المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌52- الحارث بن كلدة الثقفي - مسالك الأبصار في ممالك الأمصار - جـ ٩

[ابن فضل الله العمري]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء التاسع]

- ‌[تراجم الحكماء والفلاسفة]

- ‌مقدمة المحقق

- ‌[المقدمة]

- ‌[من الحكماء المشارق]

- ‌1- أما (هرمس الأول)

- ‌2- وأما (هرمس الثاني)

- ‌3- وأما (هرمس الثالث) :

- ‌4- فيثاغورس

- ‌5- سقراط

- ‌6- أفلاطون

- ‌7- أرسطوطاليس

- ‌8- يعقوب بن إسحاق الكنديّ

- ‌9- أحمد بن الطّيّب السّرخسيّ

- ‌10- كنكه الهندي

- ‌11- صنجهل الهندي

- ‌12- أبو نصر الفارابيّ

- ‌13- يحيى بن عدي

- ‌14- أبو بكر محمّد بن زكريّاء الرّازيّ

- ‌15- أبو سليمان السّجستاني

- ‌16- ابن الخمّار

- ‌17- أبو الفرج بن هندو

- ‌18- الشيخ الرئيس أبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسين بن علي بن سينا

- ‌ومن رسائله:

- ‌[وصية ابن سينا]

- ‌ومن شعر الشيخ الرئيس قاله في النفس

- ‌19- أبو الفرج عبد الله بن الطيب

- ‌20- أبو المؤيد محمد بن محمد بن المجلي الجزري، المعروف بابن الصايغ

- ‌21- ابن الخطيب الرّازيّ، ابن خطيب الرّيّ، وهو: محمّد بن عمر بن الحسين، أبو عبد الله- الإمام فخر الدّين

- ‌22- القطب المصريّ وهو: إبراهيم بن عليّ بن محمّد السّلميّ أبو إسحاق

- ‌23- عبد اللّطيف البغدادي

- ‌24- ابن الخوييّ: أحمد بن الخليل بن سعادة بن جعفر بن عيسى، الشّافعيّ، شمس الدّين، أبو العبّاس

- ‌25- الرّفيع الجيليّ: أبو حامد، عبد العزيز بن عبد الواحد ابن إسماعيل بن عبد الهادي

- ‌26- الشّهاب السّهرورديّ المقتول: يحيى بن حبش بن أميرك

- ‌27- الخسرو شاهيّ: عبد الحميد بن عيسى، بن عمّويه، بن يونس، ابن خليل شمس الدّين، أبو محمّد، التبريزيّ، الشّافعيّ

- ‌29- البديع الاصطرلابيّ: وهو بديع الزّمان أبو القاسم هبة الله بن الحسين بن أحمد البغداديّ

- ‌31- النّصير الطّوسيّ: محمد بن محمد بن الحسن، نصير الدّين، أبو عبد الله، الطّوسيّ الفيلسوف

- ‌32- القطب الشّيرازيّ: [محمود بن مسعود بن مصلح الفارسيّ

- ‌33- الشّيخ صفيّ الدّين الهنديّ: [محمد بن عبد الرّحيم بن محمد الأرمويّ، أبو عبد الله، صفي الدين

- ‌34- علي بن إسماعيل بن يوسف الإمام العلامة القدوة العارف ذو الفنون الشيخ علاء الدين قاضي القضاة شيخ الشيوخ أبو الحسن القونوي التبريزي

- ‌35- القاضي جلال الدّين القزوينيّ، أبو المعالي محمد ابن القاضي سعد الدّين أبي القاسم عبد الرّحمن بن عمر بن أحمد الشّافعيّ الدّلفيّ

- ‌37- الشّيخ شمس الدّين الأصفهانيّ، وهو: محمود بن أبي القاسم بن أحمد، أبو الثّناء

- ‌ومن فلاسفة المغاربة، وحكمائها، ومتكلميها ممن كان بالأندلس:

- ‌38- يحيى بن يحيى، أبو بكر، المعروف بابن السّمينة

- ‌41- أبو الحكم الكرمانيّ: عمرو بن عبد الرّحمن بن أحمد بن عليّ

- ‌42- ابن واقد [الوزير، أبو المطرّف عبد الرّحمن بن محمّد بن عبد الكبير بن يحيى ابن واقد بن مهنّد اللّخميّ]

- ‌43- محمد بن يوسف المنجّم

- ‌45- المبشّر بن فاتك: وهو: الأمير محمود الدّولة أبو الوفاء الآمريّ

- ‌48- محمد بن إبراهيم المتطبب صلاح الدين المعروف بابن البرهان الجرائحي

- ‌49- ابن الأكفاني: محمد بن إبراهيم بن ساعد الأنصاريّ، شمس الدّين أبو عبد الله السّنجاريّ المولد والأصل، المصري الدار

- ‌فأما أول من استخرج الطب فرجلان:

- ‌50- اسقليبيوس بن ريوس

- ‌51- أيلق

- ‌أطباء العرب ممن كانوا في أول ظهور الإسلام ومن بعدهم

- ‌52- الحارث بن كلدة الثّقفيّ

- ‌53- النّضر بن الحارث بن كلدة

- ‌54- عبد الملك بن أبجر الكنانيّ

- ‌55- ابن أثال

- ‌56- أبو الحكم

- ‌57- حكم الدّمشقيّ

- ‌58- عيسى بن حكم الدّمشقيّ المعروف بالمسيح

- ‌59- تياذوق

- ‌60- زينب طبيبة بني أود

- ‌أطبّاء السّريان الكائنين في ابتداء الدولة العباسية:

- ‌61- جورجيس بن جبريل [بن يختيشوع]

- ‌63- جبريل بن بختيشوع بن جورجيس

- ‌64- بختيشوع بن جبريل بن بختيشوع

- ‌65- جبيرائيل بن عبيد الله بن بختيشوع

- ‌66- خصيب النصراني

- ‌67- عيسى المعروف بأبي قريش

- ‌68- ابن اللجلاج

- ‌69- عبد الله الطيفوري

- ‌70- إسرائيل بن زكريا الطيفوري

- ‌71- يزيد بن [زيد] بن يوحنّا

- ‌72- عبدوس بن زيد

- ‌73- ماسرجويه «طبيب البصرة»

- ‌74- سلمويه بن بنان «متطبّب المعتصم»

- ‌75- إبراهيم بن فزارون

- ‌76- إبراهيم بن أيوب الأبرش

- ‌78- يوحنّا بن ماسويه

- ‌79- ميخائيل بن ماسويه

- ‌80- حنين بن إسحاق العبادي

- ‌81- إسحاق بن حنين بن إسحاق العبادي أبو يعقوب

- ‌82- يوحنا بن بختيشوع

- ‌83- ثابت بن قرة الحرّاني، أبو الحسن

- ‌84- سنان بن ثابت بن قرة

- ‌85- ثابت بن إبراهيم بن زهرون الحراني

- ‌86- ابن وصيف الصابئ

- ‌87- غالب «طبيب المعتضد»

- ‌88- صاعد بن بشر بن عبدوس أبو منصور

- ‌89- ديلم

- ‌90- فنّون المتطبّب

- ‌91- نظيف- القسّ الرّومي

- ‌92- ابن بطلان، أبو الحسن المختار بن عبدون بن سعدون ابن بطلان النصراني

- ‌93- أحمد بن أبي الأشعث

- ‌94- أبو سهل النيلي. وهو: سعيد بن عبد العزيز

- ‌95- ابن الواسطي «طبيب المستظهر»

