الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- رضي الله عنه «أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى تَوَضَّأَ ثُمَّ اعْتَذَرَ إلَيْهِ فَقَالَ إنِّي كَرِهْت أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى إلَّا عَلَى طُهْرٍ أَوْ قَالَ عَلَى طَهَارَةٍ» إسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
وَمِنْ كَمَالِ هَيْئَةِ الذَّاكِرِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ الْجُلُوسِ. وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُحْسَبُ لِلذَّاكِرِ شَيْءٌ مِنْ الْأَذْكَارِ الْوَارِدَةِ حَتَّى يَتَلَفَّظَ بِهِ بِحَيْثُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ إذَا كَانَ صَحِيحَ السَّمْعِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَحَلُّ الَّذِي يَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ خَالِيًا مِنْ الْقَاذُورَاتِ فَإِنَّهُ أَبْلَغُ فِي احْتِرَامِ الذِّكْرِ، فَلِذَلِكَ كَانَتْ الطَّهَارَةُ وَالنَّظَافَةُ مُعْتَبَرَةً فِي مَجْلِسِ الذِّكْرِ وَمَحَلِّهِ.
قُلْت: الْمَذْهَبُ كَرَاهَةُ الذِّكْرِ فِي نَحْوِ بَيْتِ الْخَلَاءِ مِنْ الْمَحَلَّاتِ النَّجِسَةِ لَا بِقَلْبِهِ، وَحُرْمَةُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِيهِ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ، وَيَنْبَغِي تَنْظِيفُ فَمِهِ بِالسِّوَاكِ، فَإِنْ كَانَ بِهِ نَجَاسَةٌ غَسَلَهَا، وَلَمْ يُحْرَمْ ذِكْرُ اللَّهِ وَالْقِرَاءَةُ عَلَى مَنْ فَمُهُ نَجِسٌ بَلْ يُكْرَهُ وَتَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مَطْلَبٌ: فِي كَفِّ اللِّسَانِ عَنْ الْفَحْشَاءِ
وَأَنْ يَكُونَ عَلَى الدَّوَامِ رَطْبًا بِذِكْرِ اللَّهِ:
وَكُفَّ عَنْ الْعَوْرَى لِسَانَك وَلْيَكُنْ
…
دَوَامًا بِذِكْرِ اللَّهِ يَا صَاحِبِي نَدِي
(وَكُفَّ) أَيْ ادْفَعْ وَاصْرِفْ (عَنْ) الْمَقَالَةِ وَالْكَلِمَةِ (الْعَوْرَى) بِالْقَصْرِ لِضَرُورَةِ الْوَزْنِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْعَوْرَاءُ الْكَلِمَةُ أَوْ الْفِعْلَةُ الْقَبِيحَةُ، انْتَهَى. وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ رضي الله عنها «يَتَوَضَّأُ أَحَدُكُمْ مِنْ الطَّعَامِ الطَّيِّبِ وَلَا يَتَوَضَّأُ مِنْ الْعَوْرَاءِ يَقُولُهَا» . قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ الْكَلِمَةِ الْقَبِيحَةِ الزَّائِغَةِ عَنْ الرُّشْدِ (لِسَانَك) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ بِمَا فِيهِ غُنْيَةٌ (وَلْيَكُنْ) اللَّامُ لِلْأَمْرِ وَالْفِعْلُ مَجْزُومٌ بِهَا وَاسْمُ يَكُنْ يَعُودُ عَلَى اللِّسَانِ وَ (دَوَامًا) مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ وَلْيَكُنْ لِسَانُك عَلَى الدَّوَامِ وَالِاسْتِمْرَارِ فِي كُلِّ أَحْيَانِك وَشُئُونِكَ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ (بِذِكْرِ اللَّهِ) تَعَالَى مُتَعَلِّقٌ " بِنَدِي "(يَا صَاحِبِي) السَّامِعَ لِنِظَامِي وَالْمُمْتَثِلَ لِكَلَامِي (نَدِي) أَيْ رَطْبًا وَهُوَ مَنْصُوبٌ خَبَرُ يَكُنْ، وَإِنَّمَا وَقَفَ عَلَيْهِ بِالسُّكُونِ عَلَى لُغَةِ مَنْ يُسَكِّنُ الْيَاءَ فِي النَّصْبِ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْمُبَرِّدُ: وَهُوَ مِنْ أَحْسَنِ ضَرُورَاتِ الشِّعْرِ؛ لِأَنَّهُ حَمَلَ حَالَةَ النَّصْبِ عَلَى حَالَتَيْ الرَّفْعِ وَالْجَرِّ.
وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْأُشْمُونِيِّ فِي شَرْحِ الْأَلْفِيَّةِ أَنَّ ذَلِكَ لُغَةٌ لَا ضَرُورَةٌ. وَكَلَامُ
الْمُبَرِّدِ صَرِيحٌ بِأَنَّهُ ضَرُورَةٌ، وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِقَوْلِ الْمَجْنُون قَيْسِ بْنِ الْمُلَوَّحِ:
وَلَوْ أَنَّ وَاشٍ بِالْيَمَامَةِ دَارُهُ
…
وَدَارِي بِأَعْلَى حَضْرَمَوْتَ اهْتَدَى لِيَا
قُلْت: وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةِ مَجْنُونِ عَامِرٍ وَهُوَ قَيْسُ بْنُ الْمُلَوَّحِ الْمَذْكُورِ، تُوُفِّيَ رحمه الله سَنَةَ سَبْعِينَ وَهُوَ مِنْ التَّابِعِينَ، وَهَذِهِ الْقَصِيدَةُ طَوِيلَةٌ جِدًّا وَفِيهَا يَقُولُ:
أَلَا أَيُّهَا الرَّكْبُ الْيَمَانُونَ عَرِّجُوا
…
عَلَيْنَا فَقَدْ أَمْسَى هَوَانَا يَمَانِيَا
يَمِينًا إذَا كَانَتْ يَمِينًا فَإِنْ تَكُنْ
…
شِمَالًا يُنَازِعُنِي الْهَوَى مِنْ شِمَالِيَا
أُصَلِّي فَلَا أَدْرِي إذَا مَا ذَكَرْتهَا
…
أَثْنَتَيْنِ صَلَّيْت الضُّحَى أَمْ ثَمَانِيَا
أُرَانِي إذَا صَلَّيْت يَمَّمْت نَحْوَهَا
…
بِوَجْهِي وَلَوْ كَانَ الْمُصَلَّى وَرَائِيَا
وَمَا بِي إشْرَاكٌ وَلَكِنَّ حُبَّهَا
…
كَمِثْلِ الشَّجَا أَعْيَا الطَّبِيبَ الْمُدَاوِيَا
وَأَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الْبُيُوتِ لَعَلَّنِي
…
أُحَدِّثُ عَنْك النَّفْسَ بِاللَّيْلِ خَالِيَا
خَلِيلَيَّ لَا وَاَللَّهِ لَا أَمْلِكُ الَّذِي
…
قَضَى اللَّهُ فِي لَيْلَى وَلَا مَا قَضَى لِيَا
قَضَاهَا لِغَيْرِي وَابْتَلَانِي بِحُبِّهَا
…
فَهَلَّا بِشَيْءٍ غَيْرِ لَيْلَى ابْتَلَانِيَا
وَلَوْ أَنَّ وَاشٍ بِالْيَمَامَةِ دَارُهُ
…
وَدَارِي بِأَعْلَى حَضْرَمَوْتَ اهْتَدَى لِيَا
وَمَاذَا لَهُمْ لَا أَحْسَنَ اللَّهُ حَالَهُمْ
…
مِنْ الْحَظِّ فِي تَصْرِيمِ لَيْلَى حِبَالِيَا
وَالشَّاهِدُ فِي قَوْلِهِ: وَلَوْ أَنَّ وَاشٍ، فَكَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يَقُولَ وَاشِيًا؛ لِأَنَّ الْفَتْحَةَ تَظْهَرُ عَلَى الْمَنْقُوصِ، تَقُولُ رَأَيْت قَاضِيًا وَلَكِنْ أَجْرَاهُ مَجْرَى الْمَرْفُوعِ وَالْمَجْرُورِ، فَإِذَا وَقَفَ عَلَيْهِ قَالَ وَلَوْ أَنَّ وَاشِي بِالْيَاءِ مِثْلَ قَوْلِ النَّاظِمِ نَدِي، فَنَدِي مَنْصُوبٌ بِفَتْحَةٍ مُقَدَّرَةٍ عَلَى الْيَاءِ لِإِجْرَاءِ حَالَةِ النَّصْبِ مَجْرَى حَالَتَيْ الرَّفْعِ وَالْجَرِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ النَّاظِمُ لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرٍ رضي الله عنه «أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ فَأَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ - أَيْ أَتَعَلَّقُ - بِهِ قَالَ: لَا يَزَالُ لِسَانُك رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ» . وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ مَالِكِ بْنِ يَخَامِرَ وَلَفْظُهُ «أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ رضي الله عنه قَالَ لَهُمْ إنَّ آخِرَ كَلَامٍ فَارَقْت عَلَيْهِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ قُلْت أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ؟ قَالَ: أَنْ تَمُوتَ وَلِسَانُك رَطْبٌ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ»
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ وَالْبَزَّارُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: «أَخْبِرْنِي بِأَفْضَلِ الْأَعْمَالِ وَأَقْرَبِهَا إلَى اللَّهِ» . وَكَذَا ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ.
