المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌45- المبشر بن فاتك: وهو: الأمير محمود الدولة أبو الوفاء الآمري - مسالك الأبصار في ممالك الأمصار - جـ ٩

[ابن فضل الله العمري]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء التاسع]

- ‌[تراجم الحكماء والفلاسفة]

- ‌مقدمة المحقق

- ‌[المقدمة]

- ‌[من الحكماء المشارق]

- ‌1- أما (هرمس الأول)

- ‌2- وأما (هرمس الثاني)

- ‌3- وأما (هرمس الثالث) :

- ‌4- فيثاغورس

- ‌5- سقراط

- ‌6- أفلاطون

- ‌7- أرسطوطاليس

- ‌8- يعقوب بن إسحاق الكنديّ

- ‌9- أحمد بن الطّيّب السّرخسيّ

- ‌10- كنكه الهندي

- ‌11- صنجهل الهندي

- ‌12- أبو نصر الفارابيّ

- ‌13- يحيى بن عدي

- ‌14- أبو بكر محمّد بن زكريّاء الرّازيّ

- ‌15- أبو سليمان السّجستاني

- ‌16- ابن الخمّار

- ‌17- أبو الفرج بن هندو

- ‌18- الشيخ الرئيس أبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسين بن علي بن سينا

- ‌ومن رسائله:

- ‌[وصية ابن سينا]

- ‌ومن شعر الشيخ الرئيس قاله في النفس

- ‌19- أبو الفرج عبد الله بن الطيب

- ‌20- أبو المؤيد محمد بن محمد بن المجلي الجزري، المعروف بابن الصايغ

- ‌21- ابن الخطيب الرّازيّ، ابن خطيب الرّيّ، وهو: محمّد بن عمر بن الحسين، أبو عبد الله- الإمام فخر الدّين

- ‌22- القطب المصريّ وهو: إبراهيم بن عليّ بن محمّد السّلميّ أبو إسحاق

- ‌23- عبد اللّطيف البغدادي

- ‌24- ابن الخوييّ: أحمد بن الخليل بن سعادة بن جعفر بن عيسى، الشّافعيّ، شمس الدّين، أبو العبّاس

- ‌25- الرّفيع الجيليّ: أبو حامد، عبد العزيز بن عبد الواحد ابن إسماعيل بن عبد الهادي

- ‌26- الشّهاب السّهرورديّ المقتول: يحيى بن حبش بن أميرك

- ‌27- الخسرو شاهيّ: عبد الحميد بن عيسى، بن عمّويه، بن يونس، ابن خليل شمس الدّين، أبو محمّد، التبريزيّ، الشّافعيّ

- ‌29- البديع الاصطرلابيّ: وهو بديع الزّمان أبو القاسم هبة الله بن الحسين بن أحمد البغداديّ

- ‌31- النّصير الطّوسيّ: محمد بن محمد بن الحسن، نصير الدّين، أبو عبد الله، الطّوسيّ الفيلسوف

- ‌32- القطب الشّيرازيّ: [محمود بن مسعود بن مصلح الفارسيّ

- ‌33- الشّيخ صفيّ الدّين الهنديّ: [محمد بن عبد الرّحيم بن محمد الأرمويّ، أبو عبد الله، صفي الدين

- ‌34- علي بن إسماعيل بن يوسف الإمام العلامة القدوة العارف ذو الفنون الشيخ علاء الدين قاضي القضاة شيخ الشيوخ أبو الحسن القونوي التبريزي

- ‌35- القاضي جلال الدّين القزوينيّ، أبو المعالي محمد ابن القاضي سعد الدّين أبي القاسم عبد الرّحمن بن عمر بن أحمد الشّافعيّ الدّلفيّ

- ‌37- الشّيخ شمس الدّين الأصفهانيّ، وهو: محمود بن أبي القاسم بن أحمد، أبو الثّناء

- ‌ومن فلاسفة المغاربة، وحكمائها، ومتكلميها ممن كان بالأندلس:

- ‌38- يحيى بن يحيى، أبو بكر، المعروف بابن السّمينة

- ‌41- أبو الحكم الكرمانيّ: عمرو بن عبد الرّحمن بن أحمد بن عليّ

- ‌42- ابن واقد [الوزير، أبو المطرّف عبد الرّحمن بن محمّد بن عبد الكبير بن يحيى ابن واقد بن مهنّد اللّخميّ]