- ‌96- أبو طاهر البرخشي، أحمد بن محمد بن العباس

- ‌97- أبو غالب ابن صفية

- ‌98- أمين الدولة ابن التلميذ

- ‌99- معتمد الملك أبو الفرج يحيى بن صاعد بن يحيى بن التلميذ

- ‌100- أوحد الزمان وهو أبو البركات هبة الله بن علي بن ملكا البلدي ثم البغدادي

- ‌101- أبو القاسم هبة الله بن الفضل البغدادي

- ‌102- فخر الدين المارديني

- ‌103- أبو نصر المسيحي

- ‌104- أبو الفرج ابن توما

- ‌طبقات الأطباء ببلاد العجم

- ‌105- تياذورس

- ‌106- ربن الطبري

- ‌107- علي بن سهل بن ربن الطبري أبو الحسين

- ‌108- أحمد بن محمد الطبري

- ‌109- أبو منصور: الحسن بن نوح القمريّ

- ‌110- أبو سهل عيسى بن يحيى المسيحي الجرجاني

- ‌111- السيد أبو عبد الله محمد بن [يوسف] الإيلاقي

- ‌112- أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني

- ‌113- أحمد بن عبد الرحمن بن مندويه الأصبهاني، أبو علي

- ‌114- أبو القاسم عبد الرحمن بن علي ابن أحمد بن أبي صادق النيسابوري

- ‌115- السّموأل بن يحيى بن عباس

- ‌116- الشريف شرف الدين إسماعيل

- ‌أطبّاء الهند

- ‌117- شاناق الهندي

- ‌118- منكه الهندي

- ‌119- صالح بن بهلة الهندي

- ‌أطبّاء الشّام

- ‌120- أبو الفرج جرجس بن توما بن سهل بن إبراهيم اليبرودي

- ‌121- ظافر بن جابر السكري أبو حكيم

- ‌122- أبو الحكم عبيد الله بن المظفر بن عبد الله الباهلي

- ‌123- ابنه: أبو المجد [محمد] بن أبي الحكم؛ أفضل الدولة

- ‌124- ابن البذوخ: أبو جعفر بن موسى بن علي القلعي

- ‌125- حكيم الزمان أبو الفضل عبد المنعم بن عمر بن عبد الله بن حسان الغساني الجلياني

