الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلما كان في اليوم الخامس حلّ الشداد، فوجدنا قشر الفستقة ملتصقا بلحم الرجل. فقال والدي للرجل:" بهذا القشر نجوت من الموت، فإن خلعت هذا القشر قبل انخلاعه وسقوطه من غير فعل منك، تلفت نفسك".
قال عيسى: فسقط القشر في اليوم السابع، وبقي في مكانه دم يابس في خلقة الفستقة، فنهاه والدي عن العبث به، أو حكّ ما حوله، أو حتّ شيء من ذلك الدم، فلم يزل الدم يتحاتّ حتّى انكشف موضع الفصد في أكثر من أربعين ليلة، وبرئ الرجل" «1» .
ومنهم:
58- عيسى بن حكم الدّمشقيّ المعروف بالمسيح
«13»
عرف بهذا لما ظهرت من الآثار المسيحيّة على يديه العيسوية، ونقلت العجائب إلا أنها غير النبوية، وكان من فضلاء الأطبّاء، ونبلاء ذوي الأنباء.
قال ابن أبي أصيبعة:" وهو صاحب" الكناش «2» الكبير" الذي يعرف به وينسب إليه".
قال يوسف بن إبراهيم: وحدّثني عيسى بن حكم أنه عرض لغضيض أم ولد الرشيد قولنج «1» ، فأحضرته، وأحضرت الأبح «2» ، والطبري الحاسبين. وسألت عيسى عما يرى معالجتها به؟.
قال عيسى: فأعلمتها أن القولنج قد استحكم بها استحكاما إن لم تبادره بالحقنة لم يؤمن عليها التلف.
فقالت للأبح والطبري: اختارا لي وقتا أتعالج فيه.
فقال لها الأبح: علّتك هذه ليست من العلل التي يمكن أن يؤخر لها العلاج إلى وقت يحمده المنجّمون. وأنا أرى أن تبادري بالعلاج قبل أن تعملي عملا؛ وكذلك يرى عيسى بن حكم. فسألتني، فأعلمتها أن الأبحّ قد صدقها.
فسألت الطبري عن رأيه؟.
فقال: القمر اليوم مع زحل، وهو في غد مع المشتري، وأنا أرى لك أن تؤخّري العلاج إلى مقارنة القمر مع المشتري.
فقال الأبحّ: أنا أخاف أن يصير القمر مع المشتري، وقد عمل القولنج عملا لا يحتاج معه إلى علاج. فتطيّرت من ذلك غضيض وابنتها أم محمد، وأمرتا بإخراجه من الدار، وقبلت قول الطبري. فماتت غضيض قبل موافاة القمر المشتري، فلما وافى القمر المشتري قال الأبح لأمّ محمد هذا وقت اختيار الطبري للعلاج؛ فأين العليل حتى نعالجه؟.
فزادتها رسالته غيظا عليه، ولم تزل سيّئة الرأي فيه حتى توفّيت.
قال يوسف: نزلت على عيسى بن حكم في منزله بدمشق سنة خمس وعشرين ومائتين، وبي نزلة «1» صعبة، فكان يغذوني بأغذية طيبة، ويسقيني الثلج، فكنت أنكر ذلك، وأعلمه أن تلك الأغذية مضرّة بالنزلة. [فيعتلّ عليّ] «2» بالهواء ويقول:" أنا أعلم بهواء بلدي منك، هذه الأشياء مضرة بالعراق، نافعة بالشام".
فكنت أغتذي بما يغذوني به، فلما خرجت عن البلد خرج مشيّعا لي حتى صرنا إلى الموضع المعروف بالراهب، وهو الموضع الذي فارقني فيه، فقال [لي] قد أعددت لك طعاما يحمل معك، يخالف الأطعمة التي كنت تأكلها، وأنا آمرك أن لا تشرب ماء باردا، ولا تأكل من مثل الأغذية التي كنت تأكلها في منزلي شيئا.
فلمته على ما كان يغذوني به، فقال: إنه لا يحسن بالعاقل أن يلزم قوانين الطب مع ضيفه في منزله.
قال يوسف: وتجاريت وعيسى يوما بدمشق ذكر البصل، فأفرط في ذمّه، ووسف معايبه. وكان عيسى وسلمويه بن بنان «3» يسلكان طريق الرّهبان، ولا يحمدان شيئا مما يزيد في الباه، ويذكران أن ذلك مما يتلف الأبدان، ويذهب الأنفس. فلم أستجز الاحتجاج عليه بزيادة البصل في الباه. فقلت له: قد رأيت
له في سفري هذا- أعني فيما بين سرّ من رأى ودمشق- منفعة.
فسأل عنها، فأعلمته: أني كنت أذوق الماء في بعض المناهل، فأصبته مالحا، فآكل البصل النّيء ثم أعاود شرب الماء، فأجد ملوحته قد نقصت.
وكان عيسى قليل الضحك، فاستضحك من قولي، ثم رجع إلى إظهار جزع منه، ثم قال: يعزّ عليّ أن يغلط مثلك هذا الغلط، لأنك صرت إلى أسمج نكتة في البصل، وأعيب عيب فيه، فجعلتها مدحا ثم قال: أليس متى حدث في الدماغ فساد فسدت الحواس حتى ينقص حسّ الشمّ والذوق والسمع والبصر؟.
فأعلمته أن الأمر كذلك.
فقال لي: إن خاصّيّة البصل إحداث فساد في الدماغ، فإنما قلّل حسّك بملوحة الماء ما أحدث البصل في دماغك من الفساد!.
قال يوسف: وقال لي عيسى وقد شيّعني إلى الراهب وهو آخر كلام دار بيني وبينه: أن والدي توفي وهو ابن مائة سنة وخمس سنين، لم يتشنّج له وجه، ولم ينقص من ما وجهه، لأشياء كان يفعلها، وأنا الآن مزوّد كها فاعمل بها، وهي:" لا تذق القديد، ولا تغسل يديك ورجليك عند خروجك من الحمام أبدا إلا بماء بارد أبرد ما يمكنك، والزم ذلك فإنه ينفعك".
فلزمت ما أمرني به، [من هذا الباب إلا أني ربما مصصت القطعة الصغيرة من القديد في السنة، وفي الأكثر من ذلك]«1» .