الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَأَيْنَ الذِّكْرُ مِنْ الدُّعَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَمَّا ذَكَرَ النَّاظِمُ كَفَّ اللِّسَانِ عَنْ الْعَوْرَاءِ خَشِيَ أَنْ يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ اخْتِصَاصَ ذَلِكَ بِاللِّسَانِ، فَدَفَعَ هَذَا الْوَهْمَ بِقَوْلِهِ:
مَطْلَبٌ: يَنْبَغِي تَحْصِينُ الْجَوَارِحِ عَنْ الْفَحْشَاءِ كُلِّهَا
لِتَشْهَدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ:
وَحَصِّنْ عَنْ الْفَحْشَا الْجَوَارِحَ كُلَّهَا
…
تَكُنْ لَك فِي يَوْمِ الْجَزَا خَيْرَ شُهَّدِ
(وَحَصِّنْ) بِتَشْدِيدِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ مَنْعٌ (عَنْ) جَمِيعِ (الْفَحْشَا) بِالْقَصْرِ ضَرُورَةً مِنْ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، وَكُلِّ مَا اشْتَدَّ قُبْحُهُ مِنْ الذُّنُوبِ، وَكُلِّ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ، وَأَكْثَرُ مَا تُسْتَعْمَلُ فِي الزِّنَا وَاللِّوَاطِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا} [الإسراء: 32] . {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 80] . وَالْفَحْشَاءُ الْبُخْلُ فِي أَدَاءِ الزَّكَاةِ.
وَمُرَادُ النَّاظِمِ كُلُّ قَبِيحٍ نَهَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَنْهُ فَكُفَّ وَحَصِّنْ (الْجَوَارِحَ) جَمْعُ جَارِحَةٍ (كُلَّهَا) وَهِيَ الْعَيْنُ وَالْأُذُنُ وَاللِّسَانُ وَالْبَطْنُ وَالْفَرْجُ وَالْيَدُ وَالرِّجْلُ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي صَدْرِ الْكِتَابِ، فَإِنْ أَنْتَ حَصَّنْتهَا عَنْ الْفَوَاحِشِ (تَكُنْ) الْجَوَارِحُ الْمَذْكُورَةُ (لَك) أَيُّهَا الْأَخُ الْمُتَّقِي لِلَّهِ فِيهَا الْمُحَصِّنُهَا عَنْ كُلِّ مَا يَشِينُهَا (فِي يَوْمِ الْجَزَاءِ) الَّذِي هُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ فَيُجَازِي كُلَّ أَحَدٍ بِمَا عَمِلَ مِنْ الْمَلِيحِ وَالْقَبِيحِ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّك أَحَدًا (خَيْرَ شُهَّدِ) بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْهَاءِ مُشَدَّدَةً جَمْعُ شَاهِدٍ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ «كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَضَحِكَ، فَقَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مِمَّ أَضْحَكُ؟ قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ مِنْ مُخَاطَبَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ فَيَقُولُ: يَا رَبُّ أَلَمْ تُجِرْنِي مِنْ الظُّلْمِ، يَقُولُ بَلَى، فَيَقُولُ إنِّي لَا أُجِيزُ الْيَوْمَ عَلَى نَفْسِي شَاهِدًا إلَّا مِنِّي، فَيَقُولُ كَفَى بِنَفْسِك الْيَوْمَ عَلَيْك حَسِيبًا وَالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ شُهُودًا، قَالَ فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ وَيُقَالُ لِأَرْكَانِهِ انْطِقِي فَتَنْطِقُ بِأَعْمَالِهِ، ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَلَامِ فَيَقُولُ بُعْدًا لَكِنْ وَسُحْقًا فَعَنْكُنَّ كُنْت أُنَاضِلُ» أَيْ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ يَعْنِي أُجَادِلُ وَأُخَاصِمُ وَأُدَافِعُ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ عَمِلَ بِالْجَوَارِحِ مَكْرُوهًا لَمْ تَشْهَدْ عَلَيْهِ إلَّا بِخَيْرِ أَعْمَالِهِ وَسَدِيدِ أَفْعَالِهِ وَطَيِّبِ أَقْوَالِهِ، فَهِيَ حِينَئِذٍ خَيْرُ شُهُودٍ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَمَوْلَاهُ.