الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مغيبات فاستعدّ لها، والزمان متقلّب فاحذر دولته، لئيم الكرّة فخف سطوته، سريع الغرّة فلا تأمن سطوته.
واعلم أنه من لم يداو نفسه من سقام الآثام في أيام حياته، فما أبعده من الشفاء في دار لا دواء لها، ومن أذلّ حواسّه واستعبدها فيما يقدم من خير بان فضله، وظهر نبله، ومن لم يضبط نفسه وهي واحدة لم يضبط حواسّه وهي خمس، فإذا لم يضبط حواسّه مع قلّتها، ونفسه مع ذلّتها صعب عليه ضبط الأعوان مع كثرتهم وخشونة جانبهم، وكان عامّة الرعيّة في أقاصي البلاد وأطراف المملكة أبعد من الضبط «1»
ومنهم:
118- منكه الهندي
«13»
طبيب توقى به الأجسام، وتوفى بسببه خير الأقسام، لو عاد الهرم لأعاد عليه ثوب شبابه، وبدّل كفن المشيب بجلبابه، فأقرّ الأرواح في أجسادها، وعاد بالصّلاح على فسادها فقرّت استقرارا، وأزالت ضرارا، وصالحت الأبدان فلم تعد إلى منافرتها، ولم تبعد من مضافرتها، فأماطت عقابيل السقم «2» ، وجذبت بأعقاب الداء العياء، وقد التقم فوجدت به الصحة، وقد عزّ لقياها، وطالت المدة وقد يئس من بقياها.
قال ابن أبي أصيبعة:" كان علاما بالطب، حسن المعالجة لطيف التدبير، فيلسوفا من المشار إليهم في العلم، متقنا للغة الهند، ولغة الفرس، وهو الذي نقل كتاب" شاناق" في السموم- إلى الفارسية، وكان في زمان الرشيد، وأتى العراق في أيامه، ثم عرف العربية فكان ينقل إليها.
ومن أخبار الخلفاء أن الرشيد اعتلّ علّة صعبة لم يجد فيها طب الأطباء، فقال له أبو عمر الأعجمي: يا أمير المؤمنين!، بالهند طبيب يقال له: منكه هو أوحد عبّادهم وفلاسفتهم، فلو بعثت إليه لعلّ الله يهبك الشفاء على يده.
فجهّز من وصله صلة تعينه على سفره، وحمله إليه، فعالجه فبرأ فأجرى عليه رزقا واسعا، وأموالا كافية، ثم بينما هو مارّ بالخلد «1» ، إذا هو برجل قد بسط كساءه وألقى عليه عقاقير كثيرة، وقام يصف دواء معجونا. فقال: هذا دواء لكذا وكذا، وعدّد أسقاما كثيرة، وأدواء مختلفة، حتى لم يدع عارضا إلا ذكر أن ذلك الدواء شفاؤه. فتبسّم منكة ثم قال: على كل حال ملك العرب جاهل، لأنه إن كان الأمر على ما يقول هذا فما الذي حمله على أن حملني من بلادي إليه، وأبعدني عن أهلي، وتكلّف الكثير من مؤونتي، وهو يجد هذا نصب عينيه، وإزاء ناظره؟.
وإن كان على غير ما يقول فلم لا يقتله لأن الشريعة قد أباحت دم هذا ومن أشبهه لأنه إن قتل إنما هي نفس يحيا بموتها أنفس، وإن ترك وهذا الجهل قتل كل يوم أنفسا، وهذا فساد في الذهن، ووهن في الملك.