الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَطْلَبٌ: فِي تَوْبَةِ الْمُرَابِي وَالْمُبْتَدِعِ
(تَنْبِيهَاتٌ) :
(الْأَوَّلُ) : تَوْبَةُ الْمُرَابِي بِأَخْذِ رَأْسِ مَالِهِ وَبِرَدِّ رِبْحِهِ إنْ أَخَذَهُ.
وَتَوْبَةُ الْمُبْتَدِعِ أَنْ يَعْتَرِفَ بِأَنَّ مَا عَلَيْهِ بِدْعَةٌ. قَالَ فِي الشَّرْحِ: فَأَمَّا الْبِدْعَةُ فَالتَّوْبَةُ مِنْهَا بِالِاعْتِرَافِ بِهَا، وَالرُّجُوعِ عَنْهَا، وَاعْتِقَادِ ضِدِّ مَا كَانَ يَعْتَقِدُ مِنْهَا.
وَفِي الرِّعَايَةِ: مَنْ كَفَرَ بِبِدْعَةٍ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ، قِيلَ إنْ اعْتَرَفَ بِهَا وَإِلَّا فَلَا. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ فِي الرَّجُلِ يُشْهَدُ عَلَيْهِ بِالْبِدْعَةِ فَيَجْحَدُ: لَيْسَتْ لَهُ تَوْبَةٌ إنَّمَا التَّوْبَةُ لِمَنْ اعْتَرَفَ فَأَمَّا مَنْ جَحَدَ فَلَا تَوْبَةَ لَهُ.
وَفِي إرْشَادِ ابْنِ عَقِيلٍ الرَّجُلُ إذَا دَعَا إلَى بِدْعَةٍ ثُمَّ نَدِمَ عَلَى مَا كَانَ، وَقَدْ ضَلَّ بِهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ وَتَفَرَّقُوا فِي الْبِلَادِ وَمَاتُوا فَإِنَّ تَوْبَتَهُ صَحِيحَةٌ إذَا وُجِدَتْ الشَّرَائِطُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُ وَيَقْبَلَ تَوْبَتَهُ وَيُسْقِطَ ذَنْبَ مَنْ ضَلَّ بِهِ بِأَنْ يَرْحَمَهُ وَيَرْحَمَهُمْ، وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ خِلَافًا لِبَعْضِ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَهُوَ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَاقِلَا، وَهُوَ مَذْهَبُ الرَّبِيعِ بْنِ نَافِعٍ، وَأَنَّهَا لَا تُقْبَلُ، ثُمَّ احْتَجَّ بِالْأَثَرِ الْإِسْرَائِيلِيِّ الَّذِي فِيهِ " فَكَيْفَ مَنْ أَضْلَلْت " وَبِحَدِيثِ «مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» وَبِمَا رَوَى أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا، «إنَّ اللَّهَ عز وجل احْتَجَبَ التَّوْبَةَ عَنْ كُلِّ صَاحِبِ بِدْعَةٍ» .
وَاخْتَارَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَوَّحَ اللَّهُ رُوحَهُ صِحَّةَ التَّوْبَةِ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَالْحَدِيثُ وَصَوَّبَهُ، وَقَالَ إنَّهُ قَوْلُ جَمَاهِيرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَغَلِطَ مَنْ اسْتَثْنَى بَعْضَ الذُّنُوبِ، كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ بِعَدَمِ قَبُولِ تَوْبَةِ الدَّاعِيَةِ بَاطِنًا، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ بَيَّنَ فِي كِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ يَتُوبُ عَلَى أَئِمَّةِ الْكُفْرِ الَّذِينَ هُمْ أَعْظَمُ مِنْ أَئِمَّةِ الْبِدَعِ. انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: التَّوْبَةُ مِنْ سَائِرِ الذُّنُوبِ مَقْبُولَةٌ، خِلَافًا لِإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ لَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ الْقَاتِلِ وَلَا الزِّنْدِيقِ ثُمَّ بَحَثَ الْمَسْأَلَةَ وَقَالَ: الزِّنْدِيقُ إذَا أَظْهَرَ لَنَا هَذَا يَجِبُ أَنْ نَحْكُمَ بِإِيمَانِهِ بِالظَّاهِرِ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ اللَّهِ عز وجل كَافِرًا؛ لِأَنَّ الزَّنْدَقَةَ نَوْعُ كُفْرٍ، فَجَازَ أَنْ تَحْبَطَ بِالتَّوْبَةِ كَسَائِرِ الْكُفْرِ مِنْ التَّوَثُّنِ، وَالتَّمَجُّسِ، وَالتَّهَوُّدِ، وَالتَّنَصُّرِ، وَكَمَنْ تَظَاهَرَ بِالصَّلَاحِ إذَا أَتَى مَعْصِيَةً وَتَابَ مِنْهَا. قَالَ وَلَيْسَ الْوَاجِبُ عَلَيْنَا مَعْرِفَةَ الْبَاطِنِ جُمْلَةً وَإِنَّمَا الْمَأْخُوذُ عَلَيْنَا حُكْمُ الظَّاهِرِ، فَإِذَا بَانَ فِي الظَّاهِرِ حُسْنُ طَرِيقَتِهِ
وَتَوْبَتِهِ وَجَبَ قَبُولُهَا وَلَمْ يَجُزْ رَدُّهَا لِمَا بَيَّنَّا، وَأَنَّ جَمِيعَ الْأَحْكَامِ تَتَعَلَّقُ بِهَا.
