الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الملوك بما لم يحظ به من مخدوم وغلام. وقف له مثل العادة في نهجه، وأمطاه من كراكيبه ما ركب منه في غير سرجه.
قال ابن أبي أصيبعة:" قرأ على أخيه أبي سعيد، ثم تميز واشتهر، وحظي عند الكامل، وأقطعه ضياعا وغيرها، وكان يتفقّده بالهبات الوافرة والصّلات المتواترة، وكان يدخل في جميع قلاعه راكبا لا ينزل ثم أسكنه عنده بقلعة الجبل، وركبه العادل مرة بغلته التي كانت قد شدّت في النوبة له، وركب ووقف بين القصرين ينتظره حتى جاء ثم أخذ بيده وجعل يتحدث معه إلى أن أتيا دار الوزارة، وكان العادل يسكنها وهو معه راكب، والأمراء ومن سواهم مشاة في الخدمة.
وفيه يقول ابن منقذ: [المتقارب]
رأيت الحكيم أبا شاكر
…
كثير المحب مع الشاكر
خليفة بقراط في عصرنا
…
وثانيه في علمه الباهر
ومنهم:
185- الرشيد أبو حليقة: وهو أبو الوحش ابن الفارس ابن أبي الخير بن أبي سليمان داود ابن أبي المنى ابن فانة
«13»
وسبب تسميته بأبي حليقة لأن أباه كان لا يعيش له ولد، فقيل لأمه: لو
عملت في أذنه حلقة لعاش؛ فعملتها. والملك الكامل هو الذي سمّاه بهذا الاسم لأنه طلبه مع غلام فقال له: من هومن الأطباء؟ فقال هو أبو حليقة. فعرف بذلك، وكان مذ كان منقطع القرين مهيبا لا يقتحم له عرين، معظّما في النفوس، متمما لمحاسن أهل الشموس، تجلّه الملوك وتحلّه حيث لا يصل إليه سلوك.
قال ابن أبي أصيبعة بعد الثناء الجميل عليه بالعلم والدين والمروءة إنه:" ربي بجعبر، وكان أبوه يلبسه زي الجند، فدخل الملك الكامل مرة الحمام قريبا من داره، فبعث إليه أبوه معه ماء ورد، وأطباق فاكهة، فقبلها الأمير وملأ أطباقه تفاصيل سنية، ثم دخل به على ابنه الملك العادل فلما رآه قال: هذا ابن الفارس لأنه عرفه بالشبه، فقال له: نعم. فالتفت إلى أبيه وكان قائما في الخدمة وقال له:
ولدك هذا ذكي لا تعلّمه الخدمة، فالجند عندنا كثير وأنتم أهل بيت تبرّكنا بطبكم، فسيّره إلى عمه أبي سعيد إلى دمشق ليقرئه الطب، ففعل، فمهر، ثم رحل إلى القاهرة وخدم الكامل وحظي لديه، وأقطعه ثم خدم من بعده إلى الملك الظاهر بيبرس على أجمل العوائد.
قال: وكانت له نوادر في العلاج؛ منها: أنه كان يعالج حظيّة الكامل كانت معه بالعباسية، ثم عرض للرشيد شغل دخل لأجله إلى القاهرة، وأقام بها ثمانية عشر يوما، ثم عاد فوجد الأطباء قد تردّدوا إليها، فلما حضر باشر معهم، فقالوا له: إن هذه على موت، والمصلحة أن نعلم السلطان بهذا قبل أن يفجأه أمرها بغتة، فقال لهم: الذي عندي أن هذه ما هي في مرض الموت. فقال له شيخ منهم: أنا باشرت المرضى أكثر منك. فطالع السلطان فلم يوافقه. فأجمع الأطباء على المطالعة بهذا إلا هو، فكتبوا إلى السلطان بموتها، فأرسل إليهم رسولا ومعه نجار ليعمل لها تابوتا تحمل فيه؛ فأتيا والأطباء جلوس، فقال له الرشيد: ما هذا؟
فأخبره بما أتيا له. فقال للرسول: أتضعها في التابوت وهي في الحياة؟. فقال:
لا، ولكن بعد موتها، فقال له: ارجع بهذا التابوت وقل للسلطان عني خاصة أنها لا تموت في هذه المرضة، فرجع وأخبره بذلك، فلما كان الليل استدعاه وقال له: أنت منعت عمل التابوت؟ قال له: نعم. قال له: بم عرفت ذلك دون الأطباء؟. قال: بمعرفتي بمزاجها دونهم. فقال له: امض فطبّبها، فطبّبها فعوفيت.
ومنها: أن الكامل لفّ مرة يده وأخرجها مع أيدي الحرم وهو يجس الأيدي، فلما انتهى إلى نبض الكامل قال: هذا نبض مولانا السلطان، وهو صحيح بحمد الله!.
ومنها: أنه جاءته امرأة من الريف ومعها ولدها شاب غلب عليه النحول لتريه إياه، واتفق أنها جاءت به إليه بالغداة، والوقت بارد، فجسّ نبضه، وبينما هو يجس نبضه، إذ قال لغلامه: ادخل ناولني الفرجية لألبسها، فتغير نبض الشاب عند قوله تغيرا كثيرا، فحدس أن يكون عاشقا، ثم جس نبضه بعد ذلك فتساكن، وعند ما خرج الغلام إليه وقال له: هذه الفرجية جس نبضه أيضا فوجده قد تغير.
فقال لوالدته: إن ابنك هذا عاشق، والذي يهواها اسمها" فرجية".
فقالت: إي والله يا مولاي هو يحب واحدة اسمها فرجية، وقد عجزت مما أعذله فيها، وتعجبت من قوله لها غاية العجب، ومن اطّلاعه على اسم المرأة من غير معرفة متقدمة له بذلك.
أقول: ومثل هذه الحكاية كانت عرضت لجالينوس لما عرف المرأة العاشقة، وذلك أنه كان استدعي إلى امرأة جليلة القدر وكان المرض قد طال بها، وحدس أنها عاشقة، فتردد إليها، ولما كان عندها وهو يجس نبضها، وكانت الأجناد قد ركبوا في الميدان وهم يلعبون، فحكى بعض الحاضرين ما كانوا فيه، وإن فلانا