الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنهم:
14- أبو بكر محمّد بن زكريّاء الرّازيّ
«13»
لم يبق علم ما أتى منه بجذوة، ولا عالم إلا ولديه حبوة، تفنن في أنواع العلوم، فقرأ منها ما أوقر حمل خاطره، وملأ إناء ماطره. وكان فكره المقترح شرر زناد، ونظره الملتمح شرك ازدياد، وفضله المنوّع جمّ المذاهب، وجماع المحاسن الذواهب. وأكثر النقل يقف عنده سلسلته، وأعمق المشكل به تعرف مسألته.
قال ابن أبي أصيبعة:" مولده ومنشؤه بالري «1» ، وسافر إلى بغداد وأقام بها مدة، وكان نهما في العلوم العقلية، مشتغلا بها، وتعلم الأدب، ونظم الشعر".
قال:" وكان سبب تعلمه الطب أنه لما أتى مدينة السلام دخل البيمارستان العضدي «2» ، فرأى الصيدلاني به، فسأله عن الأدوية ومن كان المظهر لها؟ فقال
له: إن أول ما عرف منها:" حي العالم"«1» ، وذلك أن رجلا كان به ورم حار في ذراعه، فلما أشفى منه ارتاح إلى الخروج إلى شاطئ نهر، فحمل إليه، وكان عليه نباته، فوضع يده عليه تبرّدا به، فخفّ ألمه بذلك، فاستطال وضعها عليه، ثم أصبح ففعل ذلك، فبرأ، فلما رأى الناس سرعة برئه، علموا أنه إنما كان بما وضع يده عليه، فسموه:" حياة العالم"[وتداولته الألسن وخففته وسمي: حي العالم"] . ثم جففوه، ثم لم يزل الرازي يسأل حتى حسن له التعليم فتعلّم".
قال:" والذي صحّ عندي أن الرازي كان أقدم زمانا من عضد الدولة بن بويه، وإنما كان تردده إلى المارستان قبل أن يجدد"«2» .
وقال ابن جلجل:" إن الرازي كان في ابتداء أمره يضرب بالعود، ثم أكب على النظر في الفلسفة والطب، فبرع براعة المتقدمين".
وقال ابن صاعد:" إنما لم يوغل في العلم الإلهي ولا فهم غرضه الأقصى، فاضطرب رأيه وتقلّد آراء سخيفة، وانتحل مذاهب خبيثة، وذمّ أقواما لم يفهم
عنهم، ولا اهتدى لسبيلهم" «1» .
وكان يتنقل في البلدان، وكان كريما متفضلا بارّا بالناس، محسنا إلى الفقراء، يجري عليهم الجرايات الواسعة، ويمرّضهم، وكان لا يفارق التسويد والتبييض، وكان في بصره رطوبة لكثرة أكل الباقلاء، ثم عمي آخر عمره".
قال التنوخي «2» :" إن غلاما قدم الري وهو ينفث الدم، فأحضر إليه الرازي، فلم تظهر له علائم سل «3» ولا قرحة «4» . فسأله: متى بدأ به المرض؟. فقال: من الطريق. فسأله: عن المياه التي شربها في طريقه؟. فأخبره أنها من الصهاريج «5» ، ومستنقعات الأرض. فوقع في نفس الرازي أنه ابتلع علقة، وأن نفث الدم منها.
فقال له: إذا كان في غد، جئتك فداويتك، ثم لا أنصرف عنك حتى تبرأ، بشرط أن تأمر غلمانك أن يطيعوني فيك بما آمرهم. فقال: نعم. فلما أصبح أتاه بطحلب «6» كثير، وقال له: ابتلع هذا!، فابتلع يسيرا، ثم قال: لا أستطيع.
فأمر الغلمان بأن ينيّموه على قفاه، ويفتحوا فاه، ثم جعل يبلعه الطحلب كرها، ويطالبه ببلعه، والرجل يستغيث!، والرازي لا يكف، إلى أن ذرع «1» الرجل القيء، فقذف ما في جوفه، وإذا به قد اعتلقت به علقة، لأن الطحلب لما وصل إليها قرمت «2» إليه بالطبع، والتفّت عليه. ثم قام الرجل معافى.
وقال ابن معرّف «3» :" كان الرازي يقول: أنا لا أسمي فيلسوفا إلا من علم صناعة الكيمياء، لأنه يكون قد استغنى عن [التكسب من أوساخ] الناس، وتنّزه عما في أيديهم، [ولم يحتج إليهم] ."
وحكي أن الوزير أكل عند الرازي أطعمة استطابها، فتحيّل في مشتري طباخته ثم لم يجد بطبيخها له ما في نفسه، فسألها عن السبب؟ فأخبرته أن قدور الرازي، وما عونه كله ذهب وفضة!. فسأله أن يعلمه علم الكيمياء.
فأنكره، فخنقه بوتر «4» .
ومن كلامه قوله:" الحقيقة في الطب غاية لا تدرك، والعلاج [بما تنصه] الكتب دون إعمال الماهر الحكيم برأيه خطر".
وقوله:" العمر يقصر عن الوقوف على فعل كل نبات في الأرض، فعليك بالأشهر مما أجمع عليه، [ودع الشاذ] ، واقتصر على ما جرّبت".