- ‌43- محمد بن يوسف المنجّم

- ‌45- المبشّر بن فاتك: وهو: الأمير محمود الدّولة أبو الوفاء الآمريّ

- ‌48- محمد بن إبراهيم المتطبب صلاح الدين المعروف بابن البرهان الجرائحي

- ‌49- ابن الأكفاني: محمد بن إبراهيم بن ساعد الأنصاريّ، شمس الدّين أبو عبد الله السّنجاريّ المولد والأصل، المصري الدار

- ‌فأما أول من استخرج الطب فرجلان:

- ‌50- اسقليبيوس بن ريوس

- ‌51- أيلق

- ‌أطباء العرب ممن كانوا في أول ظهور الإسلام ومن بعدهم

- ‌52- الحارث بن كلدة الثّقفيّ

- ‌53- النّضر بن الحارث بن كلدة

- ‌54- عبد الملك بن أبجر الكنانيّ

- ‌55- ابن أثال

- ‌56- أبو الحكم

- ‌57- حكم الدّمشقيّ

- ‌58- عيسى بن حكم الدّمشقيّ المعروف بالمسيح

- ‌59- تياذوق

- ‌60- زينب طبيبة بني أود

- ‌أطبّاء السّريان الكائنين في ابتداء الدولة العباسية:

- ‌61- جورجيس بن جبريل [بن يختيشوع]

- ‌63- جبريل بن بختيشوع بن جورجيس

- ‌64- بختيشوع بن جبريل بن بختيشوع

- ‌65- جبيرائيل بن عبيد الله بن بختيشوع

- ‌66- خصيب النصراني

- ‌67- عيسى المعروف بأبي قريش

- ‌68- ابن اللجلاج

- ‌69- عبد الله الطيفوري

- ‌70- إسرائيل بن زكريا الطيفوري

- ‌71- يزيد بن [زيد] بن يوحنّا

- ‌72- عبدوس بن زيد

- ‌73- ماسرجويه «طبيب البصرة»

- ‌74- سلمويه بن بنان «متطبّب المعتصم»

- ‌75- إبراهيم بن فزارون

- ‌76- إبراهيم بن أيوب الأبرش

- ‌78- يوحنّا بن ماسويه

- ‌79- ميخائيل بن ماسويه

- ‌80- حنين بن إسحاق العبادي

- ‌81- إسحاق بن حنين بن إسحاق العبادي أبو يعقوب

- ‌82- يوحنا بن بختيشوع

- ‌83- ثابت بن قرة الحرّاني، أبو الحسن

- ‌84- سنان بن ثابت بن قرة

- ‌85- ثابت بن إبراهيم بن زهرون الحراني

- ‌86- ابن وصيف الصابئ

- ‌87- غالب «طبيب المعتضد»

- ‌88- صاعد بن بشر بن عبدوس أبو منصور

- ‌89- ديلم

- ‌90- فنّون المتطبّب

- ‌91- نظيف- القسّ الرّومي

- ‌92- ابن بطلان، أبو الحسن المختار بن عبدون بن سعدون ابن بطلان النصراني

- ‌93- أحمد بن أبي الأشعث

- ‌94- أبو سهل النيلي. وهو: سعيد بن عبد العزيز

- ‌95- ابن الواسطي «طبيب المستظهر»

