الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي مِقْدَارِ الْعِمَامَةِ الشَّرِيفَةِ حَدِيثٌ ثُمَّ أَوْرَدَ الْحَدِيثَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُدِيرُ كَوْرَ الْعِمَامَةِ» وَقَالَ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ عِدَّةَ أَذْرُعٍ، وَالظَّاهِرُ: أَنَّهَا كَانَتْ نَحْوَ الْعَشَرَةِ أَوْ فَوْقَهَا بِيَسِيرٍ.
وَقَالَ الْحَافِظُ السَّخَاوِيُّ فِي فَتَاوِيهِ: رَأَيْت مِنْ نَسَبٍ لِعَائِشَةَ رضي الله عنها «أَنَّ عِمَامَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَتْ فِي السَّفَرِ بَيْضَاءَ، وَفِي الْحَضَرِ سَوْدَاءَ وَكُلٌّ مِنْهُمَا سَبْعَةُ أَذْرُعٍ» وَقَالَ: هَذَا شَيْءٌ مَا عَلِمْنَاهُ.
وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي كِتَابِهِ الْمَدْخَلِ: وَرَدَتْ السُّنَّةُ بِالرِّدَاءِ وَالْعِمَامَةِ وَالْعَذْبَةِ، وَكَانَ الرِّدَاءُ أَرْبَعَةَ أَذْرُعٍ وَنِصْفًا وَنَحْوَهَا، وَالْعِمَامَةُ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ أَوْ نَحْوَهَا يُخْرِجُونَ مِنْهَا التَّلْحِيَةَ وَالْعَذْبَةَ، وَالْبَاقِي عِمَامَةٌ عَلَى مَا نَقَلَهُ الطَّبَرِيُّ فِي كِتَابِهِ.
الثَّانِي قَالَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ فِي الْهَدْيِ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَلْبَسُ الْعِمَامَةَ فَوْقَ الْقَلَنْسُوَةِ، وَيَلْبَسُ الْقَلَنْسُوَةَ بِغَيْرِ عِمَامَةٍ، وَيَلْبَسُ الْعِمَامَةَ بِغَيْرِ قَلَنْسُوَةٍ، وَكَانَ إذَا اعْتَمَّ أَرْخَى طَرَفَ عِمَامَتِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ كَمَا فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ.
وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «دَخَلَ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ» .
وَلَمْ يَذْكُرْ فِي حَدِيثِهِ ذُؤَابَةً، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعَذْبَةَ لَمْ يَكُنْ يُرْخِيهَا دَائِمًا بَيْنَ كَتِفَيْهِ.
قَالَ: وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ أُهْبَةُ الْقِتَالِ، وَالْمِغْفَرُ عَلَى رَأْسِهِ فَلَبِسَ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ مَا يُنَاسِبُهُ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ النَّسَائِيَّ زَادَ «قَدْ أَرْخَى طَرَفَ الْعَذْبَةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ» وَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ» ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ وَقْتُ دُخُولِهِ كَانَ عَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ ثُمَّ أَزَالَهُ وَلَبِسَ الْعِمَامَةَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَحَكَى كُلٌّ مِنْهُمَا مَا رَآهُ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي حَدِيثِ ابْنِ حُرَيْثٍ أَنَّهُ خَطَبَ عِنْدَ بَابِ الْكَعْبَةِ وَذَلِكَ بَعْدَ تَمَامِ دُخُولِهِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُجْمَعُ بِأَنَّ الْعِمَامَةَ كَانَتْ مَلْفُوفَةً فَوْقَ الْمِغْفَرِ أَوْ كَانَتْ تَحْتَ الْمِغْفَرِ وِقَايَةً لِرَأْسِهِ مِنْ صَدَى الْحَدِيدِ. .
مَطْلَبٌ: بَيَانُ سَبَبِ إرْخَاءِ الْعَذْبَةِ
.