- ‌126- المهذّب ابن النقاش

- ‌127- سكرة اليهودي الحلبي

- ‌129- ابن اللبّودي: يحيى بن محمد بن عبدان بن عبد الواحد

- ‌130- الرضي الرحبي، يوسف بن حيدرة بن الحسن أبو الحجاج

- ‌131- الشرف علي شرف الدين أبو الحسن

- ‌132- عمران [بن صدقة] الإسرائيلي

- ‌133-[موفق الدين] يعقوب بن صقلاب النصراني

- ‌134- رشيد الدين الصوري أبو المنصور ابن أبي الفضل بن علي

- ‌136- صدقة بن منجا بن صدقة السامري

- ‌137- المهذب يوسف بن أبي سعيد بن خلف السامري

- ‌138- أمين الدولة أبو الحسن بن غزال بن أبي سعيد السامري

- ‌139- المهذّب الدّخوار: أبو محمد عبد الرحيم بن علي بن حامد

- ‌140- الرشيد علي بن حليقة بن يونس بن أبي القاسم بن خليقة الأنصاري الخزرجي

- ‌141- ابن قاضي بعلبك: المظفر بن عبد الرحمن بن إبراهيم

- ‌142- العماد الدّنيسري: محمد بن العباس بن أحمد بن عبيد الربعي أبو عبد الله

- ‌143- العز السويدي: إبراهيم بن محمد الأنصاري الأوسي، عز الدين أبو إسحاق

- ‌144- موفق الدين يعقوب السامري أبو يوسف يعقوب بن غنائم

- ‌145- أبو الفرج يعقوب بن إسحاق بن القف النصراني

- ‌146- المهذب يوسف كاتب الزردكاش

- ‌147- النفيس أبو الفرج ابن إسحاق بن أبي الخير السامري

- ‌148- الأمين سليمان الحكيم وهو سليمان بن داود

- ‌149- أحمد بن شهاب الدين أبو محمد الكحال الجرائحي

- ‌150- الفتح السامري: هو ابن يوسف بن إسحاق بن مسلم

- ‌151- غنائم السامري، وهو ابن المهذب يوسف كاتب الزردكاش

- ‌فأما أطباء الغرب بما وقع في جانبه من مصر والاسكندرية

- ‌152- إسحاق بن عمران

- ‌153- إسحاق بن سليمان الإسرائيلي أبو يعقوب

- ‌154- أحمد بن إبراهيم بن أبي خالد المعروف: بابن الجزار القيرواني أبو جعفر

- ‌155- حمدون أثا

- ‌156- يحيى بن إسحاق

- ‌157- أبو داود بن جلجل: وهو سليمان بن حسان المعروف بابن جلجل الحكيم

- ‌159- الغافقي: وهو أبو جعفر أحمد بن محمد بن سند

- ‌161- أبو محمد المصري

- ‌162- أبو الصلت أمية بن عبد العزيز بن أبي الصلت الداني

- ‌163- أبو مروان عبد الملك بن محمد بن مروان بن زهر الإيادي الإشبيلي

- ‌164- أبو العلاء زهر بن عبد الملك

- ‌165- ابنه أبو مروان ابن أبي العلاء، واسمه عبد الملك

- ‌166- أبو محمد ابن الحفيد أبي بكر بن زهر

- ‌167- أبو جعفر ابن الغزال

- ‌168- أبو العباس ابن الرومية، وهو أحمد بن محمد بن مفرّج النباتي

- ‌169- ابن الأصم

- ‌أما أطباء مصر:

- ‌170- بليطيان

- ‌171- سعيد بن توفيل

- ‌172- سعيد بن البطريق

- ‌173- التميمي: وهو أبو عبد الله محمد بن سعيد التميمي

- ‌174- ابن الهيثم: وهو أبو علي محمد بن الحسن بن الهيثم البصري ثم المصري

- ‌175- علي بن رضوان

- ‌176- افرائيم [بن الزفّان] الإسرائيلي

- ‌177- سلامة بن رحمون أبو الخير

- ‌178- بلمظفر ابن معرف: وهو نصر بن محمود بن المعرّف

- ‌179- أبو عمر وعثمان بن هبة الله بن أحمد بن عقيل القيسي جمال الدين

- ‌180- ابنه الفتح [فتح الدين بن جمال الدين بن أبي الحفائر]

- ‌181- ابنه المهذب [شهاب الدين ابن فتح الدين]

- ‌182- الخونجي: محمد بن ناماور أفضل الدين أبو عبد الله

- ‌183- أبو سليمان داود بن أبي المنى ابن فانة

- ‌184- ابنه: الموفق أبو شاكر موفق الدين

- ‌185- الرشيد أبو حليقة: وهو أبو الوحش ابن الفارس ابن أبي الخير بن أبي سليمان داود ابن أبي المنى ابن فانة

- ‌186- ابنه المهذب: أبو سعيد محمد بن أبي حليقة

- ‌187- أبو سعيد بن موفق الدين يعقوب

- ‌188- ابن البيطار: عبد الله بن أحمد المالقي النباتي، ضياء الدين أبو محمد

- ‌189- علي بن أبي الحزم: علاء الدين ابن النفيس القرشي الدمشقي

- ‌190- أحمد المغربي

- ‌191- السديد الدمياطي

- ‌192- فرج الله بن صغير

- ‌193- محمد بن صغير، ناصر الدين

- ‌مصادر التحقيق

- ‌الفهرست

الفصل: ‌52- الحارث بن كلدة الثقفي

‌أطباء العرب ممن كانوا في أول ظهور الإسلام ومن بعدهم

فمنهم:

‌52- الحارث بن كلدة الثّقفيّ

«13»

طبيب العرب، وكانت له معرفة بما يحتاج إليه من مداواتها، وخبرة في طبّ أمراضها وأدواتها، أينع من نبعة البادية غصنه الفينان، وجمع إلى فصاحة العرب حكمة اليونان، ولخصت به تلك العبارات التي لا تفهم، وخلصت خلاص ابن المهلب من الأدهم.