- ‌96- أبو طاهر البرخشي، أحمد بن محمد بن العباس

- ‌97- أبو غالب ابن صفية

- ‌98- أمين الدولة ابن التلميذ

- ‌99- معتمد الملك أبو الفرج يحيى بن صاعد بن يحيى بن التلميذ

- ‌100- أوحد الزمان وهو أبو البركات هبة الله بن علي بن ملكا البلدي ثم البغدادي

- ‌101- أبو القاسم هبة الله بن الفضل البغدادي

- ‌102- فخر الدين المارديني

- ‌103- أبو نصر المسيحي

- ‌104- أبو الفرج ابن توما

- ‌طبقات الأطباء ببلاد العجم

- ‌105- تياذورس

- ‌106- ربن الطبري

- ‌107- علي بن سهل بن ربن الطبري أبو الحسين

- ‌108- أحمد بن محمد الطبري

- ‌109- أبو منصور: الحسن بن نوح القمريّ

- ‌110- أبو سهل عيسى بن يحيى المسيحي الجرجاني

- ‌111- السيد أبو عبد الله محمد بن [يوسف] الإيلاقي

- ‌112- أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني

- ‌113- أحمد بن عبد الرحمن بن مندويه الأصبهاني، أبو علي

- ‌114- أبو القاسم عبد الرحمن بن علي ابن أحمد بن أبي صادق النيسابوري

- ‌115- السّموأل بن يحيى بن عباس

- ‌116- الشريف شرف الدين إسماعيل

- ‌أطبّاء الهند

- ‌117- شاناق الهندي

- ‌118- منكه الهندي

- ‌119- صالح بن بهلة الهندي

- ‌أطبّاء الشّام

- ‌120- أبو الفرج جرجس بن توما بن سهل بن إبراهيم اليبرودي

- ‌121- ظافر بن جابر السكري أبو حكيم

- ‌122- أبو الحكم عبيد الله بن المظفر بن عبد الله الباهلي

- ‌123- ابنه: أبو المجد [محمد] بن أبي الحكم؛ أفضل الدولة

- ‌124- ابن البذوخ: أبو جعفر بن موسى بن علي القلعي

- ‌125- حكيم الزمان أبو الفضل عبد المنعم بن عمر بن عبد الله بن حسان الغساني الجلياني

- ‌126- المهذّب ابن النقاش

- ‌127- سكرة اليهودي الحلبي

- ‌129- ابن اللبّودي: يحيى بن محمد بن عبدان بن عبد الواحد

- ‌130- الرضي الرحبي، يوسف بن حيدرة بن الحسن أبو الحجاج

- ‌131- الشرف علي شرف الدين أبو الحسن

- ‌132- عمران [بن صدقة] الإسرائيلي

- ‌133-[موفق الدين] يعقوب بن صقلاب النصراني

- ‌134- رشيد الدين الصوري أبو المنصور ابن أبي الفضل بن علي

- ‌136- صدقة بن منجا بن صدقة السامري

- ‌137- المهذب يوسف بن أبي سعيد بن خلف السامري

- ‌138- أمين الدولة أبو الحسن بن غزال بن أبي سعيد السامري

- ‌139- المهذّب الدّخوار: أبو محمد عبد الرحيم بن علي بن حامد

- ‌140- الرشيد علي بن حليقة بن يونس بن أبي القاسم بن خليقة الأنصاري الخزرجي

- ‌141- ابن قاضي بعلبك: المظفر بن عبد الرحمن بن إبراهيم

- ‌142- العماد الدّنيسري: محمد بن العباس بن أحمد بن عبيد الربعي أبو عبد الله

- ‌143- العز السويدي: إبراهيم بن محمد الأنصاري الأوسي، عز الدين أبو إسحاق

- ‌144- موفق الدين يعقوب السامري أبو يوسف يعقوب بن غنائم

- ‌145- أبو الفرج يعقوب بن إسحاق بن القف النصراني

- ‌146- المهذب يوسف كاتب الزردكاش

- ‌147- النفيس أبو الفرج ابن إسحاق بن أبي الخير السامري

- ‌148- الأمين سليمان الحكيم وهو سليمان بن داود

- ‌149- أحمد بن شهاب الدين أبو محمد الكحال الجرائحي

- ‌150- الفتح السامري: هو ابن يوسف بن إسحاق بن مسلم

- ‌151- غنائم السامري، وهو ابن المهذب يوسف كاتب الزردكاش

- ‌فأما أطباء الغرب بما وقع في جانبه من مصر والاسكندرية

- ‌152- إسحاق بن عمران

- ‌153- إسحاق بن سليمان الإسرائيلي أبو يعقوب

- ‌154- أحمد بن إبراهيم بن أبي خالد المعروف: بابن الجزار القيرواني أبو جعفر

- ‌155- حمدون أثا

- ‌156- يحيى بن إسحاق

- ‌157- أبو داود بن جلجل: وهو سليمان بن حسان المعروف بابن جلجل الحكيم

- ‌159- الغافقي: وهو أبو جعفر أحمد بن محمد بن سند

- ‌161- أبو محمد المصري

- ‌162- أبو الصلت أمية بن عبد العزيز بن أبي الصلت الداني

- ‌163- أبو مروان عبد الملك بن محمد بن مروان بن زهر الإيادي الإشبيلي

- ‌164- أبو العلاء زهر بن عبد الملك

- ‌165- ابنه أبو مروان ابن أبي العلاء، واسمه عبد الملك

- ‌166- أبو محمد ابن الحفيد أبي بكر بن زهر

- ‌167- أبو جعفر ابن الغزال

- ‌168- أبو العباس ابن الرومية، وهو أحمد بن محمد بن مفرّج النباتي

- ‌169- ابن الأصم

- ‌أما أطباء مصر:

