الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مَطْلَبُ: لُبْسِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ]
مَطْلَبٌ: لُبْسُ النَّبِيِّ عليه السلام النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ:
وَقَدْ لَبِسَ السِّبْتِيَّ وَهُوَ الَّذِي خَلَا
…
مِنْ الشَّعْرِ مَعَ أَصْحَابِهِ بِهِمْ اقْتَدِ
(وَقَدْ لَبِسَ) النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (السِّبْتِيَّ) نِسْبَةً إلَى السِّبْتِ بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ جُلُودُ الْبَقَرِ، أَوْ كُلُّ جِلْدٍ مَدْبُوغٍ أَوْ بِالْقَرَظِ بِالْقَافِ وَالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ مُحَرَّكَةً، وَهُوَ وَرَقُ السَّلْمِ، وَالْقَارِظُ مُجْتَنِيهِ، وَكَشِدَادِ بَائِعُهُ. وَأَدِيمٌ مَقْرُوظٌ دُبِغَ بِهِ أَوْ صُبِغَ بِهِ مِنْ الْقَامُوسِ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ: وَالسِّبْتُ بِالْكَسْرِ جُلُودُ الْبَقَرِ الْمَدْبُوغَةِ بِالْقَرَظِ تُحْذَى مِنْهُ النِّعَالُ السِّبْتِيَّةُ.
وَفِي الْحَدِيثِ «يَا صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ اخْلَعْ سِبْتِيَّتَيْك» . ثُمَّ إنَّ النَّاظِمَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَشَارَ إلَى بَيَانِ السِّبْتِيِّ بِقَوْلِهِ (وَهُوَ) الْجِلْدُ الْمَدْبُوغُ مِنْ جُلُودِ الْبَقَرِ بِالْقَرَظِ (الَّذِي خَلَا) بِالدَّبْغِ، وَالنَّتْفُ نَحْوُهُ (مِنْ الشَّعْرِ) الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ حَتَّى صَارَ غَيْرَ ذِي شَعْرٍ، وَبِهَذَا فَسَّرَهُ وَكِيعٌ (مَعَ أَصْحَابِهِ) الْأَخْيَارِ الَّذِينَ شَادَ اللَّهُ بِهِمْ الدِّينَ، وَأَطْلَعَ شَمْسَ الْيَقِينِ، فَهُمْ نُجُومُ الْهُدَى، وَمَصَابِيحُ الدُّجَى، فَقَدْ نَالُوا بِصُحْبَتِهِ صلى الله عليه وسلم مَا امْتَازُوا بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْأُمَّةِ، وَاخْتَصَّهُمْ بِبَرَكَةِ مُشَاهَدَتِهِ حَتَّى صَارُوا أَئِمَّةً فَمَنْ اسْتَنَّ بِسُنَّتِهِمْ فَازَ وَأَفْلَحَ، وَمَنْ مَالَ عَنْ شِرْعَتِهِمْ هَلَكَ وَضَلَّ وَمَا أَنْجَحَ، فَعَلَيْهِمْ رِضْوَانُ اللَّهِ مَا تَجَلَّى بِذِكْرِهِمْ كِتَابٌ، وَمَا عَبِقَ نَشْرَ شَذَاهُمْ فَتَنَعَّمَ بِهِ ذَوُو الْأَلْبَابِ، وَلَمَّا كَانَ لَا نَجَاءَ لِأَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ إلَّا بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ صلى الله عليه وسلم وَبِأَصْحَابِهِ؛ إذْ جَمِيعُ الطُّرُقِ إلَى اللَّهِ مَسْدُودَةٌ إلَّا طَرِيقَهُ الْمُسْتَقِيمَةَ الْمَعْهُودَةَ.