وأخذ يعالج سكان البادية بما لا يبعد من أمزجتها، ولا يعد منه خروج عن محجّتها «1» ، بما تعهده في ديارها، وتتعهّد به ملابس غيارها.

ص: 301

وعمّر مدّة في صدر الإسلام، وسطر عدة تحفظ له من حرّ الكلام. وهو الذي تعدّه أمّة العرب سابق أطبائها، وسابق أبنائها، وكفاه شكرا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أجرى له ذكرا.

قال ابن أبي أصيبعة «1» :" كان من الطائف، وسافر في البلاد وتعلّم الطب بناحية فارس، وتمرّن هناك، وعرف الداء والدواء. وكان يضرب بالعود، تعلّمه بفارس واليمن، وبقي أيام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأدرك سلطان معاوية. وقال له معاوية: ما الطبّ؟. قال:" الأزم". يعني: الجوع.

وفي الحديث:" إن عمر- رضي الله عنه سأل الحارث بن كلدة: ما الدواء؟. قال: الأزم- يعني الحمية-.

وروي عن سعد بن أبي وقاص- رضي الله عنه أنه مرض بمكة مرضا، فعاده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال:(ادعوا له الحارث بن كلدة فإنه رجل يطبّب)«2» . فلما نظر إليه الحرث قال:" ليس عليه بأس، اتّخذوا له فريقة «3» بشيء من تمر عجوة، وحلبة «4» ، يطبخان". فتحسّاها، فبرئ.

وفد على كسرى أنوشروان، فلما وقف بين يديه قال له: من أنت؟.

قال: الحارث بن كلدة الثقفي.

قال: ما صناعتك؟.

ص: 302

قال: الطب.

قال: أعرابي أنت؟.

قال: نعم.

قال: فما تصنع العرب بطبيب مع جهلها، وضعف عقولها، وسوء أغذيتها؟.

قال: أيها الملك! إذا كانت هذه صفتها كانت أحوج إلى من يصلح جهلها، ويقيم عوجها، ويسوس أبدانها، ويعدل أمشاجها «1» ، فإن العاقل يعرف [ذلك من نفسه، ويميز] موضع دائه، ويحترز عن الأدواء [كلها بحسن سياسته لنفسه] .

قال كسرى: فكيف تعرف ما تورده عليها؟. ولو عرفت الحلم لم تنسب إلى الجهل.

قال الحارث: الطفل يناغي فيداوى، والحيّة ترقى فتحاوى، ثم قال: أيها الملك! العقل من قسم الله تعالى، قسمه بين عباده كقسمه الرزق فيهم، [فكل من قسمته أصاب، وخص بها قوم وزاد] ، فمنهم مثر ومعدم، وجاهل وعالم، وعاجز وحازم، وذلك تقدير العزيز العليم.

فأعجب كسرى من كلامه، ثم قال: فما الذي تحمد من أخلاقها، ويعجبك من مذاهبها وسجاياها «2» ؟.

قال الحارث: أيها الملك!، لها أنفس سخية، وقلوب جريّة، ولغة فصيحة،

ص: 303

وألسن بليغة، وأنساب صحيحة، وأحساب شريفة، يمرق من أفواههم الكلام مروق السهم من نبعة «1» الرام، أعذب من هواء الربيع، وألين من السلسبيل المعين، مطعمو الطعام في الجدب «2» ، وضاربو الهامّ «3» في الحرب، لا يرام عزمهم، ولا يضام «4» جارهم، ولا يستباح حريمهم، ولا يذلّ كريمهم، ولا يقرّون بفضل للأنام إلا للملك الهمام الذي لا يقاس به أحد ولا يوازيه سوقة «5» ولا ملك.