- ‌170- بليطيان

- ‌171- سعيد بن توفيل

- ‌172- سعيد بن البطريق

- ‌173- التميمي: وهو أبو عبد الله محمد بن سعيد التميمي

- ‌174- ابن الهيثم: وهو أبو علي محمد بن الحسن بن الهيثم البصري ثم المصري

- ‌175- علي بن رضوان

- ‌176- افرائيم [بن الزفّان] الإسرائيلي

- ‌177- سلامة بن رحمون أبو الخير

- ‌178- بلمظفر ابن معرف: وهو نصر بن محمود بن المعرّف

- ‌179- أبو عمر وعثمان بن هبة الله بن أحمد بن عقيل القيسي جمال الدين

- ‌180- ابنه الفتح [فتح الدين بن جمال الدين بن أبي الحفائر]

- ‌181- ابنه المهذب [شهاب الدين ابن فتح الدين]

- ‌182- الخونجي: محمد بن ناماور أفضل الدين أبو عبد الله

- ‌183- أبو سليمان داود بن أبي المنى ابن فانة

- ‌184- ابنه: الموفق أبو شاكر موفق الدين

- ‌185- الرشيد أبو حليقة: وهو أبو الوحش ابن الفارس ابن أبي الخير بن أبي سليمان داود ابن أبي المنى ابن فانة

- ‌186- ابنه المهذب: أبو سعيد محمد بن أبي حليقة

- ‌187- أبو سعيد بن موفق الدين يعقوب

- ‌188- ابن البيطار: عبد الله بن أحمد المالقي النباتي، ضياء الدين أبو محمد

- ‌189- علي بن أبي الحزم: علاء الدين ابن النفيس القرشي الدمشقي

- ‌190- أحمد المغربي

- ‌191- السديد الدمياطي

- ‌192- فرج الله بن صغير

- ‌193- محمد بن صغير، ناصر الدين

- ‌مصادر التحقيق

- ‌الفهرست

الفصل: ‌45- المبشر بن فاتك: وهو: الأمير محمود الدولة أبو الوفاء الآمري

ومنهم:

‌45- المبشّر بن فاتك: وهو: الأمير محمود الدّولة أبو الوفاء الآمريّ

«13»

طبيب لو جسّ نبض البرق لما اختلف، أو لا طف ما ينافر من الطبائع لائتلف، أعرف باختلاف الفروق من الخيال بالطروق، وأهدى إلى معالجة الدّاء الدويّ «1» من الطفل إلى الثدي، لو عالج النار لخمدها، أو البحار لجمدها، أو شكت إليه الفراقد «2» طول السهر لردّ عليها غمضها، أو السحب المتصبّبة من الرحضاء «3» لأزال ممضّها «4» .

تيسّرت على يديه الممتنعات، وأمنت بحسن طبه التبعات، إلا أن أدواء المنية أعيته، وطوارق الأجل بيّتته، فلم يجد لداء منيّته طبّا، ولا لرجاء أمنيّته طبّا، هذا مع ما كان له من أسلاف وإمره، وبيت كم لمعتقيه من طواف به وعمره، لكنه لم يدافع عنه زمره، ولا تجلّت عنه غمره.

ذكره ابن أبي أصيبعة، قال «5» :" كان من أعيان [أمراء]«6» مصر، وأفاضل

ص: 267

علمائها، [دائم الاشتغال] محبّ للفضائل، والاجتماع بأهلها، واجتمع بجلّة من الحكماء وأهل الطب، وأخذ عنهم، وكانت له خزائن كتب، وكان في أكثر أوقاته إذا نزل من الركوب لا يفارقها، وليس له دأب إلا المطالعة والتعليق، يرى أن ذلك أهم ما عنده. فلما مات عمدت زوجته «1» إلى الكتب فألقتها في بركة ماء كبيرة كانت في وسط الدار.

ثم شيلت «2» الكتب بعد ذلك من الماء وقد غرق أكثرها، وإنما فعلت ذلك لحنقها على الكتب، لكونه كان يتشاغل بها عنها «3» .

ص: 268

ومنهم:

46-

الحفيد أبو بكر محمّد بن [أبي مروان عبد الملك بن أبي العلاء]«1» زهر [بن أبي مروان عبد الملك بن أبي بكر محمد بن مروان بن زهر الإياديّ الأندلسيّ الإشبيليّ]«13»

فاضل متميّز، وكامل إلى الأطباء متحيّز، أخذ من كل علم بحظ وافر، وحق ما الفائز به إلا ذو حظ وافر، وكان يقيس الأمور بأنظارها «2» ، ويحوزها من سائر الأطراف باستحضارها، فأطلّ على ربواتها، واطّلع على هفواتها، حتى كاد يعرف نبض البرق في اختلافه، ويحيط علما بكل موافق وخلافه، هذا إلى آداب ترقّ، ويهب لطفها النسيم ويسترقّ، ومات وفي يده أزمّة الطب، وذهب هو والمستطب، ولم يدفع عن حوبائه تلك المعارف، ولا ذادت من حينه الأجل المشارف، فاستوطن التّرب مخليا للتّرب، ومخليا للسرب، فآها ثم آها «3» ، وويلاه لحسرات لا تتناهى، كيف يأفل مثل قمره؟، وكيف ينقضي طيب سمره؟، وكيف يذهب مثله من العلماء، ويذهب من بين نجوم السماء، وطالما

ص: 269

جلا الدجى، وأنهج طرق الحجى، وامتدّت نحوه أيادي الخلفا، واعتدّت له بحسن الوفا، وثنت العلياء له الوسائد، وأخدمته الأيام والليالي ولائد.

قال ابن أبي أصيبعة «1»

فيه:" هو الإمام، الوزير، الحكيم، الأديب، الحسيب، الأصيل.

مولده بمدينة إشبيلية، ونشأ بها، وتميّز في العلوم، وأخذ [صناعة] الطب عن أبيه، وباشر أعمالها، وكبر، ولم يتغير عليه سوى ثقل السمع.

حفظ القرآن الكريم، وسمع الحديث الشريف، واشتغل بالأدب، وأتقن اللغة، وقال الشعر وأجاد في الموشحات، وكان متين الدين، ملازما للأمور الشرعية، قويّ النفس، له جرأة في الكلام، ولم يكن في زمانه أعلم منه بالطب.

لازم عبد الملك الباجي سبع سنين يشتغل عليه، وقرأ" المدونة" لسحنون «2» في مذهب مالك، ومسند ابن أبي شيبة، و [حدثني أيضا القاضي أبو مروان الباجي عن أبي بكر بن زهر أنه كان شديد البأس]«3» يجذب قوسا وزنه مائة وخمسون رطلا بالإشبيلي، ورطلها مائة وستون درهما. وكان جيد اللعب بالشطرنج.

ص: 270

وخدم الملثمين، والموحّدين «1» ، وبقي إلى أيام عبد الله الناصر بن المنصور يعقوب «2» ، ومات بمراكش «3» .

وحكي أنه كان له صديق يلاعبه الشطرنج، فرآه يوما منقبضا؛ فسأله عما به، فأخبره أن له بنتا زوّجها من رجل، وأنه يحتاج في جهازها إلى ثلاث مائة دينار.

فقال له: العب، وما عليك، فإن عندي ثلاثمائة دينار إلا خمسة، واستدعى بها «4» فأعطاها له، فلما كان غير بعيد أتاه الرجل بالذهب، فقال له الحفيد ابن زهر: ما هذا؟. قال: بعت زيتونا لي بسبعمائة دينار، وقد أتيتك منها بثلاثمائة إلا خمسة، عوض ما أقرضتني. وقد بقيت عندي البقية. فقال الحفيد: خذه إليك فإني ما أعطيتكه على أني أعود فيه.

فقال له الرجل: لا تفعل فإنني في سعة. وترادّا «5» . فقال له ابن زهر: أنت عدوّي أو صديقي؟. قال: بل صديقك، وأحب الناس فيك. فقال: إن الصديقين مالهما واحد، فخذه، فإن لم تفعل عاديتك بسببه. فأخذه وشكر له.

قال القاضي أبو مروان الباجي: وكان المنصور قد قصد أن لا يترك شيئا من كتب المنطق والحكمة باقيا في بلاده، وأباد كثيرا منها بإحراقها بالنار، وشدّد في أن لا يرجع أحد يشتغل بشيء منها، وأنه متى وجد أحدا ينظر في هذا العلم،

ص: 271

أو وجد عنده شيئا من الكتب المصنفة فيه فإنه يلحقه ضرر عليه. ولما شرع في ذلك جعل أمره مفوّضا إلى الحفيد أبي بكر بن زهر، وأنه الذي ينظر. وأراد الخليفة أنه إن كان عند ابن زهر شيء من كتب المنطق والحكمة لم يظهر، ولا يقال عنه إنه يشتغل بها، ولا يناله مكروه بسببها. ولما نظر ابن زهر في ذلك وامتثل أمر المنصور في جمع الكتب من عند الكتبيين، وغيرهم، وأن لا يبقى شيء منها، وإهانة المشتغلين بها.

وكان بإشبيلية رجل من أعيانها يعادي الحفيد ويحسده، وعنده شرّ عظيم، فعمل محضرا في أن ابن زهر دائم الاشتغال بهذا الفن والنظر فيه، وأن عنده شيئا كثيرا من كتبه. وجمع فيه شهادات كثيرة، وبعث إلى المنصور. وكان المنصور حينئذ في حصن الفرح، وهو موضع بناه قريبا من إشبيلية، عن ميلين منها، صحيح الهواء، بحيث بقيت الحنطة فيه ثمانين سنة لم تتغير من صحته.

وكان أبو بكر بن زهر هو الذي أشار أن يبنيه المنصور في ذلك الموضع، ويقيم فيه في بعض الأوقات، فلما كان المنصور به، وقد أتاه المحضر نظر إليه، ثم أمر أن يقبض على الذي عمله، وأن يودع السجن، ففعل به ذلك وانهزم جميع الشهود الذين وضعوا خطوطهم فيه. ثم قال المنصور: إني لم أترك ابن زهر في هذا إلّا «1» حتى لا ينسبه أحد إلى شيء منه، ولا يقال عنه. والله لو أن جميع أهل الأندلس وقفوا قدامي وشهدوا على ابن زهر بما في هذا المحضر لم أقبل قولهم، لما أعرفه في ابن زهر من متانة دينه، وعقله.

وحدثني أبو العباس أحمد بن محمد الإشبيلي قال: كان قد أتى إلى الحفيد اثنان يشتغلان عليه بصناعة الطب، فدخلا عليه يوما وبيد أحدهما كتاب صغير في المنطق، فلما نظر إليه نهض حافيا ليضربهما، وانهزما، وهو يتبعهما، ولم

ص: 272

يرجع إلا من مسافة بعيدة، وانقطعا عنه أياما، ثم توسّلا إليه، واعتذرا، وأظهرا التوبة مما فعلاه، فقبل عذرهما، وأذن لهما في الدخول عليه مستمرّين في قراءة الطب على عادتهما، ثم بعد مدة أمرهما بحفظ القرآن، وقراءة التفسير، والحديث، والفقه، وأمرهما بمواظبة الأمور الشرعية، وآدابها وسننها، وعدم الإخلال بذلك حتى بقي ذلك لهما سجية وطبعا، وعادة قد ألفوها. ثم بعد ذلك أخرج لهما الكتاب بعينه، وقال لهما: الآن صلحتما لقراءة هذا الكتاب، وغيره من أمثاله، وابتدأ في إشغالهما فيه، فتعجبا من فعله- رحمه الله تعالى- وهذا يدل على كمال عقله، وتوفّر مروءته.

وحدّثني القاضي أبو مروان الباجي قال: كان أبو زيد عبد الرحمن بن برجان- وزير المنصور- يعادي الحفيد، ويحسده لما يرى من علوّ منزلته، وعلمه، فاحتال عليه في سمّ قدمه إلى الحفيد في بيض وكانت عنده بنت أخته، وكانت أخته وابنتها هذه عالمتين بصناعة الطب، والمداواة، ولهما خبرة جيدة بمداواة النساء، وكانتا تدخلان على نساء المنصور، ولا يقبل للمنصور وأهله ولدا إلا أخت الحفيد أو ابنتها، لما توفيت أمها. فلما أكل الحفيد وبنت أخته ذلك البيض ماتا جميعا، ولم ينفع فيهما علاج.

قال: ولم يمت أبو زيد عبد الرحمن بن برجان إلا مقتولا، قتله بعض أقربائه.

ومن شعره يتشوق إلى ولده «1» : [المتقارب]

ولي واحد مثل فرخ القطا

صغير تخلّف قلبي لديه

نأت عند داري فيا وحشتي

لذاك الشخيص وذاك الوجيه

تشوّقني وتشوّقته

فيبكي عليّ وأبكي عليه

ص: 273

ومنهم:

47-

محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن يوسف، ركن الدين، أبو عبد الله، ابن القوبع «1» القرشي، الهاشمي، الجعفري، المالكي، التونسي «13»

الإمام، العلّامة، المتقن، جامع أشتات الفضائل.

لبيب مبصر، لا يخاف منه التخبيط، وطبيب مكثر لا يؤتى عليه من التخليط، أتقن العلم إتقانا، ودرب العمل إذ كان لا يغبّ له إتيانا. هذا إلى فضل متّسع، وسبق وراه «2» كل متّبع.

جدّ في الطلب حتى كان جذيله المحكّك «3» ، وعذيقه المرجّب لا يشكّك.

ص: 274

وكان حين وخط «1» المشيب عارضه، وأسكت معارضه، أشدّ مما كان عارضة، وأشدّ معارضة. فلم يمتدّ معه لمجادل نفس، ولا رفع رأسه نحو مناظر إلا نكس لثاقب فكرة حطّ عنها قناعها، وكثر لكل قريع الحزم قراعها، فتقهقر كل متقدّم عن مكانه، وعلم أن دونه ما في إمكانه.

لم أر له نظيرا في مجموعه وإتقانه، واستحضاره، واطّلاعه.

كان مجيدا في الأصول، والحديث، والفقه، والأدب، واللغة، والنحو، والعروض، وأسماء الرجال، والتاريخ، والشعر. يحفظ للعرب، والمولّدين «2» ، والمتأخرين.

غاية في الطب والحكمة، ومعرفة الخطوط- خصوصا خطوط المغاربة- قد مهر في ذلك وبرع، وإذا تحدّث الناس في شيء من ذلك كله، تكلّم على دقائقه وغوامضه، ونكته، حتى يظنّ سامعه إنما أفنى عمره في ذلك الفن!.

قال شيخنا العلّامة قاضي القضاة أبو الحسن السبكي «3» - وهو ما هو-: ما أعرف أحدا مثل الشيخ ركن الدين. أو كما قال. وقد رأى جماعة ما أتى الزمان لهم بنظير بعدهم مثل الشيخ.

ص: 275

وحكى أبو الفتح ابن سيد الناس «1» : أنه لما قدم إلى الديار المصرية وهو شابّ، حضر سوق الكتب، وابن النحاس شيخ العربية حاضر، وكان مع المنادي ديوان ابن هانئ المغربي، فأخذه الشيخ ركن الدين، وأخذ يترنّم بقول ابن هانيء:[الكامل]

فتكات لحظك أم سيوف أبيك

وكؤوس خمرك أم مراشف فيك «2»

وكسر التاء، وفتح الفاء والسين والفاء، فالتفت إليه ابن النحاس، وقال له: ماذا إلا نصب كثير.

فقال له الشيخ ركن الدين- بتلك الحدة المعروفة منه والنفرة «3» -: أنا ما أعرف الذي تريده أنت من رفع هذه الأشياء، على أنها أخبار لمبتدآت مقدّرة، أي: أهذه فتكات لحظك، أم كذا، أم كذا؟. وأنا الذي أقوله أغزل وأمدح، وتقديره: أأقاسي فتكات لحظك، أم أقاسي سيوف أبيك، وأرشف كؤوس خمرك، أم مراشف فيك. فأخجل ابن النحاس، وقال: يا مولانا! فلم لا تتصدّر وتشغل الناس؟.

فقال- استخفافا بالنحو، واحتقارا له-: وأيش هو النحو في الدنيا؟. أو كما قال.

ص: 276

وحكى أيضا قال: كنت أنا و [شمس الدين ابن] الأكفاني «1» ، نأخذ عليه في" المباحث المشرقية"«2» ، فأبيت ليلتي أفكر في الدرس الذي نصبح نأخذه عنه، وأجهد قريحتي، وأعمل بعقلي وفهمي إلى أن يظهر لي فيه شيء أجزم بأن المراد به هذا، فإذا تكلّم الشيخ ركن الدين كنت أنا في واد وهو في واد!؛ أو كما قال «3» .

وحكى المراكشي قال: قال لي الشيخ ركن الدين: لما أوقفني ابن سيد الناس على" السيرة"«4» التي عملها علّمت فيها على مائة وأربعين موضعا، أو مائة وعشرين- السهو مني- أو كما قال. ولقد رأيته مرات يواقف ابن سيد الناس في أسماء الرجال، ويكشف عليها، فيظهر معه الصواب.

قال أبو الصفاء «5» :" وكنت يوما أنا وهو عند ابن سيد الناس، فقال: قال

ص: 277

الشيخ تقي الدين ابن تيمية: عمل ابن الخطيب أصولا في الدين. الأصول:

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ، وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ

فنفر الشيخ ركن الدين، وقال له: يا عرّة! «1» عمل الناس وصنعوا وأفكروا فيك، ونهض قائما، وولى مغضبا.

قال:" وأخبرني الشيخ فتح الدين «2» قال: جاء إليه إنسان يصحّح عليه في" أمالي القالي" فأخذ الشيخ ركن الدين يسابقه إلى ألفاظ الكتاب، فبهت ذلك الرجل، فقال: «3» لي نحو عشرين سنة ما كرّرت عليها".

وكان إذا أنشده أحد شيئا في أي معنى كان أنشد فيه جملة للمتقدّمين والمتأخرين، كأنه كان يكرر عليه تلك الليلة! «4» ".

وتولى" نيابة الحكم"«5» للقاضي المالكي بالقاهرة، ثم تركها تديّنا منه.

