المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌120- أبو الفرج جرجس بن توما بن سهل بن إبراهيم اليبرودي - مسالك الأبصار في ممالك الأمصار - جـ ٩

[ابن فضل الله العمري]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء التاسع]

- ‌[تراجم الحكماء والفلاسفة]

- ‌مقدمة المحقق

- ‌[المقدمة]

- ‌[من الحكماء المشارق]

- ‌1- أما (هرمس الأول)

- ‌2- وأما (هرمس الثاني)

- ‌3- وأما (هرمس الثالث) :

- ‌4- فيثاغورس

- ‌5- سقراط

- ‌6- أفلاطون

- ‌7- أرسطوطاليس

- ‌8- يعقوب بن إسحاق الكنديّ

- ‌9- أحمد بن الطّيّب السّرخسيّ

- ‌10- كنكه الهندي

- ‌11- صنجهل الهندي

- ‌12- أبو نصر الفارابيّ

- ‌13- يحيى بن عدي

- ‌14- أبو بكر محمّد بن زكريّاء الرّازيّ

- ‌15- أبو سليمان السّجستاني

- ‌16- ابن الخمّار

- ‌17- أبو الفرج بن هندو

- ‌18- الشيخ الرئيس أبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسين بن علي بن سينا

- ‌ومن رسائله:

- ‌[وصية ابن سينا]

- ‌ومن شعر الشيخ الرئيس قاله في النفس

- ‌19- أبو الفرج عبد الله بن الطيب

- ‌20- أبو المؤيد محمد بن محمد بن المجلي الجزري، المعروف بابن الصايغ

- ‌21- ابن الخطيب الرّازيّ، ابن خطيب الرّيّ، وهو: محمّد بن عمر بن الحسين، أبو عبد الله- الإمام فخر الدّين

- ‌22- القطب المصريّ وهو: إبراهيم بن عليّ بن محمّد السّلميّ أبو إسحاق

- ‌23- عبد اللّطيف البغدادي

- ‌24- ابن الخوييّ: أحمد بن الخليل بن سعادة بن جعفر بن عيسى، الشّافعيّ، شمس الدّين، أبو العبّاس

- ‌25- الرّفيع الجيليّ: أبو حامد، عبد العزيز بن عبد الواحد ابن إسماعيل بن عبد الهادي

- ‌26- الشّهاب السّهرورديّ المقتول: يحيى بن حبش بن أميرك

- ‌27- الخسرو شاهيّ: عبد الحميد بن عيسى، بن عمّويه، بن يونس، ابن خليل شمس الدّين، أبو محمّد، التبريزيّ، الشّافعيّ

- ‌29- البديع الاصطرلابيّ: وهو بديع الزّمان أبو القاسم هبة الله بن الحسين بن أحمد البغداديّ

- ‌31- النّصير الطّوسيّ: محمد بن محمد بن الحسن، نصير الدّين، أبو عبد الله، الطّوسيّ الفيلسوف

- ‌32- القطب الشّيرازيّ: [محمود بن مسعود بن مصلح الفارسيّ

- ‌33- الشّيخ صفيّ الدّين الهنديّ: [محمد بن عبد الرّحيم بن محمد الأرمويّ، أبو عبد الله، صفي الدين

- ‌34- علي بن إسماعيل بن يوسف الإمام العلامة القدوة العارف ذو الفنون الشيخ علاء الدين قاضي القضاة شيخ الشيوخ أبو الحسن القونوي التبريزي

- ‌35- القاضي جلال الدّين القزوينيّ، أبو المعالي محمد ابن القاضي سعد الدّين أبي القاسم عبد الرّحمن بن عمر بن أحمد الشّافعيّ الدّلفيّ

- ‌37- الشّيخ شمس الدّين الأصفهانيّ، وهو: محمود بن أبي القاسم بن أحمد، أبو الثّناء

- ‌ومن فلاسفة المغاربة، وحكمائها، ومتكلميها ممن كان بالأندلس:

- ‌38- يحيى بن يحيى، أبو بكر، المعروف بابن السّمينة

- ‌41- أبو الحكم الكرمانيّ: عمرو بن عبد الرّحمن بن أحمد بن عليّ

- ‌42- ابن واقد [الوزير، أبو المطرّف عبد الرّحمن بن محمّد بن عبد الكبير بن يحيى ابن واقد بن مهنّد اللّخميّ]

- ‌43- محمد بن يوسف المنجّم

- ‌45- المبشّر بن فاتك: وهو: الأمير محمود الدّولة أبو الوفاء الآمريّ

- ‌48- محمد بن إبراهيم المتطبب صلاح الدين المعروف بابن البرهان الجرائحي

- ‌49- ابن الأكفاني: محمد بن إبراهيم بن ساعد الأنصاريّ، شمس الدّين أبو عبد الله السّنجاريّ المولد والأصل، المصري الدار

- ‌فأما أول من استخرج الطب فرجلان:

- ‌50- اسقليبيوس بن ريوس

- ‌51- أيلق

- ‌أطباء العرب ممن كانوا في أول ظهور الإسلام ومن بعدهم

- ‌52- الحارث بن كلدة الثّقفيّ

- ‌53- النّضر بن الحارث بن كلدة

- ‌54- عبد الملك بن أبجر الكنانيّ

- ‌55- ابن أثال

- ‌56- أبو الحكم

- ‌57- حكم الدّمشقيّ

- ‌58- عيسى بن حكم الدّمشقيّ المعروف بالمسيح

- ‌59- تياذوق

- ‌60- زينب طبيبة بني أود

- ‌أطبّاء السّريان الكائنين في ابتداء الدولة العباسية:

- ‌61- جورجيس بن جبريل [بن يختيشوع]

- ‌63- جبريل بن بختيشوع بن جورجيس

- ‌64- بختيشوع بن جبريل بن بختيشوع

- ‌65- جبيرائيل بن عبيد الله بن بختيشوع

- ‌66- خصيب النصراني

- ‌67- عيسى المعروف بأبي قريش

- ‌68- ابن اللجلاج

- ‌69- عبد الله الطيفوري

- ‌70- إسرائيل بن زكريا الطيفوري

- ‌71- يزيد بن [زيد] بن يوحنّا

- ‌72- عبدوس بن زيد

- ‌73- ماسرجويه «طبيب البصرة»

- ‌74- سلمويه بن بنان «متطبّب المعتصم»

- ‌75- إبراهيم بن فزارون

- ‌76- إبراهيم بن أيوب الأبرش

- ‌78- يوحنّا بن ماسويه

- ‌79- ميخائيل بن ماسويه

- ‌80- حنين بن إسحاق العبادي

- ‌81- إسحاق بن حنين بن إسحاق العبادي أبو يعقوب

- ‌82- يوحنا بن بختيشوع

- ‌83- ثابت بن قرة الحرّاني، أبو الحسن

- ‌84- سنان بن ثابت بن قرة

- ‌85- ثابت بن إبراهيم بن زهرون الحراني

- ‌86- ابن وصيف الصابئ

- ‌87- غالب «طبيب المعتضد»

- ‌88- صاعد بن بشر بن عبدوس أبو منصور

- ‌89- ديلم

- ‌90- فنّون المتطبّب

- ‌91- نظيف- القسّ الرّومي

- ‌92- ابن بطلان، أبو الحسن المختار بن عبدون بن سعدون ابن بطلان النصراني

- ‌93- أحمد بن أبي الأشعث

- ‌94- أبو سهل النيلي. وهو: سعيد بن عبد العزيز

- ‌95- ابن الواسطي «طبيب المستظهر»

- ‌96- أبو طاهر البرخشي، أحمد بن محمد بن العباس

- ‌97- أبو غالب ابن صفية

- ‌98- أمين الدولة ابن التلميذ

- ‌99- معتمد الملك أبو الفرج يحيى بن صاعد بن يحيى بن التلميذ

- ‌100- أوحد الزمان وهو أبو البركات هبة الله بن علي بن ملكا البلدي ثم البغدادي

- ‌101- أبو القاسم هبة الله بن الفضل البغدادي

- ‌102- فخر الدين المارديني

- ‌103- أبو نصر المسيحي

- ‌104- أبو الفرج ابن توما

- ‌طبقات الأطباء ببلاد العجم

- ‌105- تياذورس

- ‌106- ربن الطبري

- ‌107- علي بن سهل بن ربن الطبري أبو الحسين

- ‌108- أحمد بن محمد الطبري

- ‌109- أبو منصور: الحسن بن نوح القمريّ

- ‌110- أبو سهل عيسى بن يحيى المسيحي الجرجاني

- ‌111- السيد أبو عبد الله محمد بن [يوسف] الإيلاقي

- ‌112- أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني

- ‌113- أحمد بن عبد الرحمن بن مندويه الأصبهاني، أبو علي

- ‌114- أبو القاسم عبد الرحمن بن علي ابن أحمد بن أبي صادق النيسابوري

- ‌115- السّموأل بن يحيى بن عباس

- ‌116- الشريف شرف الدين إسماعيل

- ‌أطبّاء الهند

- ‌117- شاناق الهندي

- ‌118- منكه الهندي

- ‌119- صالح بن بهلة الهندي

- ‌أطبّاء الشّام

- ‌120- أبو الفرج جرجس بن توما بن سهل بن إبراهيم اليبرودي

- ‌121- ظافر بن جابر السكري أبو حكيم

- ‌122- أبو الحكم عبيد الله بن المظفر بن عبد الله الباهلي

- ‌123- ابنه: أبو المجد [محمد] بن أبي الحكم؛ أفضل الدولة

- ‌124- ابن البذوخ: أبو جعفر بن موسى بن علي القلعي

- ‌125- حكيم الزمان أبو الفضل عبد المنعم بن عمر بن عبد الله بن حسان الغساني الجلياني

- ‌126- المهذّب ابن النقاش

- ‌127- سكرة اليهودي الحلبي

- ‌129- ابن اللبّودي: يحيى بن محمد بن عبدان بن عبد الواحد

- ‌130- الرضي الرحبي، يوسف بن حيدرة بن الحسن أبو الحجاج

- ‌131- الشرف علي شرف الدين أبو الحسن

- ‌132- عمران [بن صدقة] الإسرائيلي

- ‌133-[موفق الدين] يعقوب بن صقلاب النصراني

- ‌134- رشيد الدين الصوري أبو المنصور ابن أبي الفضل بن علي

- ‌136- صدقة بن منجا بن صدقة السامري

- ‌137- المهذب يوسف بن أبي سعيد بن خلف السامري

- ‌138- أمين الدولة أبو الحسن بن غزال بن أبي سعيد السامري

- ‌139- المهذّب الدّخوار: أبو محمد عبد الرحيم بن علي بن حامد

- ‌140- الرشيد علي بن حليقة بن يونس بن أبي القاسم بن خليقة الأنصاري الخزرجي

- ‌141- ابن قاضي بعلبك: المظفر بن عبد الرحمن بن إبراهيم

- ‌142- العماد الدّنيسري: محمد بن العباس بن أحمد بن عبيد الربعي أبو عبد الله

- ‌143- العز السويدي: إبراهيم بن محمد الأنصاري الأوسي، عز الدين أبو إسحاق

- ‌144- موفق الدين يعقوب السامري أبو يوسف يعقوب بن غنائم

- ‌145- أبو الفرج يعقوب بن إسحاق بن القف النصراني

- ‌146- المهذب يوسف كاتب الزردكاش

- ‌147- النفيس أبو الفرج ابن إسحاق بن أبي الخير السامري

- ‌148- الأمين سليمان الحكيم وهو سليمان بن داود

- ‌149- أحمد بن شهاب الدين أبو محمد الكحال الجرائحي

- ‌150- الفتح السامري: هو ابن يوسف بن إسحاق بن مسلم

- ‌151- غنائم السامري، وهو ابن المهذب يوسف كاتب الزردكاش

- ‌فأما أطباء الغرب بما وقع في جانبه من مصر والاسكندرية

- ‌152- إسحاق بن عمران

- ‌153- إسحاق بن سليمان الإسرائيلي أبو يعقوب

- ‌154- أحمد بن إبراهيم بن أبي خالد المعروف: بابن الجزار القيرواني أبو جعفر

- ‌155- حمدون أثا

- ‌156- يحيى بن إسحاق

- ‌157- أبو داود بن جلجل: وهو سليمان بن حسان المعروف بابن جلجل الحكيم

- ‌159- الغافقي: وهو أبو جعفر أحمد بن محمد بن سند

- ‌161- أبو محمد المصري

- ‌162- أبو الصلت أمية بن عبد العزيز بن أبي الصلت الداني

- ‌163- أبو مروان عبد الملك بن محمد بن مروان بن زهر الإيادي الإشبيلي

- ‌164- أبو العلاء زهر بن عبد الملك

- ‌165- ابنه أبو مروان ابن أبي العلاء، واسمه عبد الملك

- ‌166- أبو محمد ابن الحفيد أبي بكر بن زهر

- ‌167- أبو جعفر ابن الغزال

- ‌168- أبو العباس ابن الرومية، وهو أحمد بن محمد بن مفرّج النباتي

- ‌169- ابن الأصم

- ‌أما أطباء مصر:

- ‌170- بليطيان

- ‌171- سعيد بن توفيل

- ‌172- سعيد بن البطريق

- ‌173- التميمي: وهو أبو عبد الله محمد بن سعيد التميمي

- ‌174- ابن الهيثم: وهو أبو علي محمد بن الحسن بن الهيثم البصري ثم المصري

- ‌175- علي بن رضوان

- ‌176- افرائيم [بن الزفّان] الإسرائيلي

- ‌177- سلامة بن رحمون أبو الخير

- ‌178- بلمظفر ابن معرف: وهو نصر بن محمود بن المعرّف

- ‌179- أبو عمر وعثمان بن هبة الله بن أحمد بن عقيل القيسي جمال الدين

- ‌180- ابنه الفتح [فتح الدين بن جمال الدين بن أبي الحفائر]

- ‌181- ابنه المهذب [شهاب الدين ابن فتح الدين]

- ‌182- الخونجي: محمد بن ناماور أفضل الدين أبو عبد الله

- ‌183- أبو سليمان داود بن أبي المنى ابن فانة

- ‌184- ابنه: الموفق أبو شاكر موفق الدين

- ‌185- الرشيد أبو حليقة: وهو أبو الوحش ابن الفارس ابن أبي الخير بن أبي سليمان داود ابن أبي المنى ابن فانة

- ‌186- ابنه المهذب: أبو سعيد محمد بن أبي حليقة

- ‌187- أبو سعيد بن موفق الدين يعقوب

- ‌188- ابن البيطار: عبد الله بن أحمد المالقي النباتي، ضياء الدين أبو محمد

- ‌189- علي بن أبي الحزم: علاء الدين ابن النفيس القرشي الدمشقي

- ‌190- أحمد المغربي

- ‌191- السديد الدمياطي

- ‌192- فرج الله بن صغير

- ‌193- محمد بن صغير، ناصر الدين

- ‌مصادر التحقيق

- ‌الفهرست

الفصل: ‌120- أبو الفرج جرجس بن توما بن سهل بن إبراهيم اليبرودي

منهم:

‌120- أبو الفرج جرجس بن توما بن سهل بن إبراهيم اليبرودي

«13»

من النصارى اليعاقبة، رجل اهتم لسعادته، وتكلّم فأصاب فما خرج عن عادته، شكر بين الأطباء، وذكر ذكر الألبّاء، انتقل إلى الحاضرة «1» ، واشتغل بالمعالجة الحاضرة، وكان إذا دعي لتطبيب العلل طبّبها بما يقلّ لبثها، ويقلل بثّها «2» ، ويعجل للأجسام بإعادة صحتها، ويرخص لها ما يسام من عادة منحتها، فينهض من جدها العاثر، ويؤثر فيها ما يشاء الآثر، ولم يتعوّد طول العيادة، ولا غرابة الدواء خلاف العادة.

قال ابن أبي أصيبعة:" كان فاضلا في صناعة الطب، عالما بأصولها وفروعها، معدودا من جملة الأكابر من أهلها، والمتميزين في أربابها، دائم الاشتغال، محبا للعلم، مؤثرا للفضيلة.

حدّثني شرف الدين ابن عنين «3» - رحمه الله تعالى- أن اليبرودي كان لا يمل من الاشتغال ولا يسأم منه. قال: وكان أبدا في سائر أوقاته لا يوجد إلا ومعه كتاب ينظر فيه.

ص: 491

وحدّثني بعض النصارى بدمشق- وهو السني البعلبكي الطبيب- قال:

كان مولد اليبرودي ومنشؤه بيبرود، وهي ضيعة كبيرة من صيدنايا، وبها نصارى كثيرون، وكان اليبرودي بها كسائر أهلها النصارى من معاناتهم الفلاحة، وما يصنعه الفلاحون، وكان أيضا يجمع الشيح «1» من نواحي دمشق القريبة من جهته، ويحمله على دابّة، ويأتي به إلى داخل دمشق يبيعه للذين يقدونه بالأفران وغيرها، وإنه لما كان في بعض المرّات وقد عبر من باب توما، ومعه حمل شيح، رأى شيخا من المتطبّبين وهو يفصد إنسانا قد حصل له رعاف شديد من الناحية المسامتة للموضع الذي ينبعث منه الدم، فوقف ينظر إليه وقال له: لم تفصد هذا ودمه يجري بأكثر مما يحتاج إليه؟.

فعرفه أنه إنما فعله لينقطع عنه الدم الذي ينبعث من أنفه لكونه يجذبه إلى مسامتة الجهة التي ينبعث منها.

فقال له: إذا كان الأمر هكذا فإننا في مواضعنا قد اعتدنا أنه متى كان نهر جار، وأردنا أن نقطع الماء عنه، فإنا نجعل له مسيلا إلى ناحية أخرى غير مسامتة، فينقطع من ذلك الموضع ويعود إلى الموضع الآخر. فأنت لم لا تفعل هكذا، وتفصده من الناحية الأخرى؟.

ففعل ذلك وانقطع الرعاف عن الرجل، وقال ذلك الطبيب لليبرودي: لو أنك تشتغل بصناعة الطب جاء منك طبيب حاذق.

فمال اليبرودي إلى قوله، وتاقت نفسه إلى العلم، وبقي متردّدا إلى الشيخ في أوقات وهو يعرفه، ويريه أشياء من المداواة، ثم إنه ترك يبرود وما كان يعانيه وأقام بدمشق يتعلّم أشياء من المداواة، وصناعة الطب، فلما تبصّر في أشياء

ص: 492

منها، وصارت له معرفة بالقوانين العلمية، حاول مداواة المرضى، ورأى اختلاف الأمراض وأسبابها، وعاماتها، وتيقّن علاجاتها، سأل عمّن هو إمام في وقته بمعرفة صناعة الطب جيدا؟.

فذكروا له أنّ ببغداد أبا الفرج ابن الطيّب كاتب الجاثليق، وإنه فيلسوف متفنّن، وله خبرة وفضل في صناعة الطب، وفي غيرها من الصنائع الحكمية.

فتأهّب للسفر، وأخذ سوارا كان لأمّه لينفقه، وتوجّه إلى بغداد، وصار ينفق عليه ما يقوم بأوده، ويشتغل على ابن الطيب إلى أن مهر في صناعته، وصارت له مباحثات جيدة، ودربة فاضلة في هذه الصناعة، واشتغل أيضا بشىء من المنطق والعلوم الحكمية، ثم عاد إلى دمشق وأقام بها.

ونقلت هذه الحكاية المتقدمة أو قريبا منها، وإن كانت الرواية مختلفة عن شيخنا الحكيم مهذّب الدين أسعد بن إلياس ابن المطران، قال: حدّثني أبي، قال: حدثني أبو الفرج ابن الحديد، قال: كان بدمشق فاصدا يقال له: أبو الخير، ولم يكن من المهرة، وكان من أمره أنه فصد شابّا، فوقعت الفصدة في الشريان، فتحير وتبلّد، وطلب قطع الدم، فلم يقدر على ذلك، فاجتمع الناس عليه، ففي أثناء ذلك طلع صبيّ عليه وقال: يا عماه! افصده في اليد الأخرى!.

فقال: شدّ الفصد الأول. فشدّه ووضع عليه لازوقا كان عنده، وشدّه. فوقف الدم وانقطع الجميع.

ووجد الصبي بالسوق معه دابة عليها حمل شيح، فتشبّث به، وقال: من أين لك ما أعلمتني به؟.

قال: إن أبي في وقت سقي الكرم إذا انفتح شق من النهر وخرج الماء منه بحدّة لا يقدر على إمساكه دون أن يفتح فتحا آخر ينقص منه الماء الأول الواصل

ص: 493

إلى ذلك الشق، ثم يسده بعد ذلك.

قال: فمنعه الجرائحي من بيع الشيح واقتطعه، وعلّمه الطب، وكان منه اليبرودي، وهو من مشاهير الأطباء الفضلاء.

وكان لليبرودي مراسلات إلى ابن رضوان بمصر، وإلى غيره من الأطباء المصريين، وله إليهم مسائل عدة طبية، ومباحث دقيقة، وكتب بخطه شيئا كثيرا من الطب، ولا سيما من كتب جالينوس، وشروحها، وجوامعها.

وحدّثني السني البعلبكي: أن اليبرودي عبر يوما في سوق جيرون بدمشق «1» ، فرأى إنسانا وقد بايع على أن يأكل أرطالا من لحم الفرس مسلوقة، مما يباع في السوق، فلما رآه وقد أمعن في أكله بأكثر مما تحمله قوته، ثم شرب بعده فقاعا كثيرا «2» ، وماء بثلج، واضطربت أحواله، فتفرّس فيه أنه لا بدّ أن يغمى عليه، وأن يكون في حالة أقرب إلى الموت، إن لم يتلاحق، فتبعه إلى المنزل الذي له، واستشرف إلى ماذا يؤول أمره، فلم يكن إلا أيسر وقت وأهله يصيحون ويضجّون بالبكاء، ويزعمون أنه قد مات فأتى إليهم، وقال: أنا أبريه، وما عليه بأس. ثم إنه أخذه إلى حمّام قريب من ذلك، وفتح فكيه كرها، ثم سكب في حلقه ماء حارا، وقد أضاف إليه أدوية مقوية للقيء، وقيّأه برفق، ثم عاله، وتلطّف في مداواته حتى أفاق وعاد إلى صحته، فتعجّب الناس منه في ذلك الفعل، وحسن تأنّيه إلى مداواة ذلك الرجل، واشتهرت عنه هذه القضية، وتميّز بعدها.

ص: 494

وهذه الحكاية التي قصد اليبرودي أن يتتبّع أحوال الرجل فيها، ويشاهد ما يكون من أمره أن يكون عنده معرفة بالأعراض التي تحدث له، وأن ينقذه أيضا مما وقع فيه إن أمكنه معالجته.

ومثل ذلك أيضا ما حكاه أبو جعفر أحمد بن محمد بن الأشعث في كتاب" الغاذي والمغتذي" وذلك أنه قال: إن إنسانا رأيته يوما وقد بايع أن يأكل جزر قدّره بحدّ ما، فحضرت أكله لأرى ما يكون من حاله لا رغبة مني لمجالسة من هذه حاله، ولا لي بذلك عادة والحمد لله، بل لأرى إيراد الغذاء على المعدة قسرا إلى ماذا يكون هذا الفعل، فرأيته يأكل من حائط ليري من حوله ويضاحكهم، حتى إذا مرّ على الكثير مما كان بين يديه، فرأيت الجزر ممضوغا قد خرج من حلقه، ملتفا، متحبلا، متعجبنا بريقه، وقد جحظت عيناه، وانقطع نفسه، واحمرّ لونه، ودرّت أوداجه وعروق رأسه، وأزبد، وكمد وجهه، وعرض له من التهوّع «1» أكثر مما عرض له من القذف، حتى رمى من ذلك الذي أكله شيئا كثيرا، فركنت «2» أن انقطاع نفسه لدفع المعدة حجابه إلى نحو الفم، ومنعها إياه من الرجوع إلى الانبساط إلى النفس، وأما ما عرض إلى لونه من الاحمرار، ودرور وداجيه وعروقه، فزكنت «3» أنه لإقبال الطبيعة نحو رأسه، كما يعرض لمن شدّ يده للفصد، أن تقبل الطبيعة نحو الجهة التي استنهضت نحوها.

ص: 495

فأما ما عرض لوجهه من الاربداد «1» والكهوبة «2» ، فرأيت أيضا أنه لسوء مزاج قلبه، وأنه لو لم يخرج ما خرج، ودافعت المعدة حجابه هذه المدافعة التي قد عاقته آلته من التنفس، عرض له الموت بالاختناق، كما قد رأينا ذلك في عدد كثير ماتوا بعقب القذف، فزكنت من ذلك أن التهوّع لشدة اضطراب في ذلك الفصل، وحسن تأتيه، ونقي المعدة.

قال ابن أبي الأشعث بعد ذلك: إن الغذاء إذا حصل في المعدة وهو كثير الكمية تمدّدت تمدّدا يبسط سائر غضونها، كما رأيت ذلك في سبع شرّحته حيا بحضرة الأمير الغضنفر، وقد استصغر بعض الحاضرين معدته، فتقدمت بصب الماء في فيه، فما زلنا نصب الماء في حلقه دورقا «3» بعد أخرى، حتى عددنا من الدواريق عددا كان مقدار ما حوت معدته نحو أربعين رطلا ماء، فنظرت إذ ذاك إلى الطبقة الداخلة وقد امتدت حتى صارت له سطحا مستويا ليس بدون استواء الخارج، ثم شققتها، فعندما اجتمعت عند خروج الماء منها عاد غضون الداخلة والبواب يشهد الله في جميع ذلك، لا يرسل نفسه.

وحدثني الشيخ مهذّب الدين عبد الرحيم بن علي قال: حدثني موفق الدين ابن أسعد بن إلياس ابن المطران قال: حدثني أبي عن خالي أبي الفرج بن حيان، قال: حدثني أبو الكرم الطبيب قال: كنت يوما أساير الشيخ أبا الفرج اليبرودي،

ص: 496

إذ اعترضه رجل فقال: يا سيدي!، كنت في صناعتي هذه في الحمام، وحلقت رأسي، وأجد الآن في وجهي كله انتفاخا وحرارة عظيمة. قال: فنظرنا إلى وجهه يربو وينتفخ، وتزيد حمرته بغير توقف ولا تدريج.

قال: فأمره أن يكشف رأسه ويلقى به الماء الجاري من قناة كانت بين يديه، وكان الزمان إذ ذاك صميم الشتاء، وغاية البرد، ثم لم يزل واقفا حتى بلغ ما أراد مما أمر به، ثم أمر الرجل بالانصراف، وأشار إليه بالأوفق، وهو تلطيف التدبير واستعمال النقوع الحامض مبردا، وقطع الزّفر، قال: فامتنع أن يحدث له شرّ ما.

وقال الطرطوشي في كتاب" سراج الملوك"«1» : حدثني بعض الشاميّين، أن رجلا خبازا بينما هو يخبز في تنّوره بدمشق، إذ عبر عليه رجل يبيع المشمش، فاشترى منه، وجعل يأكله بالخبز الحار. فلما فرغ سقط مغشيا عليه، فنظروا، فإذا هو ميت!؛ فجعلوا يتربصون به، ويحملون له الأطباء، فيلتمسون دلائله، ومواضع الحياة منه، فلم يجدوا؛ فقضوا بموته، فغسل وكفّن، وصلّي عليه، وخرجوا به إلى الجبانة، فبينما هم في الطريق على باب البلد إذ استقبلهم رجل طبيب يقال له اليبرودي، وكان طبيبا ماهرا حاذقا، فاضلا عارفا بالطب، فسمع الناس يلهجون بقضيته، فقال: حطّوه حتى أراه!.

فوضعوه، فجعل يقلبه، وينظر في أمارات الحياة التي يعرفها، ثم فتح فمه وسقاه شيئا، أو قال: حقنه، فاندفع هناك، فإذا الرجل قد فتح عينيه، وتكلم، وعاد إلى حانوته كما كان!!.

وحدّثني الشيخ مهذّب الدين عبد الرحيم بن علي عن موفق الدين أسعد بن

ص: 497