قَالَ النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (بِهِمْ) أَيْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَبِأَصْحَابِهِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - (اقْتَدِ) فِعْلُ أَمْرٍ مَجْزُومٌ بِحَذْفِ الْيَاءِ وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ وَقُدِّمَ مَعَ مُنَاسَبَةِ الْقَافِيَةِ لِيُفِيدَ الْحَصْرَ أَوْ الِاهْتِمَامَ. يَعْنِي أَنَّ الِاقْتِدَاءَ إنَّمَا يَصْلُحُ بِهِمْ لَا بِزَيْدٍ وَلَا بِعَمْرٍو وَمَعْنَى اقْتَدِ اسْتَنَّ بِهِمْ، وَاحْذُ حَذْوَهُمْ، وَافْعَلْ مِثْلَ فِعْلِهِمْ مُتَأَسِّيًا بِهِمْ. وَفُلَانٌ قُدْوَةٌ أَيْ يُقْتَدَى بِهِ، وَالضَّمُّ
أَكْثَرُ مِنْ الْكَسْرِ. وَفِي الْقَامُوسِ: الْقُدْوَةُ مُثَلَّثَةٌ وَكَعُدَّةِ مَا تَسَنَّنْتَ بِهِ وَاقْتَدَيْتَ بِهِ.
وَقَدْ رَوَى أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ كَانَ يَلْبَسُ النَّعْلَ السِّبْتِيَّةَ، وَيَتَوَضَّأُ فِيهَا وَيَذْكُرُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا. وَرَوَاهُ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِسَنَدِهِ إلَى عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ «أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: رَأَيْتُك تَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ، قَالَ إنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَعْرٌ وَيَتَوَضَّأُ فِيهَا» . وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ رضي الله عنه: «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِي نَعْلَيْنِ مَخْصُوفَيْنِ مِنْ جُلُودِ الْبَقَرِ» .
مَطْلَبٌ: يُسْتَحَبُّ كَوْنُ النَّعْلِ أَصْفَرَ وَالْخُفِّ أَحْمَرَ أَوْ أَسْوَدَ.
(تَنْبِيهَاتٌ) :
(الْأَوَّلُ) : قَالَ عُلَمَاؤُنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى -: يُسْتَحَبُّ كَوْنُ النَّعْلِ أَصْفَرَ وَالْخُفِّ أَحْمَرَ أَوْ أَسْوَدَ.
قَالَ فِي الْآدَابِ: وَيُرْوَى عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّهُ قَالَ: النَّعْلُ السَّوْدَاءُ تُورِثُ الْهَمَّ.
وَأَظُنُّ الْقَاضِيَ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ، قَالَ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْكَرَاهَةُ.
قَالَ: وَرَوَى أَبُو مُحَمَّدٍ الْخَلَّالُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: مَنْ لَبِسَ نَعْلًا صَفْرَاءَ لَمْ يَزَلْ يَنْظُرُ فِي سُرُورٍ ثُمَّ قَرَأَ {صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ} [البقرة: 69] .
(الثَّانِي) : قَالَ فِي عَيْنِ الرِّعَايَةِ وَتَبِعَهُ فِي الْآدَابِ وَهُوَ مُرَادُ الْجَمِيعِ: يُبَاحُ الْمَشْيُ فِي قَبْقَابٍ خَشَبٍ وَقِيلَ مَعَ الْحَاجَةِ.
وَذَكَرَ ابْنُ تَمِيمٍ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رضي الله عنه قَالَ: لَا بَأْسَ بِالْخَشَبِ أَنْ يَمْشِيَ فِيهِ إنْ كَانَ لِحَاجَةٍ.
قَالَ الْيُونِينِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْآدَابِ: وَنَقَلْت مِنْ مَسَائِلِ حَرْبٍ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه قِيلَ لَهُ فَالنَّعْلُ مِنْ الْخَشَبِ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهَا إذَا كَانَ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ، وَهُوَ فِي الْآدَابِ، وَكَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْقَبْقَابِ وَالنَّعْلِ مِنْ الْخَشَبِ.
وَالْمَذْهَبُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - لَا بَأْسَ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.