الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنهم:
71- يزيد بن [زيد] بن يوحنّا
«13»
ابن أبي خالد.
كان لا يخطئ له صواب، ولا يبطئ به جواب، وكان في طبه [جدّ المأمون، خدم به
…
] «1» ابن المهدي والمأمون، لأنه كان لا يتهم، ولا تسري وتدلج إليه التهم، لعلم يقين منه عقد عليه الأنامل، وأقعد لديه كل آمل.
قال ابن أبي أصيبعة:" كان جيد العلم، حسن المعالجة، موصوفا بالفضل، خدم المأمون وابن المهدي، وكان له منه العناية الظاهرة، وله عليه الجامكية «2» الوافرة".
قال ابن المهدي: إن أبا عثمان ثمامة العبسي صاحب الجبار اعتلّ علة تطاولت به، وكان شيخا كبيرا.
قال ابن المهدي: فسألني الرشيد عن علته، وأين بلغت به؟. فأعلمته، أني لا أعلم له خبرا، فأظهر إنكار القول، ثم قال: رجل غريب من أهل الشرف قد رغب في مصاهرة أهله عبد الملك بن مروان، وقد ولدت أخته خليفتين: الوليد، وسليمان ابني عبد الملك. وقد رغب أبوك في مصاهرته، فتزوّج أخته، ورغبت أنا وأخوك في مثل ذلك منه فتزوجت ابنته، وهو مع ذلك صحابي لجدّك وأبيك، ولأختك وأخيك، فلا توجب على نفسك عيادته؟.
ثم أمرني بالمصير إليه لعيادته، فنهضت، وأخذت معي متطبّبي يزيد، وصرت إليه، فدخلت على رجل توهّمت أنه في آخر حشاشة «1» بقيت في نفسه، ولم أر فيه للمسألة موعا، فأمر يزيد متطبّبي بإحضار متطبّبه. فحضر.
فسأله عن حاله؟. فأخبر أنه يقوم في اليوم والليلة مائة مجلس.
وأقبل يزيد يسأل المتطبّب عن باب باب من الأدوية التي تشرب، والسفوفات «2» ، والحقن؟.
فلم يذكر لذلك المتطبّب شيئا إلا أعلمه أنه قد عالجه به، فلم ينجع فيه، فوجم «3» عند ذلك يزيد مقدار ساعة، وقال: قد بقي شيء واحد أن أعمل به، رجوت أن ينتفع به، وإن لم ينجع فلا علاج له.
قال أبو إسحاق: فرأيت ثمامة قد قويت نفسه عند ما سمع من يزيد ما سمع، ثم قال: وما ذلك الشيء الذي بقي- متعت بك «4» -؟.
قال: شربة" الاصطمخيقون"«5» .
فقال ثمامة: أحبّ أن أرى هذه الشربة حتى أشمّ رائحتها.
فأخرج يزيد من كمّه منديلا فيه أدوية، وفيه شربة" أصطمخيقون" فأمر بها
ثمامة فحلّت، ثم أتي بها فرمى بها في فيه، وابتلعها، فوالله ما وصلت إلى جوفه حتى سمعت منه أصواتا لم أشك في أني لم أبلغ باب داره إلا وقد مات!.
فنهضت ومتطبّبي معي، وما أعقل غما. وأمرت خادما لي يكون يحمل معي الاسطرلاب إذا ركبت بالمقام في داره، وتعرّف خبر ما كان يكون منه، فتخلّف. فوافاني كتاب الخادم بعد الزوال يعلمني أنه قام بعد طلوع الشمس إلى زوالها خمسين مرة.
فقلت: تلفت والله نفس ثمامة. ثم وافى كتاب الخادم بعد غروب الشمس أنه قام منذ زوال الشمس إلى غروبها عشرين مجلسا. ثم صار إليّ الغلام مع طلوع الشمس فذكر أنه لم يكن منه منذ غروب الشمس إلى انتصاف الليل إلا ثلاثة مجالس!، ولم يكن منه إلى وقت طلوع الفجر شيء.
فركبت إليه بعد أن صليت الغداة، فوجدته نائما، وكان لا ينام، فانتبه لي، وسألته عن خبره؟.
فأخبرني أنه لم يزل في وجع من جوفه مانع له من النوم والقرار منذ أكثر من أربعين ليلة، حتى أخذ تلك الشربة، فلما انقطع فعل الشربة انقطع عنه ذلك الوجع، وأنه لم يشته طعاما منذ ذلك الوقت، وأنه ما يصبر في وقته من غلبة الجوع عليه، وسأل الإذن في الأكل. فأذن له يزيد في أكل" اسفيذاج"«1» قد طبخ في فروج كسكري سمين، ثم إتباعها" زيرباجة"«2» ، ففعل ذلك.
وصرت إلى الرشيد فأخبرته بما كان من أمر ثمامة!. فأحضر المتطبّب، وقال له: ويحك! كيف أقدمت على إسقائه حب الاصطمخيقون؟.
فقال: يا أمير المؤمنين! هذا رجل كان في جوفه [كيموس «1» فاسد، فلم يكن يدخل في جوفه]«2» دواء ولا غذاء إلا أفسده الكيموس، وكان كلما فسد من تلك الأدوية والأغذية صار مادة لذلك الفساد، فكانت العلة لهذا السبب تزداد. فعلمت أنه لا علاج له إلا بدواء قوي على فعل الكيموس. وكانت أقوى الأشياء التي يمكن أن يسقاها:" الاصطمخيقون". فقلت له فيه الذي قلت، ولم أقدم أيضا على القول إنه يبرئه لا محالة. وإنما قلت: بقي شيء واحد، فإن هو لم ينفعه فلا علاج له. وإنما قلت ذلك لأني رأيت الرجل عليلا قد أضعفته العلة، وأذهبت أكثر قواه، فلم آمن عليه التلف إن شربه، وكنت أرجو له العافية بشربه إياه، وكنت أعلم أنه إن لم يشربه أيضا تلف.
فاستحسن الرشيد ما كان من قوله، ووصله بعشرة آلاف درهم، ثم عاد الرشيد ثمامة، وقال: لقد أقدمت من شرب ذلك الدواء على أمر عظيم، وخاصة إذا كان المتطبّب لم يصرّح لك بأن في شربه العافية.
فقال ثمامة: يا أمير المؤمنين! كنت قد يئست من نفسي، وسمعت المتطبّب يقول: إن شربت هذا الدواء رجوت أن ينفعه، فاخترت المقام على الرجاء ولو لحظة على اليأس من الحياة، فشربته، وكان في ذلك خيرة من الله عظيمة «3» .