الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرج الإسكندري، وأبو الفرج ابن صغير.
وحدثني عنه غير واحد منهم شيخنا أبو الفتح اليعمري قال: كان ابن النفيس على وفور علمه بالطب وإتقانه لفروعه وأصوله قليل البصر بالعلاج، فإذا وصف لا يخرج بأحد عن مألوفه، ولا يصف دواء ما أمكنه أن يصف غذاء، ولا مركبا ما أمكنه الاستغناء بمفرد، وكان ربما وصف القمحية لمن شكا القرحة، والتطماج لمن شكا هواء، والخروب «1» والقضامة لمن شكا إسهالا، ومن هذا ومثله ولكل بما يلائم مأكله ويشاكلها، حتى قال له العطار الشرابي الذي كان يجلس عنده: إذا أردت أنك تصف مثل هذه الوصفات اقعد على دكان اللحام، وأما إذا قعدت عندي فلا تصف إلا السكّر والشراب والأدوية.
وحكى لي شيخنا أبو الثناء الحلبي الكاتب قال: شكوت إلى ابن النفيس عقالا «2» في يدي، فقال لي: وأنا والله بي عقال، فقلت له: فبأي شيء أداويه؟.
فقال لي: والله ما أعرف بأي شيء أداويه!، ثم لم يزدني على هذا.
ومنهم:
190- أحمد المغربي
«13»
شهاب الدين والد الرئيس جمال الدين إبراهيم ابن المغربي رئيس الأطباء بمصر والشام، وإليه انتهت الحشمة والاحتشام. كوكب الفضائل الطالع نيرا، والمشرق قمرا منورا.
أخذ من كل العلوم الحكمية بنصيب موفّر الأجزاء، موفّر الجناب، يعزى إليه بالاعتزاء.
قدم مصر واستوطنها، وقطع بفضله من قطنها، وكان فريدا في أنواع العلم، إلا أنه عرف بالطب أكثر من بقية ما عرف به من المعارف، وحصل من التالد والطارف «1» ، وخدم السلطان وتقدم الرهط، وتفرد في جماعة الأطباء، وأقرأ العلم وأفاد، وباشر المرضى وأحسن العلاج، وعدّل منحرف كل مزاج، وكان وافر الحظ من السلطان والأمراء والوزراء، وسائر الكبراء، وكان بصيرا بالنجامة، متقدما في علمها، وكان يتكلم فيها مع السلطان وأرباب الدولة، وحصل النعم الجمّة، والأموال الجزيلة، وخدم بنوه السلطان، وتقدموا في الخدم، وصحب ابنه جمال الدين السلطان حين همّ بالحج أيام سلطنته الثانية، فلما أقام بالكرك أقام معه، وترك أسبابه وراءه بمصر منقطعة، فرعى له السلطان حق انقطاعه، وزاد في قدر إقطاعه، وولاه الرياسة حتى تجاوز قدر الرؤساء، وقرّبه حتى كان من أخصّاء الجلساء، وكان لا يزال يفاوضه في كل حديث ويطلعه على أكثر الأمور، ورفع إليه يوما الصلاح ابن البرهان قصة يسأل فيها الإعفاء من وظيفته في الطب بالخدمة، وكنت سفيره فيه، فقال لي السلطان: هذا الصلاح أفضل من إبراهيم- يعني ابن المغربي- وما يطلب ترك الخدمة إلا لأجله، لكونه مقدّما عندنا عليه، فقل له: نحن نعرف فضيلتك وكبر قدرك، وإنك أفضل من إبراهيم وأكبر، ولكن إبراهيم له علينا حق الخدمة من وقت كنا في الكرك، وهو صاحبنا ما هو طبيب عندنا. فبلّغته الرسالة بنصّها، فسكت على مضض!.