الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «لَوْ أَخْطَأْتُمْ حَتَّى تَبْلُغَ السَّمَاءَ ثُمَّ تُبْتُمْ لَتَابَ عَلَيْكُمْ» . وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ أَنْ يَطُولَ عُمْرُهُ وَيَرْزُقَهُ اللَّهُ الْإِنَابَةَ» . وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ غَرِيبٌ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا «كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ» .
مَطْلَبٌ: فِي بَيَانِ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى «غَفَرْت لِعَبْدِي فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ»
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «إنَّ عَبْدًا أَصَابَ ذَنْبًا فَقَالَ يَا رَبُّ إنِّي أَذْنَبْت ذَنْبًا فَاغْفِرْهُ لِي، فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ: عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ فَغَفَرَ لَهُ. ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَصَابَ ذَنْبًا آخَرَ وَرُبَّمَا قَالَ ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا آخَرَ فَقَالَ يَا رَبُّ إنِّي أَذْنَبْت ذَنْبًا آخَرَ فَاغْفِرْهُ لِي، قَالَ رَبُّهُ: عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ فَغَفَرَ لَهُ. ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَصَابَ ذَنْبًا آخَرَ وَرُبَّمَا قَالَ ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا آخَرَ فَقَالَ يَا رَبُّ إنِّي أَذْنَبْت ذَنْبًا فَاغْفِرْهُ لِي، فَقَالَ رَبُّهُ: عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ فَقَالَ رَبُّهُ: غَفَرْت لِعَبْدِي فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ» قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ مَا دَامَ كُلَّمَا أَذْنَبَ ذَنْبًا اسْتَغْفَرَ وَتَابَ مِنْهُ وَلَمْ يَعُدْ إلَيْهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ «ثُمَّ أَصَابَ ذَنْبًا آخَرَ» فَلْيَفْعَلْ إذَا كَانَ هَذَا دَأْبَهُ مَا شَاءَ؛ لِأَنَّهُ كُلَّمَا أَذْنَبَ كَانَتْ تَوْبَتُهُ وَاسْتِغْفَارُهُ كَفَّارَةً لِذَنْبِهِ فَلَا يَضُرُّهُ " لَا أَنَّهُ يُذْنِبُ الذَّنْبَ فَيَسْتَغْفِرُ مِنْهُ بِلِسَانِهِ مِنْ غَيْرِ إقْلَاعٍ ثُمَّ يُعَاوِدُهُ فَإِنَّ هَذِهِ تَوْبَةُ الْكَذَّابِينَ. انْتَهَى. وَلَا يَخْفَى مَا فِي مَفْهُومِ كَلَامِهِ مِنْ أَنَّهُ إذَا تَابَ مِنْ ذَنْبٍ وَأَقْلَعَ عَنْهُ وَعَزَمَ أَنْ لَا يَعُودَ إلَيْهِ أَبَدًا ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ مِنْ عَدَمِ الْقَبُولِ، وَالصَّوَابُ خِلَافُهُ، بَلْ حُكْمُهُ فِي الْقَبُولِ وَالْغُفْرَانِ كَمَا لَوْ عَاوَدَ ذَنْبًا آخَرَ غَيْرَ الَّذِي تَابَ مِنْهُ حَيْثُ كَانَ قَدْ تَابَ وَأَقْلَعَ وَعَزَمَ أَنْ لَا يَعُودَ، وَهَذَا ظَاهِرٌ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَاللَّفْظُ لَهُ مِنْ طَرِيقَيْنِ قَالَ فِي إحْدَاهُمَا عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إنَّ الْمُؤْمِنَ إذَا أَذْنَبَ ذَنْبًا كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ مِنْهَا، وَإِنْ زَادَ زَادَتْ حَتَّى يُغْلَقَ بِهَا قَلْبُهُ فَذَلِكَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ {كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14] » .
وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا «إنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ» أَيْ بِغَيْنَيْنِ مُعْجَمَتَيْنِ الْأُولَى مَفْتُوحَةٌ وَالثَّانِيَةُ مَكْسُورَةٌ وَبِرَاءٍ مُكَرَّرَةٍ مَعْنَاهُ مَا لَمْ تَبْلُغْ رُوحُهُ الْحُلْقُومَ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الشَّيْءِ الَّذِي يَتَغَرْغَرُ بِهِ الْمَرِيضُ. وَالْغَرْغَرَةُ أَنْ يُجْعَلَ الْمَشْرُوبُ فِي الْفَمِ وَيُرَدَّدُ إلَى أَصْلِ الْحَلْقِ وَلَا يُبْلَعَ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ غَيْرَ أَنَّ عَطَاءً لَمْ يُدْرِكْ مُعَاذًا وَالْبَيْهَقِيُّ فَأَدْخَلَ بَيْنَهُمَا رَجُلًا لَمْ يُسَمَّ عَنْ مُعَاذٍ مَرْفُوعًا «عَلَيْك بِتَقْوَى اللَّهِ مَا اسْتَطَعْت، وَاذْكُرْ اللَّهَ عِنْدَ كُلِّ حَجَرٍ وَشَجَرٍ، وَمَا عَمِلْت مِنْ سُوءٍ فَأَحْدِثْ لَهُ تَوْبَةً، السِّرُّ بِالسِّرِّ، وَالْعَلَانِيَةُ بِالْعَلَانِيَةِ» .
وَرَوَى الْأَصْبَهَانِيُّ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا «إذَا تَابَ الْعَبْدُ عَنْ ذُنُوبِهِ أَنْسَى اللَّهُ حَفَظَتَهُ ذُنُوبَهُ، وَأَنْسَى ذَلِكَ جَوَارِحَهُ وَمَعَالِمَهُ مِنْ الْأَرْضِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَاهِدٌ مِنْ اللَّهِ بِذَنْبٍ» . وَرَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْهُ أَيْضًا. وَصَنِيعُ الْحَافِظِ الْمُنْذِرِيِّ يُشْعِرُ بِضَعْفِهِ؛ لِأَنَّهُ أُورِدَ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ وَالطَّبَرَانِيُّ كِلَاهُمَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ» وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيُّ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَزَادَ «وَالْمُسْتَغْفِرُ مِنْ الذَّنْبِ وَهُوَ مُقِيمٌ عَلَيْهِ كَالْمُسْتَهْزِئِ بِرَبِّهِ» . وَقَدْ رُوِيَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ مَوْقُوفًا وَلَعَلَّهُ أَشْبَهُ. وَرِجَالُ الطَّبَرَانِيِّ رِجَالُ الصَّحِيحِ لَوْلَا الِانْقِطَاعُ. وَقَدْ حَسَّنَهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ بِشَوَاهِدَ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا «النَّدَمُ تَوْبَةٌ» وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا.
وَرَوَى الْحَاكِمُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ زِيَادٍ وَهُوَ سَاقِطٌ وَقَالَ صَحِيحُ
الْإِسْنَادِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها مَرْفُوعًا «مَا عَلِمَ اللَّهُ مِنْ عَبْدٍ نَدَامَةً عَلَى ذَنْبٍ إلَّا غَفَرَ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ مِنْهُ» .
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ وَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ» .
وَفِي رِوَايَةٍ فَكَانَ إلَى الْقَرْيَةِ الصَّالِحَةِ أَقْرَبَ بِشِبْرٍ فَجُعِلَ مِنْ أَهْلِهَا. وَفِي رِوَايَةٍ «فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إلَى هَذِهِ أَنْ تَبَاعَدِي وَإِلَى هَذِهِ أَنْ تَقَرَّبِي وَقَالَ قِيسُوا بَيْنَهُمَا فَوَجَدُوهُ إلَى هَذِهِ أَقْرَبَ بِشِبْرٍ فَغُفِرَ لَهُ» . وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ قَتَادَةُ قَالَ الْحَسَنُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ لَمَا أَتَى مَلَكُ الْمَوْتِ نَأَى بِصَدْرِهِ نَحْوَهَا، وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ بِإِسْنَادَيْنِ أَحَدُهُمَا جَيِّدٌ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ مَرْفُوعًا:«فَوَجَدُوهُ أَقْرَبَ إلَى دَيْرِ التَّوَّابِينَ بِأُنْمُلَةٍ فَغُفِرَ لَهُ» .
