الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُفِيدُك مِنْ عِلْمٍ وَيَنْهَاك عَنْ هَوًى
…
فَصَاحِبْهُ تُهْدَى مِنْ هُدَاهُ وَتَرْشُدُ
(يُفِيدُك مِنْ عِلْمٍ) عِنْدَهُ (وَيَنْهَاك عَنْ) مُتَابَعَةِ (هَوًى) وَمُلَابَسَتِهِ فَإِنَّهُ يَهْوِي بِصَاحِبِهِ فِي النَّارِ. ثُمَّ أَكَّدَ الْأَمْرَ بِمُخَالَطَةِ مَنْ هُوَ بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ بِقَوْلِهِ (فَصَاحِبْهُ) وَلَازِمْهُ (تُهْدَى) بِكَثْرَةِ مُلَازَمَتِك لَهُ (مِنْ هُدَاهُ) وَتَنْتَفِعُ بِتَقْوَاهُ (وَتُرْشَدْ) بِفَتْوَاهُ إلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَالطَّرِيقَةِ الْوَاضِحَةِ، وَتَتْرُكُ الْغَيَّ وَالضَّلَالَ وَبُنَيَّاتِ الطَّرِيقِ الْفَاضِحَةِ. فَصُحْبَةُ مِثْلِ هَذَا غُنْمٌ، وَالْبُعْدُ عَنْهُ غُرْمٌ، فَإِنَّك تَهْتَدِي بِهَدْيِهِ الْمُقَرَّبِ، وَتَشْدُو بِشَدْوِهِ الْمُطْرِبِ. وَقَدْ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: الصَّاحِبُ لِلصَّاحِبِ كَالرُّقْعَةِ فِي الثَّوْبِ إذَا لَمْ تَكُنْ مِثْلَهُ شَانَتْهُ وَقِيلَ لِابْنِ السِّمَاكِ: أَيُّ الْإِخْوَانِ أَحَقُّ بِإِبْقَاءِ الْمَوَدَّةِ؟ قَالَ الْوَافِرُ دِينُهُ، الْوَافِي عَقْلُهُ، الَّذِي لَا يَمَلُّك عَلَى الْقُرْبِ، وَلَا يَنْسَاك عَلَى الْبُعْدِ، إنْ دَنَوْت مِنْهُ دَانَاك. وَإِنْ بَعُدْت عَنْهُ رَاعَاك، وَإِنْ اسْتَعْضَدْتَهُ عَضَّدَك، وَإِنْ احْتَجْت إلَيْهِ رَفَدَك، وَتَكْفِي مَوَدَّةُ فِعْلِهِ، أَكْثَرُ مِنْ مَوَدَّةِ قَوْلِهِ.
وَأَنْشَدُوا، وَهِيَ مِمَّا يُنْسَبُ لِسَيِّدِنَا عَلِيٍّ رضي الله عنه:
إنَّ أَخَاك الصِّدْقَ مَنْ كَانَ مَعَك
…
وَمَنْ يَضُرُّ نَفْسَهُ لِيَنْفَعَك
وَمَنْ إذَا رَيْبُ الزَّمَانِ صَدَّعَك
…
شَتَّتْ فِيك شَمْلَهُ لِيَجْمَعَك
وَقِيلَ لِخَالِدِ بْنِ صَفْوَانَ: أَيِّ إخْوَانِك أَحَبُّ إلَيْك؟ قَالَ: الَّذِي يَسُدُّ خُلَّتِي، وَيَغْفِرُ زَلَّتِي، وَيَقْبَلُ عَثْرَتِي.
مَطْلَبٌ: فِي مُجَانَبَةِ الْهَمَّازِ وَالْبَذِيِّ
.
وَأَنَّ الْمَرْءَ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ
وَإِيَّاكَ وَالْهَمَّازَ إنْ قُمْت عَنْهُ وَالْبَذِيَّ
…
فَإِنَّ الْمَرْءَ بِالْمَرْءِ يَقْتَدِي
(وَإِيَّاكَ وَالْهَمَّازَ) أَيْ احْذَرْهُ وَابْعُدْ عَنْهُ وَلَا تُصَاحِبْهُ فَإِنَّهُ يَهْمِزُك (إنْ قُمْت عَنْهُ) أَيْ مِنْ عِنْدِهِ، فَمَتَى غِبْت عَنْهُ هَمَزَك. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْهَمْزُ الْغَمْزُ وَالضَّغْطُ وَالنَّخْسُ وَالدَّفْعُ وَالضَّرْبُ وَالْعَضُّ وَالْكَسْرُ، انْتَهَى.
