الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وداوم الاكتنان ببيت التدريس حتى ظهر.
قال ابن أبي أصيبعة- وقد ذكره-:" كان طبيبا، عالما، ماهرا. وكان أول أمره مقيما بالاسكندرية، لأنه كان المتولّي على التدريس بها من بعد الاسكندرانيين الذين تقدّم ذكرهم. وذلك عند ما كانت البلاد في ذلك الوقت لملوك النصارى، ثم إن المسلمين لما استولوا على البلاد، وملكوا الاسكندرية، أسلم ابن أبجر على يد عمر بن عبد العزيز، وكان حينئذ أميرا قبل أن تصل إليه الخلافة، وصحبه، فلما أفضت الخلافة إلى عمر- وذلك في صفر سنة تسع وتسعين للهجرة- نقل التدريس إلى أنطاكية، وحرّان، وتفرّق في البلاد، وكان عمر بن عبد العزيز يستطب ابن أبجر، ويعتمد عليه في صناعة الطب.
وروي عن ابن أبجر قال:" دع الدواء ما احتمل بدنك الداء". وهذا من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (سر بدائك ما حملك)«1» .
ومنهم:
55- ابن أثال
«13»
كتابيّ ضيّع أمانته، وباع بدنياه ديانته، كان لا يهاب اغتيال النفوس، واختتال «2» مهج الرءوس، طريقة خالف فيها شروط الأطباء، وخال أنه يخفيها عن آذان الأنباء، حتى قيلت فيه ملح الأشعار، ووسمت صيته بشنع العار، وبقيت عليه قبائحها، وذهب المعار.
قال ابن أبي أصيبعة:" كان طبيبا من الأطباء المتقدّمين في دمشق، نصراني
الدّين، ولما ملك معاوية بن أبي سفيان دمشق اصطفاه لنفسه، وأحسن إليه، وكان كثير الانقياد «1» له، والاعتقاد فيه، والمحادثة معه ليلا ونهارا.
وكان ابن أثال خبيرا بالأدوية المفردة والمركبة «2» ، وقواها، وما منهما سموم قواتل، وكان معاوية يقرّبه لذلك كثيرا، ومات في أيام معاوية جماعة كثيرة من أكابر الناس، والأمراء بالسم! «3» .
ومن ذلك: ما حدّثنا أبو عبد الله محمد بن الحسن بن محمد الكاتب البغدادي: أن معاوية لما أراد أن يظهر العقد ليزيد، قال لأهل الشام: إن أمير المؤمنين قد كبرت سنه، ورقّ جلده، ودقّ عظمه، واقترب أجله، يريد أن يستخلف عليكم، فمن ترون؟. فقالوا: عبد الرحمن بن خالد بن الوليد.
فسكت، وأضمرها، ودسّ ابن أثال النصراني الطبيب إليه فسقاه سمّا، فمات.
وبلغ ابن أخيه خالد بن المهاجر بن خالد بن الوليد خبره وهو بمكة، وكان اسوأ الناس رأيا في عمه، لأن أباه المهاجر كان مع عليّ- رضي الله عنه وكرّم وجهه- بصفّين، وكان عبد الرحمن بن خالد مع معاوية. وكان خالد بن المهاجر
على رأي أبيه، هاشمي المذهب. فلما قتل عمه عبد الرحمن مرّ به عروة بن الزبير، فقال له: يا خالد! أتدع لابن أثال نقي «1» أوصال عمك بالشام، وأنت بمكة مسبل إزارك تجرّه وتخطر فيه متخايلا؟.
فحمي خالد، ودعا مولى له، يقال له: نافع، فأعلمه الخبر، وقال له:" لا بدّ من قتل ابن أثال". وكان نافع جلدا شهما. فخرجا حتى قدما دمشق، وكان ابن أثال يتمسّى «2» عند معاوية، فجلس له في مسجد دمشق إلى أسطوانة، وجلس غلامه إلى أخرى حتى خرج.
فقال خالد لنافع: إياك أن تعرض له أنت، فإني أضربه. ولكن احفظ ظهري، واكفني من ورائي. [فإن رأيت شيئا يريدني من ورائي]«3» فشأنك".
فلما حاذاه وثب إليه خالد فقتله. وثار إليه من كان معه، فصاح بهم نافع فانفرجوا. ومضى خالد ونافع وتبعهما من كان معه، فلما غشوهما حملا عليهم فتفرقوا، حتى دخل خالد ونافع زقاقا ضيّقا ففاتا الناس.
وبلغ الخبر معاوية- رضي الله عنه فقال: هذا خالد بن المهاجر، انظروا الزقاق الذي دخل فيه. ففتش عليه وأتي به، فقال له: لا جزاك الله من زائر خيرا! قتلت طبيبي؟.
فقال: قتلت المأمور، وبقي الآمر!.
فقال: عليك لعنة الله، أما والله لو كان تشهّد مرة واحدة لقتلتك به.
أمعك نافع؟ قال: لا. قال: بلى- والله- ما اجترأت إلا به. ثم أمر بطلبه
فوجد، فأتي به، فضرب مائة سوط، ولم يهج خالدا بشيء أكثر من أن حبسه، وألزم بني مخزوم دية ابن أثال، أثني عشر ألف درهم، أدخل بيت المال منها ستة آلاف، وأخذ ستة آلف، فلم يزل ذلك يجري في دية المعاهد حتى ولي عمر بن عبد العزيز فأبطل الذي يأخذه السلطان، وأثبت الذي يدخل بيت المال.
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام البغدادي «1» ، في كتاب" الأمثال": إن معاوية بن أبي سفيان- رضي الله عنه كان خاف أن يميل الناس إلى عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، فاشتكى عبد الرحمن فسقاه الطبيب شربة عسل فيها سم! فأحرقته.
فعند ذلك قال معاوية- رضي الله عنه لا جدّ إلا ما أقعص عنك ما تكره «2» .
قال: وقال معاوية- رضي الله عنه أيضا حين بلغه أن الأشتر سقي شربة عسل فيها سمّ، فمات.:" إن لله جنودا منها العسل"«1» .
ونقلت من تاريخ أبي عبد الله محمد بن عمر الواقدي قال:" لما كان في سنة ثمان وثلاثين، بعث علي بن أبي طالب- رضي الله عنه وكرم الله وجهه- الأشتر واليا على مصر بعد قتل محمد بن أبي بكر، وبلغ معاوية- رضي الله عنه مسيره، فدسّ إلى دهقان «2» بالعريش، فقال: إن قتلت الأشتر فلك خراجك عشرين سنة.
فلطف له الدهقان، فقال: أيّ الشراب أحبّ إليه؟.
فقيل: العسل.
فقال: عندي عسل من عسل برقة «3» ، فسمّه وأتاه به، فشربه، فمات.
فبلغ ذلك معاوية، فقال: لليدين وللفم «4» .
وفي تاريخ الطبري:" أن الحسن بن علي رضي الله عنهما، مات مسموما في أيام معاوية- رضي الله عنه. وكان عند معاوية- كما قيل- دهاء، فدسّ إلى