(الثَّالِثُ) : قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ: كَانَ شَيْخُنَا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ
تَيْمِيَّةَ رضي الله عنه يَذْكُرُ فِي سَبَبِ الذُّؤَابَةِ شَيْئًا بَدِيعًا، وَهُوَ أَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا اتَّخَذَهَا صَبِيحَةَ الْمَنَامِ الَّذِي رَآهُ بِالْمَدِينَةِ لَمَّا رَأَى رَبَّ الْعِزَّةِ تبارك وتعالى فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ فِيمَ اخْتَصَمَ الْمَلَأُ الْأَعْلَى؟ قُلْت: لَا أَدْرِي فَوَضَعَ يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ فَعَلِمْت مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» ، الْحَدِيثَ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: إنَّهُ سَأَلَ الْبُخَارِيَّ عَنْهُ فَصَحَّحَهُ.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: فَمِنْ تِلْكَ الْغَدَاةِ أَرْخَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الذُّؤَابَةَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ: وَهَذَا مِنْ الْعِلْمِ الَّذِي تُنْكِرُهُ أَلْسِنَةُ الْجُهَّالِ وَقُلُوبُهُمْ، قَالَ: وَلَمْ أَرَ هَذِهِ الْفَائِدَةَ فِي شَأْنِ الذُّؤَابَةِ لِغَيْرِهِ.
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو زُرْعَةَ بْنُ الْحَافِظِ أَبِي الْفُضَيْلِ الْعِرَاقِيِّ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَفِي تَذْكِرَتِهِ بَعْدَ أَنْ سَاقَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ: إنْ ثَبَتَ ذَلِكَ فَهُوَ رِحْلَةٌ وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِنْهُ التَّجَسُّمُ لِأَنَّ الْكَفَّ يُقَالُ فِيهِ مَا قَالَهُ أَهْلُ الْحَقِّ فِي الْيَدِ فَهُمْ مِنْ بَيْنِ مُتَأَوِّلٍ وَسَاكِتٍ عَنْ التَّأْوِيلِ مَعَ نَفْيِ الظَّاهِرِ.
قَالَ: وَكَيْفَ مَا كَانَ فَهُوَ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ وَمِنَّةٌ جَسِيمَةٌ حَلَّتْ بَيْنَ كَتِفَيْهِ فَقَابَلَهَا بِإِكْرَامِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ الَّذِي حَصَلَتْ فِيهِ تِلْكَ النِّعْمَةُ.
قُلْت: وَرَأَيْت بَعْضَ مَنْ أَعْمَى اللَّهُ بَصِيرَتَهُ، وَأَفْسَدَ سَرِيرَتَهُ، وَتَشَدَّقَ وَصَالَ، وَلَقْلَقَ فِي مَقَالَتِهِ وَقَالَ هَذَا عَلَى اعْتِقَادِهِ، وَأَخَذَ فِي الْحَطِّ عَلَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَتِلْمِيذِهِ، وَزَعَمَ أَنَّهُ نَصَرَ الْحَقَّ فِي انْتِقَادِهِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ هَوَى فِي مَهَاوِي هَوَاهُ، وَلَهُ وَلَهُمَا مَوْقِفٌ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ، وَحِينَئِذٍ تَنْكَشِفُ السُّتُورُ، وَيَظْهَرُ الْمَسْتُورُ.
وَأَمَّا أَنَا فَلَا أَخُوضُ فِي حَقِّ مَنْ سَلَفَ، وَإِنْ كَانَتْ مَقَالَتُهُ أَقْرَبَ إلَى الضَّلَالِ وَالتَّلَفِ، لِأَنَّ النَّاقِدَ بَصِيرٌ.
وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ. .
الرَّابِعُ: قَالَ الْكَمَالُ بْنُ أَبِي شَرِيفٍ فِي كِتَابِهِ صَوْبِ الْغِمَامَةِ فِي إرْسَالِ طَرَفِ الْعِمَامَةِ: إسْبَالُ طَرَفِ الْعِمَامَةِ مُسْتَحَبٌّ مُرَجَّحٌ فِعْلُهُ عَلَى تَرْكِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ خِلَافًا لِمَا أَوْهَمَهُ كَلَامُ النَّوَوِيِّ مِنْ إبَاحَتِهِ بِمَعْنَى اسْتِوَاءِ الْأَمْرَيْنِ.
قَالَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: يَجُوزُ لُبْسُ الْعِمَامَةِ بِإِرْسَالِ طَرَفِهَا وَبِغَيْرِ إرْسَالِهِ وَلَا كَرَاهَةَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
وَذَكَرَ مَعْنَاهُ فِي الرَّوْضَةِ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَلَمْ يَصِحَّ فِي النَّهْيِ عَنْ تَرْكِ الْإِرْسَالِ شَيْءٌ.
وَذَكَرَ أَنَّهُ صَحَّ