الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنهم:
127- سكرة اليهودي الحلبي
«13»
حكيم فضائله غير منكرة، وطبيب حلا وصفه فقيل سكّره، وكانت له همم تواتيه، وله شمم ما خرج به من التيه، انقاد له الحظ، وأتاه بأدنى فكرة ولفظ، وأنجبت له ذرّيّة أسلموا بعده وسلّموا ولايات عدة، وذلك بعد أن رفع عليهم علم الإسلام، ودان لهم قلم الكتابة بسلام.
قال ابن أبي أصيبعة:" كان له دربة بالعلاج، وتصرّف في المداواة. حكي أنه كان لنور الدين بقلعة حلب حظيّة يميل إليها، فمرضت مرضة أعيت على الأطباء، فأحضر إليها سكّرة الحكيم، فوجدها قليلة الأكل، متغيرة المزاج، فسألها عن جنسها؟ فأخبرته بأنها علّانية «1» ، ثم سألها عما كانت تأكل في بلادهم؟.
فقالت: لحم البقر. فسألها عما كانت تشرب؟. فقالت: الخمر.
فقال لها: أبشري بالعافية. ثم ذهب فاشترى عجلا وسلق من لحمه، ثم عمل معه شيئا من لبن وثوم، وأخذ معه خمرا، وأتى به إليها، فأطعمها، وأكلت منه بنهمة كبيرة، ثم سقاها، فطلبت النوم، فنامت وغطيت بدثار، فعرقت عرقا كثيرا، وأصبحت في عافية، ولازمها بمثل ما عالجها به، حتى برئت، فبعثت إليه بصينية مملوءة من الحلي، ثم كتبت إلى نور الدين تعلمه بعجز الأطباء عنها، وإن عافيتها كانت على يده. فلما قرأ الكتاب، طلبه وعرّفه بما قالت، ثم منّاه، فسأله
عشرة أفدنة في قريتي" صمع، وعيدان"؛ فكتبها له ملكا ثم عاد إلى حلب، وكثرت أمواله، ولم يزل في نعمة طائلة هو وبنوه.
ومنهم:
128-
أسعد بن [إلياس بن جرجس- موفق الدين]«1» ابن المطران «13»
طبيب على نصرانيته «2» وتدينه بدنيّته، قد تحلّى بمحاسن الشيم، وحلّ الغاية لولا الشمم، ودنا من الملوك مجلسا، وترك حاسده المضنوك مبلسا، وأطالت النعم رياشه، ونفضت على فائض النوء رشاشه، وأثري بالحضرة الصلاحية «3» حتى ابتلّ عوده في الثرى، وشمخ هرم ماله إلى الذرا، وكان على هذا الوفر والحظ الذي ما ذهّب بمثله سفر، يتجنّى على السلطان والذنب ذنبه، ويتناوم عليه ولا يهدأ جنبه.
قال ابن أبي أصيبعة «4» :" كان للسلطان صلاح الدين- رحمه الله تعالى-
فيه اعتقاد، وأسلم في أيامه، وكان يغلب على ابن المطران الكبرياء، حتى على الملوك، وكان يعلم صلاح الدين ذلك منه.
حكى عنه من كان معه في بعض غزواته أن صلاح الدين كان ينصب له في أوقات حروبه خيمة حمراء، بدهليز أحمر، وميضأة حمراء؛ فبينا هو راكب وإذا به قد نظر إلى خيمة حمراء ظنّها خيمته؛ فسأل: لمن هي؟. فقيل له: لابن المطران الطبيب. فضحك وقال: والله قد عرفت هذا من حماقته. ثم قال: ما بنا إلا أن يعبر أحد من الرسل، فيعتقد أنها خيمة أحد الملوك، وإذا كان لا بد، فليغير ميضأتها.
فصعب هذا على ابن المطران، وبقي يومين لا يأتي الخدمة حتى ترضّاه صلاح الدين، وأعطاه مالا".
وشكا أبو الفرج النظروي الطبيب إلى صلاح الدين ضرره ببنات له يريد تجهيزهنّ. فأمره أن يكتب ورقة بما يحتاج إليه، فكتب شيئا بنحو ثلاثين ألف درهم، فأمر له بما تضمّنته ورقته، فبلغ ذلك ابن المطران، فقصر في الخدمة، وتبين لصلاح الدين هذا من تغير وجهه، فأمر بأن يحسب جملة ثمن ما اشترى به جهاز بنات أبي الفرج، ويعطى ابن المطران نظيره.
وحكى المهذب عبد الرحيم بن علي أن أسد الدين شير كوه صاحب حمص طلب ابن المطران، قال: فتوجّه وأنا معه، فبينما نحن في بعض الطريق، وإذا رجل مجذوم قد استقبله، وكان المرض قد قوي به حتى تغيرت خلقته، وتشوّهت صورته، فاستوصف منه ما يتناوله، ويتداوى به، فبقي كالمتبرّم به، ثم قال له:
كل لحوم الأفاعي، فعاوده، فقال: كل لحوم الأفاعي، فإنك تبرأ، يكررها عليه، ثم مضينا إلى حمص، وأقمنا بها نعالج المريض الذي طلب لأجله، إلى أن صلح،