المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌64- بختيشوع بن جبريل بن بختيشوع - مسالك الأبصار في ممالك الأمصار - جـ ٩

[ابن فضل الله العمري]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء التاسع]

- ‌[تراجم الحكماء والفلاسفة]

- ‌مقدمة المحقق

- ‌[المقدمة]

- ‌[من الحكماء المشارق]

- ‌1- أما (هرمس الأول)

- ‌2- وأما (هرمس الثاني)

- ‌3- وأما (هرمس الثالث) :

- ‌4- فيثاغورس

- ‌5- سقراط

- ‌6- أفلاطون

- ‌7- أرسطوطاليس

- ‌8- يعقوب بن إسحاق الكنديّ

- ‌9- أحمد بن الطّيّب السّرخسيّ

- ‌10- كنكه الهندي

- ‌11- صنجهل الهندي

- ‌12- أبو نصر الفارابيّ

- ‌13- يحيى بن عدي

- ‌14- أبو بكر محمّد بن زكريّاء الرّازيّ

- ‌15- أبو سليمان السّجستاني

- ‌16- ابن الخمّار

- ‌17- أبو الفرج بن هندو

- ‌18- الشيخ الرئيس أبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسين بن علي بن سينا

- ‌ومن رسائله:

- ‌[وصية ابن سينا]

- ‌ومن شعر الشيخ الرئيس قاله في النفس

- ‌19- أبو الفرج عبد الله بن الطيب

- ‌20- أبو المؤيد محمد بن محمد بن المجلي الجزري، المعروف بابن الصايغ

- ‌21- ابن الخطيب الرّازيّ، ابن خطيب الرّيّ، وهو: محمّد بن عمر بن الحسين، أبو عبد الله- الإمام فخر الدّين

- ‌22- القطب المصريّ وهو: إبراهيم بن عليّ بن محمّد السّلميّ أبو إسحاق

- ‌23- عبد اللّطيف البغدادي

- ‌24- ابن الخوييّ: أحمد بن الخليل بن سعادة بن جعفر بن عيسى، الشّافعيّ، شمس الدّين، أبو العبّاس

- ‌25- الرّفيع الجيليّ: أبو حامد، عبد العزيز بن عبد الواحد ابن إسماعيل بن عبد الهادي

- ‌26- الشّهاب السّهرورديّ المقتول: يحيى بن حبش بن أميرك

- ‌27- الخسرو شاهيّ: عبد الحميد بن عيسى، بن عمّويه، بن يونس، ابن خليل شمس الدّين، أبو محمّد، التبريزيّ، الشّافعيّ

- ‌29- البديع الاصطرلابيّ: وهو بديع الزّمان أبو القاسم هبة الله بن الحسين بن أحمد البغداديّ

- ‌31- النّصير الطّوسيّ: محمد بن محمد بن الحسن، نصير الدّين، أبو عبد الله، الطّوسيّ الفيلسوف

- ‌32- القطب الشّيرازيّ: [محمود بن مسعود بن مصلح الفارسيّ

- ‌33- الشّيخ صفيّ الدّين الهنديّ: [محمد بن عبد الرّحيم بن محمد الأرمويّ، أبو عبد الله، صفي الدين

- ‌34- علي بن إسماعيل بن يوسف الإمام العلامة القدوة العارف ذو الفنون الشيخ علاء الدين قاضي القضاة شيخ الشيوخ أبو الحسن القونوي التبريزي

- ‌35- القاضي جلال الدّين القزوينيّ، أبو المعالي محمد ابن القاضي سعد الدّين أبي القاسم عبد الرّحمن بن عمر بن أحمد الشّافعيّ الدّلفيّ

- ‌37- الشّيخ شمس الدّين الأصفهانيّ، وهو: محمود بن أبي القاسم بن أحمد، أبو الثّناء

- ‌ومن فلاسفة المغاربة، وحكمائها، ومتكلميها ممن كان بالأندلس:

- ‌38- يحيى بن يحيى، أبو بكر، المعروف بابن السّمينة

- ‌41- أبو الحكم الكرمانيّ: عمرو بن عبد الرّحمن بن أحمد بن عليّ

- ‌42- ابن واقد [الوزير، أبو المطرّف عبد الرّحمن بن محمّد بن عبد الكبير بن يحيى ابن واقد بن مهنّد اللّخميّ]

- ‌43- محمد بن يوسف المنجّم

- ‌45- المبشّر بن فاتك: وهو: الأمير محمود الدّولة أبو الوفاء الآمريّ

- ‌48- محمد بن إبراهيم المتطبب صلاح الدين المعروف بابن البرهان الجرائحي

- ‌49- ابن الأكفاني: محمد بن إبراهيم بن ساعد الأنصاريّ، شمس الدّين أبو عبد الله السّنجاريّ المولد والأصل، المصري الدار