ص: 278

وقال: يتعذّر فيها براءة الذمة. وكانت سيرته فيها حسنة مرضيّة. وكان يدرّس في" المدرسة المنكدمرية"«1» بالقاهرة، ويدرّس الطب بالبيمارستان المنصوري، وينام أول الليل، ثم يستفيق وقد أخذ راحة، وقد أخذ كتاب" الشفاء" لابن سينا ينظر فيه، لا يكاد يخلّ بذلك.

قال الشيخ فتح الدين:" قلت له يوما: يا شيخ ركن الدين! إلى متى تنظر في هذا الكتاب؟. فقال: إنما أريد أهتدي".

وكان فيه سآمة وملل حتى في لعب الشطرنج، يكون في وسط الدست وقد نفضه وقطع لذة صاحبه، ويقول: سئمت سئمت. وكذلك في بعض الأوقات [يكون] في بحث وقد حرّر لك المسألة، وكادت تنضج، فيترك الكلام ويمضي!.

وكان حسن التودّد يتودّد «2» إلى الناس ويهنّيهم بالشهور والمواسم من غير حاجة إلى أحد، لأنه كان معه مال له صورة ما يقارب الخمسين ألف درهم.

وكان يتصدّق سرا على أناس مخصوصين، [وكان مع هذه العلوم]«3» لثغته بالراء قبيحة، يجعلها همزة!.

وكان إذا رأى أحدا يضر كلبا أو يؤذيه يخاصمه وينهره، ويقول له: لم تفعل هذا؟ أما هو شريكك في الحيوانية؟.

وكان خطه على وضع المغاربة، وليس بحسن.

وسمع بدمشق سنة إحدى وتسعين وستمائة على المسند تقي الدين ابن

ص: 279

الواسطي «1» ، واستجزته سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، بالقاهرة، باستدعاء فيه نثر ونظم، فأجاب وأجاز، وأجاد نثرا ونظما.

أنشدني لنفسه إجازة: [الطويل]

جوى يتلظّى في الفؤاد استعاره

ودمع هتون لا يكف انهماره

يحاول هذا برد ذاك بصوبه

وليس بماء العين تطفا ناره

ولوعا بمن حاز الجمال بأسره

فحاز الفؤاد المستهام إساره

كلفت به بدريّ ما فوق طوقه

ودعصيّ «2» ما يثني عليه إزاره

غزال له صدري كناس ومرتع

ومن حب قلبي شيحه «3» وعراره

[من السمر يبدي عدمي الصبر خده

إذا ما بدا ياقوته ونضاره] «4»

جرى سابحا ماء الشباب بروضه

فأزهر فيه ورده وبهاره «5»

يشبّ ضراما في حشاي نعيمه

فيبدو بأنفاس الصعاد شراره

وينثر دمعي منه نظم مؤشّر

كنور الأقاحي «6» حفّه جلّناره «7»

ص: 280

يعلّ «1» بعذب من برود رضابه

تفاوح فيه مسكه وعقاره

ويسهد أجفاني بوسنان أدعج

يحيّر فكري غنجه واحوراره

حكاني ضعفا أو حكى منه موثقا

وخصرا نحيلا عال صبري اختصاره

معنّى بردف لا ينوء بثقله

فيا شدّ ما يلقى من الجار جاره

على أن ذا مثر وذلك معسر

ومن محنتي إعساره وإيساره

تألّف من هذا وذا غصن بانه

توافت به أزهاره وثماره

تجمع فيه كل حسن مفرق

فصار له قطبا عليه مداره

زلال ولكن أين مني وروده

وغصن ولكن أين مني اهتصاره؟

وسلسال راح صدّ عني كاسه

وغودر عندي سكره وغماره

دنا ونأى فالدار غير بعيدة

ولكنّ بعدا صدّه ونفاره

وحين درى إن شدّ أسري حبّه

أحلّ بي البلوى وساء اقتداره

ومنها:

حكت ليلتي من فقدي النوم يومها

كما قد حكى ليلي ظلاما نهاره

كتمت الهوى لكن بدمعي وزفرتي

وسقمي تساوى سره وجهاره

ثلاث سجلات عليّ بأنني

أمام غرام قلّ فيك استتاره

أورّي بنظمي في العذار وتارة

بمن إن تفنّى القرط أسفى سواره

وجلّ الذي أهوى عن الحلي زينة

ولمّا يقارب أن يدب عذاره

أراحة نفسي كيف منك عذابها

وجنة قلبي كيف منك استعاره؟

وتوفي الشيخ ركن الدين المذكور- بالقاهرة، في تاسع ذي الحجة، سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة، واعتلّ يومين ومضى إلى رحمة ربه الرحيم، ومولده

ص: 281