدَ الشَّجَرَ الْعَالِيَ، وَفِيهَا يَأْوِي، وَمِنْهَا يَأْكُلُ، وَهُوَ كَثِيرٌ بِبِلَادِ الصَّقَالِبَةِ وَالتُّرْكِ، وَمِزَاجُهُ حَارٌّ رَطْبٌ لِسُرْعَةِ حَرَكَتِهِ عَلَى حَرَكَةِ الْإِنْسَانِ، وَأَجْوَدُ جُلُودِهِ الْأَزْرَقُ الْأَمْلَسُ.
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: فِي السِّنْجَابِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ وَالْفُرُوعِ أَحَدُهُمَا يَحْرُمُ، صَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَتَصْحِيحُ الْمُحَرَّرِ.
وَقَالَ الْقَاضِي: يَحْرُمُ لِأَنَّهُ يَنْهَشُ الْحَيَّاتِ فَأَشْبَهَ الْجُرُزَ.
وَمَيْلُ الْإِمَامِ الْمُوَفَّقِ وَابْنِ أَخِيهِ الشَّارِحِ إلَى الْإِبَاحَةِ.
(وَ) كَذَا كَرِهَ (الْقَاقِمَ) وَهُوَ دُوَيْبَّةٌ تُشْبِهُ السِّنْجَابَ، إلَّا أَنَّهُ أَبْرَدُ مِنْهُ مِزَاجًا وَأَبْيَضُ؛ وَلِهَذَا هُوَ أَبْيَضُ يَقَقٌ، وَيُشْبِهُ جِلْدُهُ جِلْدَ الْفَنَكِ، وَهُوَ أَعَزُّ قِيمَةً مِنْ السِّنْجَابِ، فَأَشْعَرَ كَلَامُ النَّاظِمِ بِكَرَاهَةِ لُبْسِهِ (أَيْضًا) كَالسِّنْجَابِ عَلَى مَا عَلِمْت فِيهِ (لِيَزْدَدْ) الْوَاقِفُ عَلَى هَذَا النَّظْمِ مِنْ الْمَعْرِفَةِ وَالْعِلْمِ مِنْ إبَاحَةِ الْمُبَاحِ وَحَظْرِ الْمُحَرَّمِ، وَحِكَايَةُ الْوَجْهَيْنِ لِيَتَبَصَّرَ وَيَفْهَمَ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
تَنْبِيهَاتٌ) :
(الْأَوَّلُ) : لَمْ أَرَ لِمُتَقَدِّمِي الْأَصْحَابِ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْقَاقَمِ كَلَامًا، وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْفُرُوعِ وَلَا تَصْحِيحِهِ، وَلَا فِي الْإِنْصَافِ وَلَا فِي التَّنْقِيحِ وَلَا فِي الْمُقْنِعِ، وَكَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي غَايَةِ الْمَطْلَبِ وَالْآدَابِ الْكُبْرَى وَالتَّنْقِيحِ وَالْمُنْتَهَى، وَذَكَرَهُ فِي الْإِقْنَاعِ فِي بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ.
وَكَأَنَّ النَّاظِمَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَاسَهُ عَلَى السِّنْجَابِ، وَحَكَى فِيهِ الْخِلَافَ الَّذِي فِي السِّنْجَابِ، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: لِيَزْدَدْ أَيْ: الْقَاقِمُ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ؛ إذْ الْعِلَّةُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
الثَّانِي: اسْتَدَلَّ عُلَمَاؤُنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى الْقَوْلِ بِحُرْمَةِ الْمَذْكُورَاتِ بِحَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ رضي الله عنه «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أُبَيٍّ رضي الله عنه «كُلُّ ذِي نَابٍ حَرَامٌ» وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْأَحَادِيثِ، فَتَخُصُّ عُمُومُ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ، وَالثَّعْلَبُ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ ذَوَاتُ أَنْيَابٍ، فَهِيَ مِنْ السِّبَاعِ، فَتَدْخُلُ فِي عُمُومِ النَّهْي.
وَفِي تَمْهِيدِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ السِّنْجَابَ وَالْفَنَكَ وَالسَّمُّورَ كُلُّ ذَلِكَ سَبُعٌ مِثْلُ الثَّعْلَبِ وَابْنِ عُرْسٍ انْتَهَى.
وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَنْ أَبَاحَ لُبْسَ جِلْدِ الثَّعْلَبِ فَهُوَ يُبِيحُ جِلْدَ غَيْرِهِ مِنْ الْمَذْكُورَاتِ؛ لِأَنَّهَا مُشَبَّهَةٌ بِهِ مِنْ كَوْنِهَا مِثْلَهُ فِي السَّبُعِيَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مَطْلَبٌ: أَوَّلُ مَنْ اتَّخَذَ الْفِرَاءَ
(الثَّالِثُ) : أَوَّلُ مَنْ اتَّخَذَ الْفِرَاءَ وَالْجُلُودَ مِثْلَ السِّنْجَابِ وَالسَّمُّورِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ أَنْوَاعِ الْجُلُودِ وَلَبِسَهَا وَأَلْبَسَهَا شَيْخُ شَاهْ الْمُلَقَّبُ عِنْدَ الْعَجَمِ ييش داديان، كَانَ مَلِكًا حَكِيمًا عَادِلًا فَطِنًا، وَلَهُ كِتَابٌ عَظِيمٌ فِي الْإِلَهِيَّاتِ وَأَنْوَاعِ الْهَيَاكِلِ، وَجُدِّدَ فِي خِلَافَةِ الْمَأْمُونِ.
وَاسْمُ كِتَابِهِ جاودان الصَّغِيرُ، وَتُرْجِمَ بِالْعَرَبِيَّةِ.
قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ فِي تَارِيخِهِ: يَدُلُّ كِتَابُهُ عَلَى حِكْمَتِهِ وَدِيَانَتِهِ وَحَذَاقَتِهِ حَتَّى إنَّ الْعَجَمَ قَالَتْ بِنُبُوَّتِهِ.
وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ تَرَكَ الْمُلْكَ وَتَخَلَّى لِلْعِبَادَةِ، فَقُتِلَ فِي مَعْبَدِهِ، وَانْتَقَمَ مِنْ بَعْدِهِ طهمورث مِنْ قَتَلَتِهِ وَأَبَادَهُمْ جَمِيعًا، وَبَنَى فِي مَوْضِعِهِ مَدِينَةَ بَلْخِي.
قَالَ عَلِيٌّ دَدَهْ فِي أَوَائِلِهِ: وَكَانَ تِلْمِيذًا لِإِدْرِيسَ عليه السلام.
وَذَكَرَهُ فِي أُصُولِ التَّوَارِيخِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.