قال: فاستوى كسرى جالسا، وجرى ماء رياضة الحلم في وجهه، وقال لجلسائه: إني وجدته راجحا، ولقومه مادحا، وبفضلهم ناطقا، [وبما يورده من لفظه] صادقا، وكذلك العاقل الذي أحكمته التجارب.

ثم أمره بالجلوس، فجلس. ثم قال: كيف بصرك بالطب؟. قال: ناهيك «6» .

قال: فما أصل الطب؟.

قال: الأزم.

قال: فما الأزم؟.

ص: 304

قال: ضبط الشفتين، والرفق باليدين.

قال: أصبت. قال: فما الداء الدويّ «1» ؟.

قال: إدخال الطعام على الطعام، هو الذي يفني البريّة، ويهلك السباع في البرّيّة.

قال: أصبت.

قال: فما العلّة التي تصطلم «2» منها الأدواء؟.

قال: هي التخمة. إن بقيت في الجوف قتلت، وإن تحللت أسقمت.

قال: فما تقول في الحجامة؟.

قال: في نقصان الهلال في يوم صحو لا غيم فيه، والنفس طيبة، والعروق ساكنة، لسرور يفاجئك، وهمّ يباعدك.

قال: فما تقول في دخول الحمّام؟.

قال: لا تدخله شبعانا، ولا تغش «3» أهلك سكرانا، ولا تقم بالليل عريانا، ولا تقعد على الطعام غضبانا، وارفق بنفسك يكن أرخى لبالك، وقلّل من مطعمك يكن أهنأ لنومك.

قال: فما تقول في الدواء؟.

قال: ما لزمتك الصحة فاجتنبه، فإن هاج داء فاحسمه بما يردعه قبل استحكامه، فإن البدن بمنزلة الأرض إن أصلحتها عمرت، وإن تركتها خربت.

ص: 305

قال: فما تقول في الشراب.

قال: أطيبه أهناه، وأرقّه «1» أمرؤه «2» ، وأعذبه أشهاه، لا تشربه صرفا «3» فيورثك صداعا، ويثير عليك من الأدواء أنواعا.

قال: فأي اللّحمان «4» أفضل؟.

قال: الجداء الرضع الفتي، والقديد «5» المالح مهلك للآكل. واجتنب لحم الجزور «6» والبقر.

قال: فما تقول في الفواكه؟.

قال: كلها في إقبالها، وحين أوانها، واتركها إذا أدبرت وولّت، وانقضى زمانها. وأفضل الفاكهة الرمّان والأترج «7» ، وأفضل الرياحين الورد والبنفسج، وأفضل البقول الهندباء «8» والخس.

قال: فما تقول في شرب الماء؟.

قال: هو حياة البدن، وبه قوامه، ينفع ما شرب منه بقدر، وشربه بعد النوم

ص: 306

ضرر. لأفضله أمرؤه، وأرقّه أصفاه، ومن عظام أنهار البارد الزلال، لا يختلط بماء الآجام «1» ، والآكام، ينزل من صرادح «2» المسطان، ويتسلسل عن الرضراض «3» وعظام الحصبا في الإيفاع «4» .

قال: فما طعمه؟.

قال: لا يوصف له طعم، إلا أنه مشتق من الحياة.

قال: فما لونه؟.

قال: اشتبه على الأبصار لونه، لأنه يجلو كل لون يكون فيه.

قال: فأخبرني عن أصل الإنسان ما هو؟.

قال: أصله من حيث شرب الماء، يعني رأسه.

قال: فما هذا النور الذي في العينين؟.

قال: مركّب من ثلاثة أشياء؛ فالبياض شحم، والسواد: ماء، والنظر: ريح.

قال: فعلى كم جبلّ «5» وطبع هذا البدن؟.