- ‌فأما أول من استخرج الطب فرجلان:

- ‌50- اسقليبيوس بن ريوس

- ‌51- أيلق

- ‌أطباء العرب ممن كانوا في أول ظهور الإسلام ومن بعدهم

- ‌52- الحارث بن كلدة الثّقفيّ

- ‌53- النّضر بن الحارث بن كلدة

- ‌54- عبد الملك بن أبجر الكنانيّ

- ‌55- ابن أثال

- ‌56- أبو الحكم

- ‌57- حكم الدّمشقيّ

- ‌58- عيسى بن حكم الدّمشقيّ المعروف بالمسيح

- ‌59- تياذوق

- ‌60- زينب طبيبة بني أود

- ‌أطبّاء السّريان الكائنين في ابتداء الدولة العباسية:

- ‌61- جورجيس بن جبريل [بن يختيشوع]

- ‌63- جبريل بن بختيشوع بن جورجيس

- ‌64- بختيشوع بن جبريل بن بختيشوع

- ‌65- جبيرائيل بن عبيد الله بن بختيشوع

- ‌66- خصيب النصراني

- ‌67- عيسى المعروف بأبي قريش

- ‌68- ابن اللجلاج

- ‌69- عبد الله الطيفوري

- ‌70- إسرائيل بن زكريا الطيفوري

- ‌71- يزيد بن [زيد] بن يوحنّا

- ‌72- عبدوس بن زيد

- ‌73- ماسرجويه «طبيب البصرة»

- ‌74- سلمويه بن بنان «متطبّب المعتصم»

- ‌75- إبراهيم بن فزارون

- ‌76- إبراهيم بن أيوب الأبرش

- ‌78- يوحنّا بن ماسويه

- ‌79- ميخائيل بن ماسويه

- ‌80- حنين بن إسحاق العبادي

- ‌81- إسحاق بن حنين بن إسحاق العبادي أبو يعقوب

- ‌82- يوحنا بن بختيشوع

- ‌83- ثابت بن قرة الحرّاني، أبو الحسن

- ‌84- سنان بن ثابت بن قرة

- ‌85- ثابت بن إبراهيم بن زهرون الحراني

- ‌86- ابن وصيف الصابئ

- ‌87- غالب «طبيب المعتضد»

- ‌88- صاعد بن بشر بن عبدوس أبو منصور

- ‌89- ديلم

- ‌90- فنّون المتطبّب

- ‌91- نظيف- القسّ الرّومي

- ‌92- ابن بطلان، أبو الحسن المختار بن عبدون بن سعدون ابن بطلان النصراني

- ‌93- أحمد بن أبي الأشعث

- ‌94- أبو سهل النيلي. وهو: سعيد بن عبد العزيز

- ‌95- ابن الواسطي «طبيب المستظهر»

- ‌96- أبو طاهر البرخشي، أحمد بن محمد بن العباس

- ‌97- أبو غالب ابن صفية

- ‌98- أمين الدولة ابن التلميذ

- ‌99- معتمد الملك أبو الفرج يحيى بن صاعد بن يحيى بن التلميذ

- ‌100- أوحد الزمان وهو أبو البركات هبة الله بن علي بن ملكا البلدي ثم البغدادي

- ‌101- أبو القاسم هبة الله بن الفضل البغدادي

- ‌102- فخر الدين المارديني

- ‌103- أبو نصر المسيحي

- ‌104- أبو الفرج ابن توما

- ‌طبقات الأطباء ببلاد العجم

- ‌105- تياذورس

- ‌106- ربن الطبري

- ‌107- علي بن سهل بن ربن الطبري أبو الحسين

- ‌108- أحمد بن محمد الطبري

- ‌109- أبو منصور: الحسن بن نوح القمريّ

- ‌110- أبو سهل عيسى بن يحيى المسيحي الجرجاني

- ‌111- السيد أبو عبد الله محمد بن [يوسف] الإيلاقي

- ‌112- أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني

- ‌113- أحمد بن عبد الرحمن بن مندويه الأصبهاني، أبو علي

- ‌114- أبو القاسم عبد الرحمن بن علي ابن أحمد بن أبي صادق النيسابوري

- ‌115- السّموأل بن يحيى بن عباس

- ‌116- الشريف شرف الدين إسماعيل

- ‌أطبّاء الهند

- ‌117- شاناق الهندي

- ‌118- منكه الهندي

- ‌119- صالح بن بهلة الهندي

- ‌أطبّاء الشّام

- ‌120- أبو الفرج جرجس بن توما بن سهل بن إبراهيم اليبرودي

- ‌121- ظافر بن جابر السكري أبو حكيم

- ‌122- أبو الحكم عبيد الله بن المظفر بن عبد الله الباهلي

- ‌123- ابنه: أبو المجد [محمد] بن أبي الحكم؛ أفضل الدولة

- ‌124- ابن البذوخ: أبو جعفر بن موسى بن علي القلعي

- ‌125- حكيم الزمان أبو الفضل عبد المنعم بن عمر بن عبد الله بن حسان الغساني الجلياني