وَعَنْ أَبِي الْمُخَارِقِ قَالَ «قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَرَرْت لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي، بِرَجُلٍ مُغَيَّبٍ فِي نُورِ الْعَرْشِ، قُلْت مَنْ هَذَا مَلَكٌ؟ قِيلَ لَا، قُلْت نَبِيٌّ؟ قِيلَ لَا، قُلْت مَنْ هُوَ؟ قَالَ هَذَا رَجُلٌ كَانَ فِي الدُّنْيَا لِسَانُهُ رَطْبٌ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالْمَسَاجِدِ وَلَمْ يَسْتَسِبَّ لِوَالِدَيْهِ قَطُّ» رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا هَكَذَا مُرْسَلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) : تَقَدَّمَ أَنَّ الذِّكْرَ أَفْضَلُ مِنْ الدُّعَاءِ؛ لِأَنَّهُ ثَنَاءٌ عَلَى اللَّهِ بِجَمِيلِ أَوْصَافِهِ وَآلَائِهِ وَأَسْمَائِهِ، وَالدُّعَاءُ سُؤَالُ الْعَبْدِ حَاجَتَهُ.
وَفِي التِّرْمِذِيِّ «عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ اللَّهِ عز وجل أَنَّهُ يَقُولُ إنَّ عَبْدِي كُلَّ عَبْدِي الَّذِي يَذْكُرُنِي وَهُوَ مُلَاقٍ قِرْنَهُ» .
قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ فَصْلُ الْخِطَابِ فِي التَّفْضِيلِ بَيْنَ الذَّاكِرِ وَالْمُجَاهِدِ، فَإِنَّ الذَّاكِرَ الْمُجَاهِدَ أَفْضَلُ مِنْ الذَّاكِرِ بِلَا جِهَادٍ، وَالْمُجَاهِدَ الْغَافِلَ، وَالذَّاكِرَ بِلَا جِهَادٍ أَفْضَلُ مِنْ الْمُجَاهِدِ الْغَافِلِ عَنْ اللَّهِ، فَأَفْضَلُ الذَّاكِرِينَ الْمُجَاهِدُونَ، وَأَفْضَلُ الْمُجَاهِدِينَ الذَّاكِرُونَ، قَالَ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال: 45] .
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: لَوْ أَقْبَلَ عَبْدٌ عَلَى اللَّهِ كَذَا كَذَا سَنَةً ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهُ لَحْظَةً لَكَانَ مَا فَاتَهُ أَعْظَمُ مِمَّا حَصَّلَهُ.
وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «مَا مِنْ سَاعَةٍ تَمُرُّ بِابْنِ آدَمَ لَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ فِيهَا إلَّا تَحَسَّرَ عَلَيْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . وَذُكِرَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ يَرْفَعُهُ أَيْضًا «لَيْسَ يَتَحَسَّرُ أَهْلُ الْجَنَّةِ إلَّا عَلَى سَاعَةٍ مَرَّتْ بِهِمْ لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ عز وجل فِيهَا» . وَذُكِرَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لِكُلِّ شَيْءٍ سِقَالَةٌ وَإِنَّ سِقَالَةَ الْقُلُوبِ ذِكْرُ اللَّهِ عز وجل، وَمَا مِنْ شَيْءٍ أَنْجَى مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عز وجل، قَالُوا وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ وَلَوْ يَضْرِبُ بِسَيْفِهِ حَتَّى يَنْقَطِعَ»