قال: على أربعة طبائع؛ المرة السوداء: وهي باردة يابسة. والمرّة الصفراء: وهي حارّة يابسة. والدّم: وهو حارّ رطب. والبلغم: وهو بارد رطب.

ص: 307

قال: فلم لم يكن من طبع واحد؟.

قال: لو خلق من طبع واحد لم يأكل ولم يشرب، ولم يمرض، ولم يهلك.

قال: فمن طبيعتين، لو كان اقتصر عليهما؟.

قال: لم يجز، لأنهما ضدان يقتتلان.

قال: فمن ثلاث؟.

قال: لم يصلح!، موفقان ومخالف!. فالأربع هو الاعتدال والقيام.

قال: فأجمل لي الحارّ والبارد في أحرف جامعة.

قال: كل حلو حار، وكل حامض بارد، وكل حريف حار، وكل مرّ معتدل، وفي المرّ حارّ وبارد.

قال: فأفضل ما عولج به المرة الصفراء؟.

قال: كل بارد ليّن.

قال: فالمرّة السوداء؟.

قال: كل حارّ لين.

قال: والبلغم؟.

قال: كل حارّ يابس.

قال: والدم؟.

قال: إخراجه إذا زاد، وتطفئته إذا سخن، بالأشياء الباردة اليابسة.

قال: فالرياح؟.

قال: بالحقن اللينة، والأدهان الحارّة اللينة.

ص: 308

قال: أفتأمر بالحقنة؟.

قال: نعم. قرأت في بعض كتب الحكماء: أن الحقنة تنقي الجوف، وتكسح الأدواء عنه، والعجب لمن احتقن كيف يهرم! أو يعدم الولد!. وإن الجهل كل الجهل من أكل ما قد عرف مضرّته، ويؤثر شهوته على راحة «1» بدنه!.

قال: فما الحمية؟.

قال: الاقتصاد في كل شيء، فإن الأكل فوق المقدار يضيق على الروح ساحتها، ويسدّ مسامّها.

قال: فما تقول في النساء، وإتيانهنّ؟.

قال: كثرة غشيانهنّ رديء، وإياك وإتيان المرأة المسنّة، فإنها كالشّنّ «2» البالي، تجذب قوتك، وتسقم بدنك، ماؤها سمّ قاتل، ونفسها موت عاجل، تأخذ منك الكل، ولا تعطيك البعض، والشابّة ماؤها عذب زلال، وعناقها غنج «3» ودلال، فوها «4» بارد، وريقها عذب، وريحها طيب، وهنها ضيّق، تزيدك قوة إلى قوتك، ونشاطا إلى نشاطك.

قال: فأيهنّ القلب إليها أميل، والعين برؤيتها أسرّ؟.

قال: إذا أصبتها!!: المديدة القامة، العظيمة الهامة، واسعة الجبين، أقناة

ص: 309

العرنين»

، كحلاء، لعساء «2» ، صافية الخد، عريضة الصدر، مليحة النحر، في خدّها رقّة، وفي شفتيها لعس، مقرونة الحاجبين، ناهدة الثديين، لطيفة الخصر والقدمين، بيضاء، فرعاء «3» ، جعدة «4» ، غضّة بضّة «5» ، تخالها في الظلمة بدرا زاهرا تبسّم عن أقحوان «6» ، وعن مبسم كالأرجوان «7» ، كأنها بيضة مكنونة «8» ، ألين من الزبد، وأحلى من الشّهد، وأنزه من الفردوس والخلد، وأذكى ريحا من الياسمين والورد، تفرح بقربك، وتسرّك الخلوة معها.

قال: فاستضحك كسرى حتى اختلجت كتفاه.

قال: ففي أي الأوقات إتيانهنّ أفضل؟.

قال: عند إدبار الليل يكون الجوف أخلى، والنفس أهدأ، والقلب أشهى، والرحم أدفأ، فإن أردت الاستمتاع بها نهارا تسرح عينيك في جمال وجهها،

ص: 310

ويجتني فوك من ثمرات حسنها، ويعي سمعك من حلاوة لفظها، وتسكن الجوارح كلها إليها.

