الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَرْجُوحَةُ عِنْدَنَا مَحْجُوجٌ بِأَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم زَوَّجَ زَيْدًا مَوْلَاهُ ابْنَةَ عَمَّتِهِ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ، وَزَوَّجَ ابْنَهُ أُسَامَةَ رضي الله عنه فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ الْفِهْرِيَّةَ الْقُرَشِيَّةَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: إنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ تَبَنَّى سَالِمًا وَأَنْكَحَهُ ابْنَةَ أَخِيهِ هِنْدًا ابْنَةَ الْوَلِيدِ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
(الثَّالِثُ) : الْعَرَبُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَكْفَاءُ، وَالْعَجَمُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَكْفَاءُ. لِأَنَّ الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ الْكِنْدِيَّ تَزَوَّجَ ضُبَاعَةَ ابْنَةَ الزُّبَيْرِ عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَزَوَّجَ أَبُو بَكْرٍ أُخْتَهُ الْأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ الْكِنْدِيَّ، وَزَوَّجَ عَلِيٌّ ابْنَتَهُ أُمَّ كُلْثُومٍ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنهم. فَبَنُو هَاشِمٍ كَغَيْرِهِمْ مِنْ الْعَرَبِ.
وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ أَنَّ غَيْرَ الْمُنْتَسِبِ إلَى الْعُلَمَاءِ وَالصُّلَحَاءِ الْمَشْهُورِينَ لَيْسَ كُفُؤًا لِلْمُنْتَسِبِ إلَيْهِمَا، وَلَيْسَ الْمُحْتَرِفُ كُفُؤًا لِبِنْتِ الْعَالِمِ.
وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه أَنَّ الْكَفَاءَةَ الدِّينُ وَالنَّسَبُ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ.
وَقَالَ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْأَصْحَابِ: إذَا قُلْنَا الْكَفَاءَةَ لِحَقِّ اللَّهِ اُعْتُبِرَ الدِّينُ فَقَطْ، وَأَنْشَدُوا فِي ذَلِكَ:
أَلَا إنَّمَا التَّقْوَى هِيَ الْعِزُّ وَالْكَرَمُ
…
وَحُبُّك لِلدُّنْيَا هُوَ الذُّلُّ وَالسَّقَمُ
وَلَيْسَ عَلَى عَبْدٍ تَقِيٍّ نَقِيصَةٌ
…
إذَا حَقَّقَ التَّقْوَى وَإِنْ حَاكَ أَوْ حَجَمْ
وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ.
مَطْلَبٌ: لَا يَتَزَوَّجُ الرَّجُلُ الْفَقِيرُ إلَّا ضَرُورَةً
وَلَا تَنْكِحْنَ فِي الْفَقْرِ إلَّا ضَرُورَةً
…
وَلُذْ بِوِجَاءِ الصَّوْمِ تُهْدَ وَتَهْتَدِ
(وَلَا تَنْكِحْنَ) نَهْيٌ مُؤَكَّدٌ بِالنُّونِ الْخَفِيفَةِ (فِي الْفَقْرِ) وَهُوَ ضِدُّ الْغِنَى لِأَنَّ الْفَقْرَ وَإِنْ كَانَ شَرَفًا فِي حَدِّ ذَاتِهِ، وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم:«اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَنَّ الْفُقَرَاءَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ الْأَغْنِيَاءِ بِخَمْسِمِائَةِ عَامٍ، لَكِنَّهُ سُلَّمٌ يُتَرَقَّى بِهِ إلَى الْخَوْضِ فِي عِرْضِهِ وَعَدِمِ اكْتِرَاثِ النَّاسِ بِهِ وَإِعْرَاضِهِمْ عَنْهُ، وَهُوَ مَظِنَّةُ طُمُوحِ نَظَرِ الزَّوْجَةِ إلَى أَرْبَابِ