- ‌126- المهذّب ابن النقاش

- ‌127- سكرة اليهودي الحلبي

- ‌129- ابن اللبّودي: يحيى بن محمد بن عبدان بن عبد الواحد

- ‌130- الرضي الرحبي، يوسف بن حيدرة بن الحسن أبو الحجاج

- ‌131- الشرف علي شرف الدين أبو الحسن

- ‌132- عمران [بن صدقة] الإسرائيلي

- ‌133-[موفق الدين] يعقوب بن صقلاب النصراني

- ‌134- رشيد الدين الصوري أبو المنصور ابن أبي الفضل بن علي

- ‌136- صدقة بن منجا بن صدقة السامري

- ‌137- المهذب يوسف بن أبي سعيد بن خلف السامري

- ‌138- أمين الدولة أبو الحسن بن غزال بن أبي سعيد السامري

- ‌139- المهذّب الدّخوار: أبو محمد عبد الرحيم بن علي بن حامد

- ‌140- الرشيد علي بن حليقة بن يونس بن أبي القاسم بن خليقة الأنصاري الخزرجي

- ‌141- ابن قاضي بعلبك: المظفر بن عبد الرحمن بن إبراهيم

- ‌142- العماد الدّنيسري: محمد بن العباس بن أحمد بن عبيد الربعي أبو عبد الله

- ‌143- العز السويدي: إبراهيم بن محمد الأنصاري الأوسي، عز الدين أبو إسحاق

- ‌144- موفق الدين يعقوب السامري أبو يوسف يعقوب بن غنائم

- ‌145- أبو الفرج يعقوب بن إسحاق بن القف النصراني

- ‌146- المهذب يوسف كاتب الزردكاش

- ‌147- النفيس أبو الفرج ابن إسحاق بن أبي الخير السامري

- ‌148- الأمين سليمان الحكيم وهو سليمان بن داود

- ‌149- أحمد بن شهاب الدين أبو محمد الكحال الجرائحي

- ‌150- الفتح السامري: هو ابن يوسف بن إسحاق بن مسلم

- ‌151- غنائم السامري، وهو ابن المهذب يوسف كاتب الزردكاش

- ‌فأما أطباء الغرب بما وقع في جانبه من مصر والاسكندرية

- ‌152- إسحاق بن عمران

- ‌153- إسحاق بن سليمان الإسرائيلي أبو يعقوب

- ‌154- أحمد بن إبراهيم بن أبي خالد المعروف: بابن الجزار القيرواني أبو جعفر

- ‌155- حمدون أثا

- ‌156- يحيى بن إسحاق

- ‌157- أبو داود بن جلجل: وهو سليمان بن حسان المعروف بابن جلجل الحكيم

- ‌159- الغافقي: وهو أبو جعفر أحمد بن محمد بن سند

- ‌161- أبو محمد المصري

- ‌162- أبو الصلت أمية بن عبد العزيز بن أبي الصلت الداني

- ‌163- أبو مروان عبد الملك بن محمد بن مروان بن زهر الإيادي الإشبيلي

- ‌164- أبو العلاء زهر بن عبد الملك

- ‌165- ابنه أبو مروان ابن أبي العلاء، واسمه عبد الملك

- ‌166- أبو محمد ابن الحفيد أبي بكر بن زهر

- ‌167- أبو جعفر ابن الغزال

- ‌168- أبو العباس ابن الرومية، وهو أحمد بن محمد بن مفرّج النباتي

- ‌169- ابن الأصم

- ‌أما أطباء مصر:

- ‌170- بليطيان

- ‌171- سعيد بن توفيل

- ‌172- سعيد بن البطريق

- ‌173- التميمي: وهو أبو عبد الله محمد بن سعيد التميمي

- ‌174- ابن الهيثم: وهو أبو علي محمد بن الحسن بن الهيثم البصري ثم المصري

- ‌175- علي بن رضوان

- ‌176- افرائيم [بن الزفّان] الإسرائيلي

- ‌177- سلامة بن رحمون أبو الخير

- ‌178- بلمظفر ابن معرف: وهو نصر بن محمود بن المعرّف

- ‌179- أبو عمر وعثمان بن هبة الله بن أحمد بن عقيل القيسي جمال الدين

- ‌180- ابنه الفتح [فتح الدين بن جمال الدين بن أبي الحفائر]