قال كسرى: لله درّك من أعرابي!، لقد أعطيت علما، وخصصت فطنة وفهما.

وأحسن صلته، وأمر بتدوين ما نطق به.

وقال الواثق بالله في كتابه المسمى:" البستان": إن الحرث بن كلدة مرّ بقوم وهم في الشمس، فقال: عليكم بالظلّ، فإن الشمس تنهج الثوب «1» ، وتنقل الريح، وتشحب اللون، وتهيّج الداء الدفين".

ومن كلام الحارث:" البطنة بيت الداء، والحمية رأس الدواء، وعوّدوا كل جسد بما اعتاد". وقيل: هو من كلام عبد الملك بن أبجر. وقد نسب قوم هذا الكلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوله: (المعدة بيت الداء)«2» وهو أبلغ من لفظ

ص: 311

" البطنة".

وروي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب- رضي الله عنه وكرّم وجهه- قال:" من أراد البقاء- ولا بقاء- فليجوّد الغذاء، وليأكل على نقاء «1» ، وليشرب على ظماء، وليقلّ من شرب الماء، ويتمدّد بعد الغداء، ويتمشّى بعد العشاء، ولا يبيت حتى يعرض نفسه على الخلاء، ودخول الحمّام على البطنة من شرّ الداء، ودخلة إلى الحمّام في الصيف خير من عشرة في الشتاء، وأكل القديد اليابس في الليل معين على الفناء، ومجامعة العجوز تهدم أعمار الأحياء".

وروى حرب بن محمد قال: حدثنا أبي، قال: قال لي الحارث بن كلدة:" أربعة اشياء تهدم البدن: الغشيان على البطنة، ودخول الحمّام على الامتلاء، وأكل القديد، ومجامعة العجوز".

وروى داود بن رشيد عن عمرو بن عوف قال: لما احتضر الحارث بن كلدة اجتمع إليه الناس فقالوا له: مرنا بأمر ننتهي إليه من بعدك. فقال:" لا تتزوجوا من النساء إلا شابّة، ولا تأكلوا الفاكهة إلا في أوان نضوجها، ولا يتعالجنّ

ص: 312

أحدكم ما احتمل بدنه الداء، وعليكم بالنّورة «1» في كل شهر؛ فإنها مذهبة للبلغم، مهلكة للمرّة، منبتة للّحم، وإذا تغدى أحدكم فلينم على أثر غدائه، وإذا تعشّى فليخط أربعين خطوة.

ومن كلام الحارث أيضا:" دافع بالدواء ما وجدت مدفعا، ولا تشربه إلا من ضرورة، فإنه لا يصلح شيئا إلا أفسد مثله".

وقال سليمان بن جلجل: أخبرنا الحسن بن الحسين الأزدي، قال: أخبرنا محمد بن سعيد الأموي، عن عبد الملك بن عمير قال:" كان أخوان من ثقيف من بني كنّه، يتحابّان، لم ير قط أحسن ألفة منهما، فخرج الأكبر إلى سفر فأوصى الأصغر بامرأته، فوقعت عينه عليها يوما، ولم يتعمّد لرؤيتها، فهويها، وضني، وقدم أخوه فجاءه بالأطباء، فلم يعرفوا ما به. إلى أن جاءه بالحارث بن كلدة، فقال: أرى عينين محتجبتين، وما أدري ما هذا الوجع؟ وسأجرب، فاسقوه نبيذا.

فلما عمل «2» النبيذ فيه قال: [الهزج]

ألا رفقا ألا رفقا

قليلا ما أكوننّه

ألمّا «3» بي إلى الأبيا

ت بالخيف أزرهنّه

غزالا ما رأيت اليو

م في دور بني كنّه

أسيل «4» الخدّ مربوب

وفي منطقه غنّه «5»

ص: 313