الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَا ذُكِرَ أَنَّ الْحَرِيرَ لَا يَحْرُمُ لِمَرَضٍ أَوْ حَكَّةٍ أَوْ قَمْلٍ أَوْ حَرْبٍ مُبَاحٍ وَلَوْ فِي غَيْرِ حَالَةِ قِتَالٍ.
قَالَ: وَلَا الْكُلُّ يَعْنِي الْحَرِيرَ وَالْمَنْسُوجَ بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، وَمَا فِيهِ صُورَةُ حَيَوَانٍ لِحَاجَةٍ كَدِرْعٍ مُمَوَّهٍ اُحْتِيجَ لِلُبْسِهِ. انْتَهَى.
فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ مِنْ الْمَنْسُوجِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إلَّا لِلْحَاجَةِ لِلُبْسِهِ دُونَ الْمُدَاوَاةِ وَحَرْبٍ حَيْثُ لَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِ؛ وَلِذَا قَالَ (فِي الَّذِي) أَيْ فِي النَّظْمِ الَّذِي (اُبْتُدِئَ) بِالضَّمِّ مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ، أَيْ الَّذِي ابْتَدَأْتُهُ فِي الْمَنْظُومَةِ الْكُبْرَى لِتَخَلُّفِ مَا اسْتَثْنَاهُ فِي الْحَرِيرِ.
مَطْلَبٌ: فِي بَيَانِ مَا يَجُوزُ اتِّخَاذُهُ مِنْ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ:
فَمِمَّا اعْتَمَدَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ الَّذِي يُبَاحُ مِنْ الْفِضَّةِ لِلرِّجَالِ الْخَاتَمُ وَلَوْ زَادَ عَلَى الْمِثْقَالِ مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْعَادَةِ.
وَلَهُ جَعْلُ فَصِّهِ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَوْ مِنْ ذَهَبٍ إنْ كَانَ يَسِيرًا.
وَقَبِيعَةُ سَيْفٍ، وَحِلْيَةُ مِنْطَقَةٍ، وَحِلْيَةُ جَوْشَنٍ، وَبَيْضَةٍ - وَهِيَ الْخُوذَةُ - وَخُفٍّ وَرَانٍ، وَهُوَ شَيْءٌ يُلْبَسُ تَحْتَ الْخُفِّ.
وَحَمَائِلُ سَيْفٍ، وَمِغْفَرٍ، وَرَأْسُ رُمْحٍ، وَشَعِيرَةُ السِّكِّينِ، وَالتِّرْكَاشِ، وَالْكَلَالِيبُ.
وَمِنْ الذَّهَبِ قَبِيعَةُ السَّيْفِ.
وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّ قَبِيعَةَ سَيْفِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَتْ ثَمَانِيَةَ مَثَاقِيلَ.
وَمَا دَعَتْ إلَيْهِ ضَرُورَةٌ كَأَنْفٍ وَرَبْطِ سِنٍّ أَوْ أَسْنَانٍ بِهِ.
وَيُبَاحُ لِلنِّسَاءِ مِنْهُمَا مَا جَرَتْ عَادَتُهُنَّ بِلُبْسِهِ، كَطَوْقٍ، وَخَلْخَالٍ، وَسِوَارٍ، وَدُمْلُجٍ، وَقُرْطٍ، وَعِقْدٍ، وَهُوَ الْقِلَادَةُ، وَتَاجٍ، وَخَاتَمٍ، وَمَا فِي الْمُخَانِقِ وَالْمَقَالِدِ مِنْ حُرُوزٍ وَتَعَاوِيذَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَلَوْ زَادَ عَلَى أَلْفِ مِثْقَالٍ، حَتَّى دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ مُعَرَّاةٍ أَوْ فِي مُرْسَلَةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مَطْلَبٌ: تَحْرِيمُ الْأَوَانِي أَشَدُّ مِنْ تَحْرِيمِ اللِّبَاسِ الْمَنْسُوجِ بِالْفِضَّةِ.
(تَنْبِيهَاتٌ) :
(الْأَوَّلُ) : تَحْرِيمُ الْأَوَانِي أَشَدُّ مِنْ تَحْرِيمِ اللِّبَاسِ الْمَنْسُوجِ بِالْفِضَّةِ، لِتَحْرِيمِ الْآنِيَةِ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، دُونَ اللِّبَاسِ، فَإِنَّهُ مُبَاحٌ لِلنِّسَاءِ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَمْ أَجِدُهُمْ احْتَجُّوا عَلَى تَحْرِيمِ لِبَاسِ الْفِضَّةِ عَلَى الرِّجَالِ وَلَا
أَعْرِفُ فِي التَّحْرِيمِ نَصًّا عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه.
وَكَلَامُ شَيْخِنَا يَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ لُبْسِهَا لِلرِّجَالِ إلَّا مَا دَلَّ الشَّرْعُ عَلَى تَحْرِيمِهِ.
وَقَالَ أَيْضًا، يَعْنِي شَيْخَهُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ رضي الله عنه: لُبْسُ الْفِضَّةِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ لَفْظٌ عَامٌّ بِالتَّحْرِيمِ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يُحَرِّمَ مِنْهُ إلَّا مَا قَامَ الدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ عَلَى تَحْرِيمِهِ.
فَإِذَا أَبَاحَتْ السُّنَّةُ خَاتَمَ الْفِضَّةِ دَلَّ عَلَى إبَاحَةِ مَا فِي مَعْنَاهُ، وَمَا هُوَ أَوْلَى مِنْهُ بِالْإِبَاحَةِ، وَمَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَيَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ فِي تَحْرِيمِهِ.