- ‌181- ابنه المهذب [شهاب الدين ابن فتح الدين]

- ‌182- الخونجي: محمد بن ناماور أفضل الدين أبو عبد الله

- ‌183- أبو سليمان داود بن أبي المنى ابن فانة

- ‌184- ابنه: الموفق أبو شاكر موفق الدين

- ‌185- الرشيد أبو حليقة: وهو أبو الوحش ابن الفارس ابن أبي الخير بن أبي سليمان داود ابن أبي المنى ابن فانة

- ‌186- ابنه المهذب: أبو سعيد محمد بن أبي حليقة

- ‌187- أبو سعيد بن موفق الدين يعقوب

- ‌188- ابن البيطار: عبد الله بن أحمد المالقي النباتي، ضياء الدين أبو محمد

- ‌189- علي بن أبي الحزم: علاء الدين ابن النفيس القرشي الدمشقي

- ‌190- أحمد المغربي

- ‌191- السديد الدمياطي

- ‌192- فرج الله بن صغير

- ‌193- محمد بن صغير، ناصر الدين

- ‌مصادر التحقيق

- ‌الفهرست

الفصل: ‌64- بختيشوع بن جبريل بن بختيشوع

ومنهم:

‌64- بختيشوع بن جبريل بن بختيشوع

«13»

عادى الكبار، وعادل البحار، وعادّ النجوم في الأقطار، وأناف رتبة على أبيه، وكانت تزاحم الأطواد، وتزاح بها أعذار حسّاده ابن الزيات «1» ابن أبي دؤاد «2» ،

ص: 350

فلهذا قصد مرات بالغوائل «1» ، وأرصد تارات لغلق الحبائل، فلو لم تتذكر له سوابق المساعي، ويتدارك بالدرياق به سم الأفاعي، لما امتدّ به طلق نفسه، ولا نفّس عنه حلق حبسه، ثم صلح حاله، وقوي محاله، ونطق في مجالس الخلفاء لسانه، وصدق إحسانه، واستعاد أيامه الأول أترابا، وأياماه الحسان- وطالما هزّته- إطرابا.

ذكره ابن أبي أصيبعة «2»

وقال فيه:" كان سريانيا نبيل القدر، وبلغ من عظم المنزلة والحال، وكثرة المال، مال لم يبلغه أحد من سائر الناس، الذين كانوا في عصره، وكان يضاهي المتوكل في اللباس والفرش".

قال [فيثون] الترجمان: وكان ابن أبي دؤاد وابن الزيات يعاديانه، ويغريان به الواثق، فسخط عليه وقبض على أمواله وضياعه، ونفاه إلى" جنديسابور" فلما اعتلّ الواثق بالاستسقاء بعث لإحضاره، ثم عاجل الواثق الموت قبل وصوله، ثم صلحت أيام المتوكل حاله، إلى أن بلغ مبلغا حسده عليه المتوكّل وقبض عليه".

قال:" إن بختيشوع كان عظيم المنزلة عند المتوكل، فأفرط في الإدلال عليه، فنكبه، وقبض على أملاكه، ونفاه إلى مدينة إسلام. ثم عرض للمتوكل قولنج، فاستحضره، واعتذر إليه وعالجه، فبرئ، فأنعم عليه ورضي عنه، وأعاد عليه ما كان له، ثم جرت على بختيشوع مكيدة أخرى، فنكب، ووجّه به إلى البصرة!.

ثم ردّه المستعين إلى وظيفة الخدمة وأحسن إليه إحسانا كثيرا. فلما ولي المهتدي جرى مجرى المتوكل في أنسه بالأطباء، وكان بختيشوع لطيف المحل

ص: 351

منه، وشكا إليه بختيشوع ما أخذ منه أيام التوكل، فأمر بأن يدخل الخزائن فكل ما عرفه ردّ إليه، فلم يبق له شيء إلا أخذه، وأطلق له كل ما فاته، وكتب برعاية أسبابه".

وقال بختيشوع للمهتدي في آخر أمره: يا أمير المؤمنين! لي أربعون سنة لم أفتصد، ولا شربت دواء، وقد حكم المنجّمون بأني أموت في هذه السنة. ولست أغتمّ لموتي، وإنما أغتمّ لمفارقتكم.

فكلّمه المهتدي بجميل وقال: قلّ أن يصدق المنجّم. فلما انصرف كان آخر العهد به.

