الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: هذا قول السلطان، وأما الرئيس جمال الدين إبراهيم فإنه من أعيان الأطباء، وأهل الفضل والتقدم في العلم والعمل في الطب وصناعته، والاجتهاد دائما في توفير بضاعته، ولهذا اكتفيت عن إفراده بترجمة.
ومنهم:
191- السديد الدمياطي
«13»
اليهودي، يعرف بابن كوجك. وبنو كوجك وبنو صغير أهل بيت واحد، وهم من يهود بلاد العجم، وكلهم كانوا لا يعرفون إلا ببني كوجك، وكوجك باللغة العربية: صغير «1» ، فلما قدموا مصر عرّب فريق منهم اسم جدهم المنسوبين إليه وبقي فريق على اسمه الأعجمي، وكان" السديد" شديد المقال، مديد المجال، جالينوس زمانه في الطب الذي لم يبلغ، والعلم الذي لم يدرك.
قرأ على ابن النفيس، والنابلسي، وعلى ابن النفيس أكثر، ومن مدده استكثر.
أتقن الحكمة والطب، وأخذ من كل فن بطرف، وأذعن كل فاضل له واعترف، وكان يحفظ غالب ديوان أبي الطيب المتنبي، بل كله، وينشد منه، ويستشهد به في موضعه إذا تكلم، وخدم السلطان، وتقرّر لديه فضله، واستقرّ في كل خاطر أنه لا نظير له في الدهر، وتنافست الأمراء وأكابر الدولة في معالجته، وكانت الأطباء إذا اختلفت في حدس مرض أو وصف دواء عادوا إلى
رأيه، ورجعوا إلى قوله، فإذا قال سكت كل قائل، وسلّم كل منازع، وكانوا إذا عرض للسلطان مرض وحضروا عنده تقدم السديد فأمسك يد السلطان وجسّ نبضه قبل الرئيس، وقبل كل أحد، وكان الرئيس هو السائل عن الأعراض بحضوره، ثم تحصل الشورى بينهم على ما يوصف، ويكون مدار الكل على كلام السديد، واعتماد السلطان عليه دون الكل.
وكان السديد رجلا عاقلا ساكنا لا يكاد يتكلم، حتى إذا تكلم كان البحر الزاخر، والسيل المنحدر، والضرام المتّقد، والأسد الصؤول، إلى نقول يستحضرها، وبحوث يحررها، وتجارب يذكرها.
وكانت له يد في علم الموسيقى والطرب، رأيت ابن كرّ «1» يصفه ويثني على علمه وينصفه. وكان على هذا الفضل الغزير والمدد الوافر لا يتوسع في الوصف ولا يخرج عن الجادة، ولا يعدل عن المعهود، ولا يرى التفقه في الطب كما كان عليه فرج الله بن صغير «2» ، وكان السديد اجتهاده لنفسه، وفرج الله اجتهاده للعليل، على أن السديد كان إذا لم يشاركه طبيب آخر يطبّب تطبيبا مستقصى، وإن لم يتوسع، فأما إذا شورك سكت وجمد واكتفى بقول المشارك له، وإن كان عنده في الباطن خلافه، وبالجملة كان من الأفراد، وممن يقدم إذا حضرت الأفاضل بالأعداد.