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ لَا بَأْسَ بِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَذَكَرَ إلَى أَنْ قَالَ «ثُمَّ أَتَى رَاهِبًا آخَرَ فَقَالَ إنِّي قَتَلْت مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ تَجِدُ لِي مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ أَسْرَفْت وَمَا أَدْرِي وَلَكِنْ هَاهُنَا قَرْيَتَانِ قَرْيَةٌ يُقَالُ لَهَا نَصْرَةُ، وَالْأُخْرَى يُقَالُ لَهَا كَفْرَةُ، فَأَمَّا أَهْلُ نَصْرَةَ فَيَعْمَلُونَ عَمَلَ
أَهْلِ الْجَنَّةِ لَا يَثْبُتُ فِيهَا غَيْرُهُمْ، وَأَمَّا أَهْلُ كَفْرَةَ فَيَعْمَلُونَ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ لَا يَثْبُتُ فِيهَا غَيْرُهُمْ، فَانْطَلِقْ إلَى أَهْلِ نَصْرَةَ فَإِنْ ثَبَتَّ فِيهَا وَعَمِلْت عَمَلَ أَهْلِهَا فَلَا شَكَّ فِي تَوْبَتِك، فَانْطَلَقَ يُرِيدُهَا حَتَّى إذَا كَانَ بَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ، فَسَأَلَتْ الْمَلَائِكَةُ رَبَّهَا عَنْهُ فَقَالَ اُنْظُرُوا إلَى أَيِّ الْقَرْيَتَيْنِ كَانَ أَقْرَبَ فَاكْتُبُوهُ مِنْ أَهْلِهَا. فَوَجَدُوهُ أَقْرَبَ إلَى نَصْرَةَ بِقَيْدِ أُنْمُلَةٍ فَكُتِبَ مِنْ أَهْلِهَا» .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَالَ اللَّهُ عز وجل «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْكُرُنِي وَاَللَّهِ لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ يَجِدُ ضَالَّتَهُ بِالْفَلَاةِ، وَمَنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْت إلَيْهِ ذِرَاعًا، وَمَنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْت إلَيْهِ بَاعًا، وَإِذَا أَقْبَلَ إلَيَّ يَمْشِي أَقْبَلْت إلَيْهِ أُهَرْوِلُ» .
وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَإِسْنَادُهُمَا حَسَنٌ عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «مَنْ تَقَرَّبَ إلَى اللَّهِ عز وجل شِبْرًا تَقَرَّبَ إلَيْهِ ذِرَاعًا، وَمَنْ تَقَرَّبَ إلَيْهِ ذِرَاعًا تَقَرَّبَ إلَيْهِ بَاعًا. وَمَنْ أَقْبَلَ إلَى اللَّهِ عز وجل مَاشِيًا أَقْبَلَ إلَيْهِ مُهَرْوِلًا، وَاَللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ»
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ وَقَدْ أَضَلَّهُ بِأَرْضِ فَلَاةٍ» وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِمُسْلِمٍ «لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضٍ فَلَاةٍ فَانْفَلَتَتْ عَنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَا فَأَتَى، شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ. فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إذْ هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّك، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ» .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ مِنْ رَجُلٍ نَزَلَ فِي أَرْضٍ دَوِّيَّةٍ مُهْلِكَةٍ مَعَهُ رَاحِلَتُهُ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَوَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ رَاحِلَتُهُ فَطَلَبَهَا حَتَّى إذَا اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْحَرُّ وَالْعَطَشُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ، قَالَ أَرْجِعُ إلَى مَكَانِي الَّذِي كُنْت فِيهِ فَأَنَامُ حَتَّى أَمُوتَ، فَوَضَعَ
رَأْسَهُ عَلَى سَاعِدِهِ لِيَمُوتَ فَاسْتَيْقَظَ فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَهُ عَلَيْهَا زَادُهُ وَشَرَابُهُ، فَاَللَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ مِنْ هَذَا بِرَاحِلَتِهِ» . قَوْلُهُ «فِي أَرْضٍ دَوِّيَّةٍ» الدَّوِّيَّةُ بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَالْيَاءِ جَمِيعًا هِيَ الْفَلَاةُ الْقَفْرُ وَالْمَفَازَةُ. قَالَ الْمُحَقِّقُ بْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ مِفْتَاحِ دَارِ السَّعَادَةِ: وَلَيْسَ فِي أَنْوَاعِ الْفَرَحِ أَكْمَلُ وَلَا أَعْظَمُ مِنْ هَذَا الْفَرَحِ، وَلَوْلَا الْمَحَبَّةُ التَّامَّةُ لِلتَّوْبَةِ وَلِأَهْلِهَا لَمْ يَحْصُلْ هَذَا الْفَرَحُ. وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ وُجُودَ الْمُسَبَّبِ بِدُونِ سَبَبِهِ مُمْتَنِعٌ، وَهَلْ يُوجَدُ مَلْزُومٌ بِدُونِ لَازِمِهِ أَوْ غَايَةٌ بِدُونِ وَسِيلَتِهَا. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِ الْعَارِفِينَ: لَوْ لَمْ تَكُنْ التَّوْبَةُ أَحَبَّ الْأَشْيَاءِ إلَيْهِ لَمَا ابْتَلَى بِالذَّنْبِ أَكْرَمَ الْمَخْلُوقَاتِ عَلَيْهِ.
فَالتَّوْبَةُ هِيَ غَايَةُ كَمَالِ كُلِّ آدَمِيٍّ. وَإِنَّمَا كَانَ كَمَالُ أَبِيهِمْ بِهَا، فَكَمْ بَيْنَ حَالِهِ، وَقَدْ قِيلَ لَهُ {إِنَّ لَكَ أَلا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى} [طه: 118] {وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى} [طه: 119] وَبَيْنَ قَوْلِهِ {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} [طه: 122] فَالْحَالُ الْأُولَى حَالُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَتَمَتُّعٍ، وَالْحَالُ الْأُخْرَى حَالُ اجْتِبَاءٍ وَاصْطِفَاءٍ وَهِدَايَةٍ، فَيَا بُعْدَ مَا بَيْنَهُمَا، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ: إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يُحِبُّ التَّائِبَ وَيَفْرَحُ بِتَوْبَتِهِ أَعْظَمَ فَرَحٍ.
وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ، فَلَا تَنْسَ الْفَرْحَةَ الَّتِي تَظْفَرُ بِهَا عِنْدَ التَّوْبَةِ النَّصُوحِ، وَتَأَمَّلْ كَيْفَ تَجِدُ الْقَلْبَ يَرْقُصُ فَرَحًا وَأَنْتَ لَا تَدْرِي سَبَبَ ذَلِكَ الْفَرَحِ مَا هُوَ، وَهَذَا أَمْرٌ لَا يَحُسُّ بِهِ إلَّا حَيُّ الْقَلْبِ، وَأَمَّا مَيِّتُ الْقَلْبِ فَإِنَّمَا يَجِدُ الْفَرَحَ عِنْدَ ظَفَرِهِ بِالذَّنْبِ وَلَا يَعْرِفُ فَرَحًا غَيْرَهُ.
فَوَازِنْ إذًا بَيْنَ هَذَيْنِ الْفَرْحَيْنِ، وَانْظُرْ مَا يَعْقُبُ فَرَحَ الظَّفَرِ بِالذَّنْبِ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَحْزَانِ وَالْهُمُومِ وَالْمَصَائِبِ. فَمَنْ يَشْتَرِي فَرْحَةَ سَاعَةٍ بِغَمِّ الْأَبَدِ، وَانْظُرْ مَا يَعْقُبُ فَرَحَ الظَّفَرِ بِالطَّاعَةِ وَالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ مِنْ الِانْشِرَاحِ الدَّائِمِ وَالنَّعِيمِ وَطِيبِ الْعَيْشِ، وَوَازِنْ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا ثُمَّ اخْتَرْ مَا يَلِيقُ بِك وَيُنَاسِبُك، وَكُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ، وَكُلُّ امْرِئٍ يَصْبُو إلَى مَا يُنَاسِبُهُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ فِي أَمَالِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ الْعَقِيمِ الْوَالِدِ، مِنْ الضَّالِّ الْوَاجِدِ، وَمِنْ الظَّمْآنِ الْوَارِدِ» .
رَوَى أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ تَرْكَانَ الْهَمْدَانِيُّ فِي كِتَابِ التَّائِبِينَ عَنْ أَبِي الْجَوْنِ