وقال [إبراهيم بن علي الحصري «1» في كتاب:" نور الطرف ونور الظرف"]«2» " تنازع إبراهيم بن المهدي وبختيشوع، بين يدي أحمد بن أبي دؤاد في عقار بالسواد «3» ، فأغلظ عليه إبراهيم فغضب ابن أبي دؤاد وقال: يا إبراهيم! إذا تنازعت في مجلس الحكم بحضرتنا أمرا فليكن قصدك أمما «4» ، وطريقك نهجا، وريحك ساكنة، وكلامك معتدلا، ووفّ مجالس الخلافة حقوقها، فإن هذا أليق بك، وأجمل بحسن مذهبك، وشريف محتدك «5» ، ولا تعجلنّ، فربّ

ص: 352

عجلة تورث رثيا «1» ، والله يعصمك من الزلل، وخطل «2» القول والعمل، ويتم نعمته عليك كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إن ربك عليم حكيم.

فقال إبراهيم: أمرت- أصلحك الله- بسداد، وحضضت على الرشاد، ولست بعائد إلى ما يثلم قدري عندك، [ويسقطني من عينك] ، ويخرجني من مقدار الواجب إلى الاعتذار، فها أنا معتذر إليك من هذه البادرة اعتذار مقرّ بذنبه، لأن الغضب لا يزال يستفزّني بمراده، فيردّني مثلك بحلمه، وتلك عادة الله عندك وعندنا فيك،- وهو حسبنا ونعم الوكيل-، وقد جعلت حظي من هذا العقار ليختيشوع، وليت ذلك يقي بأرش «3» الجناية عليه، ولن يتلف مال أفاد موعظة".

قال أبو محمد، بدر بن أبي الإصبع الكاتب: حدثني جدي قال:" دخلت على بختيشوع في يوم شديد الحر، وهو جالس في مجلس مخيّش عنده طاقات من الخيش، طاقان ريح بينهما طاق أسود، وفي وسطها قبة عليها جلال أسود من قصب مطهّر بدبيقي «4» ، قد صبغ بماء الورد والكافور «5» والصندل «6» وعليه جبة يماني سعيدي مثقلة، ومطرف «7» قد التحف به، فعجبت من زيه.

فحين حصلت معه في القبة نالني من البرد أمر عظيم. فضحك وأمر لي بجبّة ومطرف، وقال: يا غلام!، اكشف جوانب القبة.

ص: 353

فكشفت، فإذا أبواب مفتوحة من جوانب الإيوان إلى مواضع مكبوسة بالثلج، [وغلمان يروّحون ذلك الثلج]«1» ؛ فيخرج منه البرد الذي لحقني. ثم دعا بطعامه، فأتي بمائدة في غاية الحسن، عليها كل شيء حسن ظريف، ثم أتي بفراريج مشوية في غاية الحمرة. وجاء الطبّاخ فنفضها كلها فانتفضت، وقال:

هذه فراريج تعلف اللوز والبزر قطونا «2» ، وتسقى بماء الرمان.

ولما كان في صلب الشتاء، دخلت عليه يوما والبرد شديد، وعليه جبّة محشوّة، وكساء، وهو جالس في طارمة «3» ، في الدار على بستان في غاية الحسن، وعليها سمّور «4» قد ظهرت به وفوقه جلال «5» حرير مصبّغ، ولبود مغربية، وأنطاع «6» أدم يمانية وبين يديه كانون «7» فضة مذهب مخرق، وخادم

ص: 354

يوقد العود الهندي، وعليه غلال «1» قصب في نهاية الرفعة، فلما حصلت معه في الطارمة، وجدت من الحرّ أمرا عظيما، فضحك وأمر لي بغلالة قصب، وتقدّم بكشف جوانب الطارمة، فإذا مواضع لها شبابيك خشب بعد شبابيك حديد، وكوانين فيها فحم الغضا «2» ، وغلمان ينفخون ذلك الفحم بالزقاق»

، كما يكون للحدادين.

ثم دعا بطعامه، فأحضروا ما جرت به العادة من السرور والنظافة، وأحضرت فراريج بيض، شديدة البياض، فبشعتها «4» ، وخفت أن تكون غير نضيجة، ووافى الطباخ فنفضها فانتفضت، فسألته عنها؟ فقال: هذه تعلف الجوز المقشر، وتسقى اللبن الحليب.

وكان بختيشوع بن جبرائيل يهدي البخور في درج، ومعه درج آخر فيه فحم، يتخذ له من قضبان الأترج، والصفصاف «5» ، وشنس «6» الكرم المرشوش عليه عند إحراقه ماء الورد المخلوط بالمسك والكافور، وماء الخلاف «7» ، والشراب العتيق. ويقول: أنا أكره أن أهدي بخورا بغير فحم [فيفسده فحم]«8» العامة، ويقال: هذا عمل بختيشوع! ".