وَفِي النِّهَايَةِ: وَالْهَمْزُ أَيْضًا الْغَيْبَةُ وَالْوَقِيعَةُ فِي النَّاسِ وَذِكْرُ عُيُوبِهِمْ، وَهَذَا مُرَادُ النَّاظِمِ هُنَا. وَقَدْ هَمَزَ يَهْمِزُ فَهُوَ هَمَّازٌ وَهُمَزَةٌ لِلْمُبَالَغَةِ (وَ) إيَّاكَ وَ (الْبَذِيَّ) أَيْ الْفَاحِشَ فِي مَقَالَتِهِ، الْمُتَمَادِي فِي رَذَالَتِهِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْبَذِيُّ الرَّجُلُ الْفَاحِشُ وَالْأُنْثَى بِالْهَاءِ يَعْنِي بَذِيَّةً، وَقَدْ بَذُوَ بَذَاءً وَبَذَاءَةً
وَبَذَوْت عَلَيْهِمْ وَأَبْذَيْتَهُمْ مِنْ الْبَذَاءِ وَهُوَ الْكَلَامُ الْقَبِيحُ، انْتَهَى.
وَقَالَ فِي مَطَالِعِ الْأَنْوَارِ: قَوْلُهُ كَانَتْ تَبْذُو عَلَى أَهْلِهَا أَيْ تُفْحِشُ فِي الْقَوْلِ بَذُوَ يَبْذُو بَذْوًا. كَذَا قَيَّدَهُ الْقُتَبِيُّ. وَقَالَ الْهَرَوِيُّ فِيمَا رَوَيْنَاهُ عَنْ ابْنِ مَعْدَانَ عَنْ أَبِي الْحُسَيْنِ: كَانَتْ بِذَاءٍ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَمُبَاذَاةً وَبَذَاءَةً فَهُوَ بَذِيءٌ وَبَذِيٌّ أَيْ مَهْمُوزٌ أَوْ غَيْرُ مَهْمُوزٍ.
وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ، وَإِنَّ اللَّهَ يَبْغُضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيءَ» .
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: الْبَذِيءُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ مَمْدُودًا هُوَ الْمُتَكَلِّمُ بِالْفُحْشِ وَرَدِيءِ الْكَلَامِ انْتَهَى. فَلَمْ يَذْكُرْ إلَّا أَنَّهُ مَمْدُودٌ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ يُهْمَزُ وَلَا يُهْمَزُ كَمَا فِي الْمَطَالِعِ. وَاقْتَصَرَ فِي الْقَامُوسِ عَلَى أَنَّهُ مَقْصُورٌ فَقَالَ: الْبَذِيُّ كَرَضِيِّ الْفَاحِشُ.
وَإِنَّمَا نَهَاك النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ مُصَاحَبَةِ مِثْلِ الْهَمَّازِ وَالْبَذِيِّ لِئَلَّا تَقْتَدِيَ بِهِمَا وَتَسْرِقَ طَبِيعَتَك مِنْ طَبِيعَتِهِمَا (فَإِنَّ الْمَرْءَ) وَإِنْ تَحَرَّزَ مَهْمَا أَمْكَنَهُ وَلَوْ صَالِحًا إذَا أَلَمَّ (بِالْمَرْءِ) الْبَذِيِّ وَالْقَتَّاتِ وَالْهَمَّازِ (يَقْتَدِي) بِهِ فِي سِيرَتِهِ وَتَسْرِقُ طَبِيعَتَهُ مِنْ قُبْحِ مَا انْطَوَتْ عَلَيْهِ مَفَاسِدُ سَرِيرَتِهِ.
وَفِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ «يُحْشَرُ الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ» وَلَفْظُ تَبْصِرَةِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ «الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ» . وَفِي كَلَامِ أَرِسْطُو طَالِيسَ: الْأَشْكَالُ لَاحِقَةٌ بِأَشْكَالِهَا كَمَا أَنَّ الْأَضْدَادَ مُبَايِنَةٌ لِأَضْدَادِهَا. وَقَالَ: مَنْ لَمْ يَرْفَعْ نَفْسَهُ عَنْ قَدْرِ الْجَاهِلِ رَفَعَ الْجَاهِلُ قَدْرَهُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ الشَّاعِرُ:
فَمَا يَنْفَعُ الْجَرْبَاءَ قُرْبُ صَحِيحَةٍ
…
إلَيْهَا وَلَكِنَّ الصَّحِيحَةَ تَجْرَبُ
فَإِنْ كُنْت لَا تَدْرِي فَتِلْكَ مُصِيبَةٌ
…
وَإِنْ كُنْت تَدْرِي فَالْمُصِيبَةُ أَصْعَبُ
وَقَالَ آخَرُ عَلَى وَزَانِهِمَا وَأَحْسَنَ:
فَصَاحِبْ تَقِيًّا عَالِمًا تَنْتَفِعْ بِهِ
…
فَصُحْبَةُ أَهْلِ الْخَيْرِ تُرْجَى وَتُطْلَبُ
وَإِيَّاكَ وَالْفُسَّاقَ لَا تَصْحَبَنَّهُمْ
…
فَقُرْبُهُمْ يُعْدِي وَهَذَا مُجَرَّبُ
فَإِنَّا رَأَيْنَا الْمَرْءَ يَسْرِقُ طَبْعَهُ
…
مِنْ الْإِلْفِ ثُمَّ الشَّرُّ لِلنَّاسِ أَغْلَبُ