يُؤَيِّدُهُ قَوْله تَعَالَى {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] وَالتَّحْرِيمُ يَفْتَقِرُ إلَى دَلِيلٍ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ.
وَأَطَالَ فِي الِاسْتِدْلَالِ.
فَعَلَى كَلَامِهِ رضي الله عنه تُبَاحُ تَحْلِيَةُ الْأَسْلِحَةِ بِالْفِضَّةِ، وَكَذَا الذَّهَبُ فِي مَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْفُرُوعِ، وَعِبَارَتُهُ: وَقِيلَ: يُبَاحُ يَعْنِي الذَّهَبَ فِي سِلَاحٍ وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا، وَقِيلَ: كُلُّ مَا أُبِيحَ تَحْلِيَتُهُ بِفِضَّةٍ أُبِيحَ بِذَهَبٍ.
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَجَزَمَ ابْنُ تَمِيمٍ بِأَنَّهُ لَا يُبَاحُ تَحْلِيَةُ السِّكِّينِ بِالْفِضَّةِ.
وَفِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى بِالْعَكْسِ.
وَيَدْخُلُ فِي الْخِلَافِ تِرْكَاشُ النُّشَّابِ وَالْكَلَالِيبُ لِأَنَّهَا يَسِيرٌ تَابِعٌ.
وَوَاحِدُ الْكَلَالِيبِ كَلُّوبٌ بِفَتْحِ الْكَافِ وَضَمِّ اللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ، وَيُقَالُ أَيْضًا كُلَّابٌ. انْتَهَى.
(الثَّانِي) : مَتَى اسْتَهْلَكَ مَا قُلْنَا يَحْرُمُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِيمَا حُلِّيَ بِهِ أَوْ مُوِّهَ بِهِ فَلَمْ يَجْتَمِعْ مِنْهُ شَيْءٌ لَوْ أُزِيلَ أَوْ عُرِضَ عَلَى النَّارِ فَلَهُ اسْتِدَامَتُهُ، وَلَا زَكَاةَ فِيهِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ، وَذَهَابِ الْمَالِيَّةِ.
وَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رضي الله عنه الْخِلَافَةَ أَرَادَ جَمْعَ مَا فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ مِمَّا مُوِّهَ بِهِ مِنْ الذَّهَبِ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ مِنْهُ شَيْءٌ فَتَرَكَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّالِثُ) : فُهِمَ مِنْ تَنْصِيصِ النَّاظِمِ عَلَى اخْتِصَاصِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِالْمَنْعِ إبَاحَةُ التَّحَلِّي بِالْجَوْهَرِ وَنَحْوِهِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مَطْلَبٌ: فِي بَعْضِ أَحَادِيثَ وَرَدَتْ فِي الزَّجْرِ عَنْ اسْتِعْمَالِ أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالتَّحَلِّي بِهِمَا.
(الرَّابِعُ) : فِي بَعْضِ أَحَادِيثَ عَنْ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم وَرَدَتْ فِي الزَّجْرِ عَنْ اسْتِعْمَالِ أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالتَّحَلِّي بِهِمَا فِي الْجُمْلَةِ.
رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «الَّذِي يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ إنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ» . وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «إنَّ الَّذِي يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ» . وَفِي أُخْرَى لَهُ «مَنْ شَرِبَ فِي إنَاءٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَإِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارًا مِنْ جَهَنَّمَ» قَالَ فِي الْمَطَالِعِ: بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا فَمَنْ نَصَبَ جَعَلَ الْجَرْجَرَةَ بِمَعْنَى الصَّبِّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الزَّجَّاجُ.
أَيْ إنَّمَا يَصُبُّ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ.
وَالْجَرْجَرَةُ الصَّوْتُ الْمُتَرَدِّدُ فِي الْحَلْقِ. وَجَرْجَرَ الْفَحْلُ: إذَا رَدَّدَ صَوْتَهُ فِي حَلْقِهِ. وَقَدْ يَصِحُّ النَّصْبُ عَلَى هَذَا أَيْضًا إذَا عُدِّيَ الْفِعْلُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْأَزْهَرِيُّ.
قَالَ: وَوَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ فِي مُسْلِمٍ «كَأَنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ» قَالَ: وَهَذَا يُقَوِّي رِوَايَةَ النَّصْبِ. انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «لَا تَلْبِسُوا الْحَرِيرَ، وَلَا الدِّيبَاجَ، وَلَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهِمَا فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ» .
قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الدِّيبَاجُ مَعْرُوفٌ مُعَرَّبٌ يَعْنِي أَنَّهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْحَرِيرِ، وَهُوَ مَا غَلُظَ مِنْهُ وَهُوَ مُعَرَّبٌ لَا عَرَبِيٌّ.
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ إلَّا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُسْلِمٍ أَبَا طَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ وَشَرِبَ فِي الْفِضَّةِ فَلَيْسَ مِنَّا. وَمَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا أَوْ عَبْدًا عَلَى مَوَالِيهِ فَلَيْسَ مِنَّا» . وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَلْبَسْ حَرِيرًا، وَلَا ذَهَبًا» رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ.
وَرَوَى الْإِمَامُ أَيْضًا وَالطَّبَرَانِيُّ وَرُوَاةُ الْإِمَامِ ثِقَاتٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي، وَهُوَ مُتَحَلِّي الذَّهَبِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ لِبَاسَهُ فِي الْجَنَّةِ» وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.