قَالَ: وَلَمْ أَجِدْ لَهُمْ شُبْهَةً أُورِدُهَا إلَّا أَنَّهُمْ حَكَوْا عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَتَلَ زِنْدِيقًا وَلَا أَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْإِمَامَ إذَا رَأَى قَتْلَهُ لِكَوْنِهِ سَاعِيًا فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ سَاغَ لَهُ ذَلِكَ، فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ تَوْبَتُهُ لَمْ تُقْبَلْ فَلَا بِدَلَالَةِ أَنَّ قُطَّاعَ الطَّرِيقِ لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْهُمْ بِالتَّوْبَةِ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ، وَيُحْكَمُ بِصِحَّتِهَا عِنْدَ اللَّهِ عز وجل فِي غَيْرِ إسْقَاطِ الْحَدِّ عَنْهُمْ، فَلَيْسَ حَيْثُ لَمْ يَسْقُطْ الْقَتْلُ لَا تَصِحُّ التَّوْبَةُ. قَالَ: وَلَعَلَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رضي الله عنه عَنَى بِقَوْلِهِ لَا تُقْبَلُ فِي إسْقَاطِ الْقَتْلِ، فَيَكُونُ مَا قَبْلَهُ هُوَ مَذْهَبُهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً. انْتَهَى.
وَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ الْمُتَأَخِّرُونَ كَالْإِقْنَاعِ وَالْمُنْتَهَى وَالْغَايَةِ وَغَيْرِهَا عَدَمُ قَبُولِ تَوْبَةِ زِنْدِيقٍ فِي الدُّنْيَا، يَعْنِي بِحَسْبِ الظَّاهِرِ وَهُوَ الْمُنَافِقُ، يَعْنِي مَنْ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ وَيُخْفِي الْكُفْرَ، وَلَا مَنْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ. وَاسْتَوْجَهَ فِي الْغَايَةِ أَنَّ أَقَلَّهُ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ كَعَادَةِ حَائِضٍ، وَكَالْحُلُولِيَّةِ وَالْإِبَاحِيَّةِ، وَمَنْ يُفَضِّلُ مَتْبُوعَهُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ أَنَّهُ إذَا حَصَلَتْ لَهُ الْمَعْرِفَةُ وَالتَّحْقِيقُ سَقَطَ عَنْهُ التَّكْلِيفُ، أَوْ أَنَّ الْعَارِفَ الْمُحَقِّقَ يَجُوزُ لَهُ التَّدَيُّنُ بِدِينِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ، وَلَا مَنْ سَبَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أَوْ مَلَكًا صَرِيحًا أَوْ تَنَقَّصَهُ، وَلَا لِسَاحِرٍ الَّذِي يَكْفُرُ بِسِحْرِهِ، وَيُقْتَلُونَ بِكُلِّ حَالٍ وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَمَنْ صَدَقَ مِنْهُمْ فِي تَوْبَتِهِ قُبِلَتْ بَاطِنًا، وَمَنْ أَظْهَرَ الْخَيْرَ وَأَبْطَنَ الْفِسْقَ فَكَالزِّنْدِيقِ فِي تَوْبَتِهِ، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ لَمْ يُوجِدْ بِالتَّوْبَةِ سِوَى مَا يُظْهِرُهُ.
وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ ابْنِ عَقِيلٍ تُقْبَلُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَوْلَى فِي الْكُلِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْمُنَافِقِينَ {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [البقرة: 160] وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَاخْتِيَارُ الْخَلَّالِ فِيمَنْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ وَالسَّاحِرِ وَالزِّنْدِيقِ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَهُوَ آخِرُ قَوْلَيْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَاخْتِيَارُ الْقَاضِي. انْتَهَى.
وَقَالَ الْقَاضِي: سُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه عَنْ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّ اللَّهَ احْتَجَرَ التَّوْبَةَ عَنْ كُلِّ صَاحِبِ بِدْعَةٍ» وَحَجْرُ التَّوْبَةِ أَيْش مَعْنَاهُ؟ قَالَ أَحْمَدُ: لَا يُوَفَّقُ وَلَا يُيَسَّرُ صَاحِبُ بِدْعَةٍ. وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام: 159]