الْأَمْوَالِ، وَاسْتِشْرَافِ نَفْسِهَا إلَى أَهْلِ الْبِزَّةِ مِنْ الرِّجَالِ، وَنُبُوِّ نَظَرِهَا عَنْ بَعْلِهَا الْفَقِيرِ وَإِنْ كَانَ يُعَادِلُ عِنْدَ اللَّهِ أَضْعَافَ أَهْلِ الْغِنَى وَالنَّوَالِ، فَلِهَذَا حَذَّرَ النَّاظِمُ الْحَكِيمُ وَالنَّاصِحُ لِإِخْوَانِهِ عَلَى حَسَبِ مَا مَنَحَهُ الْخَبِيرُ الْعَلِيمُ، مِنْ النِّكَاحِ فِي فَقْرِهِ (إلَّا) إذَا كَانَ ذَلِكَ (ضَرُورَةً) أَيْ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ مِنْ خَوْفِ الزِّنَا الَّذِي هُوَ مِنْ أَقْوَى الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِدُخُولِ النَّارِ، وَغَضَبِ الْجَبَّارِ، وَالْحَشْرِ مَعَ الْأَشْقِيَاءِ الْفُجَّارِ، إلَى دَارِ الْبَوَارِ، وَالذُّلِّ وَالصَّغَارِ، أَوْ مِنْ خَوْفِ دَوَاعِي الزِّنَا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَإِذَا خَافَ ذَلِكَ تَزَوَّجَ حِينَئِذٍ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَحَرَّى امْرَأَةً صَالِحَةً مِنْ بَيْتٍ صَالِحٍ يَغْلِبُ عَلَى بَيْتِهَا الْفَقْرُ لِتَرَى مَا يَأْتِي بِهِ إلَيْهَا كَثِيرًا، وَلِيَتَزَوَّجَ مِنْ مُقَارِبِهِ فِي السِّنِّ، وَلِيُتِمَّ نَقْصَهُ بِحُسْنِ الْأَخْلَاقِ وَبَذْلِ الْبَشَاشَةِ وَحُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ. وَإِنَّمَا نَهَى النَّاظِمُ الْفَقِيرَ عَنْ النِّكَاحِ مَعَ عِلْمِهِ بِفَضِيلَتِهِ، وَحَثَّ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَلَيْهِ فِي عِدَّةِ أَخْبَارٍ صَحِيحَةٍ، وَآثَارٍ مُرِيحَةٍ؛ وَالْأَمْرُ بِهِ فِي الْكِتَاب الْقَدِيمِ الْمُنَزَّلِ، عَلَى النَّبِيِّ الْكَرِيمِ الْمُرْسَلِ؛ لِأَنَّ الْفَقِيرَ إذَا تَزَوَّجَ اشْتَغَلَ بَالُهُ بِالنَّفَقَةِ وَتَحْصِيلِ الْمَعَاشِ، وَرُبَّمَا صَارَ صَاحِبَ عِيَالٍ فَيَضِيقُ عَلَيْهِ الْحَالُ وَلَا يَزَالُ يَحْتَالُ. فَإِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْحَلَالِ تَرَخَّصَ فِي تَنَاوُلِ الشُّبُهَاتِ؛ فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِضَعْفِ دِينِهِ.
وَرُبَّمَا مَدَّ يَدَهُ إلَى الْحَرَامِ، وَارْتَكَبَ الْآثَامَ، فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِهَلَاكِهِ. وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي نَجِيحٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ كَانَ مُوسِرًا لَأَنْ يَنْكِحَ ثُمَّ لَمْ يَنْكِحْ فَلَيْسَ مِنِّي» هَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ. وَأَبُو نَجِيحٍ تَابِعِيٌّ وَاسْمُهُ يَسَارٌ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتٌ وَهُوَ وَالِدُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ الْمَكِّيِّ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْفَقِيرَ لَا يُذَمُّ عَلَى عَدَمِ الزَّوَاجِ. فَالْمُؤْمِنُ إذَا عَلِمَ ضَعْفَهُ عَنْ الْكَسْبِ اجْتَهَدَ فِي التَّعَفُّفِ عَنْ النِّكَاحِ وَتَقْلِيلِ النَّفَقَةِ، لَا سِيَّمَا فِي هَذَا الزَّمَانِ، الَّذِي فَقَدْنَا فِيهِ الْمُعِينَ وَالْإِخْوَانَ.
فَلَا بَيْتُ مَالٍ مُنْتَظِمٍ؛ وَلَا خَلِيلٌ صَادِقُ الْمَوَدَّةِ فِي مَالِهِ نَتَوَسَّعُ وَنَحْتَكِمُ. فَلَيْسَ لِلْفَقِيرِ الذَّلِيلِ مِنْ صِدِّيقٍ وَلَا خَلِيلٍ إلَّا الصَّبْرَ الْجَمِيلَ وَالتَّوَكُّلَ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّهُ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
وَقَدْ كَانَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ يَتَفَقَّدُ أَكَابِرَ الْعُلَمَاءِ. فَقَدْ بَعَثَ إلَى مَالِكٍ بِأَلْفِ دِينَارٍ. وَإِلَى ابْنِ لَهِيعَةَ بِأَلْفِ دِينَارٍ. وَأَعْطَى عَمَّارَ بْنَ مَنْصُورٍ أَلْفَ دِينَارٍ