قال أبو محمد بدر بن أبي الأصبغ عن أبيه عن أبي عبد الله محمد بن

ص: 355

الجرّاح، عن أبيه أن المتوكل قال يوما لبختيشوع: ادعني.

فقال: السمع والطاعة.

فقال: أريد أن يكون ذلك غدا.

قال: نعم وكرامة. وكان الوقت صائفا، وحرّه شديد.

فقال بختيشوع لأنسابه وأصحابه:" أمرنا كله مستقيم إلا الخيش «1» ، فإنه ليس لنا منه ما يكفي!.

فأحضر وكلاءه وأمرهم بابتياع كل ما يوجد من الخيش ب" سرّ من رأى"، ففعلوا ذلك وأحضروا كل من وجدوه من النجّادين «2» ، والصّنّاع، فقطع لداره كلها صحونها وحجرها، ومجالسها، وبيوتها، ومستراحاتها خيشا حتى لا يجتاز الخليفة في موضع غير مخيّش!، وأنه فكر في روائحه التي لا تزول إلا بعد استعماله مدة، فأمر بابتياع كل ما يقد عليه بسر من رأى من البطيخ، وأحضر حشمه وغلمانه، وأجلسهم يدلكون الخيش بذلك البطيخ ليلتهم كلها، وأصبح وقد انقطعت روائحه، فتقدم إلى فرّاشيه فعلقوا جميعه في المواضع المذكورة، وأمر طبّاخيه بأن يعملوا خمسة آلاف جونة «3» ، في كل جونة باب خيز سميد، ودست رقاق وزن الجميع عشرون رطلا، وحمل مشوي، وجدي بارد، وفائقة،

ص: 356

ودجاجتان مصدرتان، وفرخان، ومصوصان «1» ، وثلاثة ألوان، وجام «2» حلواء.

فلما وافاه المتوكل، رأى كثرة الخيش وجدّته، فقال: أي شيء ذهب برائحته؟، فأعاد عليه حديث البطّيخ، فعجب من ذلك، فأكل هو وبنو عمه، والفتح بن خاقان «3» ، على مائدة واحدة، وأجلس الأمراء والحجّاب على سماطين «4» عظيمين لم ير مثلهما لأمثاله، وفرّق الجون على الغلمان، والخدم، والنقباء «5» ، والركابية «6» ،

ص: 357

والفرّاشين «1» ، والملّاحين وغيرهم من الحاشية، لكلّ واحد جونة، وقال:" قد أمنت ذمّهم، لأنني ما كنت [آمن] لو أطعموا على موائد أن يرضى هذا، ويغضب الآخر، ويقول: شبعت، ويقول آخر: لم أشبع. فإذا أعطي كل إنسان جونة من هذه الجون، كفته.

واستشرف المتوكل على الطعام فاستعظمه جدا، وأراد النوم، فقال لبختيشوع: أريد أن تنوّمني في موضع مضيء لا ذباب فيه، وظنّ أنه يتعنّته بذلك، وقد كان بختيشوع تقدّم بأن تجعل أجاجين «2» الدبس في سطوح الدار، ليجتمع الذباب عليه، فلم يقرب أسافل الدور ذبابة واحدة.

ثم أدخل المتوكل إلى بيت مرتفع كبير، سقفه كله بكواء فيها جامات يضيء البيت منها، وهو مخيّش مظهّر بعد الخيش بالدبيقي المصبوغ بماء الورد والصندل والكافور.

فلما اضطجع للنوم، أقبل يشم روائح في نهاية الطيب، لا يدري ما هي؟

لأنه لم ير في البيت شيئا من الروائح والفاكهة والأنوار، ولا خلف الخيش، لا طاقات ولا موضع يجعل فيه شيء من ذلك.

ص: 358

فتعجّب وأمر الفتح بن خاقان أن يتتبع حال تلك الروائح، حتى يعرف صورتها.

فخرج يطوف، فوجد حول البيت من خارجه ومن سائر نواحيه وجوانبه أبوابا صغارا لطافا كالطاقات محشوّة بصنوف الرياحين والفواكه، واللخالخ، والمشامّ التي فيها التفاح والبطيخ المستخرج ما فيها المحشوة بالنمّام «1» ، والحماحم اليماني «2» ، المعمول بماء الورد والخلّاف، والكافور، والشراب العتيق، والزعفران «3» الشعر.

ورأى الفتح غلمانا قد وكّلوا بتلك الطاقات، مع كل غلام مجمرة فيها ندّ يسجره «4» ، ويبخّر به البيت من داخله إزار من اسفيداج «5» مخرّم خروما صغارا لا تبين، يخرج منها تلك الروائح الطيبة العجيبة إلى البيت.

فلما عاد الفتح وشرح للمتوكّل صورة ما شاهده، كثر تعجّبه منه، وحسد بختيشوع على ما رآه من نعمته، وكمال مروءته، وانصرف من داره قبل أن يستتمّ يومه، وادّعى شيئا وجده من التياث «6» بدنه. وحقد عليه ذلك، فنكبه بعد أيام يسيرة، وأخذ له مالا كثيرا لا يقدّر، ووجد له في جملة كسوته أربعة

ص: 359

آلاف سروال دبيقي سفري، في جميعها تكك «1» إبريسم «2» أرميني.

وحضر الحسين بن محمد؛ فختم على خزائنه، وحمل إلى دار المتوكل ما صلح منها، وباع شيئا كثيرا، وبقي بعد ذلك حطب وفحم ونبيذ، وتوابل، فاشتراها الحسين بن مخلد بستة آلاف دينار.

وذكر أنه باع من جملته بمبلغ ثمانية آلاف دينار، ثم حسده حمدون، ووشى إلى المتوكل، وبذل فيما بقي في يده ستة آلاف دينار، فأجيب إلى ذلك، وسلّم إليه فباعه بأكثر من الضعف، وكان هذا في سنة أربع وأربعين ومائتين.

قال فيثون الترجمان: كان المعتزّ بالله قد اعتلّ في أيام المتوكّل علّة من حرارة، وامتنع منها من أخذ شيء من الأغذية والأدوية. فشقّ ذلك على المتوكّل كثيرا، واغتمّ به وصار إلى بختيشوع، والأطباء عنده، وهو على حاله في الامتناع، فمازحه وحادثه. فأدخل المعتزّ يده في كمّ جبّة وشي يماني مثقلة كانت على بختيشوع، وقال: ما أحسن هذا الثوب!.

فقال له بختيشوع: يا سيدي! والله ما له نظير في الحسن، وثمنه عليّ ألف دينار، فكل لي تفاحتين، وخذ الجبة. فدعا بتفاح، فأكل اثنتين، ثم قال له:

تحتاج الجبة إلى ثوب يكون معها!. وعندي ثوب هو أخ لهذا، فاشرب لي شربة سكنجبين «3» ، وخذه.

فشرب شربة سكنجبين، ووافق ذلك اندفاع طبيعته، فبرأ المعتزّ، وأخذ الجبة

ص: 360

والثوب، وصلح من مرضه، فكان المتوكل يشكر هذا الفعل أبدا لبختيشوع.

قال ثابت بن قرّة بن سنان بن ثابت «1» : إن المتوكل اشتهى في بعض الأوقات الحارّة أن يأكل مع طعامه خردلا «2» فمنعه من ذلك الأطبّاء لحدّة مزاجه، وحرارة كبده، وغائلة الخردل.

فقال بختيشوع: أنا أطعمك إياه، وإن ضرّك عليّ!.

فقال: افعل. فأمر بإحضار قرعة «3» ، وجعل عليها طينا، وتركها في تنّور، واستخرج ماءها، وأمر بأن يقشر الخردل ويضرب بماء القرع، وقال: إن الخردل في الدرجة الرابعة من الحرارة، والقرع في الدرجة الرابعة من الرطوبة، فيعتدلان! فكل شهوتك.

وبات تلك الليلة، ولم يحسّ بشيء من الأذى، وأصبح كذلك، فأمر بأن يحمل إليه ثلاث مائة ألف درهم، وثلاثون تختا «4» من أصناف الثياب.

ص: 361

قال إسحاق بن علي الرهاوي عن عيسى بن ماسة قال: رأيت بختيشوع بن جبرئيل وقد اعتلّ فأمر أمير المؤمنين المتوكل المعتزّ أن يعوده وهو إذ ذاك وليّ عهد. فعاده ومعه محمد بن عبد الله بن طاهر، ووصيف التركي.

قال: وأخبرني إبراهيم بن محمد المعروف بابن المدبّر أن المتوكّل أمر الوزير شفاها، وقال: اكتب في ضياع بختيشوع فإنها ضياعي، وملكي، ومحلّه منا محل أرواحنا من أبداننا.

قال عبيد الله بن جبرائيل هذا المذكور: مما يدلّ على منزلة بختيشوع عند المتوكل وانبساطه [معه]، قال: من ذلك؛ ما حدّثنا به بعض شيوخنا، أنه دخل بختيشوع يوما إلى المتوكل وهو جالس على سدّة «1» في وسط دار الخاصة.

فجلس بختيشوع على عادته معه على السدة، وكان عليه درّاعة ديباج رومي، وقد انفتق ذيلها قليلا، فجعل المتوكل يحادث بختيشوع ويعبث بذلك الفتق، إلى أن بلغ إلى حد النيفق «2»

ودار بينهما كلام اقتضى أن سأل المتوكل بختيشوع: بماذا يعلم أن المشوش يحتاج إلى الشدّ والقيادة والوثاق؟.

قال: إذا بلغ في فتق درّاعة طبيبه إلى حدّ النيفق، شددناه.

فضحك المتوكل حتى استلقى على ظهره، وأمر له في الحال بخلع سنيّة، ومال جزيل.

ص: 362

وقال أبو الريحان البيروني «1» في كتاب:" الجماهر في [معرفة] الجواهر": إن المتوكل جلس يوما لهدايا النيروز «2» ، فقدّم إليه كل علق «3» نفيس، وكل ظريف فاخر. وأن طبيبه بختيشوع بن جبرائيل دخل، وكان يأنس به، فقال له:

ما ترى في هذا اليوم؟.

فقال: مثل [

] «4» الشحاذين، إذ ليس قدر، وأقبل على ما معي. ثم أخرج من كمّه درج آبنوس «5» مطليا بالفضة، وفتحه عن حرير أخضر، انكشف عن ملعقة كبيرة جوهر، لمع منها شهاب، وضعها بين يديه.

فرأى المتوكل ما لا عهد له بمثله، وقال: من أين هذا؟.

قال: من الناس الكرام. ثم حدث أنه صار إلى أبي من أم جعفر زبيدة، في ثلاث مرات، ثلاث مائة ألف دينار، بثلاث شكايات عالجها فيها:

واحدتها: أنها شكت عارضا في حلقها، منذرة بالخناق، فأشار عليها بالفصد والتطفية، والتغذي بحشو وصفه، فأحضر على نسخته في غضارة

ص: 363

صينية عجيبة الصفة، وفيها هذه الملعقة، فغمزني أبي على رفعها؛ ففعلت، ولففتها في طيلساني، وجاذبنيها الخادم.

فقالت له:" لا طفه، ومره بردّها، وعوّضه منها عشرة آلاف دينار"، فامتنعت.

وقال أبي:" يا ستي! «1» إن ابني لم يسرق قط، فلا تفضحيه في أول كرّاته، لئلا ينكسر قلبه. فضحكت، ووهبتها له.

وسئل عن الأخريين؟ فقال: إنها اشتكت إليه تغيّر النكهة «2» ، بإخبار إحدى بطانتها إياها، وذكرت أن الموت أسهل عليها من ذلك.

فجوّعها إلى العصر وأطعمها سمكا ممقورا «3» ، وأسقاها دردي نبيذ «4» دقل «5» بإكراه، فغثيت نفسها، وقذفت، فكرّر ذلك عليها ثلاثة أيام.

ثم قال لها: تنكّهي في وجه من أخبرك بذلك، واستخبريه: هل زال؟.

والثالثة: أنها أشرفت على التلف من فواق «6» شديد، كان يسمع من خارج الحجرة.

فأمر الخادم بإصعاد خوابي إلى سطح الصحن، وتصفيفها حوله على الشفير،

ص: 364

وملأها ماء، وجلس خلف كل حبّ خادم، حتى إذا صفّق بيده على الأخرى دفعوها دفعة إلى وسط الدار، ففعلوا، وارتفع لذلك صوت شديد أرعبها وزايلها الفواق.

قال أبو علي القياني «1» : حدثني أبي قال: دخلت يوما إلى بختيشوع وكان من أيام الصيف، وجلست فإن هو قد رفع طرفه إلى خادمه، وقال له: هات!.

فجاء بقدح فيه نحو نصف رطل شراب عتيق، وعلى طرف خلاله «2» ذهب، وشيء أسود، فمضغه، ثم شرب الشراب عليه، وصبر ساعة، فرأيت وجهه يتّقد كالنار، ثم دعا بأطباق فيها خوخ جبلي في نهاية الحسن، فأقبل يقطّع ويأكل، حتى انتهى وسكن تلهّبه، وعاد وجهه إلى حاله.

فقلت له: حدثني بخبرك.

فقال: اشتهيت الخوخ شهوة، وخفت ضرره، فاستعملت الترياق والشراب، حتى نقرت الحجر ليجيد الطحن.

ونقلت من بعض الكتب أن بختيشوع كان يأمر بالحقن والقمر متصل بالذنب، فيحل القولنج من ساعته، ويأمر بشرب الدواء والقمر على مناظرة الزهرة، فيصلح العليل من يومه.

ولما توفي بختيشوع خلف عبيد الله ولده، وخلف معه ثلاث بنات، وكانت الوزراء والنظار «3» يصادرونهم ويطالبونهم بالأموال، فتفرّقوا واختلفوا.

ص: 365